كيف تجني مواقع الإنترنت الوهمية عوائد الإعلانات بالاستفادة من الذكاء الاصطناعي؟

7 دقائق
كيف تجني مواقع الإنترنت الوهمية عوائد الإعلانات بالاستفادة من الذكاء الاصطناعي؟
مصدر الصورة: ستيفاني آرنيت. إم آي تي تي آر. إنفاتو
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يستخدم الكثيرون بوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي لملء مواقع الإنترنت الوهمية بالنصوص المُوَلّدة بالذكاء الاصطناعي التي تجتذب عملاء خدمة نشر الإعلانات مقابل أجر، وذلك وفقاً لتقرير جديد من مؤسسة أبحاث الإعلام نيوز غارد (NewsGuard) الذي قدمت نسخة منه لإم آي تي تكنولوجي ريفيو حصرياً.

90%: نسبة إعلانات العلامات التجارية التي تعتمد على خدمات جوجل المُوَلدة بالذكاء الاصطناعي

ثمة أكثر من 140 علامة تجارية كبرى تدفع تكاليف إعلانات ينتهي بها المطاف على مواقع إنترنت غير موثوقة تولى الذكاء الاصطناعي تكوين محتواها، ومن الأرجح أن هذا يحدث دون أن يكون لهذه العلامات التجارية علم بذلك. بلغت نسبة إعلانات العلامات التجارية التي تعتمد على خدمات جوجل (Google)، والموجودة على هذه المواقع الإخبارية المُوَلدة بالذكاء الاصطناعي، 90%، في انتهاك واضح للقوانين التي وضعتها الشركة بنفسها. تهدد هذه الممارسة بتسريع حلول عصر شبكة الإنترنت المليئة بالأخطاء البرمجية والإزعاجات، التي يجتاحها محتوى مُوَلدٌ بالذكاء الاصطناعي، إضافة إلى هدر كميات هائلة من أموال الإعلانات.

تسعى غالبية الشركات التي تنشر الإعلانات عبر الإنترنت بأسلوب آلي للحصول على مساحات لتشغيل إعلاناتها من خلال ممارسة تسمى “الإعلانات المبرمجة”. تضع الخوارزميات الإعلانات على مواقع إنترنت مختلفة وفقاً لحسابات معقدة تهدف إلى رفع عدد المشاهدات التي يمكن أن يجتذبها كل إعلان من بين الجمهور الذي تستهدفه الشركة إلى أقصى حد ممكن. وهكذا، ينتهي المطاف بالعلامات التجارية الكبرى إلى دفع الأموال لقاء مساحات إعلانية على مواقع إنترنت ربما لم تسمع بها من قبل، إذ يتراوح مستوى الإشراف البشري بين الضعيف والمعدوم.

اقرأ أيضاً: خوارزميات الإعلانات في فيسبوك ما زالت تستبعد النساء من رؤية إعلانات التوظيف

مزارع المحتوى

وللاستفادة من هذه الظاهرة، ظهرت ما تسمى “مزارع المحتوى” (content farms)، إذ يتولى أشخاص بشريون يعملون بأجور زهيدة إنتاج محتوى منخفض الجودة لاجتذاب عائدات من الإعلانات. تحمل هذه الأنواع من مواقع الإنترنت اسماً مميزاً: مواقع “مبنية لأغراض الإعلانات”. تستخدم هذه المواقع بعض الأساليب مثل روابط “طُعم النقر”، ومقاطع الفيديو الذاتية التشغيل، والإعلانات المنبثقة، وذلك لاعتصار أكبر قدر ممكن من أموال المعلنين. وفي استطلاع حديث للرأي، وجدت الجمعية الوطنية للمعلنين أن 21% من عدد مرات ظهور الإعلانات التي تضمنتها عيّنتها كانت مخصصة للمواقع المبنية لأغراض الإعلانات. وتقدِّر المجموعة أن إجمالي الهدر العالمي على هذه المواقع يبلغ 13 مليار دولار تقريباً كل سنة.

والآن، يقدم الذكاء الاصطناعي التوليدي طريقة جديدة لأتمتة عمل مزارع المحتوى، وإطلاق المزيد من المواقع الوهمية بجهد أقل، ما يؤدي إلى ما تصفه نيوز غارد بأنها “مواقع إنترنت إخبارية غير موثوقة مولدة بالذكاء الاصطناعي”. وقد اكتشفت نيوز غارد موقع إنترنت ينتج أكثر من 1,200 مقال يومياً.

