فيسبوك تمطر مرضى السرطان بإعلانات عن علاجات غير مثبتة

7 دقائق
فيسبوك تمطر مرضى السرطان بإعلانات عن علاجات غير مثبتة
MS TECH | GETTY, ENVATO
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عند قراءة هذه الإعلانات، تبدو كعرض للخلاص: السرطان يقتل الكثير من الناس. ولكن الأمل موجود في أباتون، وهو مزيج مبتكر مبني على الفيتامين سي (C)، ويعمل على “قتل السرطان”. أما هذه المادة، وهي علاج غير مثبت ولا تدعمه الإدارة الأميركية للغذاء والدواء (FDA)، فهي غير متوافرة في الولايات المتحدة. وبالتالي، يجب أن تسافر إلى عيادة في المكسيك إذا أردت الحصول على أباتون، كما يقول الإعلان.

إذا كنت موجوداً على منصة فيسبوك (Facebook) أو إنستغرام (Instagram)، واكتشفت شركة ميتا (Meta) أنك مهتم بعلاجات السرطان، فمن المحتمل أنك قد رأيت هذا الإعلان، أو أحد الإعلانات الأخرى التي يبلغ عددها 20 إعلاناً تقريباً، والتي تصدر عن مستشفى تشيبسا (CHIPSA) في المكسيك قرب الحدود الأميركية، وجميع هذه الإعلانات مدرجة علناً في قائمة مكتبة الإعلانات لشركة ميتا. وتمثل هذه الإعلانات جزءاً من نمط من الإعلانات التي تطلق ادعاءات صحية مضللة أو خاطئة على فيسبوك، والموجهة إلى مرضى السرطان.

ادعاءات صحية مضللة

تشير الأدلة من مستخدمي فيسبوك وإنستغرام، والأبحاث الطبية، إضافة إلى مكتبة الإعلانات، إلى أن ميتا تعج بالإعلانات التي تتضمن ادعاءات صحية مبهرة، وتستفيد منها الشركة بصورة مباشرة. وقد تبقى هذه الإعلانات المضللة من دون أي تدقيق أو مساءلة عدة أشهر، أو حتى عدة سنوات. وتروج بعض الإعلانات التي شاهدتها إم آي تي تكنولوجي ريفيو لعلاجات أثبتت في بعض الحالات أنها تتسبب بأذيات جسدية حادة. كما كانت إعلانات أخرى تدعو المرضى إلى استخدام علاجات باهظة للغاية بنتائج مريبة. 

يمثل اسم تشيبسا اختصاراً بالإنجليزية لعبارة (Centro Hospitalario Internacional del Pacifico, S.A,)، أي المستشفى الدولي المركزي في منطقة المحيط الهادي، وقد تم تأسيسه عام 1979، ويشير إلى نفسه على أنه مستشفى محلي يقدم علاجات بديلة للسرطان. أما على فيسبوك، تصف المنشأة نفسها بأنها تعمل على أبحاث السرطان “الأحدث والأكثر تطوراً”. ولكن العلاج الأساسي للمستشفى، والقائم على الحمية الغذائية تحت اسم بروتوكول غيرسون (Gerson Protocol)، “محض هراء” كما يقول أخصائي الأورام الجراحي في مستشفى جامعة واين الحكومية في ميشيغان والمحرر الأساسي لموقع ساينس بيسد ميديسن (Science-Based Medicine)، ديفيد غورسكي. تم تطوير هذا النظام الغذائي في العشرينيات من قبل طبيب ألماني لمعالجة الشقيقة، ويتألف من حمية خاصة إضافة إلى عمليات “إزالة سموم” متكررة. وقد تم دحض هذا النظام الغذائي منذ عدة عقود في الأوساط الطبية.

ولم يستجب تشيبسا لعدة طلبات متكررة للإدلاء بتعليق، سواء عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني.

اقرأ أيضاً: تجربة أميركية جديدة تُثبت أمان استخدام تقنية كريسبر في علاج السرطان

نبهت إم آي تي تكنولوجي ريفيو ميتا إلى خمسة من إعلانات تشيبسا، إضافة إلى ثلاثة إعلانات من عيادة دولية أخرى باسم فيريتا لايف (Vertia Life). واستجابة لهذا، قال ناطق باسم ميتا، مارك رانيبيرغر، إن الشركة أزالت “عدة إعلانات بسبب انتهاكها لسياستنا المتعلقة بالادعاءات المضللة، والتي تمنع الإعلان عن علاجات للأمراض المستعصية“.  

