ديب مايند تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد أسباب الأمراض الجينية

6 دقائق
ديب مايند تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد أسباب الأمراض الجينية
مصدر الصورة: جوجل ديب مايند
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تقول شركة جوجل ديب مايند (Google DeepMind) إنها دربت نظام ذكاء اصطناعي قادراً على التنبؤ بالتغييرات التي يُرَجح أن تتسبب بالأمراض في الحمض النووي الموجود في جينوماتنا، وهي توقعات يمكن أن تسرّع تشخيص الأمراض النادرة، بل ربما تقدم أدلة تساعد في تطوير أدوية جديدة.

تأسست ديب مايند في لندن، واستحوذت عليها جوجل منذ 10 سنوات، وتشتهر ببرامج الذكاء الاصطناعي التي تلعب ألعاب الفيديو، والتي تمكنت من اكتساح ألعاب لوحية معقدة، مثل لعبة غو. بعد ذلك، انتقلت إلى العمل على الأدوية عندما أعلنت أن برنامجها ألفافولد (AlphaFold) تمكن من تحقيق نتيجة دقيقة في التنبؤ بأشكال البروتينات، وهي مسألة تمثل أحد أكبر التحديات في علم الأحياء.

برنامج ألفاميسينس يتنبأ بأخطاء الحمض النووي

والآن، تقول الشركة إنها أعادت ضبط هذا النموذج المخصص للبروتينات للتنبؤ بأخطاء الحمض النووي البشري التي يمكن تجاهلها دون عواقب، والأخطاء التي يمكن أن تتسبب بالأمراض. يحمل البرنامج الجديد اسم ألفاميسينس (AlphaMissense)، وقد وُصِف مؤخراً في تقرير نشرته مجلة ساينس (Science).

تقول ديب مايند إنها ستطلق علناً، في إطار مشاريعها، عشرات الملايين من هذه التنبؤات، لكن الشركة لن تسمح للآخرين بتنزيل النموذج من الإنترنت مباشرة، بسبب مخاطر الأمان الحيوي المحتملة، وفقاً لتوصيف الشركة، التي يمكن أن تظهر في حال تطبيق هذه التقنية على أنواع حية أخرى.

لا تهدف التنبؤات الحاسوبية إلى إجراء عمليات تشخيصات مباشرة، لكن الأطباء يستخدمونها للمساعدة في كشف الأسباب الجينية لبعض الأعراض الغامضة. قالت ديب مايند في منشور مدونة إن نتائجها تمثل جزءاً من عمل يهدف إلى كشف “السبب الجذري للمرض” ويمكن أن يؤدي إلى “تسريع عمليات التشخيص وتطوير علاجات يمكن أن تنقذ الأرواح”.

اقرأ أيضاً: هل تنجح مبادرة مارك زوكربيرغ وزوجته في استخدام الذكاء الاصطناعي للقضاء على الأمراض؟

إعلان مرتَقب عن 71 مليون تركيبة محتملة

تولى المهندسان في ديب مايند، جون تشينغ وزيغا أفسيك، قيادة هذا المشروع الذي تبلغ مدته ثلاث سنوات، وتقول الشركة إنها ستطلق علناً تنبؤات لأكثر من 71 مليون تركيبة محتملة. يُعرف كل منها باسم الطفرة المُغلِّطة، وهي حرف واحد من حروف الحمض النووي الذي يؤدي تغييره إلى تغيير البروتين الذي يركّبه الجين.

“يهدف هذا العمل إلى دراسة تغير البروتين، وبدلاً من التنبؤ بشكل البروتين، يمكنني أن أقول لك: أهذا سيئ بالنسبة للجسم البشري الذي يوجد ضمنه؟”، وفقاً للفيزيائي في جامعة ميشيغان الحكومية، ستيفن شو، الذي يعمل على المشاكل الجينية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. ويكمل قائلاً: “في معظم هذه التقلبات، لا ندري على الإطلاق إذا ما كانت ستتسبب بالمرض”.

يقول خبراء من خارج الشركة إن إعلان ديب مايند ليس سوى أحدث حلقة من سلسلة من التجارب المبهرجة التي ما زالت قيمتها التجارية غير واضحة. يقول أليكس زافورونكوف، مؤسس شركة تطوير الأدوية بالذكاء الاصطناعي، إنسيليكو ميديسن (Insilico Medicine): “ما زالت ديب مايند تعمل وفق أسلوبها المعتاد. فهي تقدم أداء رائعاً في مجال العلاقات العامة، وأداء جيداً في مجال الذكاء الاصطناعي”.

