لماذا تشهد صناعة استخراج المعادن الأرضية النادرة سباقاً محموماً؟

11 دقيقة
لماذا تشهد صناعة استخراج المعادن الأرضية النادرة سباقاً محموماً؟
تعمل شركة نوفيون ماغنيتيكس في الولايات المتحدة على استخلاص المواد من المغانط التجارية المهملة، مثل هذا المغناطيس، من أجل تصنيع مغانط جديدة للتوربينات الريحية والسيارات الكهربائية.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يمثّل التخلي عن الوقود الأحفوري -بأنواعه المختلفة- والاعتماد على التكنولوجيات المنخفضة الكربون أفضل فرصة لدينا لدرء التهديد المتسارع للتغيّر المناخي، وسيسهم توفر العناصر الأرضية النادرة، وهي عناصر أساسية في الكثير من هذه التكنولوجيات، في تحديد البلدان التي ستتمكن من تحقيق أهدافها المناخية فيما يتعلق بخفض الانبعاثات، أو زيادة نسبة الكهرباء المولدة من مصادر أخرى غير الوقود الأحفوري. لكن بعض الدول، بما فيها الولايات المتحدة، تشعر بدرجة متزايدة من القلق حول استقرار الكميات المتاحة من هذه العناصر.

ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة، من المتوقع أن تتضاعف مستويات الطلب الحالية على العناصر الأرضية النادرة من 3 إلى 7 مرات بحلول عام 2040، وقد يرتفع الطلب على مواد معدنية مهمة أخرى، مثل الليثيوم، إلى 40 ضعفاً. سيتطلب تحقيق تعهدات اتفاقية باريس لعام 2016، التي تلزم الدول الموقعة بخفض الانبعاثات لوضع حد للاحترار العالمي، مضاعفة حجم العرض العالمي من المعادن خلال الإطار الزمني نفسه. ووفقاً للوتيرة الحالية، سيرتفع حجم العرض إلى الضعف.

العناصر الأرضية النادرة

تبدأ عملية استخلاص العناصر الأرضية النادرة بالحصول على المواد الخام، وهو ما يحصل عموماً وفق ثلاث طرق: الاستخراج الأولي، أي التعدين من الأرض مباشرة، والاستعادة من المصادر الثانوية، مثل التجهيزات الإلكترونية التي انتهى عمرها التشغيلي الافتراضي، والاستخراج من مصادر غير تقليدية، بما فيها المخلفات الصناعية مثل رماد الفحم ومخلفات المناجم. غير أن هيمنة الصين على السوق -سيطرت الصين على نسبة 60% من الإنتاج في 2021- وصلت إلى درجة وضعت البلدان الأخرى في موقف صعب. فبعد أن أعلنت الصين في 2023 فرض قيود على تصدير الغاليوم والجرمانيوم والغرافيت، سارعت الدول الأخرى إلى العثور على مصادر بديلة تحسباً للقيود المستقبلية.

تتسم عمليات الاستخراج الأولي في الولايات المتحدة بأنها محدودة، فثمة منجم واحد نشط فقط لإنتاج العناصر الأرضية النادرة محلياً، وهو منجم ومنشأة المعالجة ماونتن باس للعناصر الأرضية النادرة (Mountain Pass Rare Earth Mine and Processing Facility) في كاليفورنيا. يمكن أن يستغرق فتح مناجم جديدة فترة تصل إلى عقود كاملة. ولهذا، يسعى العلماء والشركات على حد سواء إلى زيادة الوصول إلى هذه المواد وتحسين استدامتها، وذلك من خلال استكشاف مصادر ثانوية ومصادر غير تقليدية.

