كيف سنستخدم تكنولوجيا قياس الموجات الدماغية بعد 100 عام من الآن؟

6 دقيقة
كيف سيساعد الذكاء الاصطناعي على تطوير تكنولوجيا تصوير الموجات الدماغية؟
مصدر الصورة: ستيفاني آرنيت/ إم آي تي تكنولوجي ريفيو | غيتي

ملخص: مر 100 عام على استخدام التخطيط الدماغي الكهربائي أول مرة، ولم تتغير أساسيات هذه التكنولوجيا بمرور الوقت، لكننا حققنا إنجازات كثيرة بفضل أجهزة مكنتنا من تشخيص الأمراض وإيجاد دلائل على الوعي ومعرفة كيفية عمل الدماغ في أثناء التفكير، وحتى التحكم في أجهزة الكمبيوتر والكراسي المتحركة، وهي زهيدة للغاية بالمقارنة مع تكنولوجيات مثل ماسحات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، وصغيرة للغاية وسهلة الحمل. وبقي السؤال الأهم: أين سنتجه ابتداء من هذه المرحلة؟ وللإجابة عن هذا السؤال، أنشأ فريق بحثي قائمة من التنبؤات بناء على استطلاع رأي شارك فيه 500 شخص مهني، ليظهر أن أقربها للتحقق هو تحليل النوم والتجهيزات الاستهلاكية وإتاحة التواصل لمن يعاني الشلل أو اضطرابات في الوعي، كما ظهرت تنبؤات تخيلية مثل إمكانية قراءة الأفكار والذكريات وحتى الأحلام. نحن اليوم على عتبة ثورة بفضل الذكاء الاصطناعي القادر على كشف الأنماط المخفية في النشاط الدماغي، لكن هذه الثورة ستتركنا مستقبلاً أمام تساؤلات حول حقنا في الحفاظ على الخصوصية العقلية وحماية الأفكار.

مر 100 عام على المرة الأولى التي جرى فيها استخدام التخطيط الدماغي الكهربائي (electroencephalography)، أو "إي إي جي" (EEG) اختصاراً، لقياس النشاط الكهربائي داخل دماغ الإنسان. كان هذا الاكتشاف ثورياً. فقد ساعد هذا الاكتشاف الناس، على سبيل المثال، على فهم الأسباب التي تجعل الصرع اضطراباً عصبياً، لا صفة شخصية (أجل، لقد حدث هذا فعلاً).

اقرأ أيضاً: إلى أين وصل العلماء في جهودهم لرسم خريطة مفصلة للدماغ؟ وماذا نستفيد من ذلك؟

ماذا حققت تقنية التصوير الكهربائي للدماغ على مدار القرن الماضي؟

لم تتغير أساسيات التخطيط الدماغي الكهربائي كثيراً على مدى القرن المنصرم، فما زال العلماء والأطباء يضعون الأقطاب على رؤوس البشر في محاولة لمعرفة ما يجري داخل أدمغتهم. لكننا تمكنا من تحقيق إنجازات إضافية كثيرة من خلال استخدام المعلومات التي يجري جمعها بهذه الطريقة.

فقد تمكنا من استخدام التخطيط الدماغي الكهربائي لمعرفة المزيد حول كيفية عمل الدماغ في أثناء التفكير والتذكّر وحل المشاكل. وقد جرى استخدام التخطيط الدماغي الكهربائي لتشخيص الاضطرابات الدماغية والسمعية، واستكشاف درجة الوعي واليقظة عند الأشخاص، بل وحتى تمكين الأشخاص من التحكم في أجهزة مثل أجهزة الكمبيوتر والكراسي المتحركة والطائرات المسيرة.

لكن الذكرى السنوية تمثل أيضاً فرصة جيدة للتفكير في المستقبل. من المحتمل أنك لاحظت أنني أحتفل حالياً مع زملائي بمرور 125 عاماً على تأسيس مجلة إم آي تي تكنولوجي ريفيو (MIT Technology Review)، وذلك بالتفكير في التكنولوجيات التي قد تشهد البشرية ظهورها خلال 125 عاماً من الأعوام المقبلة. ما هي الأشياء التي سنتمكن من فعلها باستخدام التخطيط الدماغي الكهربائي بعد 100 عام من الآن؟

أولاً، لنلق نظرة سريعة على ماهية التخطيط الدماغي الكهربائي وكيفية عمله. يتضمن التخطيط الدماغي الكهربائي وضع أقطاب على الجزء العلوي من رأس الشخص، وجمع الإشارات الكهربائية من الموجات الدماغية، وتلقيم كمبيوتر بهذه الإشارات لتحليلها. يشبه معظم الأجهزة الحالية قبعات السباحة. تتسم هذه الأجهزة بأنها زهيدة للغاية بالمقارنة مع أنواع أخرى من تكنولوجيات تصوير الدماغ، مثل ماسحات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، كما أنها صغيرة للغاية وقابلة للحمل بسهولة.

