تقرير خاص

عالِمة في مؤسسة قطر تسرد رحلتها في عالَم الأمن السيبراني وتجلياته على البُعدين الشخصي والوطني

3 دقيقة
حقوق الصورة: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية. تعديل: مهدي أفشكو.

تحدثت الدكتورة مشاعل الصباح، وهي عالِمة أولى متخصصة بأمن الشبكات في مؤسسة قطر، عن مسيرتها المحفوفة بالتحديات التي استطاعت تجاوزها

بدأ يتجلى شغف الدكتورة مشاعل الصباح بعلوم الحاسوب منذ أن كانت في ريعان طفولتها. فباعتبارها من جيل الألفية، فقد عاينت من كثب الفترة التي بزغ فيها نجم شبكة الإنترنت التي سرعان ما أصبحت تتصدر موجة التطورات التكنولوجية التي أعقبت ذلك.

ومن المُثير للاهتمام أن شغفها قد ازداد بعد لقاءٍ جمعها مع صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر. فقد اقترحت صاحبة السمو خلال محادثة مع الدكتورة الشابة في أثناء حفل الاحتفاء بالطلاب المتفوقين، أن تخصص علوم الحاسوب قد يُلائم تطلّعاتها بشكلٍ أكبر من هندسة الحاسوب.

عملاً بهذه النصيحة، شرعت الدكتورة الصباح في السير على الطريق الذي قادها في النهاية إلى أن تصبح عالِم أول في معهد قطر لبحوث الحوسبة، التابع لجامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر. إلّا أن هذه الرحلة اقترنت بالعديد من الاختيارات والتضحيات التي لم تكن بالأمر الهيّن، لا سيما وأن الدكتورة الصباح، وهي أم لثلاثة أطفال، وتمكنت من التوفيق بين الأمومة والحياة المهنية المتمثلة في مجال علوم الحاسوب التي كانت تقليدياً تستقطب الرجال بسلاسة مطلقة.

خلال دراساتها العليا ومرحلة الدكتوراة في كندا، لاحظت الدكتورة الصباح محدودية نسبة النساء الملتحقات بالمجالات العلمية. وعن هذا المعطى، قالت: "نحن لا نواجه هذه المشكلة هنا. فإن الصورة النمطية التي تدّعي أفضلية المرأة في المجالات الفنية في مقابل أفضلية الرجال في المجالات العلمية ليست بالصورة السائدة في قطر".

وعلى الرغم من صعوبة تلك المرحلة من مسار الدكتورة الصباح الأكاديمي، فإنها استمتعت بالبيئة والمجتمع اللذين رافقا رحلتها عالِمةً. قالت: "عندما تعملون بجدٍّ للالتحاق بمجالٍ تولونه كبير اهتمامكم، وفي الوقت نفسه يجري التخطيط لتكوين عائلة، فإن تلك تجربة تعزز الترابط ومشاركة الخبرات بين أفراد الأسرة والتعلّم من بعضنا بعضاً. إنه لأمر يريح النفس أن تعرف أنك لست وحدك في هذه الرحلة".

تتذكر الدكتورة الصباح محادثة كانت قد أجرتها مع الدكتور أحمد المقرمد، المدير التنفيذي لمعهد قطر لبحوث الحوسبة، بعد عودتها لاستكمال رسالة الدكتوراة، حول كونها أمّاً وسيدة متخصصة في مجال البحوث، قائلة: "كان يعتقد من خلال تجربته، أن أداء النساء، وخاصة الأمهات منهن، أفضل بكثير من طلابه الذكور، لأنهن يعين جيداً أهمية إدارة الوقت. لم أنسَ تلك الكلمات أبداً، بل إنها ساعدتني على الوصول إلى ما حققته حتى اليوم. أدركت أن لدي عدداً محدداً من الساعات المخصصة بالكامل للعمل البحثي، وأن بقية الوقت هو مخصص لعائلتي، وهو ما جعلني أعمل بجدٍّ أكبر، وأكمل دراستي حتى حصلت على درجة الدكتوراة في وقتٍ قصير".

