ما هي الخلايا الشمسية الترادفية؟ وهل ستكون مستقبل تكنولوجيا الطاقة الشمسية؟

6 دقيقة
ما هي الخلايا الشمسية الترادفية؟ وهل ستكون مستقبل تكنولوجيا الطاقة الشمسية؟
حقوق الصورة: شركة سويفت سولار
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يوجد في مختبر الشركة الناشئة، سويفت سولار (Swift Solar)، أكثر من 12 زوجاً من القفازات المطاطية بطول عضد واحد تحوم أفقياً في الهواء منتفخة وكأنها أذرع. يحرّك العلماء هذه القفازات باستخدام النيتروجين الغازي، وهي تبرز من حاويات ذات جدران زجاجية يصل ارتفاعها إلى الخصر وصُممت للحفاظ على جفاف مساحات العمل وعزلها هوائياً لحماية المواد الشمسية الحساسة داخلها.

يرتدي الفنّي روجر تومسون زوجاً من هذه القفازات ويبدأ بوضع شرائح زجاجية صغيرة على لوحة معدنية في إحدى زوايا المختبر، ثم ينقل حزام ناقل اللوحة إلى ما وراء باب معدني حيث يضيف الخبراء طبقة كيميائية مصممة لنقل التيار الكهربائي بتطبيق طريقة يصفها الرئيس التنفيذي للشركة، جول جين، بأنها طريقة “سرية”.

الجيل التالي من تكنولوجيا الطاقة الشمسية

شركة سويفت سولار، التي تدير هذه المنشأة في منطقة صناعية هادئة في وادي السيليكون، هي واحدة من مجموعة متنامية من الشركات التي تختبر الجيل التالي من تكنولوجيا الطاقة الشمسية، وهي في سباق لصنع خلايا شمسية مجدية تجارياً تحتوي على طبقة مصنوعة من مادة تحمل اسم البيروفسكايت (perovskite) تغطي طبقة السيليكون التقليدية.

يتيح وضع هاتين المادتين (البيروفسكايت والسيليكون) اللتين تمتصان أطوالاً موجية مختلفة من ضوء الشمس إحداهما فوق الأخرى زيادة كفاءة الألواح الشمسية وتوليد طاقة كهربائية أكبر لكل لوح شمسي. يعني ذلك أن خلايا البيروفسكايت الشمسية الترادفية يمكن أن تخفض التكاليف وتزيد كمية الكهرباء المولدة من مصادر متجددة في الشبكة.

تبدو هذه الخلايا الجديدة واعدة للغاية، لكن الشركات والفرق العلمية تختبر هذه التكنولوجيا منذ أكثر من عقد من الزمن، ولم ينجح أحد في طرحها تجارياً بعد. لما كانت البيروفسكايت مادة شمسية فهي غير مستقرة؛ إذ إنها حساسة للمياه والحرارة والضوء، ويحذّر بعض الباحثين من نفاد الوقت لتطويرها.

يقول الأستاذ الباحث المساعد في جامعة نورث وسترن، بن تشين، الذي يركز على تكنولوجيا البيروفسكايت: “لدي شعور بأن السوق ستفقد جزءاً من ثقتها بهذه التكنولوجيا إذا لم تُطرح منتجات البيروفسكايت خلال العامين أو الأعوام الثلاثة المقبلة”.

تعمل فرق الباحثين والشركات الناشئة، ومنها سويفت سولار، بجدّ على تطوير هذه المنتجات، وتشجعها على ذلك التقدمات الحديثة في هذه التكنولوجيا التي زادت قدرة مادة البيروفسكايت على التحمّل. بيّنت بعض من أكبر شركات الطاقة الشمسية على مستوى العالم في الأشهر الأخيرة ثقتها بإمكانات هذه التكنولوجيا بالاستثمار في خطوط التصنيع التجريبية وشراء شركات البيروفسكايت الناشئة.

اقرأ أيضاً: لماذا لم نشهد الثورة التي تعد بها مركبات البيروفسكايت في صناعة الطاقة الشمسية بعد؟

والآن، يجب على هذه الشركات أن تثبت قدرتها على التغلّب على الصعوبات التي عاقت تكنولوجيا البيروفسكايت عبر السنين، وتصنع ملايين الألواح التي تعمل بكفاءة غير مسبوقة في الوقت نفسه.

فوق طبقة السيليكون

يعتقد العديد من هذه الشركات أن سر نجاح تكنولوجيا البيروفسكايت يكمن في دمجها في تكنولوجيات الطاقة الشمسية التي أثبتت جدواها ويمكن أن تعزز استقرار مادة البيروفسكايت وتزيد ثقة السوق بها بعد أن اكتسبتها هذه التكنولوجيات بشق الأنفس.

يقول أستاذ الهندسة الكهربائية وهندسة الكمبيوتر في جامعة برينستون، باري راند: “نقطة الدخول الرئيسية للبيروفسكايت إلى السوق هي السيليكون، حرفياً”.