كان الطبيب النفسي الألماني هانس بيرغر أول من استخدم التخطيط الدماغي الكهربائي على البشر، حيث كان مفتوناً بفكرة التخاطر الذهني عن بعد. طور بيرغر التخطيط الدماغي الكهربائي ليكون أداة تفيد في قياس "الطاقة النفسية"، وأجرى أبحاثه الأولى سراً، مطبقاً إياها على ابنه المراهق في أغلب الأحيان، كما يقول المختص بعلم الأعصاب الإدراكي في جامعة ليدز في المملكة المتحدة، فيصل مشتاق. كان بيرغر، وما يزال، شخصية مثيرة للجدل، وذلك بسبب علاقاته الغامضة بالنظام النازي، كما أخبرني مشتاق.

لكن تكنولوجيا التخطيط الدماغي الكهربائي اكتسحت مجال علم الأعصاب. فقد أصبح علامة فارقة وعنصراً رئيسياً في مختبرات علم الأعصاب، حيث يمكن تطبيقه على الناس من الأعمار كافة، حتى المواليد الجدد. يستخدم علماء الأعصاب التخطيط الدماغي الكهربائي لدراسة كيفية التعلم والتفكير عند الأطفال، وحتى الأسباب التي تدفعهم إلى الضحك. خلال عملي الصحافي، تناولت استخدام التخطيط الدماغي الكهربائي لفهم ظاهرة الحلم الواعي (أي الأحلام التي يدرك الشخص خلالها أنه يحلم)، وكشف كيفية تنظيم ذكرياتنا وتخزينها في أثناء النوم، وتمكين الأشخاص من تشغيل التلفزيون من خلال التفكير فقط.

أيضاً، يمكن للتخطيط الدماغي الكهربائي أن يعمل عمل بوابة تتيح الدخول إلى عقول الأشخاص العاجزين عن التواصل بأي طريقة أخرى. فقد جرى استخدامه للبحث عن دلالات على الوعي لدى الأشخاص الذين يعانون متلازمة اليقظة غير المستجيبة (التي كانت معروفة سابقاً باسم "الحالة الإنباتية المستديمة" [vegetative state]). أيضاً، أتاحت هذه التكنولوجيا لبعض المشلولين المصابين بالتصلب الجانبي الضموري، أو "أيه إل إس" (ALS) اختصاراً، إمكانية التواصل مع الآخرين من خلال الأفكار، وإبلاغ أفراد عائلتهم بأنهم سعداء.

اقرأ أيضاً: مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي يجري أول تخطيط كهربائي ثلاثي الأبعاد للدماغ في الإمارات

ما هي الأشياء التي سنتمكن من فعلها باستخدام التخطيط الدماغي الكهربائي بعد 100 عام من الآن؟

إذاً، أين سنتجه ابتداء من هذه المرحلة؟ قرر مشتاق، بالتعاون مع بيدرو فالديز-سوسا في جامعة العلوم والتكنولوجيا الإلكترونية في الصين بمدينة شينغدو، وزملاء آخرين، توجيه هذا السؤال إلى 500 شخص يتضمن عملهم استخدام التخطيط الدماغي الكهربائي، بمن فيهم علماء الأعصاب، ومختصون بالفيزيولوجيا العصبية السريرية، وجراحون مختصون بالجراحة الدماغية. وفي التفاصيل، أنشأ الفريق قائمة من التنبؤات بمساعدة تشات جي بي تي (ChatGPT)، وقد تراوحت بين التنبؤات المحتملة للغاية والتنبؤات الخيالية إلى حد ما. وقد طلب الفريق من كل شخص من المشاركين الخمسمائة في استطلاع الرأي وضع تقدير للوقت الذي من المرجح أن يتحقق فيه كل من هذه التنبؤات على حدة، إن كان ثمة فرصة لكي يتحقق.

ووفقاً للمشاركين، يمثل تحليل النوم أحد أقرب هذه الإنجازات غير المسبوقة إلى التحقق. فحالياً، يجري استخدام التحليل الدماغي الكهربائي لتشخيص أمراض النوم ومراقبتها، لكن هذا سيصبح أمراً اعتيادياً خلال العقد المقبل. من المرجح أن يشهد المستقبل القريب أيضاً انطلاقة التخطيط الدماغي الكهربائي للأغراض الاستهلاكية (منتجات جاهزة في السوق صالحة للاستخدام الفردي)، ما قد يمنح الكثيرين منا فرصة اكتشاف المزيد حول نشاطهم الدماغي الخاص، وعلاقته برفاهتنا الصحية. يقول مشتاق: "من المحتمل أن يكون هذا النظام مدمجاً في قبعة بيسبول مثلاً، بحيث ترتديها وأنت تتنقل من مكان إلى آخر، فيما هو متصل بهاتفك الذكي". سبق للصين أن جربت قبعات للتخطيط الدماغي الكهربائي بتصميم مماثل لهذا على الموظفين والعاملين، كما جرى استخدامها لمراقبة التعب لدى سائقي الشاحنات وعمال المناجم، على سبيل المثال.