اقرأ أيضاً: ما هي المعادن المهمة التي يعتمد العالم فيها على الصين وكيف يتم توريدها؟

العثور على مواد مهمة

يظهر 16 عنصراً من بين العناصر الأرضية النادرة جميعها، التي يبلغ عددها 17، في قائمة تعود إلى عام 2022 تضم 50 عنصراً وتُعرف باسم “المواد المهمة للغاية“، ما يعني أنها تتمتع بأهمية اقتصادية، غير أنها معرضة للزعزعة من حيث العرض. تتضمن المجموعة المؤلفة من 17 عنصراً البراسيوديميوم (المستخدم في محركات الطائرات) والغادولينيوم (المستخدم في أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي) والنيوديميوم (المستخدم في محركات الأقراص الصلبة الحاسوبية)، وتحتوي على “سلسلة اللانثانيدات” -وهي العناصر الخمسة عشر التي تحمل الأعداد الذرية من 57 إلى 71 في موضع قريب من أسفل الجدول الدوري- إضافة على عنصرين مشابهين كيميائياً. أمّا صفة “النادرة” التي ترد في مصطلح “العناصر الأرضية النادرة” فلا تشير إلى الكمية المتوفرة، بل إلى توزع هذه العناصر على نطاق واسع للغاية، فمن الصعب العثور على كمية مجدية اقتصادياً في مكانٍ واحد.

يمثّل رماد الفحم أحد المصادر غير التقليدية للعناصر الأرضية النادرة، وهو المخلفات الصلبة المترسبة الناتجة عن حرق الفحم في محطات توليد الطاقة. تاريخياً، غالباً ما يُخلط رماد الفحم مع الماء لتكوين ملاط لزج يُخزن في برك تُسمَّى أيضاً أحواض تجميع سطحية. يحتوي هذا الرماد على تراكيز مرتفعة من العناصر الأرضية النادرة، ما يعني أنه قد يكون مصدراً محلياً مهماً للغاية لهذه المواد في مدن الفحم الأميركية السابقة، التي تواجه تحديات عديدة بسبب إغلاق محطات توليد الطاقة بالفحم. ثمة أكثر من 1,000 بركة لرماد الفحم متوزعة في أنحاء الولايات المتحدة كافة، وينتشر معظمها في الجزء الشرقي من البلاد. تحتوي إحدى أكبر المنشآت، وهي محطة باري في مقاطعة موبيل بولاية ألاباما، على أكثر من 21 مليون طن من الفحم على امتداد 600 فدان (2.4 كيلومتر مربع تقريباً).

اقرأ أيضاً: النفط والغاز ومستقبل البوليمرات واللامعادن، إلى أين؟

لكن هذه البرك ليست خالية من الأضرار، فوفقاً لوكالة حماية البيئة الأميركية، يمكن أن يؤدي سوء إدارة هذه البرك إلى تعريض المجاري المائية والمياه الجوفية ومياه الشرب والهواء إلى التلوث بمواد مثل الزئبق والكادميوم والزرنيخ. قدمت كلٌّ من المنظمة اللاربحية إيرث جستس (Earthjusitce) المتخصصة في القانون البيئي، والمنظمة اللاربحية إيرث ووركس (Earthworks) التي تركّز على منع الآثار المدمرة الناجمة عن استخراج النفط والغاز والمواد المعدنية، وثيقة إلى وزارة الطاقة الأميركية رداً على طلب ورد منها عام 2023 للحصول على معلومات منهما، وأشارت هذه الوثيقة إلى أن “نسبة 91% من محطات الطاقة التي تخزن رواسب احتراق الفحم (CCRs) تتسبب بتلويث المياه الجوفية إلى مستويات تتخطى المعايير الفيدرالية للمستويات المسموح بها في مياه الشرب”. يمكن أن تتعرض هذه البرك أيضاً إلى الاختلال خلال الأحداث المناخية العنيفة، ويمكن أن يؤدي فيضان المواد الملوثة الناجم عن هذه المشكلة إلى تدمير الحياة البرية، وإحداث أضرار في الأملاك العامة والخاصة، وتهديد صحة التجمعات السكانية وسلامتها.

تعتقد شركة ريفاليا كيميكال (Rivalia Chemical) الناشئة أنه يمكن التعامل مع المخاطر الصحية التي تشكّلها برك الرماد من خلال إعادة استخدام الرماد لتكوين إمدادات محلية من العناصر الأرضية النادرة. وتقول المهندسة البيئية التي أسست ريفاليا في 2021، لورا ستوي، إنها أسست الشركة مدفوعة بالمخاوف البيئية وإمكانية الإنعاش الاقتصادي على حد سواء.

