بسبب تغيّر مظهرهم: نظام التعرف على الوجوه لدى أوبر يحظر بعض السائقين الهنود

7 دقائق
بسبب تغيّر مظهرهم: نظام التعرف على الوجوه لدى أوبر يحظر بعض السائقين الهنود
سيلفابراكاش لاكشمانان
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في بداية إحدى أمسيات فبراير/ شباط من العام المنصرم، كان سائق شركة أوبر (Uber) نيرادي سريكانث، والبالغ من العمر 23 عاماً، يستعد للبدء بنوبة أخرى، حيث ينقل الركاب في مدينة حيدر أباد الهندية الجنوبية في سيارته السيدان متوسطة الحجم. وفي تلك الأمسية، وجه هاتفه إلى وجهه لالتقاط صورة سيلفي لتأكيد هويته. وعادة ما كانت هذه العملية تتم بسلاسة. ولكن، وفي تلك المرة، لم يتمكن من تسجيل الدخول.

ولم يحتج سريكانث إلى وقت طويل حتى يتوصل إلى سبب محتمل لما حدث. فقد عاد مؤخراً من زيارة معبد تيروباتي الهندوسي، على بعد مئات الكيلومترات، حيث حلق شعره وأدى طقوساً روحية تمنياً لحياة مليئة بالازدهار والسعادة.

وطلب تطبيق أوبر من سريكانث أن يحاول مرة أخرى، وهكذا انتظر بضع دقائق والتقط صورة أخرى. ولكنه لاقى نفس النتيجة.

اقرأ أيضاً: أوبر ستستخدم حساسات الهواتف للتحقق مما إذا توقفت السيارة فجأة

يقول سريكانث: “لقد شعرت بالقلق بسبب الحجوزات”. “فلدينا أهداف يومية على شكل أعداد معينة من الحجوزات، ولدى تحقيقها، نحوز حوافز إضافية”. “وقد كنت متلهفاً لتسجيل الدخول والبدء بالقيادة، دون إضاعة أي وقت”. وهكذا، جرب مرة ثالثة. ولكن في تلك المرة، قرر استخدام هاتف آخر لعرض صورة لنفسه قام بالتقاطها قبل زيارة المعبد. وعندما التقط صورة لتلك الصورة، أعلمه تطبيق أوبر بأن حسابه تم حظره.

تغيير المظهر يسبب حظر حسابات سائقي أوبر

ولكن هذه الحادثة لا تقتصر على سريكانث. ففي استبيان أجرته إم آي تي تكنولوجي ريفيو لـ 150 سائق أوبر في البلاد، وجدت أن نصفهم تقريباً تعرضوا لحظر الحساب بصورة مؤقتة أو دائمة بسبب مشكلات مع صورة السيلفي. ويشتبه الكثيرون منهم بأن المشكلة تكمن في تغيير المظهر، مثل شعر الوجه أو حلاقة الرأس أو تغيير التسريحة. ويعتقد ربع آخر منهم أن المشكلة تعود إلى ضعف في الإضاءة.

ويعتقد سريكانث أن القرار الذي اتخذه على عجل بالتقاط صورة لصورة على هاتف آخر كلفته معيشته، فقد كان يكسب أكثر من 500 دولار في الشهر، أما الآن فهو لا يكسب شيئاً. وقد أمضى الأشهر التالية محاولاً إعادة تفعيل حسابه، ولكن دون جدوى. وفي نهاية المطاف، اضطر للعودة إلى بلدته الأصلية، حيث يقوم بعدة أعمال مختلفة، ولا يكاد يجني 10% من دخله السابق.

ولكن سريكانث ليس العامل الهندي الوحيد الذي يجب أن يتعامل مع تكنولوجيا التعرف على الوجوه. فإضافة إلى سائقي أوبر في البلاد، والبالغ عددهم 1,600,000 سائق، يعمل الكثيرون لصالح المنصة المحلية لرحلات السيارات التشاركية، أولا (Ola)، ولصالح شركات ناشئة مثل سويغي (Swiggy) وزوماتو (Zomato) وأوربان كومباني (Urban Company). وجميع هذه الشركات تطلب من العاملين على منصاتها تحميل صور سيلفي لتسجيل الدخول أو تأكيد الهوية.

صور مقارنة لسريكانث قبل وبعد التغيير في شعر الرأس والوجه
نيرادي سريكانث، قبل وبعد تغيير شعر وجهه ورأسه.