اقرأ أيضاً: خوارزمية فيسبوك للإعلانات تميز بين المستخدمين على أساس الجنس والعرق

25 موقعاً جديداً يولدها الذكاء الاصطناعي أسبوعياً

يتسم بعض هذه المواقع بدرجة أعلى من التعقيد والإقناع مقارنة بمواقع أخرى، عبر استخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد الصور والسير الذاتية لمؤلفين مزيفين. وهذه المشكلة تتنامى بوتيرة سريعة. تقول نيوز غارد، التي تُجري عمليات تقييم لجودة مواقع الإنترنت العاملة، إنها تكتشف 25 موقعاً جديداً ولّدها الذكاء الاصطناعي أسبوعياً. وقد اكتشفت 217 موقعاً من هذه المواقع بمحتوى موزع على 13 لغة منذ بدأت بتتبع هذه الظاهرة في أبريل/ نيسان 2023.

تستخدم نيوز غارد طريقة ذكية لكشف هذه المواقع الوهمية التي كوَّن محتواها الذكاء الاصطناعي. فبما أن الكثير من هذه المواقع مبنية أيضاً دون إشراف بشري، فهي غالباً ما تكون مليئة برسائل الخطأ التي تطلقها أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي. على سبيل المثال، يتضمن الموقع CountyLocalNews.com رسائل من قبيل “Sorry, I cannot fulfill this prompt as it goes against ethical and moral principles …  As an AI language model, it is my responsibility to provide factual and trustworthy information.” (آسف، لا أستطيع تنفيذ هذه التعليمة بسبب تضاربها مع المبادئ الأخلاقية والأدبية… بما أنني نظام ذكاء اصطناعي، تقع على عاتقي مسؤولية تقديم معلومات واقعية وموثوقة).

يبحث نظام الذكاء الاصطناعي الذي تستخدمه نيوز غارد عن هذه المقاطع النصية على مواقع الإنترنت، ومن ثم تخضع النتائج لمراجعة محللين من البشر.

اقرأ أيضاً: كيف يستخدم خبراء الذكاء الاصطناعي جي بي تي 4؟

جني الأموال من التزييف

يقول المحلل في نيوز غارد، الذي كان يتعقب محتوى الويب المُوَلد باستخدام الذكاء الاصطناعي، لورنزو أرفانيتيس: “يبدو أن الإعلانات المبرمجة تمثل مصدر الدخل الأساسي لهذه المواقع التي ولدها الذكاء الاصطناعي. لقد تمكّنا من تحديد المئات من شركات “فورتشن 500″ والعلامات التجارية البارزة والشهيرة التي تعلن على هذه المواقع، والتي تدعمها دون أن تدري”.

درست إم آي تي تكنولوجي ريفيو القائمة التي تتضمن قرابة 400 إعلان إفرادي من أكثر من 140 علامة تجارية كبرى كشفت نيوز غارد وجودها على المواقع التي ولدها الذكاء الاصطناعي والتي تفتح المجال أمام الإعلانات المبرمجة، وتشمل هذه القائمة شركات من مختلف المجالات، مثل التمويل، والتجارة بالتجزئة، والسيارات، والرعاية الصحية، والتجارة الإلكترونية. كانت تكلفة الإعلان المبرمج الواحد 1.21 دولار لكل ألف مرة عرض، وذلك حتى يناير/ كانون الثاني من العام 2023، وغالباً ما تتجاهل العلامات التجارية مراجعة جميع المساحات الآلية المخصصة لإعلاناتها، على الرغم من أنها ليست مجانية على الإطلاق.

تحتل خدمة جوجل للإعلانات المبرمجة، التي تحمل اسم جوجل أدز (Google Ads)، المرتبة الأولى من حيث حجم تبادل الإعلانات، فقد حققت عائدات إعلانية في العام الماضي 2022 بقيمة 168 مليار دولار. لقد تعرضت الشركة للانتقادات بسبب عرضها للإعلانات على مزارع المحتوى من قبل، على الرغم من أن سياساتها الخاصة تحظر على المواقع وضع إعلانات تعرضها جوجل على صفحات تتضمن “محتوى مزعجاً مُوَلداً بطريقة آلية”. تضمنت نسبة الربع تقريباً من المواقع التي اكتشفتها نيوز غارد إعلانات مبرمجة تعود لعلامات تجارية كبرى. وقد بلغ عدد الإعلانات التي تعرضها جوجل 356 إعلاناً من أصل 393 إعلاناً لعلامات تجارية كبيرة على مواقع إنترنت ولدها الذكاء الاصطناعي.