اقرأ أيضاً: تعرّف إلى مولدات الطاقة النانوية التي ستلغي البطاريات من الأجهزة القابلة للارتداء

بدأت ستوي تطور تكنولوجيا ريفاليا الرائدة خلال مرحلة الدراسات العليا في معهد جورجيا للتكنولوجيا، وتعمل حالياً على توسيع نطاق هذه التكنولوجيا في إطار برنامج تشين رياكشن إينوفيشنز (Chain Reaction Innovations) في مختبر أرغون الوطني التابع لوزارة الطاقة الأميركية. في 2019، دعم معهد جورجيا للتكنولوجيا هذه الشركة الناشئة في تقديم طلب للحصول على براءة اختراع (لا تزال قيد الدراسة حالياً) لهذه التكنولوجيا التي تمتلك ريفاليا ترخيصاً حصرياً لها.

تستخرج هذه التكنولوجيا العناصر الأرضية النادرة من رماد الفحم، حيث تنتج العملية محلولاً غنياً بهذه العناصر، وراسباً صلباً يحتوي على الحديد ومعادن أخرى. ومن خلال عدة خطوات متتالية من التسخين والتبريد، تتحول العناصر الأرضية النادرة إلى سائل أيوني -وهو ملح في الحالة السائلة- عبر آلية تبادل البروتونات. يمكن تخفيض كمية الحديد في المحلول النهائي من خلال تقنيات الاختزال الكيميائي الذي يعتمد على الأحماض والترشيح الذي يعتمد على الأملاح، وبعد ذلك، يجب إخضاع العناصر الأرضية النادرة لعمليات فصل إضافية لإنتاج المعادن أو الأكاسيد النقية. تستطيع ريفاليا بيع النواتج الأولية إلى شركات تستطيع تنفيذ خطوات المعالجة اللاحقة، والمنتجين الذين يستخدمون العناصر الأرضية النادرة، وبيع الرواسب الصلبة إلى منتجي الخرسانة.

تقول ستوي إن جهود ريفاليا ستؤدي إلى إنتاج مواد يمكن استخدامها في تصنيع منتجات أقل تلويثاً، ومصادر طاقة بديلة. إضافة إلى هذا، يمكن أن تساعد هذه المواد في تخفيف الأثر الكربوني لإنتاج الخرسانة، وذلك من خلال إعادة استخدام المخلفات الصلبة لتكون بديلاً للإسمنت البورتلاندي الذي يؤدي إنتاجه إلى إطلاق كميات كبيرة من الانبعاثات، وهو أحد المكونات الرئيسية للخرسانة. (لمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع، يمكن الاطلاع على مقال: أصعب المشكلات المناخية)

تفضّل شركة ريفاليا العمل مع مخلفات المنتجات الحالية بدلاً من الفحم الذي لم يُحرق بعد. هذا النهج محفوف بالمخاطر، فاستخراج العناصر الأرضية النادرة من المصادر غير التقليدية قد يكلف أكثر من التعدين، نظراً لانخفاض تراكيز العناصر الأرضية النادرة، والتراكيز الأولية العالية من الملوثات السامة.

اقرأ أيضاً: كيف سينعكس الدعم الألماني لصناعة الرقائق الإلكترونية على مستقبلها؟

غير أن هذه الطريقة، كما تقول ستوي، تمثّل توجهاً استراتيجياً من حيث الحاجة إلى تنويع الإمدادات. كما أنها فرصة للاستفادة من مادة متوفرة على نطاقٍ واسع وليس لها استخدامات بديلة أو قيمة اقتصادية بارزة، فقد بلغت قيمة العناصر الأرضية النادرة في احتياطيات رماد الفحم في الولايات المتحدة وفق تقديرات سابقة 4.3 مليار دولار (بناءً على أسعار عام 2013)، ومن المرجح أنها ازدادت منذ ذلك الحين. لا تزال هذه الشركة الناشئة، بوصفها جديدة نسبياً، في مرحلة البحث والتطوير، وتركّز حالياً على تخفيض تكاليف الاستخلاص.