تُصنع نسبة تتجاوز 90% من الألواح الشمسية المباعة عالمياً اليوم من السيليكون البلوري، بإمكان المطورين تخطيط المشروعات المعتمدة على هذه التكنولوجيا بكفاءة، ويستطيع الخبراء الماليون تسعير الاستثمارات في المشروعات التي تستخدمها، وذلك بناءً على خبرتهم في العمل على هذه التكنولوجيا على مدى عقود من الزمن.

يمكن أن تمنح إضافة طبقات البيروفسكايت إلى هذه الألواح شركات الطاقة الشمسية أفضلية في هذا القطاع التنافسي للغاية، تقول المحللة في مجال الطاقة الشمسية في مؤسسة بلومبرغ إن إي إف (BloombergNEF) لخدمات الأبحاث، جيني تشيس: “إذا توصل الباحثون إلى حل مشكلات هذه التكنولوجيا وتمكّنوا من صنع وحدات شمسية أكثر كفاءة، فستتمكن الشركات من جني الأرباح منها.

تكمن الفكرة في صنع منتج أقل تكلفة لكل واط من الاستطاعة، ما يمكّن الشركات من بيع هذا المنتج بسعر أعلى لأنه سيتمتع بكفاءة عالية جداً”.

اقرأ أيضاً: بدائل جديدة لبعض مكونات ألواح الطاقة الشمسية تجعلها أقل تكلفة

لكن القول أسهل من الفعل؛ فالتكنولوجيا المعتمدة على مادة البيروفسكايت، التي تتألف من هاليدات معدنية وتتمتّع ببنية بلورية فريدة، تواجه تحديين كبيرين هما زيادة القدرة على التحمّل وتوسيع الإنتاج، إذ تتفاعل هذه المادة مع الأوكسجين في الهواء وتتحلل عند تعرضها للضوء، وهي مشكلة كبيرة للغاية بالنسبة لمنتج يتعلق بالطاقة الشمسية.

تخطط الشركات لوضع طبقة من البيروفسكايت على الخلايا الشمسية الأخرى لصنع خلايا البيروفسكايت الترادفية ذات البنية الأكثر استقراراً، وذلك باستخدام تقنيات التبخر أو الطباعة (مثل الحبر على الصحف) وحتى “الطلاء بالدوران”، وهي تقنية تشبه فن الدوران (spin art) الذي انتشر في تسعينيات القرن الماضي. يمكن أن يساعد تغيير تركيب طبقة البيروفسكايت على زيادة عمرها أيضاً.

يتعاون كل من تشين وراند في مشروعين ممولين حديثاً ومدعومين بملايين الدولارات من وزارة الطاقة الأميركية لاختبار تركيبات البيروفسكايت والسيليكون التي قد تكون أكثر استدامة ويكون ترويجها تجارياً أسرع. تشمل الجهات المشاركة الأخرى جامعات وعدداً من شركات البيروفسكايت الناشئة (منها سويفت سولار) والمختبر الوطني للطاقة المتجددة في الولايات المتحدة.

اقرأ أيضاً: جامعة كاوست تطور خلايا شمسية ترادفية هي الأكثر كفاءة حتى اليوم

الحفاظ على الطاقة

يقول راند، الذي يدرّس فريقه في جامعة برينستون طرق إيقاف تحلل البيروفسكايت، إن الباحثين في هذا المجال قطعوا شوطاً طويلاً في السنوات السبع الماضية، وأصبحت الألواح الشمسية اليوم مغلّفة بكفاءة أعلى لعزلها عن المياه. ويقول راند إن المطلوب الآن ببساطة هو إجراء عملية استبعاد تنطوي على تحديد مكونات الخلية الكيميائية التي تزداد احتمالات تفاعلها مع العوامل الخارجية والاستعاضة عنها بمواد أخرى، لكنه لا يعتقد أن إجراء المزيد من التجارب سيعوق الترويج التجاري بالضرورة.

يقول: “النتائج الحالية واعدة بما يكفي برأيي للاستثمار في هذه التكنولوجيا. ولكن العمل لم ينته بعد؛ إذ إن هناك الكثير من الإنجازات غير المسبوقة التي يجب تحقيقها، تحديداً من ناحية استقرار خلايا البيروفسكايت”.

يقول المؤسس الشريك والرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في شركة سويفت سولار، توماس لايتنز، إن الخلايا التي تنتجها الشركة الآن تتحمل درجات حرارة تصل إلى 70 درجة مئوية في أثناء تشغيلها وهي معرضة للضوء دون أن تتحلل، وقال لايتنز وهو جالس إلى طاولة مزيّنة بنموذج لونه وردي فاقع من البيروفسكايت: “برأيي، لم يكن بالإمكان حتى تصوّر هذا الإنجاز قبل 5 سنوات”.