وعندما طلبنا تفاصيل إضافية عن الإعلانات المزالة، قال رانيبيرغر إن الشركة حظرت إعلانين، وهما الإعلان الذي يزعم أن أباتون “يقتل” السرطان، وإعلان آخر يذكر “تراجع الثقة المتواصل” بأنظمة الرعاية الصحية الأميركية مع الإعلان عن علاجات حصرية للسرطان. ومن الجدير بالذكر أنه يوجد إعلان يحتوي على نص مطابق لما ورد في الإعلان الثاني ولكن بصورة مختلفة، وما زال موجوداً حتى الآن. 

يقول طالب الطب الأسترالي، والمصاب بدرجة حادة من اللوكيميا النخاعية، نيكيل أوتار: “يتعرض مرضى السرطان الحاليون والسابقون في الولايات المتحدة إلى وابل من هذه الإعلانات عن العلاجات البديلة طوال الوقت”. بدأ أوتار برؤية إعلانات عن مراكز علاج السرطان على فيسبوك في 2019، مع إطلاق فيسبوك وغيرها من المنصات لسياسات جديدة مصممة للحد من تأثير المعلومات المزيفة المتعلقة بالصحة.

سياسة مكافحة الإعلانات المضللة

في السنوات القليلة الماضية، زادت فيسبوك إلى درجة كبيرة من الجهود الرامية إلى إيقاف انتشار الادعاءات الصحية المبهرة والمزيفة. فبعد سلسلة من حالات التفشي المحلية لمرض الحصبة في الولايات المتحدة في 2019، أعلنت منصة فيسبوك أنها ستبدأ معاملة الادعاءات الصحية المزيفة معاملة الرسائل المزعجة، بحيث تخفف من ظهورها على الصفحات الرئيسية، وتحد من إمكانية رؤية مجموعات فيسبوك الخاصة التي تروج للعلاجات المريبة. وعندما بدأ انتشار وباء كوفيد-19، أطلقت الشركة المزيد من الجهود الشاملة الرامية إلى الحد من هذه الادعاءات أو إزالتها عن منصتها، مثل نظريات المؤامرة حول الفيروس والكمامات وانتشار اللقاحات. 

اقرأ أيضاً: خوارزمية فيسبوك للإعلانات تميز بين المستخدمين على أساس الجنس والعرق

وتقول الزميلة في مرحلة ما بعد الدكتوراه في مركز تثقيف العامة في جامعة واشنطن، ريتشل موران، إن هذه المحاولات لمكافحة عروض العلاجات الإعجازية والنصائح الطبية المريبة كانت خطوة جيدة في الاتجاه الصحيح. وعلى الرغم من هذا، ما زالت الكثير من الإعلانات قادرة على التملص من قبضة الرقابة.

ويتضمن أحد الإعلانات من عيادة فيريتا لايف في بانكوك في تايلاند، وهو إعلان موجه إلى الأستراليين مثل أوتار (Autar)، مزاعم كاذبة بأنها تقدم علاجاً يعتمد على التبريد الشديد ويستطيع “قتل الخلايا السرطانية”. وعندما أخذ أوتار لقطة شاشة لهذا الإعلان في صفحته الرئيسية في أغسطس/ آب من العام 2020، كان الإعلان قد حقق أكثر من 1,000 إعجاب و600 مشاركة.  

فيسبوك تمطر مرضى السرطان بإعلانات عن علاجات غير مثبتة
إعلان قام نيكيل أوتار بأخذ لقطة شاشة له في 12 أغسطس/ آب، 2020.

وقد قام أوتار بالتبليغ عن الإعلانات التي رآها إلى فيسبوك باستخدام الأنظمة الموجودة ضمن المنصة، ولكنها بقيت موجودة. وقد وصل به الأمر إلى استخدام علاقاته ضمن وادي السيليكون في محاولة لإبلاغ إدارة فيسبوك بشكل مباشر عن الإعلانات. وبعد ذلك، توقفت إعلانات العيادة عن الظهور في مكتبة الإعلانات وفي صفحته الرئيسية الخاصة، ولكنها عادت بعد عدة أشهر. 

