البطاريات الذكية تقود الشاحنات نحو مستقبل نظيف

5 دقيقة
البطاريات الذكية تقود الشاحنات نحو مستقبل نظيف
مصدر الصورة: رينج إينرجي

تنقل الشاحنات النصفية أكثر من 11 مليار طن من البضائع في الولايات المتحدة كل عام، وتطلق انبعاثات غازات الدفيئة وغيرها من المواد الملوثة على الطرق السريعة في أثناء سيرها.

وتحويل هذه الشاحنات وغيرها من الشاحنات الثقيلة إلى مركبات تعتمد على تكنولوجيات خالية من الانبعاثات، يمثل تحدياً صعباً، وهو أصعب حتى مما ينبغي فعله في حالة المركبات الأصغر، نظراً لأنه كلما زاد حجم المركبة، زاد حجم البطارية اللازمة لتشغيلها، وزادت قدرة الشواحن اللازمة أيضاً. تعتقد إحدى الشركات إن مفتاح التقدم يكمن خلف الشاحنات القاطرة، وتحديداً داخل مقطوراتها.

اقرأ أيضاً: ما هي شبكات استبدال البطاريات؟ وكيف تمنع الانقطاعات المفاجئة للكهرباء؟

البطاريات المدمجة في المقطورات: كيف ستعزز كفاءة الشاحنات وتقلل التلوث؟

تعمل شركة رينج إينرجي (Range Energy) على بناء مقطورات تعمل بالبطاريات، بحيث تساعد على تحريك وزنها بنفسها. وتقول الشركة إن إضافة البطاريات إلى المقطورات يمكن أن تحدث تخفيضاً ملحوظاً في الانبعاثات، حتى مع مواصلة استخدام المركبات الحالية العاملة بالديزل. يمكن استخدام هذه المقطورات مع تكنولوجيات خالية من الانبعاثات، مثل الشاحنات التي تعمل بالهيدروجين أو البطاريات، لزيادة المدى الذي تقطعه وفاعليتها في السير على الطرق.

ففي حين تظهر موجة متنامية من الابتكارات في مجال النقل بالشاحنات الخالية من الانبعثات، فإن عدداً قليلاً من الشركات فكر في إمكانية الاعتماد على المقطورات، كما يقول مؤسس رينج إينرجي ورئيسها التنفيذي، علي جافيدان. يقول جافيدان: "من الناحية الجوهرية، ما زالت مجرد صندوق غبي يسير على عجلات".

تأسست رينج إينرجي في 2021، وتسعى إلى زيادة ذكاء المقطورات، من خلال إضافة بطاريات ومحرك. تتضمن أحدث نسخة من منتج الشركة مجموعة بطاريات بقدرة تتراوح بين 200 و300 كيلو واط ساعي. وهذا أكثر مما قد نجده في سيارة ركاب كهربائية، فمجموعات البطاريات في السيارات الرياضية المتعددة الأغراض والشاحنات الصغيرة يمكن أن تصل قدرتها إلى 100 كيلو واط ساعي. غير أن هذا أقل بكثير من البطاريات المطلوبة لعمل شاحنة نصفية كهربائية بالكامل، حيث تبلغ قدرتها حالياً ما يقارب 800 كيلو واط ساعي أو أكثر.

في مقطورات رينج، ترتبط مجموعة البطاريات والأنظمة التي تديرها بمحور كهربائي في الجهة الخلفية، وذلك لتوفير الطاقة والمساعدة على تحريك المقطورة. النظام بأكمله متصل بالشاحنة عبر محور الارتكاز المركزي، أو وصلة القَطر، التي تساعد على استشعار حركة الشاحنة ويتحكم في استجابة المقطورة. ليس الهدف من هذا النظام تحريك المقطورة من الخلف، على حد قول جافيدان، بل جعل المقطورة تبدو كأنها عديمة الوزن بالنسبة إلى الشاحنة التي تجرها.