“أرغب في أن تصبح الشركة أحد الأطراف الفاعلة في نظام بيئي كبير يتضمن الكثير من الأطراف التي تنتج العناصر الأرضية النادرة، وهذه أفضل نتيجة بالنسبة للجميع”.

إن السباق الهادف إلى إنتاج العناصر الأرضية النادرة محلياً في الولايات المتحدة، يمثّل جزئياً على الأقل محاولة لاكتشاف وسيلة لتنفيذ هذا العمل بطريقة اقتصادية، لكن من المستبعد أن تتمكن الشركات من تخفيض تكاليف الإنتاج بما يكفي لتكون قادرة على المنافسة على السعر وحده. يأمل الخبراء أن يتقبل العملاء دفع مبالغ إضافية، للتعويض جزئياً عن التكاليف المرتفعة.

يقول مدير البرنامج في برنامج الفلزات الكربونية في مكتب إدارة الطاقة الأحفورية والكربون في وزارة الطاقة الأميركية، إيفان غرانيت: “نأمل بوجود سوق للمواد المُنتَجة محلياً وفق طريقة تتسم بالوعي البيئي والأخلاق التي تحترم العمال الذين ينتجون هذه المواد”.

بدأ المشرعون يتعاملون مع مشكلة رماد الفحم، ولهذا، يتعين على الشركات الراغبة في استخدام هذه المادة مراقبة التطورات المقبلة من كثب. بدأت وكالة حماية البيئة تنظيم إدارة برك رماد الفحم في 2015 بعد حوادث تسرب مدمرة في عامي 2008 و2014. يقضي التحديث المقترح مؤخراً لقواعد عام 2015، بتغطية البرك القديمة الخاملة أو حفرها، والتي كانت مستثناة سابقاً.

وبعد إصدار قواعد عام 2015، قالت شركة إيرث جستس، إن إغلاق البرك من خلال تغطيتها في مكانها أسلوب غير كافٍ إذا كانت تبعد أقل من 150 سنتيمتراً عن المياه الجوفية، وإن منع الأضرار المستقبلية في هذه الحالات ممكن فقط من خلال حفر البركة بالكامل. غير أن كلا الخيارين -التغطية أو الحفر- سيزيد من صعوبة الوصول إلى رماد الفحم بالنسبة لشركات مثل ريفاليا. تقول ستوي إن هذا يمثّل بالنسبة لها سبباً يدعوها إلى التحرك بصورة حاسمة.

اقرأ أيضاً: تفاصيل خطة الصين للسيطرة على سوق صادرات أشباه الموصلات

وتُضيف أنها تشعر بالقلق من أن يؤدي عملها، على نحو غير مقصود، إلى ظهور أسواق جديدة للنواتج الثانوية للفحم، ما قد يعرض طموحات الطاقة النظيفة في البلاد إلى الخطر. ومن المفارقة أن توقُّف شركات الطاقة عن استخدام الفحم سيؤدي في نهاية المطاف إلى نفاد المادة الأولية التي تعتمد عليها ريفاليا. غير أن ستوي لا تشعر بالقلق بعد، حتى من دون وجود إنتاج جديد لهذه المواد، حيث يوجد في الولايات المتحدة حالياً مليارا طن متري من الرماد، ويبدو أن الكثير من البلدان الأخرى سيواصل حرق الفحم في المستقبل المنظور.

تقول كبيرة المستشارين في برنامج الطاقة النظيفة في إيرث جستس، ليزا إيفانز، إنه يتعين علينا أن نتعامل مع هذه الكميات من الرماد بدرجة عالية من العناية. وتُضيف إيفانز أننا في حاجة إلى درجة أعلى من الرقابة التنظيمية على هذه الشركات لضمان تخلصها من النواتج الثانوية على نحو صحيح، حتى بالنسبة للشركات التي تعمل بدافع إزالة التلوث. وتقول: “بعد أعوام عديدة من الخبرة في دراسة سلوك الصناعات المختلفة، لاحظت أن الشركات لا تنفذ أي شيء غير مفروض عليها”، وتُضيف قائلة إنه يتعين على الحكومة أيضاً ضمان تلقّي التجمعات السكانية إشعارات مناسبة بنشاطات الاستخراج القريبة منها.

