تقرير خاص

كيف يساعد الذكاء الاصطناعي التوليدي على الارتقاء بمستويات الإنتاجية الحكومية في الشرق الأوسط؟

5 دقيقة
كيف يساعد الذكاء الاصطناعي التوليدي على الارتقاء بمستويات الإنتاجية الحكومية في الشرق الأوسط؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/DBM31
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

غالباً ما يرتبط القطاع الحكومي في أذهان الكثيرين حول العالم بالإجراءات البيروقراطية البطيئة، فضلاً عن اعتماد التقنيات التي لم تعد متوافقة مع التقدم التقني الذي يشهده عالمنا المعاصر وإن كان ذلك غير منصف في الأحوال جميعها. إلّا أن تسارع مسار التحول الرقمي وتنامي تطور التقنيات الناشئة أسهم في إحداث تغييرات جذرية ونقلات نوعية على مستوى القطاع. وتتمتّع الجهات الحكومية بفرصة استثنائية في الوقت الحالي لتحسين عملياتها وخدماتها على نحو مختلف كُلياً، وذلك عبر اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتظهر الوقائع تحول العديد منها لتبني هذا النهج التقدمي.

ويعتبر الذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI) من تقنيات الذكاء الاصطناعي المتميزة بقدرتها الاستثنائية على التكيُّف مع الواقع، والتعرّف إلى طبيعة المهام المشابهة لما يقوم به الإنسان. ووفقاً للنتائج التي توصلنا إليها مؤخراً في شركة بوسطن كونسلتينغ جروب، تمتلك هذه التقنية القدرة على توفير 1.75 تريليون دولار بفضل تعزيز الإنتاجية السنوية للجهات الحكومية في مختلف أنحاء العالم بحلول عام 2033، ما يسهم في تحسين جودة الخدمات الحكومية وكفاءتها عبر مختلف المجالات، بدءاً من صنع السياسات وإنجاز العمليات الداخلية وصولاً إلى تعزيز مشاركة المواطنين.

ويتطلب العمل على توفير الخدمات الحكومية الفعّالة والإشراف عليها، ضرورة تعزيز منهجية التفكير الاستشرافي المستقبلي وتبني نهج المرونة، الأمر الذي يحتاج إلى ضرورة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي التوليدي GenAI، وهو ما من شأنه المساهمة في تحقيق هذا الواقع على نحو حاسم وحيوي. على صعيد آخر، من الممكن أن يؤدي تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي من قِبل الجهات الحكومية، إلى تحقيق وفورات اقتصادية كبيرة. واستناداً إلى أحدث الدراسات في هذا الإطار بعنوان الاستعانة بالقدرات الباهرة للذكاء الاصطناعي التوليدي GenAI في التأثير الإيجابي على الأعمال، فمن شأن تطبيق أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي تحقيق مجموعة من المكاسب على المدى القصير والطويل، بما في ذلك رفع مكاسب الإنتاجية المنتشرة بواقع 10% إلى 20% ومكاسب الكفاءة القابلة للتحقيق بواقع 30% إلى 50%. وفي حين أن التكامل على مستوى القطاع العام لا يخلو من التعقيدات، إلّا أنه يوفّر العديد من الإمكانات الملموسة على أرض الواقع، خاصة عند الإشارة إلى الدور الأساسي لهذه التقنيات في تسهيل عملية ابتكار برامج وخدمات وتجارب جديدة للعملاء. 

ويعمل الذكاء الاصطناعي التوليدي GenAI بالفعل على إعادة تشكيل المشهد الحالي بناءً على الإمكانات التي يوفّرها الاستثمار في هذه التقنية، ويتبنى العديد من حكومات الشرق الأوسط تقنيات الذكاء الاصطناعي GenAI باعتبارها من أهم الأولويات الوطنية في إطار الانطلاقة القوية لتقنيات التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي. وتوفّر الفرص التالية لمحة عن إمكاناتها الهائلة، ممهدةً الطريق لاستكشاف المزيد من التفاصيل حول آليات تحديث العمليات الحكومية وتعزيز مشاركة المواطنين.