يقول زافورونكوف إن الاختبار الفعلي لأنظمة الذكاء الاصطناعي الحديثة هو إمكانية استخدامها للتوصل إلى علاجات جديدة، وهو ما لم يحدث حتى الآن. لكن بعض الأدوية التي صُمِّمَت باستخدام الذكاء الاصطناعي دخلت مرحلة الاختبار، إضافة إلى هذا، فإن الجهود الرامية إلى تصميم بروتينات جديدة ومفيدة أصبحت تمثل قطاعاً رائجاً للغاية، وفقاً للمستثمرين. فقد تمكنت إحدى الشركات، وهي شركة جينيريت بايوميديسينز (Generate Biomedicines)، من جمع مبلغ 273 مليون دولار مؤخراً لصنع الأجسام المضادة، وأسس فريق من مهندسي ميتا (Meta) السابقين شركة إيفوليوشناري سكيل (EvolutionaryScale)، ويعتقدون أن الذكاء الاصطناعي قادر على تصميم “خلايا قابلة للبرمجة للبحث عن السرطان وتدميره” وفقاً لمجلة فوربس (Forbes).

اقرأ أيضاً: كيف تسهم التكنولوجيا في تطوير الطب والرعاية الصحية؟

نماذج أفضل

غير أن عمل ديب مايند الجديد لا يتعلق بالأدوية بقدر ما يتعلق بكيفية تشخيص الأطباء للأمراض النادرة، خصوصاً لدى المرضى المصابين بأعراض غامضة، مثل المواليد الجدد المصابين بطفح جلدي لا يزول، أو البالغين الذين يشعرون بالضعف على نحو مفاجئ.

ومع نهضة تقنيات تحديد التسلسل الجيني، يستطيع الأطباء الآن تفكيك رموز الجينومات البشرية، والبحث عن المسببات المحتملة ضمن معلومات الحمض النووي. في بعض الأحيان، يمكن كشف السبب بسهولة، مثل التحول الذي يؤدي إلى التليّف الكيسي. لكن في 25% من الحالات تقريباً، حيث تُجرى عمليات مكثفة لتحديد التسلسل الجيني، يعثر العلماء على تغير مريب في الحمض النووي بتأثيرات غير واضحة تماماً، وفقاً لمديرة المختبر السريري في معهد بورد في مدينة كامبريدج بولاية ماساتشوستس، هايدي ريم.

يطلق العلماء على هذه التحولات الغامضة اسم “تغيرات ذات أهمية غير مؤكدة”، ويمكن أن تظهر حتى في الجينات التي خضعت إلى دراسات مكثفة، مثل جين بي آر سي أيه 1(BRCA1)، وهو أحد أهم الجينات المؤثرة على القابلية الوراثية للإصابة بالسرطان. تقول ريم: “ليس هناك جين واحد لا يحمل هذه التغيرات”.

اقرأ أيضاً: كيف تساهم شركات التكنولوجيا في تشكيل مستقبل الرعاية الصحية؟

تقول ديب مايند إن ألفاميسينيس يمكن أن يساعد في البحث عن إجابات لهذه المسائل باستخدام الذكاء الاصطناعي، إذ يطلق التنبؤات لتصنيف تغيرات الحمض النووي إلى تغيرات حميدة و”تغيرات يُرجح أن تتسبب بالإصابة بالأمراض”. يمثل هذا النموذج أحدث برنامج من مجموعة من البرامج التي أطلقتها الشركات سابقاً لإجراء تنبؤات مماثلة، مثل برايميت أيه آي (PrimateAI).

تقول ريم: “بذل الباحثون جهداً كبيراً في هذا المجال حتى الآن، وقد حققت جودة التنبؤات التي تعتمد على البرامج الحاسوبية تحسناً كبيراً جداً”. لكن ريم تضيف قائلة إن التنبؤات الحاسوبية ليست سوى “جزء واحد من الدليل” فحسب، ولا يكفي هذا الدليل وحده لإقناعها بأن تغيراً ما في الحمض النووي يمكن أن يتسبب بالمرض لشخص ما.

عادة ما يمتنع الخبراء عن الإعلان عن تصنيف تحوّل ما في فئة التحولات المسببة للأمراض قبل الحصول على بيانات حقيقية من المرضى، وأدلة على وجود أنماط وراثية في العائلات، وتجارب مخبرية، وهي معلومات يشاركها الباحثون على مواقع ويب عامة مخصصة لهذه التغيرات، مثل كلينفار (ClinVar).

تقول ريم: “هذه النماذج تتحسن دون شك، لكن ليس بينها نموذج واحد مثالي، وما زالت لا تستطيع تقديم تصنيف حاسم تماماً”، وتضيف إنها “شعرت بخيبة أمل” لأن ديب مايند بدت أنها تبالغ في الدقة الطبية لتنبؤاتها بتوصيف التغيرات بأنها حميدة أو مسببة للمرض.