في أسواق أخرى، خاض العاملون المستقلون العديد من المعارك ضد أنظمة التعرف على الوجوه. ففي المملكة المتحدة على سبيل المثال، ادعى 35 سائقاً من أوبر على الأقل أن حساباتهم تعرضت للحذف دون وجه حق. وقد ألقى اتحاد العمال المستقلين في بريطانيا العظمى باللائمة على “الخوارزمية العنصرية“. وقد تعرضت أوبر إلى قضيتين على الأقل في المملكة المتحدة بسبب هذا البرنامج. 

قررت بعض البلدان والمناطق توفير حماية أفضل للعاملين المستقلين. فقد اقترح الاتحاد الأوروبي في العام الماضي إصدار أمر توجيهي لتحسين ظروف العمل، وتوفير الشفافية الخوارزمية. وفي سبتمبر/ أيلول من عام 2021، شطبت محكمة كاليفورنيا المقترح 22، وهو مبادرة للتصويت على استبعاد العاملين المستقلين من الحوافز الوظيفية في قانون الولاية. وتعترف هذه القوانين بأن الأنظمة الخوارزمية يمكن “أن تؤثر سلباً على حقوق العاملين”، كما يقول ديفيج جوشي، وهو محامٍ ومرشح للدكتوراة في جامعة كلية لندن. ولكن، وكما يقول جوشي، فإن الإجراءات الوقائية الحالية للعاملين المستقلين قليلة في الهند: “لا نشهد نفس الجهود لتحقيق الشفافية في الهند، سواء من وجهة نظر سياسية أو تشريعية”.

اقرأ أيضاً: كاليفورنيا تطرح مشروع قانون يعتبر سائقي أوبر وليفت بمنزلة موظفين

وإذا استمرت هذه المشكلات، وبقيت الإجراءات الوقائية محدودة، فيمكن أن يؤدي هذا إلى تأثير واسع النطاق، ويتجاوز مسألة العمل.

تقول أديتي سوري، وهي باحثة رئيسية في المعهد الهندي للتجمعات البشرية، وقامت بإجراء أبحاث عن العاملين المستقلين في الهند: “لقد بدأت منصات العمل في الهند بالتحول إلى واجهة أساسية بين العامل والسوق والحكومة، فهي تتيح الحصول على قروض للسيارات، أو حتى فتح حساب للمصاريف المنزلية الكبيرة”. وفي بلد يمكن لعمل كهذا أن ينقل شخصاً بسرعة من العيش في حالة من التقلب وعدم الاستقرار إلى حياة الطبقة الوسطى (خصوصاً عندما تشير التقديرات إلى أن غالبية الذين أصيبوا بالفقر خلال الوباء يعيشون في الهند)، فإن الحظر عن منصة أو الطرد منها يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة.

إجراءات التحقق من هوية السائقين 

تتحقق أوبر من مطابقة وجه السائق للمعلومات الموجودة لديها عبر برنامج يحمل اسم “التحقق من الهوية في الزمن الحقيقي” (Real-Time ID Check). وقد تم إطلاق هذا البرنامج في الولايات المتحدة في 2016، وفي الهند في 2017، وفي باقي الدول لاحقاً. “إنه يمنع عمليات الاحتيال ويحمي حسابات السائقين من الاختراق، كما يحمي الركاب أيضاً بإضافة مستوى آخر من المسؤولية إلى التطبيق لضمان وجود الشخص الصحيح خلف المقود”، كما يقول جو سوليفان، وهو المسؤول الأمني الرئيسي في أوبر، في تصريح يعود إلى عام 2017.

ولكن إجراءات الشركة في التحقق من هوية السائقين أبعد ما تكون عن السلاسة. فعدنان تقي، وهو سائق أوبر في مومباي، تعرض إلى مشكلة مع هذه الإجراءات عندما طلب التطبيق منه التقاط صورة سيلفي ساعة الغروب. وتم منعه من الدخول إلى الحساب لمدة 48 ساعة، ما أحدث ثغرة كبيرة في جدول عمله، فهو يقول إنه يقود 18 ساعة متواصلة، وأحياناً 24 ساعة، لكي يكسب لقمة عيشه. وبعد عدة أيام، التقط صورة سيلفي تسببت بمنعه من الدخول إلى الحساب ثانية، وهذه المرة لمدة أسبوع كامل. وعندها، اشتبه تقي بأن الشعر هو السبب. ويقول: “لم أكن قد حلقت ذقني منذ عدة أيام، وكان شعري قد طال بعض الشيء أيضاً”. 