اقرأ أيضاً: لوحات إعلانية في موسكو تعرض إعلانات موجهة بناء على السيارة التي تقودها

غياب الأسلوب الموحد لسياسات منع عرض الإعلانات على مزارع المحتوى

قال مدير التواصل الخاص بالسياسات في جوجل، مايكل أسيمان، في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى إم آي تي تكنولوجي ريفيو: “لدينا سياسات صارمة للغاية لإدارة أنواع المحتوى التي يمكن استخدامها لجني الأموال على منصتنا. على سبيل المثال، لا نسمح بعرض الإعلانات بجانب المحتوى المؤذي، أو المزعج، أو الرديء، أو المحتوى الذي لا يتضمن سوى مواد منسوخة من مواقع أخرى. وعندما نفرض هذه السياسات، نركز على جودة المحتوى، لا على طريقة إنتاجه، ونحظر الإعلانات أو نزيلها عند اكتشاف المخالفات”.

تفرض غالبية منصات الإعلانات وخدمات تبادلها سياسات مضادة لعرض الإعلانات على مزارع المحتوى، ولكنها “تبدو وكأنها لا تفرض هذه السياسات بأسلوب موحد”، إضافة إلى هذا، “يواصل الكثير من خدمات الإعلانات عرض إعلانات على مواقع مبنية لأغراض الإعلانات، حتى لو بدا هذا الأمر متضارباً مع سياساتها بشأن الجودة”، على حد تعبير مؤسس شركة التحقيق الجنائي الرقمي والمصادقة الرقمية أداليتيكس (Adalytics)، كريستوف فراناتشيك.

قالت جوجل إن وجود المحتوى المُوَلد بالذكاء الاصطناعي على صفحة ما ليس مخالفة بحد ذاته. وقد قال أسيمان: “نحن نعترف أيضاً بوجود أطراف خبيثة تغيّر أساليبها باستمرار، وقد تستفيد من بعض التكنولوجيات، مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي، للالتفاف حول سياساتنا وأنظمة فرض القواعد الناظمة”.

اقرأ أيضاً: كيف سيغيّر الذكاء الاصطناعي التوليدي تجربة البحث على جوجل؟

جيل جديد من مواقع المعلومات المزيفة

تقول نيوز غارد إن غالبية المواقع المُولدة بالذكاء الاصطناعي تُصنَّف ضمن فئة “منخفضة الجودة” ولكنها “لا تنشر معلومات مزيفة”. لكن الآلية الاقتصادية لمزارع المحتوى تحفز إنتاج مواقع جاذبة للنقرات، وغالباً ما تكون مليئة بالهراء والمعلومات الزائفة، وبما أن أنظمة الذكاء الاصطناعي أصبحت قادرة على تنفيذ الشيء نفسه ولكن على مستوى أكبر، فهذا يهدد بمفاقمة مشكلة المعلومات المزيفة.

على سبيل المثال، يتضمن موقع MedicalOutline.com الذي يكوّن محتواه الذكاء الاصطناعي مقالات تنشر معلومات صحية مزيفة ومؤذية، مع عناوين مثل: “Can lemon cure skin allergy?” (هل يمكن استخدام الليمون لشفاء حساسية الجلد؟) و”What are 5 natural remedies for ADHD?” and “How can you prevent cancer naturally?” (ما هي العلاجات الطبيعية الخمسة لاضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط؟) و”How can you prevent cancer naturally?” (كيف يمكنك تجنب الإصابة بالسرطان بالطرق الطبيعية؟). وفقاً لنيوز غارد، كان هذا الموقع يعرض إعلانات من تسع علامات تجارية كبرى، بما فيها مصرف سيتيغروب (Citigroup) وشركة تصنيع السيارات سوبارو (Subaru) وشركة الرعاية الصحية والتغذية جي إن سي (GNC). كانت هذه الإعلانات تعتمد على خدمات جوجل.

