بنايات غريبة شُيدت بطابعات ثلاثيات الأبعاد تربك مسلمّات الهندسة المعمارية

3 دقائق
تجربة فريدة في الهندسة المعمارية تنطوي على المزج بين التكنولوجيا والمواد الطبيعية
بيت كاسا كوفيدا في وادي سان لويس في ولاية كولورادو الأميركية هو تجربة تعتمد على المزج بين الطباعة ثلاثية الأبعاد والمواد التي تستخدمها الشعوب الأصلية. الشكل البيضوي ذو اللون الوردي هو سقف هوائي خفيف الوزن يمكن أن يحمي الفوهة من الأمطار أو الثلوج ويساعد على الاحتفاظ بالحرارة في الهيكل المصنوع من الطين.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

على الرغم من أن رونالد ريل (Ronald Rael) وفيرجينيا سان فراتيلو (Virginia San Fratello) التقيا في جامعة كولومبيا كطالبي دراسات عليا في الهندسة المعمارية، فقد أدركا بسرعة أن تعبير “هندسة معمارية” لا يوصف بدقة العمل الانتقائي الذي يقومان به.  

عندما بدأ ريل وسان فراتيلو العمل معاً عام 2002، ازداد إدراكهما تدريجياً لحقيقة أنه “أحياناً، العوامل التي تدعم مجال العمارة، وعلى رأسها الرأسمالية، يمكن أن تتسبب في إفساد أهداف المهندس المعماري الاجتماعية”، حسب تعبير ريل. يقول ريل أيضاً: “أصبح ذلك بمثابة دافع لإعادة التفكير في الهدف من العمارة وطريقة العمل فيها”. 

تغيير في اتجاهات الهندسة المعمارية

لكن القيود المفروضة على هذا المجال هي التي تمثّل الدافع لريل وسان فراتيلو، واللذين يقولان على موقعهما على الويب: “يجب علينا أن نخلق ظروفاً مخلّة بالنظام وتتسبب في إثارة الانتباه لعلمنا. وإذا لم نفعل ذلك، لن يعرف أحد من نحن وماذا نفعل”.

اقرأ أيضاً: كيف تسعى دبي لتعزيز جودة حياة سكانها عبر التخطيط الحضري؟

مع مرور كل عام وإجراء كل مشروع جديد، يبدو أنهما يضيفان مسمى وظيفياً آخر إلى سيرتيهما الذاتيتين؛ إذ إنهما ناشطان ومصممان وكاتبان وعالما مواد في الوقت نفسه. كلاهما معلمان؛ إذ إن ريل هو رئيس قسم المهن الفنية في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، بينما سان فراتيلو هي رئيسة قسم التصميم في جامعة ولاية سان خوسيه. يصمم ريل وسان فراتيلو البرمجيات ويؤسسان الشركات، ووفقاً لتعبير سان فراتيلو، فهما تجاوزا مرحلة تصميم وبناء الأشياء فقط.

فيرجينيا سان فراتيلو في الاستوديو الخاص بها
كارا برودغيسل
 
رونالد ريل
كارا برودغيسل

بيئة عمل قائمة على الطباعة ثلاثية الأبعاد

عام 2010، أنشأ ريل وسان فراتيلو بيئة عمل مبنية على الطباعة ثلاثية الأبعاد تحمل اسم إيميرجينغ أوبجكتس (Emerging Objects)، وهي واحدة من العديد من المشاريع التي توسع المفاهيم مثل بناء الأشياء وصنعها. يحتوي نظام السقالات بجوار ريل على وصلات مصنوعة باستخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد وقضبان زجاجية تمت استعادتها من شركة تصنيع الخلايا الشمسية السابقة، سوليندرا (Solyndra).

اقرأ أيضاً: ابتكار طابعة ثلاثية الأبعاد كبيرة الحجم تعد الأولى من نوعها داخل الإمارات

أدرك كلٌّ من ريل وسان فراتيلو أنه لإجراء العمل الذي يهتمان به، كان عليهما التسبب في اضطراب في الآليات الحالية الراسخة. وتمثّلت إحدى الخطوات الأولى لهذه العملية في تحدّي طرق الإنشاء التقليدية. يقول ريل واصفاً السبب الذي جعل الطباعة ثلاثية الأبعاد تثير اهتمامه في عام 2001: “تمثّلت جاذبية هذه التكنولوجيا في قدرتها على نقل النماذج الرقمية بشكل مباشر إلى نماذج مادية بسرعة نوعاً ما وبدقة”.