تحديث عمليات الاستخراج

تمثّل مخلفات التعدين أي مخلفات المناجم نفسها مصدراً آخرَ من المصادر غير التقليدية للمواد المهمة. لم تفرض وكالة حماية البيئة أي قواعد حتى الآن لتنظيم مسألة مخلفات التعدين للمناجم، على الرغم من أنها مماثلة لرماد الفحم من حيث الأضرار البيئية، وفقاً لإيفانز من إيرث جستس.

فينيكس تيلينغز (Phoenix Tailings) شركة ناشئة تعمل في ولاية ماساتشوستس، وهي متخصصة باستخراج العناصر الأرضية النادرة من مواقع المناجم. ويقول اثنان من مؤسسي فينيكس، وقد أمضيا طفولتهما في تجمعات سكانية تعرضت لآثار سلبية بسبب التعدين، إنهما يعملان مدفوعين بتجربتهما الشخصية، إضافة إلى تنامي الطلب على العناصر الأرضية النادرة.

تتبع فينيكس ما تسميه “نهج المحفظة” أو “النهج التمويلي المتعدد المصادر” الذي يحسّن الجدوى الاقتصادية، حيث تستخرج العناصر الأرضية النادرة الأربعة المستخدمة عادة في المغانط (وهي النيوديميوم والبراسيوديميوم والديسبروسيوم والتيربيوم)، إضافة إلى معادن البطاريات، ومعادن مجموعة البلاتين، والمواد الحديدية المنخفضة الكربون، وغيرها. وعلى غرار ريفاليا، تُعيد فينيكس استخدام المواد المترسبة في الخرسانة وغيرها من المواد الركامية. تقول الشركة إن هذه الطريقة تُتيح تخزين المواد الكربونية فترة طويلة، ما يخفف الأثر البيئي عن طريق احتجازها ومنعها من الوصول إلى إمدادات المياه.

تعمل فينيكس على تحديث أساليب الاستخراج، وتخفيف متطلبات الطاقة والتجهيزات والتمويل، كما يقول المؤسس المشارك أنتوني بالادون. يقول بالادون: “نعمل على تطوير عمليات كيميائية مخصصة للعناصر الأرضية النادرة، بدلاً من محاولة استخراجها قسراً بأساليب أخرى”.

بعد الحصول على محلول أكاسيد مركز يحتوي على العناصر الأرضية النادرة، تستخدم فينيكس تقنيات الفصل لاستخلاص النواتج النهائية المرغوبة. بعد ذلك، تجري الشركة عملية إرجاع كيميائي إلى المنتجات النهائية من المعادن والسبائك باستخدام التحليل الكهربائي الذي يعتمد على خليط أملاح الهاليد الذائبة، ما يُتيح تخفيض متطلبات الطاقة بنسبة تتراوح من 35% إلى 45%. يقول الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في الشركة، توماس بيالون، إن عملية فينيكس تخفف من الهدر الحتمي للمواد بين المراحل المختلفة للعملية، وتحسّن نقاء المنتج النهائي.

اقرأ أيضاً: كارتييه وتيفاني تروجان لمجوهراتهما العريقة عبر الواقع المعزز

أيضاً، يبرز مؤسسو فينيكس أهمية استدامة عملية الشركة، حيث يقولون إنها لا تعتمد على أي مواد خطرة، ولا تؤدي إلى أي انبعاثات كربونية مباشرة. تعمل الشركة حالياً على إنتاج المعادن الأرضية النادرة للعملاء التجاريين، وتتوقع أن تنتج أكثر من 3,000 طن سنوياً من المعادن الأرضية النادرة الجاهزة بحلول عام 2026. ووفقاً لتقديرات بيالون، ستحافظ الشركة على نشاطها فترة طويلة، حيث تنتج عمليات التعدين الجديدة 10 مليارات طن من مخلفات التعدين كل عام.

