تقرير خاص

من كندا إلى قطر: كيف يرى الدكتور حسن بزي مسيرته العلمية في المدينة التعليمية؟

4 دقيقة
حقوق الصورة: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية. تعديل: مهدي أفشكو.

حوار مع الدكتور حسن بَزي، العميد المشارك للبحوث، والأستاذ في الكيمياء من جامعة تكساس إي أند أم في قطر، إحدى الجامعات الشريكة لمؤسسة قطر.

من مونتريال في كندا إلى مدينة تعليمية في طور النهوض، شابٌ في أوج عطائه الأكاديمي والمهني ينتقل بطاقته وأحلامه وطموحاته كلّها إلى قطر، أخبرنا عن العناصر التي حفّزتك لاتخاذ قرار غيّر مسار حياتك بأكملها؟

كنت في مونتريال- كندا في أوائل عام 2004، عندما شاهدت فيلماً وثائقياً على قناة الجزيرة حول المدينة التعليمية. كانت تلك المرة الأولى التي تعرفت فيها على المشروع. في ذلك الوقت، كانت المدينة التعليمية في طور البناء والتطوير، وكانت مقتصرة على مبنى الآداب والعلوم، ومبنى وايل كورنيل للطب- قطر، والمقر الرئيسي السابق لمؤسسة قطر. وصودف أيضاً رؤيتي لإعلان عن حاجة جامعة تكساس إي أند أم في قطر، إلى أساتذة في الكيمياء. كنت متحمساً لاستكشاف عالم أكاديمي جديد في طور النمو، في المنطقة العربية، وسرعان ما أرسلتُ طلباً للانضمام إلى الجامعة في غضون نصف ساعة، وكانت زيارتي لقطر في العام نفسه.

إلى أي حد أسهمت أصولك العربية في تحفيزك للعودة إلى المنطقة ولعب دور في النهضة العلمية التي تشهدها؟

بالفعل، أثارت فكرة العودة إلى المنطقة والمساهمة فيها حماسي، وخصوصاً أنني من لبنان وقد أدركت أن هناك اهتماماً متزايداً في المنطقة بالتطوير العلمي فأردت أن أكون جزءاً من هذا التطور. بالإضافة إلى ذلك، فإن أعضاء لجنة التوظيف في جامعة تكساس إي أند أم في قطر، الذين أجروا مقابلة معي، قدّروا كفاءتي وخبرتي التقنية في مجالي، وأكثر ما أحبوه كان عقليتي الموجَّهة نحو إنجاز المهام، حتى أُطلِق علي لقب (رجل المهمة). فقد كانوا يبحثون عن أستاذ يُدرس وكذلك يمتلك خبرة تقنية، والقدرة على التواصل مع الشركات لشراء المعدات والسفر إلى أوروبا وأميركا الشمالية للقاء الشركاء، لأن الجامعة كانت في مرحلة التجهيز والبناء.

هل يمكنك أن تشاركنا بعض التحديات التي واجهتها خلال المراحل الأولى من عملك باحثاً في قطر؟

بالتأكيد، كان الأمر صعباً للغاية عندما وصلت عام 2004، حيث كان هناك نقصٌ في البنية التحتية المتعلقة بالبحوث، وكانت تواجهني العديد من التحديات التقنية، لقد كانت الجامعة قد افُتتحت منذ عام فقط وكان مقرها المؤقت في مبنى الآداب والعلوم، وكانت عبارة عن غرفة كبيرة تجمع 25 موظفاً وأستاذاً تقريباً، و23 طالباً.

لقد شهدت مراحل بناء المبنى حجراً تلو الآخر، منذ بدء الحفريات وارتدائنا الخوذات كي نتمكن من الدخول إلى الفصول الدراسية والمختبرات. وقد تجاوزت مسؤولياتي مهمة التدريس، فقد كنت أيضاً مسؤولاً عن إنشاء المختبرات، والتعامل مع الجهات الحكومية والصناعية، والإشراف على تشييد المباني،  وعلى توفير المدخلات للمساحات الجديدة التي يتم بناؤها في أثناء تشييد المبنى. لعل هذه التجربة الفريدة هي أحد الأسباب التي دفعتني للبقاء، أذكر أنني حين أتيت كنت أنوي البقاء في قطر مدة لا تتجاوز العامين، وها أنا، في عامي العشرين هنا، إنها رحلة عمر بالنسبة لي، مليئة بالتحديات والإنجازات والذكريات التي جعلت لمؤسسة قطر مكانة استثنائية في حياتي.

