هل يستطيع الطب أن يقضي على الشيخوخة؟

3 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

الشيخوخة هي التحدِّي الأبرز للأطباء منذ أن بدأ الطب، فقد فشلت ثلاث طرق في التغلب عليها، وهي معالجة مكونات تدهور الصحة المرتبط بالعمر (كالأمراض القابلة للشفاء)، واستقراء اختلافات معدل الشيخوخة بين أنواع الكائنات الحية، ومحاكاة طول الحياة الذي تُحدِثه المجاعة عند الأنواع قصيرة العمر. وتقوم مؤسسة SENS للأبحاث بريادة الجيل الرابع من أبحاث مكافحة الشيخوخة، وهو إصلاح الأضرار المرتبطة بالعمر؛ أي التكنولوجيا الحيوية لتجديد الشباب.

وقد تم اقتراح نهج مؤسسة ذا استراتيجيز فور إنجينيرد نيجليجيبل سينيسنس (SENS) لأول مرة في عام 2002، وتعني كلمة “سينيسنس” هنا الشيخوخة، وتشير إلى الظاهرة الأكتوارية؛ وهي الاتجاه الذي يعاني منه الأفراد في مجموعة سكانية معينة من زيادة معدل الأمراض والوفيات في علاقة (مضاعَفة عادةً) مع عمرهم الزمني، وتعني كلمة “نيجليجيبل” الشيءَ الطفيف الذي لا يُذكر، وتستخدم بالمعنى الإحصائي؛ إذ يتم اعتبار مستوى الشيخوخة طفيفاً ولا يذكر إذا لم يكن من الممكن الإثبات الإحصائي لمساهمة العمر في معدل الوفيات ضمن مجموعة سكانية، وبالنظر إلى مساهمة الوفيات غير المرتبطة بالعمر (مثل حوادث السيارات المؤسفة)، وأخيراً تعني كلمة “إنجينيرد” المعدَّل أو المصمَّم، ونشير بها إلى أن هذه الحالة تتحقق من خلال التطبيق المتعمَّد للعلاجات الطبية الحيوية، وليست هي الوضع الطبيعي؛ فالهدف من مؤسسة SENS معرَّف بشكل لا لبس فيه، وهو البحث عن طرق لتحويل السكان الذين يعانون من مستوى كبير من الشيخوخة إلى سكان يعانون من مستوى طفيف منها.

ولرؤية كيف يمكن أن يكون هدف الشيخوخة الطفيفة “مصمَّماً”، فلننظر بعناية إلى الحالة التي حققت فيها المثابرة والبراعة البشرية نتيجة مماثلة بالفعل؛ حيث تعاني المركبات الآلية من عملية الاستهلاك الناجم عن الاستعمال، والتي تشبه إلى حد كبير شيخوخة الكائنات الحية، حيث يتقشر الطلاء وتتصدَّع النوافذ ويخترق الصدأ الأنابيب، وهكذا. ومع ذلك -وكما يعلم أصحاب السيارات القديمة- فمن الممكن تماماً الحفاظ على وظيفة إحدى السيارات لفترة غير محددة أساساً، ولا يتحقق ذلك بشكل حاسم عن طريق منع التآكل، وإنما عن طريق إصلاح الضرر الحادث بمعدل كافٍ لضمان عدم تعرض وظيفة السيارة للضرر بشكل نهائي.

وهذا التشبيه غير دقيق بطبيعة الحال؛ فالأجسام البشرية هي أكثر تعقيداً بكثير من السيارات، ولكن النظرة الدقيقة عن كثب إلى كيفية تطور كبار السن الذي يؤدي إلى الوهن تكشف عن أن جهلنا يجب ألَّا يبرز.