حالياً، ما زال التواصل عن طريق التخطيط الدماغي الكهربائي محصوراً بالمختبرات والمستشفيات، حيث تركز الدراسات على القدرات الكامنة لهذه التكنولوجيا من حيث مساعدة الأشخاص المصابين بالشلل أو الذين يعانون اضطرابات في الوعي. لكن هذا من المرجح أن يتغير في الأعوام المقبلة، بعد استكمال المزيد من التجارب السريرية. يعتقد المشاركون في استطلاع الرأي أن التخطيط الدماغي الكهربائي قد يصبح من الأدوات الرئيسية للتواصل لدى الأفراد الذين يعانون مشاكل مشابهة خلال الأعوام العشرين المقبلة أو نحو ذلك.

أما في الطرف الآخر من طيف الاستخدامات التي يمكن التنبؤ بها، تكمن التطبيقات التي يطلق عليها مشتاق اسم "التطبيقات التخيلية"، مثل فكرة استخدام التخطيط الدماغي الكهربائي لقراءة أفكار الناس وذكرياتهم، بل وحتى أحلامهم.

يعتقد مشتاق أن هذا التنبؤ "جنوني نسبياً"، وما يزال بعيداً جداً عن نطاق التطبيق العملي، بما أننا لا نمتلك حتى الآن أي تصور واضح حول كيفية تشكّل الذكريات ومكان تشكّلها. لكن هذا التطبيق ليس مجرد تطبيق وهمي ويقع بالمطلق في نطاق الخيال العلمي، ويتنبأ بعض المشاركين بأن هذه التكنولوجيا قد تجد طريقها إلينا خلال 60 عاماً تقريباً.

الذكاء الاصطناعي ومستقبل التخطيط الدماغي

من المرجح أن يساعد الذكاء الاصطناعي علماء الأعصاب على استخلاص المزيد من المعلومات من تسجيلات التخطيط الدماغي الكهربائي، وذلك من خلال كشف الأنماط المخفية في النشاط الدماغي. كما أننا نستخدم الذكاء الاصطناعي حالياً من أجل تحويل أفكار الشخص إلى كلمات مكتوبة، وإن يكن هذا بدقة محدودة. يقول مشتاق: "نحن على عتبة هذه الثورة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي".

ستثير هذه الأنماط من التطورات تساؤلات حول حقنا في الحفاظ على الخصوصية العقلية، وكيفية حماية أفكارنا. وقد ناقشت هذه المسألة في العام الماضي مع المختصة في علوم المستقبل والنواحي القانونية للأخلاقيات في جامعة ديوك بمدينة دورهام في ولاية نورث كارولاينا، نيتا فرحاني. وقد أخبرتني أن البيانات الدماغية نفسها ليست أفكاراً، غير أنه يمكن استخدامها لاستنباط معلومات حول ما يفكر الشخص فيه أو يشعر به. وقالت: "حالياً، الشخص الوحيد الذي يستطيع الوصول إلى بياناتك الدماغية هو أنت، وذلك فقط من أجل تحليل الآليات الداخلية لعقلك. لكن، ما إن تضع جهازاً على رأسك، فهذا يعني تلقائياً أنك ستشارك هذه البيانات مع الجهات المساهمة في هذا العمل، أياً كانت هذه الجهات، سواء الشركة الصانعة للجهاز، أو التي توفر منصة الاستخدام".

اقرأ أيضاً: باحث يسعى إلى استبدال دماغ الإنسان شيئاً فشيئاً: فهل هذا ممكن؟

يشعر فالديس-سوسا بالتفاؤل إزاء مستقبل التخطيط الدماغي الكهربائي. فهذه التكنولوجيا تتسم بعدة مزايا تجعلها من أهم التكنولوجيات المرشحة للاستخدام في البلدان الفقيرة ذات الموارد المحدودة، مثل تكلفتها المنخفضة وسهولة حملها وسهولة استخدامها، على حد تعبيره، فقد كان يستخدمها في أبحاثه منذ عام 1969 (يمكنك أن ترى في الصورة أدناه شكل مكان عمله في عام 1970). ويقول إنه يجب استخدام التخطيط الدماغي الكهربائي في مراقبة صحة الدماغ وتحسينها في أنحاء العالم كافة، ويضيف قائلاً: "هذا أمر صعب، لكنني أعتقد أنه سيحدث في المستقبل".

صورة تعود إلى السبعينيات لمختصين في المجال الطبي أمام آلة للتخطيط الدماغي الكهربائي
مصدر الصورة: بيدرو فالديز-سوسا