كيف يمكن للنفايات وزيت الطبخ والكهرباء الخضراء أن توفر وقوداً مستداماً للطائرات؟

6 دقائق
كيف يمكن للنفايات وزيت الطبخ والكهرباء الخضراء أن توفر وقوداً مستداماً للطائرات؟
اختبر سلاح الجو الملكي البريطاني عدة أنواع من وقود الطائرات النفاثة البديل في بعض طائراته، بما فيها مقاتلة تايفون النفاثة.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تبلغ نسبة إسهام الطيران في انبعاثات ثنائي أوكسيد الكربون العالمية 2% تقريباً، وإذا أضفنا الغازات الملوِّثة الأخرى، يصبح هذا المجال مسؤولاً عن 3% من الاحترار العالمي الناجم عن البشر.

وتُعد أنواع الوقود الجديدة إحدى الوسائل التي يأمل قطاع الطيران بأنها ستساعده على تخفيف أثره المناخي. غالباً ما تُسمى هذه البدائل “وقود الطيران المستدام”، وهي مصنوعة من مجموعة كبيرة من المصادر، ويمكن استخدامها إلى حد كبير في تشغيل الطائرات الحالية. قد يكون هذا الوقود الوسيلة الناجعة لمساعدة هذا القطاع على تحقيق هدفه المناخي، وهو تخفيض الانبعاثات الإجمالية لثنائي أوكسيد الكربون إلى الصفر (أو صافي انبعاثات صفري) بحلول العام 2050.

تحظى هذه الأنواع الجديدة من الوقود بدعم سياسات جديدة في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وقد بدأت شركات الطيران بإطلاق حملات إعلانية تبين جهودها في استبدال مصادر الوقود.

ولكن، على الرغم من أن الوقود البديل يمكن أن يمثل حلاً مناخياً للطيران، فإن أثره الفعلي سيعتمد على الكثير من العوامل، وإليك فيما يلي كل ما تحتاج إلى معرفته حول مستقبل وقود الطائرات النفاثة والمناخ.

ما هو وقود الطيران المستدام؟

تعمل أغلبية الطائرات العصرية بحرق وقود الطيران النفاث، الذي يُسمى أيضاً بالكيروسين، وهو وقود أحفوري يضم مزيجاً من الجزيئات التي تحتوي على الكربون. قد يختلف هذا المزيج بين حالة وأخرى، ولكن المكوّن الرئيسي فيه هو سلاسل بسيطة مليئة بالطاقة ومؤلفة من الكربون والهيدروجين. يتسم الوقود البديل، بأنواعه المختلفة، بتركيبة كيميائية أساسية مماثلة للوقود الأحفوري، أما الفرق فيكمن في أن هذا الوقود مشتق من مصادر متجددة.

يمكن تصنيف أنواع الوقود البديل إلى فئتين رئيسيتين: الوقود الحيوي والوقود الكهربائي الاصطناعي.

يُستَخلص الوقود الحيوي من مجموعة من المصادر الحيوية، فبعض أنواعه تُستخلص من المخلفات، مثل زيت الطبخ المستعمل والمخلفات الزراعية ومخلفات المطامر، في حين يمكن صنع أنواع أخرى من محاصيل مزروعة للوقود على وجه الخصوص، بدءاً بالذرة وصولاً إلى أشجار النخيل والدُّخن العَصويّ.

يتطلب صنع الوقود من المصادر الحيوية تفكيك البنى الكيميائية المعقدة التي تصنعها النباتات لتخزين الطاقة، ويمكن تفكيك الدهون والكربوهيدرات إلى قطع أصغر وتصفيتها -باستخدام المصافي الموجودة حالياً في بعض الأحيان- للحصول على السلاسل البسيطة الغنية بالكربون، التي تمثل المكون الرئيسي في وقود الطائرات النفاثة.

أما الوقود الكهربائي (المسمى أيضاً e-fuel)، من الناحية الأخرى، فلا يبدأ بالنباتات، بل يعتمد على مكونين أساسيين: الهيدروجين وثنائي أوكسيد الكربون.

وعلى الرغم من إمكانية استجرار هذين المكونين من عدة مصادر، فإن الطريقة الأفضل مناخياً لصنع الوقود الكهربائي تبدأ بالهيدروجين المستخرج من تفكيك الماء إلى عناصره الكهربائية باستخدام الكهرباء المتجددة، إضافة إلى ثنائي أوكسيد الكربون المسحوب من الغلاف الجوي عبر الالتقاط الهوائي المباشر. بعد ذلك، يُجمع المكونان ويخضعان لتفاعلات كيميائية تحويلية تعتمد على التيار الكهربائي.

يحتاج صنع الوقود الكهربائي حالياً إلى تكاليف باهظة، لأن العملية غير فعالة وما زالت غير مطبقة تجارياً على نطاق واسع، لكن الخبراء يقولون إن قطاع الطيران سيعتمد على هذا الوقود بدرجة كبيرة لتحقيق هدف العام 2050 لأنه الأعلى فعالية في تخفيف انبعاثات ثنائي أوكسيد الكربون، ولا يعاني من قيود التزويد أو المشاكل اللوجستية لجمع مكوناته مثل الوقود المصنوع من النباتات أو المخلفات.