تؤدي إضافة مقطورة كهربائية إلى شاحنة تعمل بالديزل إلى تحويل المركبة بأكملها إلى ما يشبه مركبة هجينة. ويمكن أن تؤدي النتيجة إلى تحسين انبعاثات غازات الدفيئة وغيرها من الملوثات، مثل انبعاثات أوكسيد النيتروجين (NOx)، كما يقول جافيدان.

اختبرت الشركة نسخة سابقة من مقطورتها باستخدام بطارية أصغر بقدرة 100 كيلو واط ساعي، وذلك على مسار يجمع بين طريق سريعة مستوية، وطريق ذات ظروف تفرض حركة مرورية متقطعة ضمن المدينة. تمكنت المقطورة من تحسين استهلاك الوقود على المسار بأكمله بنسبة 36% تقريباً. وهو ما يعني تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة الربع تقريباً.

من المفترض أن تتيح مقطورات رينج الجديدة المزودة ببطاريات أكبر، تحسين استهلاك الوقود بنسبة أكبر حتى، وفي ظروف معينة، يمكن أن تضاعف فاعلية استهلاك الوقود، وتخفض الانبعاثات بنسبة تصل إلى النصف، على حد قول جافيدان.

وعلى حين تمثل الشاحنات النصفية نسبة 5% تقريباً من المركبات التي تسير على الطرق، فإنها مسؤولة عن نحو ربع انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن وسائل النقل. يمثل العثور على خيارات تساعد على إزالة الانبعاثات الناجمة عن الشاحنات الثقيلة جزءاً رئيسياً من عملية "تنظيف" قطاع النقل، مع التأكد من حصولنا على المنتجات التي نحتاج إليها ونستخدمها يومياً.

أيضاً، يمكن أن تؤدي مقطورات رينج إلى تحسن كبير في انبعاثات ملوثات أوكسيد النيتروجين، التي تضر بصحة البشر. في الواقع، يمكن لهذه الانبعاثات أن تتسبب بآثار واضحة، نظراً لأن انبعاثات أوكسيد النيتروجين عادة ما ترتفع خلال ظروف تشغيل معينة، مثل تغير سرعة دوران المحرك عند تغيير السرعة على ناقل التروس. مقطورات رينج قادرة على زيادة مساهمتها عندما تشتد الحاجة إليها، ولهذا فإن الطرازات الأحدث منها يمكن أن تخفض انبعاثات أوكسيد النيتروجين بنسبة تصل إلى 70%، على حد قول جافيدان.

اقرأ أيضاً: لماذا لا نشاهد سيارات تعمل بالطاقة الشمسية على الطرقات؟

ما التحديات التي قد تواجه هذه المقطورات؟

قد تواجه المقطورات التي تعمل بالبطاريات، عند سيرها على الطرق، بعض التحديات ذاتها التي تواجه الشاحنات التي تعمل بالكهرباء بالكامل.

ففي الولايات المتحدة، لا يمكن أن يزيد وزن الشاحنة على 36.3 طناً تقريباً. تحظى المركبات الآلية ذات الانبعاثات المعدومة بمجال تسامح صغير يبلغ نحو 907 كيلوغرامات إضافية، لكن الشاحنات التي تعمل بالبطاريات يمكن أن تكون أثقل من قريناتها التي تعمل بالديزل بما يزيد على 2.2 طن. هذه مشكلة كبيرة بالنسبة إلى مشغّلي هذه الشاحنات، نظراً لأن الأوزان التي يستطيعون نقلها يجب أن تتوافق مع هذه القيود.

