كيف يبدو طعم البرغر المُستَنبت في المختبر؟ وهل سيسهم في حل مشكلة التغير المناخي؟

4 دقائق
كيف يبدو طعم البرغر المُستَنبت في المختبر؟ وهل سيسهم في حل مشكلة التغير المناخي؟
مصدر الصورة: ستيفاني أرنيت. إم آي تي تي آر. غيتي إيميدجيز، إنفاتو
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

جلستُ في زاوية بهو فندق بمدنية بروكلين وحدقتُ إلى شرائح اللحم التي وُضعت أمامي، كل منها في طبق من الخيزران. وُضعت في أقصى اليسار شطيرة من البرغر النباتي من إنتاج شركة إمبوسيبل فودز (Impossible Foods)، وعلى اليمين شطيرة من البرغر البقري التقليدي، وفي المنتصف، الطبق الأهم! شطيرة البرغر المصنوع من اللحم المستنبت في المختبر.

لستُ نباتيةً، فأنا أشرب الحليب الكامل الدسم وأحب تناول شطائر الهوت دوغ ولا سيما في حفلات الشواء الصيفية، لكن بصفتي مراسلةً مختصةً في المناخ، فأنا أدرك تماماً تأثير استهلاك اللحوم في كوكبنا، إذ تنتج الزراعة الحيوانية ما يقرب من 15% من انبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى العالم، وتسبب لحوم البقر على وجه التحديد انبعاثات من كل غرام أكثر من أي لحوم أخرى.

لذلك أنا آمل حقاً أن تقدم لنا اللحوم المستنبتة تجربة مشابهة لتناول اللحم التقليدي دون التسبب بأضرار مناخية، ومن ثم فقد عقدت آمالاً كبيرة على اختبار التذوق هذا؛ هل يمكن أن يتطابق البرغر المستنبت مخبرياً مع توقعاتي؟

من اليسار إلى اليمين: شطيرة البرغر النباتي من إنتاج شركة إمبوسيبل فودز، شطيرة البرغر المستنبت مخبرياً من إنتاج شركة أوهايو فالي، شطيرة البرغر البقري العادي.

من يكسب المنافسة؟

قالت المؤسِّسة والرئيسة التنفيذية لشركة اللحوم المستنبتة أوهايو فالي (Ohayo Valley)، جيس كريغر (Jess Krieger): “توفر شركتنا غذاء آمناً”، بينما كانت ترتدي زوجاً من القفازات البلاستيكية السوداء لتجهيز شرائح البرغر الثلاث التي كنت على وشك تذوقها، وكانت عينة برغر واغيو الذي استنبتته شركتها في المختبر، هي آخر ما سأتذوقه من بينها.

بدأنا بالبرغر النباتي من إنتاج إمبوسيبل فودز التي تأسست في عام 2011، وهي تصنع بدائل اللحوم من النباتات، والمكون المميز في هذا المنتج هو بروتين الهيم (heme)، الذي يُنتَج بواسطة ميكروبات معدلة وراثياً ويُمزج باللحم النباتي للحصول على نكهة اللحم الحقيقي. تناولتُ قطعة صغيرة من البرغر النباتي، وكان طعمه قريباً إلى حد مرضٍ من طعم اللحم البقري، على الرغم من أن قوامه كان أكثر ليونة وطراوة. إذا كنتَ مقيماً في الولايات المتحدة فلربما سبق لك أن جربت اللحم النباتي، أما في أوروبا، فلم يوافق المشرعون بعد على استخدام مادة الهيم في الأغذية، ولذلك لا تحتوي منتجات شركة إمبوسيبل فودز عليه هناك.

بعد ذلك جاء دور تذوق برغر اللحم البقري، جدير بالذكر أنه لم يوضع على أي من شرائح اللحم الثلاث أي نوع من الصلصات أو الإضافات، وقالت كريغر إنها جميعاً تُبِّلَت بالطريقة ذاتها لضمان المنافسة العادلة، في الحقيقة لم يكن لدي ما أقوله عن شريحة اللحم هذه، إنها مجرد قطعة برغر عادية حتى أن ذهني في أثناء مضغها كان منشغلاً بالعنصر الأخير في قائمة التذوق لهذا اليوم، اللحم المستنبت في المختبر.

اقرأ أيضاً: بيل غيتس: يجب على الأمم الثرية الانتقال بشكل كامل إلى لحم البقر الاصطناعي

هل يُمثل اللحم المستنبت مخبرياً مستقبل إنتاج اللحوم؟

تبدأ شركة أوهايو فالي إنتاج برغر الواغيو بأخذ خزعة عضلية صغيرة من عجل، يمكن بعد ذلك زرع خلايا من تلك العينة في المختبر، وهي في معظمها خلايا عضلية وليفية (يمكن أن تتحول إلى خلايا دهنية مع نمو البقرة)، فتنمو وتنقسم مراراً وتكراراً، وأوضحت كريغر أن احتواء المنتَج النهائي على مزيج من خلايا العضلات والأرومات الليفية والخلايا الدهنية الناضجة هو عامل أساسي لتكوين النكهة.