وقد شرح أكثر من 12 سائقاً تمت مقابلتهم من أجل هذا المقال عن حالات اضطروا فيها إلى العثور على إضاءة أفضل لتفادي التعرض للمنع من الدخول إلى حساباتهم. يقول سانتوش كومار، وهو سائق أوبر من حيدر أباد: “كلما طلب مني تطبيق أوبر التقاط سيلفي في المساء أو الليل، أضطر إلى ركن السيارة والذهاب للوقوف تحت عمود إضاءة في الشارع لالتقاط صورة واضحة، وإلا تعرضت للحظر”. 

اقرأ أيضاً: من كان يتخيل أن أوبر وليفت هما أهم أسباب تفاقم أزمة السير في سان فرانسيسكو؟

أيضاً، تعرض آخرون للمشكلات بسبب الخدوش على الكاميرا، أو استخدام هواتف ذكية رخيصة. ولا تقتصر هذه المشكلة على أوبر. فالسائقون الذين يعملون مع أولا، والتي تدعمها سوفت بانك (SoftBank)، يعانون من مشكلات مماثلة.

ويمكن تفسير بعض من هذه المشكلات بأوجه القصور الطبيعية لتكنولوجيا التعرف على الوجوه. وكما يشرح جيرنيج كافكا، وهو مستشار تكنولوجي مستقل يحمل ميزة الوصول إلى واجهة برمجة التطبيقات فيس (Face API) من مايكروسوفت (Microsoft)، فإن البرنامج يبدأ بتحويل الوجه إلى مجموعة من النقاط، وهو ما تستخدمه أوبر في التحقق من الهوية في الزمن الحقيقي. 

عدنان تقي يحمل هاتفه وهو جالس في مقعد السائق داخل سيارته. من المرجح أن التغيرات في الإضاءة وشعر الوجه تسببت بحرمانه من الدخول إلى التطبيق. مصدر الصورة: سيلفابراكاش لاكشمانان

يقول كافكا: “عند نمو شعر الوجه بدرجة كبيرة، تتغير النقاط، ويتعذر على البرنامج تحديد موضع الذقن”. ويحدث نفس الشيء عندما تكون الإضاءة ضعيفة، أو يكون التباين ضعيفاً في كاميرا الهاتف. وكما يشرح كافكا: “هذا يزيد من صعوبة تحديد الحواف بالنسبة للحاسوب”.

اقرأ أيضاً: هل تؤدي التكنولوجيا فعلاً إلى تفاقم العنصرية بين البشر؟

عوامل مؤثرة 

ولكن ربما يعاني البرنامج من مشاكل كبيرة في الهند على وجه الخصوص. ففي ديسمبر/ كانون الأول من عام 2021، قام الباحثون في السياسات التكنولوجية سمريتي بارشيرا (وهي زميلة مع مشروع سايبربريكس (CyberBRICS)) وغوراف جاين (وهو اقتصادي يعمل مع شركة التمويل الدولية) بنشر بحث في مرحلة ما قبل النشر العلمي لتدقيق أربع أدوات تجارية لمعالجة بيانات التعرف على الوجوه، وهي ريكوغنيشن (Rekognition) من أمازون (Amazon)، وفيس (Face) من منصة آزور (Azure) للحوسبة السحابية من مايكروسوفت (Microsoft)، وفيس بلس بلس (Face++)، وفيس إكس (FaceX)، وذلك من حيث أدائها على الوجوه الهندية. وعندما تم تطبيق البرنامج على قاعدة بيانات تتضمن أكثر من 32,184 مرشحاً للانتخابات، فشل برنامج فيس من مايكروسوفت حتى في كشف وجود وجه في أكثر من 1,000 صورة، ما أدى إلى معدل خطأ يفوق 3%، وهو الأسوأ بين البرامج الأربعة.

ومن المحتمل أن تطبيق أوبر يحظر السائقين لأن البرنامج لم يخضع للتدريب على مجموعة واسعة ومتنوعة من الوجوه الهندية، كما تقول بارشيرا. ولكنها تضيف أنه من المحتمل وجود عوامل أخرى أيضاً. وأوضحت فيما كتبته: “من الممكن أن تكون هناك عوامل مؤثرة أخرى، مثل الإضاءة، وزاوية التصوير، وآثار التقدم في السن، وغير ذلك”. “ولكن نقص الشفافية فيما يتعلق باستخدام هذه الأنظمة يزيد من صعوبة تحديد تفسير مؤكد”.

