ما هي التأثيرات الجانبية غير المتوقعة للتشريعات الهادفة إلى مواجهة التغير المناخي؟

5 دقائق
ما هي التأثيرات الجانبية غير المتوقعة للتشريعات الهادفة إلى مواجهة التغير المناخي؟
مصدر الصورة: ديفيد ماكنيو/ غيتي إيميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يمثل مشروع قانون خفض التضخم لعام 2022، والذي يعتبر أضخم استثمار في الولايات المتحدة على الإطلاق في المناخ والطاقة النظيفة بقيمة 400 مليار دولار، نصراً بيئياً كبيراً. ولكن ليس من الواضح مدى أثر هذا التمويل في تخفيض انبعاثات الكربون، كما أن النتائج ليست مضمونة إلى الدرجة التي يدعيها البعض. 

يتضمن مشروع القانون مزيجاً من الإعفاءات الضريبية والمنح وبرامج القروض، وتشير التقديرات إلى أنها يمكن أن تؤدي إلى تخفيضات تصل إلى مليار طن من الانبعاثات سنوياً بحلول عام 2030. ووفقاً لعدة محللين، قد يعني هذا أن الولايات المتحدة يمكن أن تخفّض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة تصل إلى 40% من مستويات الذروة في 2005. 

وعلى حين تقاربت تقديرات العديد من النماذج مع هذه النسبة، أي 40%، فإن بعض الاقتصاديين يشددون على أن الإعفاءات الضريبية قد تحمل بعض الآثار غير المؤكدة، وأن توقع المستقبل الفعلي لتخفيف الانبعاثات ليس بالأمر السهل. 

ومن أحد أسباب صعوبة التنبؤ هو اعتماد مشروع القانون بدرجة كبيرة على الحوافز المالية بدلاً من القواعد الناظمة والملزمة، ولهذا فإن فعاليته تعتمد على خيارات المستهلكين وعمليات اتخاذ القرار لدى الشركات. وهما عاملان يصعب التنبؤ بهما.

وعلى سبيل المثال، من المتوقع أن تنتج معظم تخفيضات الانبعاثات عن قطاع الطاقة، حيث يقدم مشروع القانون حوافز غنية للشركات لبناء المزيد من مشاريع توليد الكهرباء بالطاقات المتجددة. ولكن المعارضة المحلية لعمليات البناء الجديدة، وغير ذلك من العوائق التي تقف في وجه مشاريع الطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، قد تؤدي إلى تأخير التقديم، وتثبط الاستثمارات، وتبطئ العمل. 

اقرأ أيضاً: تقرير: خفض نصف انبعاثات الكربون العالمية يتطلب تكنولوجيا غير متاحة تجارياً

أموال بالمجان

تمثل الإعفاءات الضريبية العنصر الأساسي في استراتيجية مشروع قانون خفض التضخم لتخفيف انبعاثات غازات الدفيئة.

وبعض هذه الإعفاءات مخصصة للأفراد، فهناك ما يقرب من 35 مليار دولار للأشخاص الراغبين بتحديث بيوتهم وتشغيلها بالكامل على الكهرباء، إضافة إلى إعفاء بقيمة 7,500 دولار لشراء المركبات الكهربائية الجديدة، و4,000 دولار لشراء المركبات الكهربائية المستعملة. ولكن عدد الأشخاص الذين سيقررون شراء هذه المركبات الكهربائية سيعتمد على الأرجح على صحة الاقتصاد، واستقرار العرض، وجاذبية هذه المركبات للمستهلكين. 

أما الإعفاءات الضريبية الأخرى فهي للشركات ومؤسسات خدمات الماء والكهرباء العامة التي تبني مشاريع الطاقة النظيفة. وتمثل هذه الإعفاءات كتلة كبيرة من موارد مشروع القانون تبلغ 160 مليار دولار تقريباً، وتشمل برامج مصممة للحفاظ على تشغيل محطات الطاقة النووية. 

ويوجد هناك شكلان لهذه الإعفاءات. حيث يتم حساب الإعفاءات الضريبية الاستثمارية على شكل جزء من الاستثمار الأولي لبناء مشروع ما، وتبدأ بقيمة 30%، فإذا كلفت محطة الطاقة مليار دولار، ستحصل الجهة التي قامت ببنائها على إعفاء بقيمة 300 مليون دولار. أما الإعفاءات الضريبية الإنتاجية، من ناحية أخرى، فيتم حسابها على أساس إنتاج المحطة، بقدر سنتين تقريباً لكل كيلو واط/ ساعة من الكهرباء التي يتم إنتاجها. 