بمجرد تكاثر الخلايا بما يكفي، تُغسل بالماء المالح لإزالة المرق الذي نمت فيه وتخزّن في الثلاجة طوال الليل، وفي اليوم التالي تصبح جاهزة لإعداد البرغر. قالت كريغر إن معظم عمليات الإنتاج في أوهايو فالي ما زالت تجري على نطاق مختبري ضيق، لذا فقد استغرق الأمر نحو 3 أسابيع لتنمية جميع الخلايا اللازمة لصنع الشريحة التي تذوقتها و4 شرائح أخرى خطط الفريق لتقديمها في فعالية أقيمت في وقت لاحق من ذلك اليوم.

وأوضحت أن شريحة البرغر في طبقي تتكون من نحو 20% فقط من المادة المستنبتة في المختبر، إذ تتمثل خطة الشركة في مزج الخلايا المستنبتة بجذر لحم نباتي (لم تطلعني على تفاصيل كثيرة عن هذا الجذر وكل ما قالته هو أنه ليس وصفة خاصة بشركة أوهايو فالي)، وقالت إن النباتات يمكن أن تساعد على توفير البنية المطلوبة للحوم البديلة. من جهة أخرى، فالمكونات التي تنتج في المختبر باهظة الثمن، لذا يمكن أن تكون لعميلة مزج اللحم المستنبت مع اللحم النباتي فائدة رئيسية أخرى في خفض التكاليف، وكان زميلي نيال فيرث كتب عن عملية مزج اللحوم المستنبتة في المختبر باللحوم النباتية (وعن شركة أوهايو فالي) في عام 2020. 

اقرأ أيضاً: للمرة الأولى في العالم: ترخيص استهلاك اللحم المستنبَت في سنغافورة

أُعلن عن أول برغر مستنبت مخبرياً في العالم، في مؤتمر في عام 2013، بتكلفة قدرت حينئذ بنحو 330 ألف دولار أميركي، ومنذ ذلك الحين قطعت الجهود المبذولة في هذا الموضوع شوطاً كبيراً، ففي عام 2020 أصبحت سنغافورة أول بلد يسمح ببيع اللحوم المستنبتة في المختبر تجارياً، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، تمكنت شركة في الولايات المتحدة من اجتياز واحدة من العقبات الأخيرة التي تفرضها إدارة الغذاء والدواء.

كنت أفكر في هذا السياق كله عندما التقطت البرغر المختبري وأخذت قضمة، لا شك في أنه كان مختلفاً عن اللحم البقري، ولكن ربما لم يكن الاختلاف سيئاً. بالنسبة إلي، بدا شكل البرغر المستنبت مخبرياً شبيهاً جداً بالبرغر النباتي الذي تنتجه شركة إمبوسيبل فودز، كما بدا مشابهاً له في القوام، وهو أمر منطقي لأنه مصنوع في غالبه من النباتات، أما من ناحية المذاق، اعتقدتُ أن اللحم المستنبت مخبرياً ربما كان أقرب قليلاً إلى برغر اللحم البقري، لكنني وجدت نفسي أتساءل عما إذا كنت سأشعر كذلك لو لم أكن أعرف ماهية كل منهما، فهل خدعني عقلي فظننت أن مذاقه شبيه بمذاق اللحم، لأنني كنت أعرف أن فيه خلايا حيوانية؟ أخذت قضمات من شرائح البرغر الثلاث مجدداً لأكتشف ذلك، لكنني لم أتمكن من الجزم.

ثمة أسئلة كثيرة حول اللحوم المستنبتة مخبرياً ما زالت بحاجة إلى إجابات ومنها ما إذا كانت الشركات ستتمكن من إنتاج هذه اللحوم على نطاق تجاري وتكلفته وتأثيره في المناخ فعلياً، ومدى تقبل الناس لتناولها في المقام الأول.

اقرأ أيضاً: ما التكنولوجيات التي يمكن استخدامها لإبطاء عملية التغيّر المناخي؟

عموماً، ربما لدينا خيارات أفضل من عملية إنتاج اللحم البقري الحالية للمساعدة على الحد من تغير المناخ، لكن على الرغم من أنني أعلم أن بإمكاني تناول الفاصولياء والتوفو (جبنة فول الصويا) والعدس ولدي بعض الوصفات النباتية الرائعة التي ألجأ إليها أحياناً، فأنا لست مستعدة للتخلي كلياً عن البرغر، ولست وحدي في ذلك؛ فالغالبية العظمى من سكان العالم ما زالوا يأكلون اللحوم، ومع تصاعد الضغوط التي يفرضها التغير المناخي، يبحث الكثير من الناس عن حلول وسط: بدائل تقدم تجربة مماثلة أو على الأقل شبيهة بتجربة أكل اللحوم، وأنا أتوق إلى معرفة ما إذا كانت اللحوم المستنبتة مخبرياً ستشكّل بديلاً مقنعاً يوقفنا عن استهلاك اللحوم التقليدية مستقبلاً.