زيادة الطلب على المغانط

تركّز بعض الشركات على المواد المعاد تدويرها بصفتها مصدراً للعناصر الأرضية النادرة القابلة للاستخلاص بدلاً من مخلفات الفحم. وتعمل شركة نوفيون ماغنيتيكس (Noveon Magnetics) –المعروفة سابقاً باسم أوربان ماينينغ (Urban Mining)- على استخلاص المواد المهمة من مخلفات المغانط التجارية (المستخرجة من المحركات الكهربائية أو التجهيزات الطبية، على سبيل المثال، أو من وحدات التخزين المستخدمة في مراكز البيانات) أو تلك التي سُحِبَت من سلاسل التوريد بسبب عيوب في التصنيع أو التقادم. تستخدم نوفيون هذه المواد في تصنيع مغانط جديدة ومصلدة حرارياً من النيوديميوم والبورون (البور)، وهي عناصر مهمة للغاية في المولدات الكهربائية المستخدمة في التوربينات الريحية، والمحركات في السيارات الكهربائية.

ووفقاً لتوقعات وزارة الطاقة الأميركية، فإن الطلب على هذه المغانط المصنوعة من العناصر الأرضية النادرة سيصل في الولايات المتحدة إلى أكثر من أربعة أضعاف مستواه الحالي بحلول عام 2050. يُعزى هذا جزئياً إلى تحسن التكنولوجيات الصناعية، كما يقول الرئيس التنفيذي للشؤون التجارية في نوفيون، بيتر أفيوني. “هذه المحركات مستخدمة في المضخات والضواغط وأنظمة التكييف والتبريد والتهوية الصناعية وغير ذلك، ما يجعلها مسؤولة عن 50% من استهلاكنا للطاقة الكهربائية. وإذا رغبنا في الوصول إلى مرحلة الحياد الكربوني، فيتعين علينا تحديث هذه الأنظمة وجعلها أكثر فاعلية”، كما يقول أفيوني.

توجد أقل من 10 شركات نشطة حالياً لتصنيع المغانط خارج الصين، ونوفيون هي الشركة الوحيدة الموجودة في الولايات المتحدة. يقول أفيوني إن الشركة تحصل على موادها جميعاً من مصادر محلية. تنتج الشركة نوعاً جديداً من المغانط العالية الأداء، وتطلق عليها اسم “إيكو فلاكس” (EcoFlux)، ويتطلب تصنيع هذه المغانط كميات أقل من المواد الأولية بالمقارنة مع المغانط التقليدية، كما يقول أفيوني.

اقرأ أيضاً: ما ملامح المرحلة المقبلة في مجال تكنولوجيا البطاريات؟

وعلى حين يصعب على المغانط المعاد تدويرها مضاهاة المنتجات غير المعاد تدويرها من حيث الأداء، يقول أفيوني إن نوفيون تمكنت من تحقيق هذا الإنجاز من خلال الجمع بين تكنولوجيا خاصة بمؤسسة أخرى لتحسين تركيب المواد المغناطيسية وخصائصها، وتكنولوجيا خاصة بها وحاصلة على براءة اختراع باسم تكنولوجيا مغناطيس-إلى-مغناطيس (Magnet-to-Magnet)، وهذه التكنولوجيا قادرة على إعادة تدوير المواد المدخلة بنسبة تصل إلى 99.5%. ويُضيف قائلاً إن نوفيون لديها العديد من العملاء، وتنتج على نطاق تجاري في منشآتها في تكساس. ويقول إن الشركة تخطط لإنتاج 10,000 طن كل عام خلال خمسة أعوام.

هذه المغانط الجديدة مفيدة للعملاء أنفسهم الذين يمثّلون مصادر المواد الأولية التي صُنِعَت منها هذه المغانط، مثل الشركات التي تستخدم المحركات لتشغيل الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية والمنتجات الطبية أو منتجات صناعة السيارات. أمّا النتيجة النهائية، فهي حلقة مغلقة من الاستخدام المتكرر.