ووفقاً لمكتبة الإعلانات، كان هناك عدة إعلانات لتشيبسا وفيريتا لايف على فيسبوك وإنستغرام قبل أن تبدأ إم آي تي تكنولوجي ريفيو بالتقصي عنها. وقد تمكنت فيريتا لايف من نشر إعلان حديث في 18 يونيو/ حزيران، 2022، للترويج لشهادة مريض بسرطان البروستات. وقامت إم آي تي تكنولوجي ريفيو بالتبليغ عن هذا الإعلان، إضافة إلى إعلانين آخرين يروجان لنفس الشهادة. وما زالت الإعلانات الثلاثة موجودة.

تدقق ميتا الإعلانات الجديدة عبر عملية مؤتمتة في أغلب مراحلها قبل نشرها. وتلحظ الشركة أن الإعلانات والمنشورات من صفحة تشيبسا على فيسبوك وحساب تشيبسا على إنستغرام يمكن الإبلاغ عنها وتدقيقها من قبل مختصي تدقيق خارجيين. وتقول ميتا إنه إذا قامت شركة ما بانتهاك سياسات ميتا بشكل متكرر، فسوف تقوم ميتا بتعليق قدرة تلك الشركة على نشر الإعلانات. 

فيسبوك تمطر مرضى السرطان بإعلانات عن علاجات غير مثبتة
ما زال هذا الإعلان نشطاً، وذلك وفقاً لمكتبة إعلانات ميتا (إم آي تي تكنولوجي ريفيو)

وعلى حين أن ميتا وضعت قواعد للادعاءات المضللة في الإعلانات، على سبيل المثال، فإن جميع إعلانات فيسبوك وإنستغرام يجب أيضاً أن تخضع لإرشادات مجتمع ميتا. وتحظر هذه القوانين نشر أي محتوى “يروج أو يدعم العلاجات الإعجازية المؤذية للمشكلات الصحية” عندما تساهم هذه الادعاءات في التعرض لإصابات خطيرة أو للموت دون أي فائدة صحية مثبتة. 

ويمكن لهذا القوانين، حتى عند تطبيقها بسرعة وحزم، أن تترك منطقة مناورة كبيرة تسمح بتمرير الادعاءات المبهرة، كما يقول غورسكي، لأن “الكثير من الأشياء المستخدمة في النصب يمكن أن تحمل فوائد صحية مثبتة”. وعلى سبيل المثال، كما يقول، “يوجد للفيتامين سي فوائد صحية مثبتة بشكل بديهي، ولكنه ببساطة لا يشفي السرطان”. 

إذن، ماذا عن أباتون، العلاج الذي يعلن عنه تشيبسا؟ تشير الأبحاث قبل السريرية إلى وجود درجة من التأثير المضاد للسرطان، ولكن “لم يثبت أنه أكثر فائدة من العلاجات المعتمدة حالياً للبشر”، كما يقول باحث السرطان والذي يدرس المعلومات المزيفة في جامعة يوتاه، سكايلر جونسون.

اقرأ أيضاً: هل تزدهر فيسبوك بالعنف والتحريض عليه؟

لا تكمن الخطورة فقط في كون العلاجات غير مثبتة أو غير فعالة. بل إن بعض العلاجات البديلة للسرطان، والتي تروج لها الإعلانات على المنصة، يمكن أن تتسبب بأذى جسدي. فسموم كولي (Coley) (أو لقاحات كولي)، وهي علاج تم تطويره في أواخر القرن التاسع عشر، ويقدمه تشيبسا، تنطوي على العديد من المخاطر، بما فيها الالتهاب، وتفاعلات موقع تطبيق العلاج، وفرط الحساسية، والصدمة في بعض الحالات الشديدة، كما يقول جونسون. 

يمكن للعلاجات غير المثبتة أن تتفاعل بشكل سيئ مع العلاجات التقليدية، مثل العلاج الكيميائي، في حال قرر المريض اللجوء إلى علاج بديل بنفسه. إضافة إلى ذلك، فإن مجرد تأخير البدء باستخدام العلاجات المثبتة بسبب تفضيل علاجات أخرى غير مثبتة عليها يمكن أن يسمح للسرطان بالانتشار، ما يمكن أن يعقد العلاجات ويخفف من تأثيرها لاحقاً. 