من جهتها، رفضت مايكروسوفت التعليق على الأسئلة التي أرسلتها إم آي تي تكنولوجي ريفيو.

ولكن المشكلة لا تنتهي مع قرار الخوارزمية. حيث يقول السائقون إن الآلية التي تتبعها أوبر لمعالجة الشكاوى رتيبة، وتستغرق الكثير من الوقت، وتدعو إلى الإحباط، وغير مفيدة في أغلب الأحيان. ويقولون إنهم يمضون فترة طويلة تصل إلى عدة أسابيع في محاولة حل مشكلاتهم. يقول تقي بنبرة تنم عن الإحباط، والإحساس بالهزيمة والاستسلام: “يجب أن نواصل الاتصال برقم المساعدة باستمرار قبل أن يقوموا بفتح حساباتنا، حيث يقولون لنا باستمرار إن الخادم معطل”. “ويبدو كأن الخادم معطل على الدوام”.

لم تستجب أوبر لطلبنا بإدلاء تعليق.

اقرأ أيضاً: تماماً كبصمة الإصبع: يمكن لنبضات قلب شخص ما أن تحدِّد هويته

أثر التعرف على الوجوه على سائقي أوبر

قام سريكانث بزيارة مركز أوبر 3 مرات في الأسبوع على الأقل على مدى ثلاثة أشهر قبل أن يستسلم ويعود إلى بلدته. وقد وقف مع سائقين آخرين في طوابير بطول 80-100 شخص. ويستذكر قائلاً: “لقد كان موظفو أوبر يقولون لي باستمرار إن حسابي محظور بشكل دائم، وإنهم لا يستطيعون فعل شيء”. “وقالوا لي أن بإمكاني الذهاب إلى مكتب بنغالور، أو أستعين بسائق آخر لقيادة سيارتي”.

وبالنسبة لإليزابيث واتكينز، وهي مختصة بعلم الاجتماع التنظيمي من جامعة برينستون، وأجرت دراسات مكثّفة على أثر التعرف على الوجوه على سائقي أوبر في الولايات المتحدة، فإن هذا النمط مألوف على الأرجح. ووفقاً لهاوكينز -الذي يشغل حالياً منصب باحث علمي في مختبرات إنتل (Intel)- في ورقة علمية تعود إلى عام 2020: “فإن هذا النظام عرضة للإصابة بالأعطال في ظروف مختلفة، ما يضع عبئاً ثقيلاً على العاملين الذين لا يحظون بأي دعم مؤسسيّ يذكر عند إخفاق نظام التعرف على الوجوه”. “إضافة إلى هذا، فإن المسؤولية في تطبيق تأكيد الهوية تم نقلها إلى العمال، والذين يتحملون عواقب إخفاقات النظام”.

أما سامانثا دلال، والتي تدرس كيفية فهم العاملين للأنظمة الخوارزمية، فتقول إنه يمكن تطبيق المزيد من الشفافية حول كيفية اتخاذ نظام الذكاء الاصطناعي للقرارات. وتقول دلال، وهي مرشحة للدكتوراة في جامعة كولورادو بمدينة بولدر: “من المفيد تقديم شيء من الشرح يتجاوز عبارة مقتضبة للإبلاغ بالحظر”. “وهذا ممكن”.

وبما أن العاملين المؤقتين لا يمتلكون أي معلومات حول ما يريد هذا المدير الآلي ذو المزاج المتقلب، فإنهم يعتمدون في التعامل مع التطبيق على التجربة والخطأ، كما تقول دلال. وفي حالة سريكانث، فهي تشرح أنه “لم يستطع العودة بالزمن إلى الخلف إلى ما قبل حلاقة رأسه، فلجأ إلى تنفيذ الخطوة التالية التي اعتقد أنها أفضل خيار بديل حينها، وهو عرض صورة قديمة لنفسه”.

اقرأ أيضاً: هل يمكن لمراقبة اللغة أن تساعد إحدى المدن الأميركية في مكافحة الكراهية؟

لقد مرت أكثر من سنة منذ أن تعرض سريكانث للحظر من قبل أوبر. وعلى الرغم من كل شيء، فهو لا يشعر بالعدوانية تجاه الشركة. ويريد ببساطة استعادة حياته السابقة، حيث كان قادراً على تحقيق دخل يكفيه للعيش في حيدر أباد، وربما توفير شيء من المال. ولا يستطيع تخيل العودة إلى المدينة ما لم يعد إلى عمله في قيادة السيارات.