هل تستطيع هذه المصادر البديلة أن تحل محل المستوردات الحالية؟ في ورقة بحثية حديثة نُشرت مؤخراً في مجلة الأكاديمية الوطنية للهندسة، ذا بريدج (The Bridge)، يُقدّر باحثو وزارة الطاقة الأميركية أن رماد الفحم يمكن أن يلبي الطلب في الولايات المتحدة بالنسبة لبعض المواد المهمة، مثل الجرمانيوم، مدة 4,000 سنة تقريباً، لكن الإمدادات ستدوم أقل من 20 عاماً بالنسبة لمعظم المواد، وبالنسبة للنيكل، سيدوم أكثر من عام واحد بقليل.

تقول غرانيت إن ثمة حاجة إلى مصادر جديدة إضافية: “سنحتاج إلى الكثير من مواد المخلفات المتنوعة والمصادر غير التقليدية لتلبية الطلب على المدى الطويل، لأننا نتوقع تزايد الطلب على الكثير من هذه المعادن المهمة”.

يشير الباحثون إلى أن توسيع نطاق مصادر المخلفات يمثّل فكرة تستحق الدراسة، وتشمل هذه المخلفات “الطين الأحمر” الناجم عن إنتاج الألمنيوم، و”المياه المستخلصة” الناجمة عن إنتاج النفط، إضافة إلى المواد التي يمكن جمعها من قاع المحيط أو حتى الفضاء الخارجي.

اقرأ أيضاً: 6 ابتكارات تكنولوجية لعالم أفضل

سياسة شاملة جديدة

بين عامي 2015 و2021، قدّمت وزارة الطاقة الأميركية 27 مليون دولار على الأقل إلى مشاريع متعلقة باستخراج العناصر الأرضية النادرة، سواء من المصادر التقليدية أو غير التقليدية. وفي 2022 و2023، أعلنت الحكومة تخصيص تمويل لا يقل عن مليار دولار لدعم الأعمال ذات الصلة، بما في ذلك تقديم مبالغ كبيرة من قانون البنى التحتية الذي يحظى بدعم كلا الحزبين الرئيسيين في الكونغرس. أيضاً، أعلنت وكالات أخرى عن دعمها للشركات التي تعمل على المساعدة في تعزيز إمدادات البلاد من المواد المهمة، ما يشير إلى تجدد الشعور بالحاجة الملحة إلى بند موجود على الأجندة السياسية منذ فترة طويلة. وقد استفادت كلٌّ من ريفاليا وفينيكس ونوفيون من الدعم الحكومي، ما يشير إلى أن الحكومة مستعدة لتقديم الدعم إلى شركات متنوعة من حيث الحجم ومراحل التقدم في العمل.

غالباً ما تكشف المبالغ المخصصة للتمويل عن أولويات الإدارة التي تقدمها. وعلى سبيل المثال، كانت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب تركز على الاستقلال عن الصين، على حين يبدو دعم إدارة بايدن للإنتاج المحلي للعناصر الأرضية النادرة أكثر ارتباطاً بالتوجه الشامل نحو اعتماد السيارات الكهربائية. وبغض النظر عن الدوافع، يبدو أن الأطراف جميعها تتفق على أهمية العناصر الأرضية النادرة.

تقول ستوي من ريفاليا: “تحظى هذه المسألة بدعم واسع النطاق من كلا الحزبين الرئيسيين في الكونغرس، وهو ما يعني درجة عالية من الأمان من ناحية تمويل الأبحاث؛ فالحكومة مهتمة بهذه المسألة، وستقدّم لها التمويل فترة طويلة”.

اقرأ أيضاً: منشآت ومصانع واتفاقيات يشهدها قطاع السيارات الكهربائية في السعودية

مع احتدام السباق نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من العناصر الأرضية النادرة وغيرها من المواد المهمة، من المرجح أن تتجه الولايات المتحدة نحو درجة أعلى من التوسع، سواء من حيث عدد المؤسسات المشاركة في هذا العمل، أو تنوع المصادر المحتملة.

وعلى الرغم من اشتداد المنافسة، تقول ستوي إن المجال مفتوح أمام الجميع، وتقول: “أرغب في أن تصبح الشركة أحد الأطراف الفاعلة في نظام بيئي كبير يتضمن الكثير من الأطراف التي تنتج العناصر الأرضية النادرة. وهذه أفضل نتيجة بالنسبة للجميع”.