متى سيمكن للروبوتات الطبية الميكروية التحرك داخل أجسامنا؟

4 دقيقة
متى سيمكن للروبوتات الطبية الميكروية التحرك داخل أجسامنا؟
مصدر الصورة: ستيفاني آرنيت. إم آي تي تي آر. آيستوك، إنفاتو
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يحتوي الجسم البشري على متاهة هائلة من الأوعية والأنابيب، وهي مليئة بالحواجز التي يصعب اختراقها. يمثل هذا عائقاً صعباً بالنسبة إلى الأطباء، فغالباً ما نصاب بالأمراض نتيجة مشاكل لا نستطيع رؤيتها أو الوصول إليها بسهولة. لكن، لنتخيل ما يمكن أن يحدث إذا تمكنا من إرسال جيوش من الروبوتات الصغيرة إلى داخل الجسم لأداء العمل المطلوب بالنيابة عنا. يمكن لهذه الروبوتات تفكيك الخثرات الدموية التي يصعب الوصول إليها، وحتى توصيل الأدوية إلى الأورام التي يصعب الوصول إليها؛ بل ومساعدة الأجنة وتوجيهها نحو الانغراس في الرحم.

أعلم ما تفكر فيه، فقد سمعنا عن استخدام الروبوتات الصغيرة في الطب منذ سنوات؛ بل وحتى منذ عقود. لكنها لم تظهر واقعياً بعد.

أين روبوتاتي الميكروية الطبية؟

إنها قادمة كما يقول المختص في مجال الروبوتات في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زوريخ، براد نيلسون. إنها قادمة قريباً. ومن الممكن أن تُحدث تحولاً جذرياً في علاج بعض الأمراض الخطِرة. في مقال نشره نيلسون وزميله سالفادور بانيه في مجلة ساينس (Science) مؤخراً، قال المؤلفان إن هذه الآلات الصغيرة يمكن أن تساعد على توصيل الأدوية إلى المكان المطلوب بدقة؛ وهو ما يمكن أن يساعد على تقليل سمّيّة الأدوية. يقول نيلسون: “ولهذا؛ يمكننا استخدام جرعات أقوى، وربما يمكن أن نعيد النظر في الطريقة التي نعالج بها بعض هذه الأمراض”.

اقرأ أيضاً: علماء يصنعون روبوتات حية صغيرة قد تُحدِث ثورة في علم الطب

ما الذي يدفع نيلسون إلى التفاؤل والثقة بأن هذه التكنولوجيات مقبلة لا محالة؟

ثمة تجارب مخبرية نجحت في تمكين بعض هذه الروبوتات من أن يشق طريقه إلى أجسام الحيوانات الكبيرة مثل الخنازير. وثمة أربع شركات ناشئة، على الأقل، تعمل على تطوير الروبوتات الميكروية الطبية التي يمكن أن تتحرك “بحرية” داخل الجسم. تمكنت إحدى هذه الشركات، وهي شركة بايونوت (Bionaut)، من جمع مبلغ 43 مليون دولار العام الماضي لنقل علاجها إلى المرحلة الأولى من التجارب. وستستخدم هذه الأموال لتطوير أجهزة يبلغ حجمها حجم رأس القلم، وهي مصممة لتوصيل الأدوية إلى مكان أورام الدماغ الدبقية، وثقب الكييسات التي تعوق تدفع السائل الشوكي في الدماغ، وهو أحد أعراض مرض نادر يصاب به الأطفال ويُسَمى بـ “متلازمة داندي ووكر” (Dandy-Walker syndrome).

“الروبوتات الميكروية” مصطلح شامل يُستَخدم لتوصيف الروبوتات التي تتراوح في الحجم بين ميكرون واحد (ما يقارب جزءاً من مائة جزء من عرض الشعرة البشرية) وبضعة مليمترات. وإذا كان الروبوت صغيراً للغاية؛ أي أصغر من ميكرون، فهو روبوت نانوي. وعلى الرغم من أننا قد نشعر بالميل إلى استخدام مصطلح “بوت ميكروي” (microbot) لأنه مصطلح رنان وجذاب، فإنه في الواقع “أقرب إلى مصطلح هوليوودي”، كما يقول نيلسون.

اقرأ أيضاً: لأول مرة: ولادة أطفال حملتهم أمهاتهم بمساعدة روبوت

ما هي الروبوتات الميكروية؟

يمكن صنع الروبوتات الميكروية من المواد الاصطناعية، أو المواد الحيوية (وتسمَّى حينها “الروبوتات الحيوية” (biological robots)، أو “البوتات الحيوية” (biobots)، أو من كلاً النوعين “الروبوتات الحيوية الهجينة”).  يتحرك الكثير من هذه الروبوتات؛ بما فيها الروبوتات التي يعمل نيلسون على تطويرها، باستخدام المغانط.