اقرأ أيضاً: كيف تتحول الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية بوجود منظومة الطاقة الشمسية؟

لكن يجب على الشركات في هذا القطاع ضمان أن تتمتّع الخلايا جميعها بالقدرة على التحمّل التي تتمتع بها خلايا شركة سويفت سولار؛ إذ تصنع الشركات حول العالم سنوياً مئات الملايين من الألواح الشمسية التي يحتوي كل منها على عشرات الخلايا. يجب أن تجتاز الألواح اختبارات صارمة خاصة بالقطاع قبل استخدامها في المشروعات، ومنها اختبار القدرة على تحمل التغيّرات السريعة في درجات الحرارة وتحمل الرطوبة وتساقط البَرَد. لم تبدأ شركة سويفت سولار التي أسست عام 2017 بإجراء الاختبارات المستقلة بعد، ويعرّض الخبراء فيها حالياً الخلايا لبعض هذه الظروف في مختبرها الخاص، كما أنها ركّبت لوحاً شمسياً واحداً على سطح مقرها.

تعمل الشركات الناشئة مثل سويفت سولار وأوكسفورد بي في (Oxford PV)، وهي شركة بريطانية انبثقت من مختبر أبحاث جامعي عمل فيه بعض مؤسسي شركة سويفت سولار من قبل، مع أكبر الشركات في القطاع لطرح الخلايا الترادفية في السوق. وتقول شركة أوكسفورد بي في إنها ستبدأ بشحن ألواح البيروفسكايت الترادفية للعملاء في وقت لاحق من عام 2024.

اقرأ أيضاً: هذه الألواح الشمسية المرنة قد تقربنا إلى التخلص من الوقود الأحفوري

كما اشترت أكبر شركة أميركية للطاقة الشمسية، فيرست سولار (First Solar) ومقرها ولاية أريزونا، شركة أوروبية متخصصة في تطوير تكنولوجيا البيروفسكايت تحمل اسم إيفولار (Evolar) في مايو/أيار 2023.

closeup on a worker in a clean suit loading a tandem cell into a holder
تخطط شركة أوكسفورد بي في للبدء بشحن الخلايا الشمسية الترادفية التي تطورها في عام 2024. ديفيد مالكوم/شركة أوكسفورد بي في

قال الرئيس التنفيذي لشركة فيرست سولار، مارك ويدمار، في بيان صحفي حول استحواذ شركته على شركة إيفولار، إن الشركة تعتقد أن “الوحدات الفولط ضوئية الترادفية العالية الكفاءة هي مستقبل الطاقة الشمسية”. بعد بضعة أيام فقط، قالت شركة كورية من الشركات الكبرى العاملة على تطوير تكنولوجيا البيروفسكايت، هانوا كيو سيلز (Hanwha Q Cells)، إنها ستستثمر 100 مليون دولار لإنشاء خط تصنيع تجريبي لخلايا البيروفسكايت الترادفية، علماً أنها أسهمت عام 2022 في تأسيس مشروع بيبيروني (Pepperoni) التعاوني الأوروبي لتطوير الخلايا الترادفية.

يقول الباحثون الذين يعملون على مادة البيروفسكايت إن الخلايا الترادفية يمكن أن تُطرح في السوق خلال سنوات لا عقود، ويقول جين إن شركة سويفت سولار تأمل ترويج منتجها تجارياً خلال 4 سنوات.

من المفترض أن تساعد الحوافز في قانون خفض التضخم، الذي يتضمن ائتمانات ضريبية لمنتجات الطاقة النظيفة المصنوعة في الولايات المتحدة على تسريع ترويج هذه التكنولوجيا تجارياً.

لكن هناك أيضاً من يشكك في تكنولوجيا البيروفسكايت؛ تقول تشيس إن ألواح السيليكون المستخدمة حالياً تتمتع بفعالية كافية للإسهام في اعتماد الطاقة النظيفة ومكافحة التغير المناخي، ولطالما شككت في قدرة البيروفسكايت على إحداث نقلة نوعية في قطاع الطاقة الشمسية، إذ تقول: “لا يمكننا صنع التكنولوجيات المعتمدة على أشباه الموصّلات بالاعتماد على الزخم الذي يدعمها، بل يجب أن تثبت هذه التكنولوجيا كفاءتها”.

اقرأ أيضاً: هل ترقى خلايا البيروفسكايت الشمسية إلى مستوى الضجة المثارة حولها؟

مع ذلك، بالنظر إلى مقدار الطاقة الشمسية اللازم تسخيره لإزالة الكربون من شبكة الكهرباء، يقول مؤيدو تكنولوجيا البيروفسكايت إن كل زيادة ولو صغيرة في الكفاءة ستكون مهمة.

يقول لايتنز: “تتمتع خلايا السيليكون بكفاءة كبيرة، إلا أن كفاءة الخلايا الترادفية أكبر. علينا في خضم مكافحة التغير المناخي أن نسرّع تطوير التكنولوجيا الجديدة وألا نكتفي بما لدينا، فهناك دائماً مجال للتحسين والتطوير”.