أكدت أداليتيكس لإم آي تي تكنولوجي ريفيو أن جوجل، على ما يبدو، وضعت الإعلانات على هذا الموقع، ميديكال آوتلاين (Medical Outline)، منذ 24 يونيو/ حزيران من العام الحالي 2023. وقد حاولنا خلال عطلة نهاية الأسبوع الثالث من شهر يونيو/ حزيران التواصل مع موقع ميديكال آوتلاين، وسيتيغروب، وسوبارو، وجي إن سي، للحصول على تعليق حول المسألة، لكن العلامات التجارية لم تجب بعد.

بعد إبلاغ إم آي تي تكنولوجي ريفيو لجوجل عن الإعلانات على ميديكال أوتلاين وغيره من المواقع، قال أسيمان إن جوجل أوقفت خدمة الإعلانات على الكثير من المواقع “بسبب الانتهاكات الواسعة الانتشار لسياسات جوجل”. كانت الإعلانات ما تزال موجودة على ميديكال آوتلاين حتى 25 يونيو/ حزيران على الأقل.

اقرأ أيضاً: ما هو تحليل الواقع المعاكس الذي تستخدمه شركة سبوتيفاي لتحسين أداء تطبيقها؟

علاقة مثيرة للقلق بين جوجل وشركات الإعلانات التكنولوجية

يقول محرر المشاريع في نيوز غارد، جاك بروستر: “تلقي نتائج نيوز غارد الضوء على العلاقة المثيرة للقلق بين جوجل وشركات الإعلانات التكنولوجية وظهور جيل جديد من مواقع المعلومات المزيفة التي تتخفى بهيئة مواقع إخبارية ومزارع محتوى باستخدام الذكاء الاصطناعي. لقد أدت الإعلانات المبرمجة، المفتقرة بطبيعتها إلى الشفافية، إلى تحويل العلامات التجارية إلى جهات داعمة دون علم منها، حيث إنها لا تدرك أن أموال إعلاناتها تمول هذه المواقع غير الموثوقة والمُوَلدة بالذكاء الاصطناعي بصورة غير مباشرة”.

يقول فراناتشيك إنه ما زال من المبكر الجزم بأثر المحتوى المُوَلد بالذكاء الاصطناعي على مجال الإعلانات المبرمجة. ففي نهاية المطاف، ما زالت هذه المواقع بحاجة إلى اجتذاب البشر إلى محتواها كي تتمكن من تحقيق الأرباح، وليس من المؤكد حالياً إذا ما كان الذكاء الاصطناعي التوليدي سيزيد من سهولة هذه العملية. قد يتمكن بعض المواقع من اجتذاب بضعة آلاف من المشاهدات فقط شهرياً، وجني ما لا يتجاوز بضعة دولارات.

يقول فراناتشيك: “من المحتمل أن تكون تكلفة توليد المحتوى أقل من 5% من إجمالي تكلفة تشغيل موقع مبني لأغراض الإعلانات، ومن المستبعد أن يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي بدلاً من العمالة الأجنبية المنخفضة التكلفة إلى إحداث أي تغيير جذري في هذا الوضع”.

اقرأ أيضاً: ما تأثير ثورة تشات جي بي تي على الاقتصاد؟

لا توجد حلول سهلة حتى الآن، لا سيما بالنظر إلى أن الإعلان يدعم النموذج الاقتصادي للإنترنت بأكمله. يقول كبير مستشاري سياسات الذكاء الاصطناعي في مؤسسة تكنولوجيا المعلومات والابتكار، وهي مجموعة دراسات في واشنطن العاصمة، هودان أومار: “من الأهمية بمكان ألا ننسى أن الإعلانات المبرمجة -والإعلانات الموجهة عموماً- هي أحد أهم عوامل تمكين اقتصاد الإنترنت. وإذا قرر صناع السياسات حظر استخدام هذه الأنواع من خدمات الإعلانات، فسوف يشهد المستهلكون وجهاً مختلفاً اختلافاً جذرياً من الإنترنت، إذ ستصبح الإعلانات أكثر عدداً وأقل صلة بحاجاتهم، وستنخفض جودة المحتوى والخدمات على الإنترنت، وستزداد نسبة الخدمات المدفوعة على الإنترنت. يجب ألا تركز السياسات على التخلص من الإعلانات المبرمجة بالكامل، بل على ضمان وجود آليات أكثر تماسكاً لضبط انتشار المعلومات المزيفة، سواء كان ذلك على نحو مباشر أو غير مباشر”.