كيميائيون ينجحون في تحويل خليط من البلاستيك إلى غاز البروبان

4 دقائق
كيف يعالج علماء الكيمياء مشكلات البلاستيك؟
حقوق الصورة: غيتي إيميدجيز.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يقوم الناس بتجميع كل المواد البلاستيكية في فئةٍ واحدة، لكن لا بُدّ أنك لاحظت أثناء محاولتك معرفة ما يمكن وضعه في سلة إعادة التدوير أنّ قوارير المياه، وأباريق الحليب، وعلب البيض، وبطاقات الائتمان مصنوعة في الواقع من موادٍ مختلفة.

وبمجرد وصول هذه المواد إلى منشأة إعادة التدوير، يجب فصل البلاستيك، وهي عملية يمكن أن تكون بطيئة ومكلفة، ولكن من شأنها أن تحدد أنواع المواد التي تتم إعادة تدويرها بالإضافة إلى كميتها.

تحويل البلاستيك إلى غاز البروبان

قام الباحثون بتطوير عملية جديدة يمكنها تحويل خليط من عدة أنواع من البلاستيك إلى غاز البروبان، وهو ركيزة كيميائية بسيطة يمكن استخدامها كوقود أو تحويلها إلى بلاستيك جديد أو منتجات أخرى. وعلى الرغم من اختلاف الخصائص الكيميائية للعديد من المواد البلاستيكية، فإنها تشترك في تركيبة أساسية مماثلة، حيث إنها مصنوعة من سلاسل طويلة من الكربون والهيدروجين، وهذا هو سبب نجاح العملية.

إلى جانب السياسات والحماية البيئية، يمكن أن تؤدي عملية إعادة التدوير دوراً مهماً في درء بعض أسوأ الأضرار الناجمة عن البلاستيك.

يتم إنتاج أكثر من 400 مليون طن متري من البلاستيك كل عام في جميع أنحاء العالم، وتتم إعادة تدوير أقل من 10%، ويبقى نحو 30% قيد الاستخدام لبعض الوقت، أمّا الباقي ينتهي به المطاف إمّا في مكبّات النفايات أو في المحيطات، وإمّا أن يتم حرقه. تُعد المواد البلاستيكية أيضاً سبباً مهماً لتغير المناخ، فقد شكّل إنتاجها %3.4 من انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم في عام 2019. ولا يقتصر دور إعادة التدوير على إبقاء البلاستيك بعيداً عن مكبّات النفايات والمحيطات، بل إن الطرق الجديدة لإنتاج الركائز الأساسية للبلاستيك يمكن أن تساعد أيضاً في خفض الانبعاثات. 

تقول زميلة ما بعد الدكتوراة في الهندسة الكيميائية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، جولي رورير، وأحد المؤلفين الرئيسيين للبحث الأخير: “ما نحاول فعله حقاً هو التفكير في الطرق التي يمكننا من خلالها رؤية هذه المواد البلاستيكية المستعملة كمواد أوليّة قيّمة”.

اقرأ أيضاً: شركات تحاول تسهيل عملية إعادة تدوير الألواح الشمسية

استهداف البلاستيك الأكثر شيوعاً

وتتمثل إحدى الفوائد الرئيسية للنهج الجديد الذي طوّرته رورير وزملاؤها في أنه يعمل على نوعين من البلاستيك الأكثر شيوعاً واستخداماً في الوقت الحاضر: البولي إيثيلين (Polyethylene) والبولي بروبيلين (polypropylene). حيث يدخل إلى المفاعل خليط من بلاستيك القوارير وأباريق الحليب، ويخرج البروبان. يتميز هذا النهج بانتقائية عالية، حيث يشكّل البروبان نحو 80% من غازات المنتج النهائي. تقول رورير: “هذا أمرٌ مثير حقاً لأنه خطوة نحو فكرة الاقتصاد الدائري“.

تستخدم العملية محفّزاً من جزأين: معدن الكوبالت ومادة مساميّة تشبه الرمل تسمى الزيوليت، وذلك لتقليل الطاقة اللازمة لتفكيك البلاستيك. ولا يزال الباحثون غير متأكدين تماماً من كيفية عمل هذه التركيبة، ولكن تقول رورير: إن ميزة الانتقائية تأتي على الأرجح من المسام الموجودة في الزيوليت، والتي تحد من تفاعل السلاسل الجزيئية الطويلة في البلاستيك، بينما يساعد الكوبالت في منع تعطيل عمل الزيوليت.

لكن لا تزال هذه العملية غير جاهزة للاستخدام الصناعي. في الوقت الحالي، يتم إجراء عمليات التفاعل على كميات صغيرة، ويجب أن يكون التفاعل مستمراً حتى يكون مثمر اقتصادياً.