 

وقد بينت أبحاث جونسون أن معدل النجاة ينخفض لدى المرضى الذين يلجؤون أولاً إلى علاجات السرطان غير المثبتة. وفي دراسة تعود إلى العام 2017، وجد بعد مرور خمس سنوات زيادة بمقدار خمسة أضعاف في احتمال الوفاة لدى مرضى سرطان الثدي الذين أخروا العلاج التقليدي لتجريب علاجات الطب البديل. 

إضافة إلى ذلك، توجد أعباء مادية، لأن العيادات مثل تشيبسا غير مغطاة بشركات التأمين بشكل عام، ما يجبر المرضى في أغلب الأحيان على جمع المال لدفع تكاليف العلاج. وقد تضمنت حملة حديثة على منصة غوفاندمي (GoFundMe) لأحد مرضى السرطان الذي يحاول الحصول على علاج في تشيبسا لقطة شاشة لفاتورة تتضمن “المبلغ الأساسي” الذي يجب أن يدفعه. وتبلغ التكلفة 36,500 دولار لقاء ثلاثة أسابيع من العناية في المستشفى في المكسيك. وستزداد هذه التكلفة ما إن يقرر المستشفى خطة العلاج.   

أنفق مستشفى تشيبسا 5,000 دولار تقريباً منذ منتصف العام 2018 على الإعلانات على ميتا حول المسائل الاجتماعية والسياسية والانتخابات، وذلك وفقاً للمعلومات المتاحة في مكتبة الإعلانات في ميتا، قبل إزالة اثنين من إعلاناته. ولم يستجب تشيبسا لطلبنا للحصول على المزيد من التفاصيل حول إنفاقه على الإعلانات أو تكاليف العلاجات التي يقدمها.

وقد عبر غورسكي دون مواربة عن وجهة نظره حول فعالية إجراءات فيسبوك في التعامل مع المعلومات المزيفة حول السرطان: “إن الطريقة الوحيدة الحقيقية للتعامل مع هذه المعلومات المزيفة على فيسبوك تتطلب جيشاً كاملاً من المدققين، وهو ما ليست فيسبوك مستعدة لتحمل تكاليفه، نظراً لسجلها المشرف حتى مع المعلومات المزيفة حول كوفيد-19 ونظريات المؤامرة السياسية الخطيرة”. 

اقرأ أيضاً: تقرير جديد: فيسبوك تحتاج إلى 30,000 موظف داخلي لمراقبة المحتوى

وكما تقول موران من جامعة واشنطن، فإن المعلومات المزيفة كهذه نادراً ما تبقى مقيدة على المنصة التي نُشرت عليها لأول مرة. وعلى حين تؤدي منصة فيسبوك دوراً أساسياً في عرض الادعاءات المثيرة حول علاجات السرطان المريبة على المرضى اليائسين، فإن المجموعات والإعلانات التي تنشر هذه الادعاءات غالباً ما تضع روابط إلى مواقع وشبكات أخرى تزيد من انتشارها.

وباستخدام بيانات من العام 2017 إلى العام 2019، وجد جونسون أن المقالات ومقاطع الفيديو التي تحتوي على مزاعم باطلة حول علاج السرطان تتلقى في أغلب الأحيان درجة أعلى من التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي مقارنة بمثيلاتها من مصادر “آمنة”. وعلى الرغم من أنه ليس من السهل الوصول إلى نتيجة حاسمة، فإن أبحاثه وأبحاثاً أخرى تشير إلى أن كل ثلاثة مقالات أو مقاطع فيديو منشورة على الإنترنت عن السرطان تتضمن مقالاً أو مقطع فيديو قد يحتوي على معلومات مزيفة مؤذية. 

تقول موران: “في الحالات الخاصة للأزمات الطبية الحرجة، يبحث المريض عن المعلومات بكمية كبيرة. وقد يبدو للمريض أنه يقوم بعمل جيد عندما يجري هذه الأبحاث، ويتنقل من موقع إلى آخر. ولكن جميع هذه المواقع تنتمي إلى نفس النظام البيئي”.