تطبيق بوتر وير (Potterware)

لكن كلاً من تكلفة تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد وتعقيدها في ذلك الوقت جعلها غير قابلة للاستخدام. لذلك ابتكر ريل وسان فراتيلو حلاً. تمثل هذا الحل في تطبيق يحمل اسم بوتر وير (Potterware)، وهو تطبيق خاص بالتصميم يعتمد على متصفحات الإنترنت ويلغي الحاجة لتعلّم برمجيات النمذجة الخاصة بالطباعة ثلاثية الأبعاد.

تقول سان فراتيلو إن هذا التطبيق يخفّض من مستوى المعايير المطلوبة للعمل باستخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد “لدرجة أنه يتيح لطلاب المدرسة الإعدادية تعلم العمل عليها خلال يوم واحد”، وتضيف: “الهدف الأساسي هو زيادة إمكانية الوصول. نحن مهتمون بتبسيط العمل وجعله ميسور التكلفة بدلاً من زيادة تعقيده”.

 تجربة فريدة في الهندسة المعمارية تنطوي على المزج بين التكنولوجيا والمواد الطبيعية
تقول سان فراتيلو واصفة المنشأة التي بنتها في مدينة فاينزا الإيطالية من الطوب المصنوع من الطين المحلي: “أتخيل أن هذا التجميع الجديد المصمم باستخدام الطابعة ثلاثية الأبعاد سيتحول في المستقبل إلى معلم أثري أو خراب”، وتضيف: “أنه بالفعل جزء من المعالم التاريخية التي لها طابع حداثي بالوقت نفسه”.

 تجربة فريدة في الهندسة المعمارية تنطوي على المزج بين التكنولوجيا والمواد الطبيعية
عام 2019، عندما تم الفصل بين الأطفال وعائلاتهم على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، قام كلٌّ من ريل وسان فراتيلو بتركيب أراجيح التوازن الوردية التي أتاحت لسكان مدينتي إل باسو الأميركية وخواريز المكسيكية التلاقي واللعب. يشرح المهندسان أن هذا الإجراء كان “شكلاً من الاحتجاج وزعزعة الوضع الراهن”.
تجربة فريدة في الهندسة المعمارية تنطوي على المزج بين التكنولوجيا والمواد الطبيعية
كوريوسيتي فوتوز

أدرك ريل وسان فراتيلو في وقت مبكّر أنهما قادران على إضافة شيء جديد لتكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد.

تقول سان فراتيلو: “كلانا لديه خلفية ريفية، وقد نشأنا في المناطق المفتوحة ونحن نلعب في التراب حرفياً”،

وتضيف: “تمكّنا من الاستفادة من خبرتنا الحياتية في عملنا، ومن الروابط التي شكلناها مع الأرض والزراعة. اندمجت هذه الخبرات مع التكنولوجيات المذهلة، ولهذا عملنا مختلف عن الآخرين. نحن نسخّر الحب الذي نشعر به تجاه الأرض في عملنا باستخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد”.

اقرأ أيضاً: 6 أشياء مُدهشة صنعتها الطابعة ثلاثية الأبعاد في 2018

تتجلّى تجارب مشروع إيميرجينغ أوبجكتس على المواد والبرمجيات والأجهزة الصلبة في هذا النموذج الأولي لوحدة السكن.

تم التخفيف من قيود تقسيم المناطق كاستجابة لأزمة الإسكان في منطقة باي إيريا (خليج سان فرانسيسكو)، ما دفع ريل وسان فراتيلو لمعالجة مشكلات الإسكان على المقاييس الصغيرة. ماثيو ميلمان

العامل الوحيد غير المتغير في عمل ريل وسان فراتيلو، سواء تمثل في بناء مقصورة أو قطع الطوب أو المنشآت الفنية، هو أنه يعتمد على إعادة التفكير في المواد الطبيعية بالاستعانة بالتكنولوجيا. يمكن تصميم المشاريع التي تعتمد على الطين أو نشارة الخشب أو الملح أو قشور عنب الشاردونيه على الطابعات، وهي كلها مواد تأتي من الأرض. وتتمثل الفكرة الأساسية في إجراء التجارب وطرح السؤال “لما لا؟”.

مع ذلك، يرفض كلُّ من ريل وسان فراتيلو تصنيف عملهما في أي فئة. ويقولان على موقعهما على الويب: “سيكون من المستحيل أن نقول إننا نتبنى ‘فلسفة الاختصاص’. كل ما نريد فعله هو التصميم”.