ومع عودتها إلى قطر والعمل في معهد قطر لبحوث الحوسبة بعد قضاء سنوات في متابعة تعليمها في الخارج، احتفظت الدكتورة الصباح بميزة المرونة في العمل والحرص على عدم ضياع الفرص، وهو الأمر الذي تحقق بفضل مساعي دولة قطر المستمرة نحو تحقيق التوازن بين العمل والأسرة لأفراد المجتمع دون المساس بالنتائج المنشودة.

تقول الدكتورة الصباح: "تتمتّع قطر ببيئة مميزة لتكوين الأسر وتربية الأطفال، وهناك الكثير مما يمكن القيام به سواء لفائدة الأطفال أو الكبار، فضلاً عن توفر الكثير من الفرص. في مؤسسة قطر، هناك إمكانات هائلة للتعاون، حتى على مستوى الطابق، حيث يوجد مكتبي الذي أمارس فيه مهام عملي، يمكنني فقط من خلال المرور في الأروقة العثور على خبير في المجال الذي أحتاج إلى المساعدة فيه، بل ويمكنني طرح الأسئلة عليه، وحل المشكلة في غضون دقائق".

وفقاً للدكتورة الصباح، فإن النسيج المتماسك في بيئة العمل يخدم الجميع ويمكّن بسهولة من بناء شبكات للتواصل بين الأفراد، وهو ما يُعدُّ من أقوى الأدوات التي تساعد في بيئة العلماء. وأشادت الدكتورة الصباح أيضاً بالجهود المبذولة لتعزيز مجال البحوث المؤثرة في قطر إلى جانب العمل الأكاديمي والمنشورات العلمية، وتعتقد أن هناك دافعاً حقيقياً لابتكار حلول ناجعة وفعّالة للمشكلات التي يواجهها المجتمع في قطر.

وهذا هو ما تهدف معظم أعمال الدكتورة الصباح في معهد قطر لبحوث الحوسبة إلى تحقيقه، فهي تعمل بشكلٍ رئيسي في مجال حماية الشبكات ورصد التهديدات المحتملة. وتعتبر التقنيات الآخذة في التطور السريع سلاحاً ذا حدين، وهو ما يستأثر بجانب مهم من العمل العلمي الذي تقوم به الدكتورة الصباح. إن استخدام الذكاء الاصطناعي المطّرد يعني احتمال تصاعد وتيرة التهديدات من قِبل محتالي الفضاء الإلكتروني، وسهولة تطويرهم برامج تضر أفراد المجتمع بشكلٍ مباشر. ويعمل علماء الشبكات والأمن السيبراني في معهد قطر لبحوث الحوسبة على تحديد التهديدات المستترة وسط كميات هائلة من البيانات عن طريق أتمتة تحليلها باستخدام التعلم الآلي.

ومع ازدهار التجارة الإلكترونية والخدمات المصرفية عبر الإنترنت، التي تسهم في تطوير مجتمعات أكثر ذكاءً، فإنها تأتي أيضاً مصحوبة بمجموعة من التهديدات. ويُعدّ مجال عمل الدكتورة الصباح الذي يساعد على رصد تلك التهديدات والتصدي لها أمراً بالغَ الأهمية لتقدم البلاد، كما أنها تعمل بشكلٍ وثيق مع الجهات الحكومية، لتزويدها بحلول مصممة خصيصاً لقضايا الأمن القومي، وبالتالي حماية المجتمع.

تؤمن الدكتورة الصباح بأن قطر هي المكان المثالي لها للقيام بدورها عالِمةً. وخلصت إلى القول: "آمل أن أرى المزيد من الطلاب المهتمين بالمجال البحثي، وأن نشهد النتائج السريعة والملموسة لأبحاثهم. فتلك هي الرؤية، أن تكون لديك أبحاث يمكنك توظيف نتائجها واستثمارها في تطوير شركات ناشئة. وبذلك يمكننا الاستفادة من المعرفة والمعلومات والذكاء الاصطناعي والبيانات، وتوظيفها في خدمة السوق".