لكن ثمة أنواع أخرى قادرة على التحرك بمفردها. ومؤخراً، صرّح فريق من الباحثين من جامعتي تافتس وهارفارد بأنهم تمكنوا من تحويل خلايا القصبة الهوائية إلى بوتات حيوية. تحتوي القصبة الهوائية البشرية على أهداب متموجة في الداخل لالتقاط الميكروبات والأجسام الدقيقة. لكن هؤلاء الباحثين تمكنوا من تحفيز خلايا القصبة الهوائية على تشكيل عضيّ مزود بأهداب خارجية. تستطيع هذه البوتات الحيوية أن تتحرك في مسارات مستقيمة أو دائرية أو متعرجة، وذلك وفقاً لشكلها وتوزع الأهداب عليها. وقد تفاجأ الباحثون بأن قشط جزء من طبقة من العصبونات الحية المستنبتة في طبق مخبري باستخدام قضيب معدني أدى إلى اندفاع البوتات الحيوية نحو هذه المنطقة لتحفيز نمو عصبونات جديدة. وفي بيان صحفي، قال المهندس في جامعة تافتس وقائد المشروع، مايكل ليفين: “من المذهل وغير المتوقع على الإطلاق أن تتمكن خلايا القصبة الهوائية لدى المريض، ومن دون أي تعديل في الحمض النووي، من التحرك وحدها وتحفيز نمو العصبونات في المنطقة التي تعرضت للأذى. نحن ندرس آلية الشفاء هذه، ونتساءل عن التطبيقات الأخرى لهذه الخلايا”.

اقرأ أيضاً: شاهد: كتف روبوتية تدرب أنسجة الأوتار المستزرعة بالفتل والشد

تحمل الروبوتات الميكروية فوائد كامنة هائلة. يقول نيلسون: “يفكر الكثيرون في هذا المجال، في أمراض الأوعية الدموية”. يمكن حقن الروبوتات الميكروية داخل الدم لتفكيك الخثرات الدموية في الدماغ لعلاج مرضى السكتة الدماغية، ويمكنها تدعيم نقاط الضعف في الأوعية الدموية في الدماغ لمنعها من الانفجار. وتستطيع أيضاً توصيل الأدوية إلى مواضع محددة. إضافة إلى ما سبق، ثمة بعض التطبيقات الغريبة، فقد طور باحثون في جامعة بنسلفانيا بوتات حيوية يأملون بأن تحل محل فرشاة الأسنان يوماً ما.

وتعمل فرق أخرى على تطوير بوتات تحاكي الحيوانات المنوية، أو بوتات مصنوعة من الحيوانات المنوية. فقد طور الباحثون حيوانات منوية بقريّة مغطاة بجسيمات نانوية من الحديد، وأطلقوا عليها اسم “آيرون سبيرم” (IRONSperm)، وهي قادرة على السباحة بمساعدة حقل مغناطيسي دوار، وذلك على أمل استخدامها في التوصيل الموَجَّه للأدوية.  ويعمل فريق ألماني على تطوير روبوتات ميكروية يمكن أن تساعد في عملية الإخصاب من خلال توصيل الحيوانات المنوية الضعيفة السباحة إلى البويضة. وهذا النظام مزود حتى بآلية تطلق دواء لتفكيك الغلاف الخارجي السميك للبويضة. وقد نشرت المجموعة نفسها مؤخراً توصيفاً يقترح كيفية استخدام الروبوتات الميكروية في الإخصاب في المختبر (IVF). ففي عملية الإخصاب في المختبر النموذجية، تُخصب البويضة خارج الجسم، وبعد ذلك، يُنقل الجنين الناتج من هذه العملية إلى داخل الرحم، وغالباً ما تتعرض هذه العملية إلى الإخفاق. لكن، إذا تمكنت البوتات الميكروية من نقل الجنين إلى قناة فالوب أو بطانة الرحم، فمن المحتمل أن يتمكن الجنين من التطور والنمو في ظروف أقرب إلى الظروف الطبيعية، ما قد يؤدي إلى تحسين معدلات نجاح الإخصاب. يتصور الباحثون إمكانية تصميم روبوتات ميكروية توجهها حقول مغناطيسية في أثناء حركتها لالتقاط الجنين أو حمله، وإطلاقه بعد ذلك، ليتحلل بعد ذلك على نحو طبيعي.

اقرأ أيضاً: أصغر من النملة بمليوني مرة: أنابيب نانوية يمكنها توصيل الأدوية إلى مناطق محددة بدقة داخل الخلايا

لكن ما يزال أمام الشركات بعض العوائق الكبيرة التي يجب أن تتجاوزها قبل أن تتمكن من استخدام هذه الروبوتات داخل البشر، وبعضها عوائق تقنية. تقول مهندسة الميكانيك في جامعة كارنيغي ميلون، فيكتوريا ويبستر-وود، التي تعمل على تطوير روبوتات حيوية هجينة: “إنها أنظمة صغيرة للغاية”. ولهذا؛ فإن السوائل الدموية مثل الدم تصبح بالنسبة إليها لزجة. وتضيف قائلة: “ولهذا؛ إذا كان جريانها سريعاً للغاية، سيصبح من الصعب على الروبوت أن يتحرك في الاتجاه الآخر”.

ثمة عوائق أخرى قانونية، فالروبوتات الميكروية تُصَنف في فئة الأجهزة الطبية لكنها قد تكون مخصصة أيضاً لتوصيل الدواء. يقول نيلسون: “تمثل هذه الروبوتات تركيبة تجمع بين الدواء والجهاز الطبي. وعلى حين قد يكون الدواء معروفاً على نحو جيد، فإن تركيزه سيكون، كما نأمل؛ أقل بكثير من التركيز المعتاد”. قد يعني هذا أن المشرّعين سيرغبون في رؤية المزيد من الدراسات.

أمضت ويبستر-وود عدة أعوام في هذا المجال، وتشعر بالحماسة إزاء الاهتمام الذي بدأت تجتذبه الروبوتات الميكروية. وتقول: “لقد تطور هذا المجال كثيراً حتى خلال العقد المنصرم فقط. وأعتقد أنه ثمة الكثير من التقنيات والأساليب القابلة للتطبيق الفعلي”.