وتستطيع الشركة التي تسعى إلى بناء مشروع للطاقة النظيفة أن تختار الإعفاء الاستثماري أو الإنتاجي. كما تستطيع الشركات الناشئة، والتي لا تتحمل أعباءً ضريبية كبيرة، بيع إعفاءاتها الضريبية إلى شركة أخرى، وبالتالي تستطيع الاستفادة منها مالياً. 

وفي قطاع الطاقة، كانت الإعفاءات الضريبية إحدى أهم الاستراتيجيات التي يُعتمد عليها، فقد حازت مشاريع الطاقة الريحية والشمسية على هذه الإعفاءات لعدة سنوات، كما ساهم التمويل في نجاح هذه التكنولوجيات، كما تقول الاقتصادية المختصة بالطاقة في منظمة ريسورسز فور ذا فيوتشر (Resources for the Future.)، كارين بالمر. ويوسع مشروع القانون الجديد نطاق هذه الإعفاءات حتى تشمل تكنولوجيات أخرى للطاقات النظيفة.

تعتمد هذه الإعفاءات على منطق بسيط. وكما يقول الاقتصادي في مركز حلول المناخ والطاقة، ورئيس المركز، نات كوهاين: “إذا تمكنت من تخفيض تكاليف الطاقة النظيفة، فسيقوم الناس بإنتاج المزيد منها”.

اقرأ أيضاً: هل الثلاجات الفعالة في استهلاك الطاقة هي مستقبل الإسكان الحضري؟

عوامل غير مؤكدة

يجمع الاقتصاديون على أن الإعفاءات الضريبية الجديدة ستخفض الانبعاثات، ولكن السؤال الحقيقي يتعلق بمقدار هذا التخفيض. نتجت التقديرات السابقة عن ثلاث مجموعات نمذجة رئيسية: وهي مشروع ريبيت (REPEAT) من جامعة برينستون، ومجموعة روديوم (Rhodium)، وإينرجي إينوفيشن (Energy Innovation). وتُجمع النماذج الثلاثة على أن القانون الجديد سيساعد الولايات المتحدة على تحقيق تخفيض بنسبة 40% في الانبعاثات بحلول عام 2030.

ففي تقديرات مجموعة ريبيت، تُعزى نسبة 40% تقريباً من تخفيضات الانبعاثات الناتجة عن القانون إلى قطاع الطاقة، ويعود هذا بنسبة كبيرة إلى برامج الإعفاءات الضريبية الضخمة للطاقات النظيفة. وتعود نسبة 30% إلى النقل، وفقاً لتنبؤات المجموعة، و15% من نصيب الصناعات الثقيلة.

“لا يتخذ الناس دائماً الخيار الذي يبدو الأفضل من الناحية الاقتصادية نظرياً”.

روبي أورفيس

ولا يعود كل هذا التقدم المتوقع إلى مشروع القانون وحسب. فقد تراجع إصدار الولايات المتحدة بنسبة 15% تقريباً مقارنة بعام 2005، وبتطبيق عدة سياسات أخرى قبل إقرار مشروع القانون، فقد كانت البلاد تسير نحو تحقيق تخفيضات تبلغ نسبة 25% تقريباً مقارنة بمستويات 2005 بحلول نهاية هذا العقد.  

ولم يتردد الاقتصاديون في الإشارة إلى أن النماذج قد تقدم لنا تصوراً عاماً حول تأثير السياسات على الانبعاثات في المستقبل، ولكن الصورة قد تتغير بعدة طرق.

اقرأ أيضاً: الولايات المتحدة تتعهد بخفض انبعاثاتها الكربونية إلى النصف بحلول عام 2030

ففي تقرير من العام الفائت، قالت مجموعة روديوم إن الولايات المتحدة تسير نحو تحقيق تخفيض في الانبعاثات بنسبة تتراوح من 17% إلى 30% بحلول عام 2030. وفي هذه السنة، وضمن تقرير شهر يونيو/ حزيران، تصاعدت قيمة هذا التقدير لتصل إلى نسبة تتراوح بين 24% إلى 35%.

لا يعود الفرق في نتائج النموذج إلى أي سياسة جديدة محددة، بل يعود بنسبة كبيرة إلى الارتفاع الحاد في أسعار الوقود الأحفوري بعد بدء الحرب الروسية الأوكرانية، وكيفية استجابة الحكومة الأميركية لمخاوف التضخم، كما يقول المدير المساعد في برنامج المناخ والطاقة في مجموعة روديوم، بين كينغ. ومن المرجح أن أي تغييرات تطرأ على أسعار الوقود الأحفوري ستؤثر على تقديرات الانبعاثات.

إضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي عمليات اتخاذ القرارات البشرية إلى شيء من التباعد بين النماذج والواقع. يقول مدير برنامج حلول سياسات الطاقة في إينرجي إينوفيشن، روبي أورفيس: “لا يتخذ الناس دائماً الخيار الذي يبدو الأفضل من الناحية الاقتصادية نظرياً”.

وهذه مشكلة شائعة بالنسبة للإعفاءات الضريبية الخاصة بالمستهلكين، مثل تلك المخصصة للمركبات الكهربائية أو تحديثات زيادة فعالية استهلاك الطاقة في المنزل. وفي أغلب الأحيان، لا يمتلك الناس ما يكفي من المعلومات أو الأموال للاستفادة من الإعفاءات الضريبية.

وبالتالي، ليس هناك ما يضمن أن الإعفاءات في قطاعات الطاقة ستحقق الأثر الذي توقعته النماذج. فقد يكون العثور على مواقع لمشاريع الطاقة الجديدة والحصول على الموافقات اللازمة لبنائها أمراً صعباً وقابلاً للتدهور بسرعة. يقول أورفيس إن النماذج تأخذ بعض هذه العوامل السلبية بعين الاعتبار. ولكن ما زال هناك مجال لظهور مشكلات أخرى لم يتوقعها مصممو النماذج.

اقرأ أيضاً: هل يمكننا تخفيف النسبة الكبيرة لانبعاثات ثنائي أكسيد الكربون الناتجة عن الفولاذ؟

غير كافية

يقول الاقتصادي في جامعة كاليفورنيا بمدينة دافيس، جيمس بوشنيل، إن المبالغة في الاعتماد على نتائج النماذج قد تتسبب ببعض المشكلات. فالنماذج قد تبالغ في تقديراتها حول مدى تغير السلوكيات بسبب الإعفاءات الضريبية. كما أن بعض المشاريع التي تحاول الحصول على الإعفاءات كانت ستُبنى على أي حال، كما يقول بوشنيل، خصوصاً مشاريع الطاقة الريحية والشمسية، والتي أصبحت أقل تكلفة، وبدأت تحقق انتشاراً واسع النطاق.

ولكن، وسواء حقق مشروع القانون توقعات النماذج أو لم يحققها، فإنه يمثل خطوة إيجابية في توفير الحوافز الإيجابية بالنسبة للمناخ، بما أنه يقدم إعفاءات واسعة النطاق للطاقات النظيفة بدلاً من الإعفاءات المقتصرة على الطاقة الشمسية والريحية، ما يسمح للمطورين بدرجة أعلى من المرونة في اختيار التكنولوجيات التي سيطورونها.

ومن العوامل الإيجابية الأخرى في هذا القانون الاستثمارات طويلة الأمد، والتي لم تتمكن النماذج الاقتصادية من تجسيدها بشكل كامل حتى الآن. يتضمن مشروع القانون مبالغ مالية مخصصة للبحث والتطوير للتكنولوجيات الجديدة، مثل الالتقاط الهوائي المباشر والهيدروجين النظيف، وهي تكنولوجيات غير مثبتة ولكنها قد تؤثر بدرجة كبيرة على الانبعاثات في العقود المقبلة إذا أثبتت أنها فعالة وعملية. 

اقرأ أيضاً: أكبر محطة في العالم لتصفية الهواء من الكربون ستبدأ العمل قريباً

ولكن، ومهما كانت فعالية مشروع قانون خفض التضخم، فمن الواضح أننا ما زلنا في حاجة إلى المزيد من الإجراءات المناخية لتحقيق أهداف الانبعاثات لعام 2030 وما بعده. وبالفعل، وحتى لو كانت توقعات النماذج صحيحة، فإن مشروع القانون ما زال غير كافٍ لتحقيق أهداف الولايات المتحدة وفق اتفاقية باريس، والتي تنص على تخفيض الانبعاثات إلى نصف مستويات عام 2005 بحلول عام 2030.

ما زال مسار الإجراءات المناخية الأميركية غير واضح كما يتمنى البعض. ولكن البلاد حققت خطوة كبيرة مع مشروع قانون خفض التضخم. أما المسافة التي حققتها بهذه الخطوة، فتبقى سؤالاً ينتظر الإجابة.