اقرأ أيضاً: أبرز جهود الإمارات العربية المتحدة في تنمية مشاريع الطاقة المستدامة

كيف يمكن لوقود الطيران المستدام أن يساعد على تحقيق التقدم المناخي إذاً؟

على غرار وقود الطائرات النفاثة التقليدي، ينتج الوقود البديل بأنواعه المختلفة ثنائي أوكسيد الكربون وغيره من الانبعاثات عند حرقه لتزويد الطائرات بالطاقة.

يكمن الفرق في أن الوقود المستدام قادر على تعويض انبعاثاته الكربونية، اعتماداً على طريقة صنعه؛ في ظروف مثالية، تمتص عملية صنع الوقود البديل كمية كبيرة من ثنائي أوكسيد الكربون، إلى درجة التعويض الكامل عن الانبعاثات الناجمة لاحقاً عن حرق هذا الوقود.

لكن الواقع مختلف تماماً. حالياً، يمكن ربط عملية صنع الوقود البديل بانبعاثات ثنائي أوكسيد الكربون نفسها، إما بسبب الطاقة اللازمة لصنع هذا الوقود، وإما بسبب تأثير العملية على الأنظمة البيئية بطرق تتسبب بإطلاق الكربون.

يقول مدير سياسات الطيران في المجموعة غير الربحية ترانسبورت آند إنفايرومنت (Transport & Environment)، ماتيو ميرولو: “لا تُصنع جميع أنواع الوقود البديل بالطريقة نفسها”.

اقرأ أيضاً: ما هو الوقود الإلكتروني ولماذا تعارض ألمانيا تعميمه؟

تختلف أنواع الوقود البديل فيما بينها من حيث مقدار انبعاثات ثنائي أوكسيد الكربون التي تخفضها، وفقاً لمديرة برنامج الوقود في المجلس الاستشاري الدولي للنقل النظيف، نيكيتا بافلينكو. فمن جهة، يمكن توفير أنواع الوقود الاصطناعي المصنوعة من الكربون المسحوب من الهواء عبر الالتقاط الهوائي المباشر، وتستمد منشآت تصنيعها طاقتها بالكامل من الكهرباء المتجددة، وتخفض الانبعاثات بنسبة 100% تقريباً مقارنة بالوقود الأحفوري.

ومن الجهة الأخرى، تنتج بعض أنواع الوقود البيولوجي المصنوع من المحاصيل الزراعية في الواقع كميات من انبعاثات ثنائي أوكسيد الكربون تفوق ما ينتجه الوقود الأحفوري عموماً، وفقاً لبافلينكو. غالباً ما تنطبق هذه الحالة على الوقود الحيوي المصنوع من زيت النخيل، بما أن زراعة هذا المحصول يمكن أن تؤدي إلى تدمير الغابات المطرية، ويمكن حتى للوقود الاصطناعي أن يقترب في تأثيره من تأثير وقود الطائرات النفاثة التقليدي إذا أُنتج باستخدام الكهرباء التي تعتمد على الوقود الأحفوري.

حالياً، تُصنع معظم أنواع وقود الطائرات النفاثة البديل من الدهون والزيوت والشحوم. عند صُنع هذا الوقود من مصادر المخلفات، مثل زيوت الطبخ المستعملة، يمكن له أن يخفف انبعاثات ثنائي أوكسيد الكربون بنسبة تتراوح بين 70% إلى 80% تقريباً، مقارنة بالوقود الأحفوري.

من الجدير بالملاحظة أن حرق الوقود البديل على الرغم من أنه يمكن أن يؤدي إلى صافي انبعاثات شبه معدوم من ثنائي أوكسيد الكربون ينتج أيضاً أشكالاً أخرى من التلوث، بما فيها أنواع أخرى من غازات الدفيئة والجسيمات الدقيقة. يمكن لهذه الأنواع من الوقود أن تسهم أيضاً في تشكل مسارات التكاثف (التي تتشكل خلف الطائرات المحلّقة)، التي تحتبس الحرارة في الغلاف الجوي.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن الاستغناء عن الوقود الأحفوري لصالح الطاقة المتجددة؟

ما الخطوة التالية في عالم وقود الطائرات النفاثة البديل؟

ثمة تكنولوجيات أخرى مطروحة لتخفيف الآثار المناخية للطيران، بما فيها الهيدروجين والطائرات التي تعمل بالبطاريات. إلا أنه إذا لم يتحقق المزيد من التقدم التقني، قد تبقى هذه الخيارات مقتصرة على الطائرات الأصغر حجماً التي تحلق في مسارات أقصر، في حين يَنتج معظم انبعاثات ثنائي أوكسيد الكربون العالمية حالياً من الرحلات التي يزيد طولها على 1,500 كيلومتر. وهنا يأتي دور الوقود البديل. تُعزى جاذبية الوقود البديل في مجال الطيران إلى أنه حل قابل للتطبيق الفوري، ولا يتطلب سوى إجراء تعديلات طفيفة على الطائرات والبنية التحتية للمطارات. من المحتمل أن تحتاج الطائرات إلى بعض التعديلات الصغيرة كي تصبح قابلة للتشغيل باستخدام الوقود البديل بالكامل، وذلك اعتماداً على مزيج المواد الكيميائية في الوقود.