اقرأ أيضاً: باحثون يطورون خوارزمية تتنبأ بالفشل الكلوي الحاد قبل حدوثه بـ 48 ساعة

معايرة دقيقة

تقول ديب مايند إن النموذج الجديد مبني على أساس ألفافولد، النموذج السابق المخصص للتنبؤ بأشكال البروتينات. وعلى الرغم من أن ألفاميسينس مخصص لمهمة مختلفة تماماً، فإن البرنامج “يستفيد من المعلومات التي اكتسبها” حول علم الأحياء من مهمته السابقة على ما يبدو، وفقاً لنائب الرئيس للأبحاث في ديب مايند، بوشميت كولي. نظراً لتصميم النموذج الجديد على أساس ألفافولد، فإن تشغيله يحتاج إلى وقت أقل نسبياً من عمليات الحوسبة، أي إلى مقدار أقل من الطاقة، وذلك بالمقارنة مع المقدار المطلوب له لو كان مبنياً من نقطة الصفر.

ومن الناحية الفنية، فإن النموذج مُدَرب مسبّقاً، وخضع بعد ذلك للتعديل لأداء مهمة جديدة في خطوة إضافية تحمل اسم المعايرة الدقيقة. لهذا السبب، يعتقد الطبيب ومختص علم الأحياء في شركة كيه دي تي فينتشرز (KdT Ventures)، باتريك مالون، أن ألفاميسينس “مثال على أحد أهم التطورات المنهجية الجديدة في الذكاء الاصطناعي”.

ويضيف مالون قائلاً: “تقوم الفكرة على أن الذكاء الاصطناعي المضبوط بدقة قادر على الاستفادة من التعليم السابق. وتبرز فائدة إطار عمل التدريب المسبّق على نحو خاص في الحوسبة الحيوية، إذ نواجه في أغلب الأحيان صعوبة في الحصول على بيانات بمقادير كافية”.

اقرأ أيضاً: زرعة دماغية مدعومة بالذكاء الاصطناعي تعيد الحركة والشعور لمريض شلل رباعي

مخاطر الأمن الحيوي

تقول ديب مايند إنها جعلت تنبؤاتها للجينات البشرية متاحة مجاناً للجميع، إضافة إلى جميع التفاصيل المطلوبة لتكرار العمل، بما في ذلك التعليمات البرمجية. لكنها لن تطلق النموذج بأكمله وتجعله متاحاً أمام الآخرين للتنزيل والاستخدام الفوري، بسبب ما تطلق عليه اسم مخاطر الأمن الحيوي، في حال استخدام هذا النموذج لتحليل جينات أنواع حية أخرى غير البشر.

وقد كتب المؤلفون في هامش الورقة البحثية: “في إطار التزامنا بمعايير الأمان والمسؤولية في نشر إنجازاتنا البحثية غير المسبوقة، لن نشارك عوامل تثقيل النموذج، وذلك لمنع استخدامه في تطبيقات قد تكون خطيرة”.

غير أنه ليس من الواضح ما هي التطبيقات الخطيرة التي قصدها المؤلفون، أو الأنواع غير البشرية التي تحدثوا عنها. لم تفصح ديب مايند عن ماهية هذه المخاطر، لكنها قد تتضمن استخدام الذكاء الاصطناعي لتصميم بكتيريا أو أسلحة بيولوجية أكثر خطورة.

لكننا تحدثنا مع بعض الخبراء من خارج الشركة، وقد وضح أحدهم على الأقل -بعد أن طلب عدم الكشف عن هويته، لأن جوجل تستثمر في بعض الشركات التي أسسها- أن هذه القيود هي محاولة مكشوفة لمنع الآخرين من استخدام النموذج بسرعة لأهدافهم الخاصة.

غير أن ديب مايند أنكرت أنها حجبت النموذج لأسباب أخرى غير الأمان. شارك معهد جوجل ديب مايند، الذي يدرس الذكاء الاصطناعي المسؤول، و”خبير في الأمان الحيوي من خارج الشركة” في تقييم العمل، وفقاً للناطق باسم ديب مايند.

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي يسهم في اكتشاف عقار يقضي على البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية

وقد صرحت ديب مايند أن القيود المفروضة على النموذج “تهدف بالدرجة الأولى إلى الحد من إجراء عمليات تنبؤ بتسلسل البروتين غير البشري. إن الامتناع عن نشر عوامل التثقيل يمنع الآخرين من تنزيل النموذج ببساطة وتطبيقه على الأنواع الحية غير البشرية، ما يخفض من احتمال إساءة استخدامه على يد أطراف خبيثة”.