غير أن الكثير من الحمولات يصل إلى حدود الحجم الذي يمكن نقله بالمقطورة قبل أن يصل إلى الحدود المسموح بها للوزن. هذه الظاهرة في قطاع النقل بالشاحنات معروفة باسم "نفاد الحجم" (cubing out)، وهي شائعة عند نقل الطرود. على سبيل المثال، يمكنك أن تتذكر آخر طرد طلبته من شركة أمازون، فإذا كان صندوقاً في داخله قطعة أو قطعتان فقط مع حيز كبير متبق من الفراغ، فسوف تفهم الفكرة. يقول جافيدان إن هذه هي الحمولات التي من المرجح أن تكون مقطورات رينج الأكثر فائدة عند نقلها في البداية.

من المخاوف الأخرى، أن المقطورات الكهربائية ستعتمد على البنية التحتية الحالية نفسها المخصصة للشحن التي تعجز عن تغطية احتياجات الشاحنات اليوم، على حد قول الباحثة في معهد الموارد العالمية، ستيفاني لاي.

قد تستغرق عملية شحن الشاحنات الكبيرة ساعات عدة، حتى باستخدام أسرع أنواع أجهزة الشحن المتوفرة حالياً، وهذا يمثّل مشكلة بالنسبة إلى السائقين الذين غالباً ما يواجهون ضغوطاً لإنجاز عمليات التوصيل بسرعة. كما أن تركيب المزيد من أجهزة الشحن القوية يمكن أن يتطلب مستوى عالياً من التخطيط والاستثمار من شركات الخدمات العامة.

غير أن المقطورات عادة ما تمضي وقتاً أطول وهي متوقفة عن العمل بالمقارنة مع الشاحنات القاطرة التي تجرها، لأن الكثير من الشركات تمتلك من المقطورات أكثر مما تمتلكه من الشاحنات. إضافة إلى هذا، فإن شحن بطارية قدرتها 200 كيلو واط ساعي قد يستغرق أقل من ساعة واحدة عند استخدام أحد أجهزة الشحن السريعة المتوفرة حالياً، ولهذا قد تكون المشكلة أسهل مما هي في حالة الشاحنات التي تعتمد بالكامل على الكهرباء.

تجري رينج إينرجي اختبارات أولية باستخدام إحدى أحدث مقطوراتها في كاليفورنيا، وستطلق مقطورات عديدة أخرى هذا العام، على حد قول جافيدان. بعد ذلك، تخطط الشركة للبدء ببناء الدفعة المقبلة من المقطورات، التي ستبدأ بتسليمها إلى العملاء خلال الأشهر الأولى من عام 2025.

اقرأ أيضاً: باحثون يطوّرون راداراً ذكياً يستشعر الحالة الصحية لسائقي المركبات

ماذا عن تكلفة هذه المقطورات الذكية؟

رفض جافيدان أن يفصح عن الثمن الذي تتقاضاه الشركة لقاء كل مقطورة من مقطوراتها، لكنه يقول إن الاستثمار المدفوع مقدماً في مقطورة يمكن أن يغطي تكاليفها من خلال وفورات الوقود على مدى 5 أو 6 سنوات فقط وسطياً. وإذا سارت المقطورات مسافات أطول، أو في الأماكن التي تكون فيها تكلفة الشحن زهيدة أو تكلفة الوقود باهظة، فقد يكون ذلك المردود أسرع، وهذا ناحية جذابة محتملة على وجه الخصوص بالنسبة إلى الشركات التي لديها أساطيل كبيرة من الشاحنات.

ومع ذلك، فإن إقناع مشغّلي أساطيل الشاحنات بالتكنولوجيات الجديدة قد يمثل تحدياً، وسيكون أمراً حاسماً في تحسين النتائج المناخية التي يسجلها قطاع النقل بالشاحنات، على حد قول مدير النقل في شركة كلين إير تاسك فورس (Clean Air Task Force)، توماس ووكر.

ويكمل قائلاً: "إنها مشكلة متعددة الأجزاء، فهي لا تقتصر على المركبة الآلية فقط، ولا تقتصر على الشبكة الكهربائية فقط، بل تضم هذه العناصر جميعاً".