يفترض الكثير من خطط تحقيق صافي الانبعاثات الصفري في مجال الطيران، مثل الخطة التي نشرها الاتحاد الدولي للنقل الجوي، أن وقود الطائرات النفاثة البديل سيكون السبب في تحقيق النسبة الأكبر من التقدم المناخي لهذا القطاع في العقود المقبلة. على مدى السنوات الماضية، انطلق الكثير من رحلات الطيران التجريبية التي تعتمد على الوقود البديل بنسبة 100%، لكن نسبة الوقود البديل ضمن إمدادات وقود الطائرات النفاثة على مستوى العالم لم تصل حتى إلى 0.2% في 2022. ولذا ما زلنا بحاجة إلى تحقيق الكثير من التقدم لتوفير أنواع الوقود البديل القادرة على الإسهام فعلياً في مواجهة المشكلة المناخية.

اقرأ أيضاً: هذه الألواح الشمسية المرنة قد تقربنا إلى التخلص من الوقود الأحفوري

تمثل زيادة العرض إحدى أهم المشاكل الرئيسية التي تعيق زيادة الإمدادات. ومع أن الدهون والزيوت والشحوم تمثل أساس معظم أنواع الوقود البديل المتوفرة حالياً، فإن كميات البطاطا المقلية التي يأكلها العالم لا تكفي لإنتاج ما يلبي احتياجات وقود الطائرات النفاثة على مستوى العالم من زيوت الطبخ المستعملة. في الواقع، وحتى مع زيادة الخيارات المتاحة للتجميع، فإن مخلفات الدهون والزيوت والشحوم لن تكفي على الأرجح لأكثر من 5% من الطلب العالمي على وقود الطائرات النفاثة، على حد تعبير بافلينكو.

بدأ بعض أنواع الوقود الحيوي -مثل تلك المصنوعة من المخلفات الزراعية، والمخلفات المدنية الصلبة، والمحاصيل العالية التحمل مثل الدخن العصوي- يدخل السوق، وقد بدأ بناء بعض المنشآت لإنتاج وقود الطائرات النفاثة من هذه المصادر على مستوى العالم، وتتراوح نسبة تخفيض انبعاثات ثنائي أوكسيد الكربون التي يمكن أن تحققها هذه الأنواع بين 50% و90%.

تهدف بعض الإجراءات في الآونة الأخيرة على صعيد السياسات في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى تعزيز سوق الوقود البديل، إذ تفرض اتفاقية ريفيول إي يو أفييشن (RefuelEU Aviation)، التي أُقرّت بصورة نهائية في أبريل/ نيسان 2023، أن تبلغ نسبة وقود الطائرات النفاثة البديل ضمن مخزون وقود الطائرات في المطارات الأوروبية 2% بحلول العام 2025، و70% بحلول العام 2050. وتشمل هذه القاعدة للاتحاد الأوروبي وقود الطائرات البديل المصنوع من مصادر المخلفات وأنواع الوقود الحيوي المتطورة والوقود الكهربائي، وتستثنى منها أنواع الوقود المستخرجة من المحاصيل الزراعية. وهي تهدف أيضاً، على وجه التحديد، إلى تعزيز إنتاج الوقود الكهربائي بأنواعه المختلفة.

اقرأ أيضاً: الحرب الروسية الأوكرانية تبرز مدى اعتماد أوروبا على الوقود الأحفوري الروسي

من ناحية أخرى، أقرّت الولايات المتحدة مؤخراً إعفاءات ضريبية جديدة للوقود البديل، وذلك بهدف دفع الخيارات المكلفة إلى تحقيق أسعار تعادل أسعار الوقود الأحفوري. تدوم هذه الإعفاءات الضريبية حتى العام 2027، وتنطبق على أي وقود يخفف انبعاثات ثنائي أوكسيد الكربون بنسبة 50% على الأقل مقارنة بالوقود الأحفوري، على الرغم من أن التفاصيل المتعلقة بكيفية حساب هذه التخفيضات لم يُعلن عنها حتى الآن.

في المحصلة، يُعد الوقود البديل بأنواعه المختلفة أحد أهم المسارات المباشرة لتخفيض الأثر المناخي للطيران، ولكن الفوائد المناخية الحقيقية ستنتج عن أنواع محددة فحسب في نهاية المطاف. يقول ميرولو: “يمثل الوقود البديل حلاً، ولكن يجب تطبيقه بحذر ودقة فائقين. وإلا، فقد يتحول إلى دواء أسوأ من الداء”.