غادرتَ كندا وأنت في أوجك، واخترت أن تعود إلى المنطقة لتسهم في نهضتها العلمية في الوقت الذي يغادر فيه الكثير من العلماء والخبراء العرب بلادهم نحو الخارج، فما هو برأيك سبب رحيلهم؟

أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل العلماء العرب يختارون المغادرة هو نقص الموارد، فالعقول العربية كان لها تأثير كبير في المشهد العلمي عالمياً، وكان على هؤلاء أن يغادروا بسبب توفر البنية التحتية البحثية والثقافة والابتكار في الخارج. تتصدر أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأميركية وكندا الأبحاث نظراً لوفرتها في الموارد وإتاحتها بسهولة.

ونحن نشعر بأملٍ كبيرٍ حين نرى حجم الجهود في المدينة التعليمية التي تسعى إلى تشكيل بيئة يمكن فيها رعاية الأبحاث عالية الجودة والابتكار، وحيث يتم الاعتراف بشكلٍ متزايد بمساهمات العلماء العرب.

عندما بدأنا هنا، لم تكن هناك بنية تحتية بحثية حين يتعلق الأمر بالمختبرات والتجهيزات، ومع صياغة رؤية قطر الوطنية 2030 وإنشاء الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي عام 2007، بدأ المشهد يتغير، ومع مرور الأعوام، اكتسب مجال الأبحاث في مؤسسة قطر أهمية أكبر، كما اكتسبت قطر سمعة مرموقة على المستوى الدولي في المجال العلمي كما الحال في مختلف المجالات.

على صعيد النتائج عام 2000، أنتجت قطر ما يقرب من 50 ورقة ومنشور بحثي. ومع ذلك، في عام 2022 ، ارتفع العدد إلى 7000 ورقة في مختلف المجالات. بالنظر إلى حجم قطر كدولة صغيرة المساحة جغرافياً، ووجود 8 مؤسسات للتعليم العالي، منخرطة بالبحوث بشكلٍ فاعل فهذا إنجاز يجب أن نفخر به.

اليوم، يبدو المستقبل واعداً للمدينة التعليمية، الاستثمارات في البنية التحتية والمختبرات والمباني لديها القدرة على توليد نتائج عالية الجودة، كما يُعدّ حضور وإنجازات العلماء والخريجين العرب أمثلة على الإمكانات الهائلة التي تحملها المدينة التعليمية. إذا واصلنا هذا المسار، أعتقد أنه في غضون 20 عاماً، سنشهد تحولاً كبيراً في المشهد البحثي في قطر.

كيف يمكن للمؤتمرات والفعاليات العلمية الدورية أن تساعد على جذب أفضل الباحثين والخبراء إلى قطر والمنطقة؟

تساعد دعوة المتحدثين الرئيسيين في المجال العلمي والبحوث، وعرض منشآتنا ومواردنا خلال هذه الأنشطة في إحداث تأثير ملموس، من ناحية جذب الباحثين والخبراء، وتعزيز مساهماتهم في المنطقة. على سبيل المثال، تم اقتراح فكرة تنظيم حدث وطني للكيمياء والهندسة الكيميائية على أساس سنوي. عندما تصبح مثل هذه الأحداث بنداً بارزاً على جدول أعمال الشخصيات الرئيسية في العالم العربي، فإنها ستعترف بالتزام قطر بالبحث والابتكار، وبإحداث تأثير فاعل.

بعد مرور 20 عاماً على وجودك في قطر ما الذي تطلع إليه في المرحلة التالية من مسيرتك؟

لعبت المدينة التعليمية دوراً مهماً في مسيرتي المهنية. هذا هو المكان الذي بدأت فيه رحلتي الأكاديمية، وآمل أن تنتهي هنا. لقد حققت هنا الكثير من الإنجازات، حيث أشعر بالفخر كوني الزميل الوحيد من قطر في كلٍ من الجمعية الكيميائية الأميركية والجمعية الملكية للكيمياء. تلك الإنجازات كلّها كانت بفضل الفرص والدعم الذي تلقيته هنا، لقد لعبت مؤسسة قطر دوراً مهماً في تشكيل هويتي، وجعلتني الشخص الذي أنا عليه اليوم.

المدينة التعليمية هي البيت الذي بدأت فيه رحلتي الأكاديمية والمهنية، وكل ما أريده الآن وبعد مرور 20 عاماً، هو أن أواصل مسيرتي هنا حتى التقاعد.