ويمكن وصف الشيخوخة بأنها عملية من ثلاث مراحل؛ في المرحلة الأولى، تقوم العمليات الاستقلابية الضرورية للحياة بإنتاج السموم، وفي الثانية لا يمكن إزالة هذه الكمية الصغيرة من الضرر الذي تسببه هذه السموم بواسطة أنظمة الإصلاح الذاتية في الجسم، وبالتالي تتراكم بمرور الوقت، وفي المرحلة الثالثة، يؤدي تراكم الضرر إلى تحفيز الأمراض المرتبطة بالعمر.

وهذا النموذج -أي أن الاستقلاب يسبب الضرر، الذي بدوره يسبب الأمراض- يسمح لنا بتوضيح متطلبات التدخل الناجح للشيخوخة؛ حيث يمثل الضرر المتراكم هدفاً ثابتاً نسبياً، على عكس العمليات الديناميكية للاستقلاب والأمراض، وهذا يعني أنه قد لا يكون واضحاً إذا كان نمط الضرر مَرَضياً (على التوازن)، ولكن غيابه عن الأصحاء في العشرين من العمر يشير إلى أنه غير ضروري للحياة الصحية، ومن الواضح -على العكس من ذلك- أن المجموع الإجمالي لأنواع الضرر مَرَضيٌّ، حيث إن الأشخاص في عمر الخمسين عاماً لديهم وقت أقل بكثير للعيش من الذين في العشرينات، والفرق الثابت الوحيد بين المجموعتين هو مقدار الضرر الحالي المتراكم.

وإن قبول تبعات هذا النموذج يقودنا إلى نهج مؤسسة SENS؛ إذ يمكننا -من خلال تحديد جميع الأضرار المتراكمة في أثناء التقدم في العمر وإصلاحها- استعادة الجسم إلى حالته الشابة، وبالتالي تعود عمليات الاستقلاب الديناميكية إلى نماذجها الخاصة، ولن يكون خطر الوفاة أعلى من أي شخص “شاب” مكافئ آخر، سواء أكان عمره عشرين عاماً أو 120 عاماً.

وعلاوة على ذلك، فطالما أن القائمة المتوافرة لدينا من فئات الضرر شاملة بما فيه الكفاية، فيمكننا إذن تكرار هذا الجهد بشكل منتظم، وبالتالي يظل الضرر إلى ما لا نهاية تحت المستوى الأدنى المطلوب لحدوث المرض، ويمكننا القيام بذلك بشكل حاسم دون فهم عمليات الاستقلاب المعقَّدة التي تؤدي إلى الأضرار بشكلٍ شامل، أو فهم تلك العمليات التي تؤدي من الأضرار إلى الأمراض. ولا نحتاج إلا إلى حصر أنواع الأضرار الموجودة، التي يمكن الحصول عليها مباشرة عن طريق المقارنة بين الأفراد الأكبر سناً والأصغر سناً، ولحسن الحظ فإن جميع الأضرار المرتبطة بالشيخوخة -والمعروفة بتراكمها في جسم الإنسان- يبدو أن من الممكن تصنيفها إلى سبع فئات محدَّدة بوضوح، وهي: الضياع الخلوي، ومقاومة الخلايا للموت، والتكاثر المفرط للخلايا، و”الفضلات” داخل الخلايا، وخارجها، وتصلُّب الأنسجة، وعيوب الميتوكوندريا.

وتمثِّل مؤسسة SENS اختلافاً جذرياً كبيراً عن الأفكار السابقة في علم الشيخوخة الطبي الحيوي، وتنطوي على إبطال حقيقي للشيخوخة بدلاً من مجرد تأخيرها، وقد وصلت المؤسسة الآن -بفضل العملية المستمرة من التعلّم المتبادل بين مجالات علم الشيخوخة الحيوي والطب التجديدي- إلى مستوى يجعلها خياراً قابلاً للتطبيق ومعترفاً به للسيطرة الطبية النهائية على الشيخوخة، وستستمر مصداقيتها بالازدياد مع تقدُّم التكنولوجيا الأساسية للطب التجديدي.