كما تقول رورير: “إن الباحثين يفكرون أيضاً في المواد التي يجب عليهم استخدامها”. يعتبر الكوبالت أكثر شيوعاً وأقل تكلفةً من بعض المحفّزات الأخرى التي قاموا بتجريبها، مثل الروثينيوم والبلاتين، لكنهم ما زالوا يبحثون عن خياراتٍ أخرى. وتضيف رورير، “أن فهم كيفية عمل المحفّزات يمكن أن يسمح لهم باستبدال الكوبالت بمحفّزات أقل تكلفةً وأكثر وفرة، وأن الهدف النهائي سيكون نظام إعادة تدوير البلاستيك المختلط بالكامل، وهذا ليس مستبعداً تماماً”.

اقرأ أيضاً: كيف تتم إعادة تدوير بطاريات السيارات الكهربائية؟

رؤية يتطلب تحقيقها تعديلات لتكون مجدية اقتصادياً

ومع ذلك، فإن تحقيق هذه الرؤية يتطلب بعض التعديلات. تتألف أنواع البولي إيثيلين والبولي بروبيلين من سلاسل بسيطة من الكربون والهيدروجين، بينما تحتوي بعض المواد البلاستيكية الأخرى على عناصر أخرى، مثل الأوكسجين والكلور، التي يمكن أن تشكل تحدّياً لطرق إعادة التدوير الكيميائية. 

على سبيل المثال، إذا تم استعمال البولي فينيل كلوريد (PVC)، المستخدم على نطاق واسع في القوارير والأنابيب، في هذا النظام، فيمكنه تعطيل أو تسمّم المحفّز من خلال إصدار نواتج ثانوية من الغازات السامّة، لذلك لا يزال الباحثون بحاجة إلى اكتشاف طرق أخرى للتعامل مع هذه المواد البلاستيكية.

ويسعى العلماء أيضاً إلى إيجاد طرق أخرى لإنجاز عمليات إعادة تدوير البلاستيك المختلط. في دراسة نُشرت في مجلة ساينس (Science) في أكتوبر/ تشرين الأول، استخدم الباحثون عملية كيميائية بالإضافة إلى بكتيريا معدّلة وراثياً لتحليل خليط من ثلاثة أنواع شائعة للبلاستيك.

تشمل الخطوة الأولى الأكسدة الكيميائية، حيث تقطع السلاسل الطويلة، وتُشكّل جزيئات أصغر تحتوي على الأوكسجين. كما يوضح المؤلف الرئيسي للبحث وعالم الكيمياء في جامعة ويسكونسن، شانون ستال، أن هذا النهج فعّال لأن الأكسدة مختلطة تماماً، وتعمل على مجموعة من المواد.

ينتج عن أكسدة المواد البلاستيكية منتجات يمكن بعد ذلك أن تحلّلها بكتيريا التربة التي تم تعديلها لتتغذى عليها. ومن خلال تغيير عملية التمثيل الغذائي للبكتيريا، يمكن للباحثين صنع مواد بلاستيكية جديدة، مثل الأشكال الجديدة من النايلون.

كما توضّح عالمة الأحياء في المختبر الوطني للطاقة المتجددة وأحد مؤلفي الدراسة التي نُشرت في مجلة ساينس (Science)، ألي ورنر أن الأبحاث لا تزال مستمرة. حيث يعمل الفريق على فهم المسارات الاستقلابية التي تستخدمها البكتيريا لصنع المنتجات حتى يتمكنوا من تسريع العملية وإنتاج كميات أكبر من المواد المفيدة.

ومن الممكن استخدام هذا النهج على نطاقٍ أوسع، حيث إن كلّاً من الأكسدة والبكتيريا المعدّلة وراثياً منتشرة بالفعل بشكل كبير، إذ تعتمد صناعة البتروكيماويات على الأكسدة لإنتاج ملايين الأطنان من المواد كل عام، وتستخدم الكائنات الحية الدقيقة في صناعات مثل تطوير الأدوية ومعالجة الأغذية .

عندما يقوم علماء الأحياء مثل ورنر، والمهندسون الكيميائيون مثل رورير بتوجيه اهتمامهم إلى اكتشاف طرق جديدة لإعادة تدوير المواد البلاستيكية، فإنهم يتيحون لنا الفرصة لإعادة النظر في كيفية تعاملنا مع الكميات الهائلة من النفايات البلاستيكية. 

تقول رورير: “يجب على المجتمع مواجهة هذا التحدي بالطرق المناسبة”. وقد لاحظت رورير تدفقاً كبيراً للباحثين الجدد الذين بدأوا العمل على إعادة تدوير البلاستيك، حيث تقول: “يبدو أن الجميع ينخرطون في عملية إعادة تدوير البلاستيك”.