خمس فرص يوفّرها الذكاء الاصطناعي التوليدي للجهات الحكومية

  1. السياسات والبرامج: يمتلك الذكاء الاصطناعي التوليدي القدرة على وضع السياسات عبر تجميع البيانات بسرعة أكبر وصياغة ملخصات السياسات على نحو غاية في الدقة، ما يوفّر لصانعي السياسات القدرة على معالجة القضايا المعقدة بشكلٍ أكثر كفاءة. على صعيد آخر، تؤدي تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي GenAI دوراً حيوياً في دعم الاستشارات العامة ونُظم الحوكمة القائمة على المشاركة، كما تتمتّع بالقدرة على معالجة الوثائق الاستشارية على نطاقٍ واسع، فضلاً عن تلخيص التوصيات وتحديد مستوى التوافق في الآراء، وتوسيع نطاق مشاركة المواطنين، وإثراء مستويات المشاركة خلال عملية وضع السياسات. ويعمل هذا النهج على تسريع الجداول الزمنية للسياسات بالإضافة إلى الحد من المخاطر، وضمان وضع السياسات وفق آليات أكثر شمولاً وشفافية
  2. تقديم الخدمات والعمليات: تتميز تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي بقدرتها على الارتقاء بمستوى الخدمات العامة، وذلك عبر توفير خدمات يمكن الوصول إليها بشكلٍ دائم ومستمر على مدار اليوم وطوال أيام الأسبوع، بالإضافة إلى ميزة التواصل الشخصي. وستتمكن الجهات الحكومية، عبر الاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي GenAI، من ضمان عمليات تفاعل وتواصل سلسة ومدروسة ومخصصة لملاءمة احتياجات مواطنيها، وتسهم هذه التقنيات بدءاً من بوتات الدردشة الآلية متعددة اللغات وأدوات المساعدة المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي، في خفض أوقات الانتظار وتعزيز إمكانية الوصول، مع تخصيص الخدمات وفقاً للاحتياجات الفردية.
  3. الوحدات الوظيفية الداعمة: يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي GenAI تبسيط العمليات الحكومية التي تجري على الصعيد الداخلي وتعزيزها، مثل إتمام أعمال المشتريات والتوظيف والمساعدة في عمليات التعلم والتطوير. ولا يقتصر دور الوكالات الحكومية على توفير الخدمات للمتعاملين، إذ تعتبر عمليات الدعم ضرورية لضمان الأداء السلس. ويمكن لتحليل المستندات آلياً وإنشاء التعليمات البرمجية ووحدات التعلم المخصصة أن يسهم في تحسين العمليات والحد من الأخطاء وتقصير الفترات المطلوبة للتنفيذ وتمكين الموظفين من التركيز على الواجبات الوظيفية الأكثر أهمية.
  4. الجهات التنظيمية: يمتلك الذكاء الاصطناعي التوليدي القدرة على تحويل الجهات التنظيمية، لا سيّما حيث يكون ضمان الامتثال أمراً حيوياً، بينما يؤدي اعتماد الأساليب التقليدية إلى إبطاء عمليات التنظيم وجعلها أكثر تعقيداً. وتحلل الأنظمة التي تعمل بتقنيات الذكاء الاصطناعي البيانات في الوقت الفعلي لتحديد الانتهاكات المحتملة والتنبؤ بالمخاطر، ومن ثَمَّ تأكيد الحاجة إلى التدخلات وتبسيط عمليات الإنفاذ وتعزيز ثقافة الامتثال وضمان حماية المواطنين من الأذى.
  5. الوكالات المركزية: تضمن الوكالات الحكومية مواءمة استراتيجيات الحكومات وتماسكها على نحو متكامل. ويسهم الذكاء الاصطناعي التوليدي في دعم القرارات المستندة إلى البيانات عبر محاكاة تأثير السيناريوهات الاستراتيجية المختلفة ومخصصات الميزانية والنتائج القائمة في البرامج، ويسهم هذا بدوره في تحسين عمليات التمويل وتوزيع الموارد عبر الإدارات المختلفة. وتظهر هذه التطبيقات الدور المهم لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي GenAI في تحويل العمليات الحكومية وتقديم الخدمات اللازمة، وهو ما يتوافق مع الأهداف الأوسع المتمثلة في تحسين الكفاءة والرضا وضمان المواءمة الاستراتيجية.

سرعة التبني تضمن سرعة النهوض والتقدم: الريادة والتطور التكنولوجي في الشرق الأوسط

يشتهر مواطنو العديد من دول الشرق الأوسط باعتمادهم على الخدمات الحكومية الرقمية أكثر من أي منطقة أخرى في العالم. وتعتبر دول مجلس التعاون الخليجي رائدة على مستوى تبني الخدمات الرقمية، حيث يعتمد 63% من سكانها على هذه الخدمات، متجاوزين المتوسط العالمي البالغ 49%. ويشير هذا المستوى العالي من المشاركة إلى إمكانات حقيقية لدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي بهدف تعزيز الوظائف الحكومية الداخلية وجعلها أكثر سهولة، ما يؤدي إلى توفير تفاعلات رقمية أكثر فاعلية بين الجهات الحكومية والمتعاملين G2C وبين الجهات الحكومية فيما بينها G2G.

وتشير التقديرات على مستوى الإنتاجية، إلى أن اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي في المملكة العربية السعودية سيحقق فائدة إنتاجية سنوية بقيمة 56 مليار دولار، في حين من المتوقع أن تحقق دولة الإمارات العربية المتحدة نمواً بواقع 11 مليار دولار على مدى السنوات العشر المقبلة. ومع ذلك، فإن فوائد اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي GenAI لا تقتصر على توفير التكاليف فحسب؛ حيث اتبعت حكومات دول مجلس التعاون الخليجي نهجاً استباقياً لتشجيع تبني هذه المبادرات من قبل المواطنين وكلا القطاعين العام والخاص.

تعمل حكومات دول مجلس التعاون الخليجي على توسيع نطاق جهودها في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI) على نحو متسارع؛ إذ أطلقت المملكة العربية السعودية مؤخراً مبادرتها الرائدة “الذكاء الاصطناعي التوليدي للجميع”، وذلك بالتعاون مع “منظمة التعاون الرقمي” لتسريع تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي GenAI بهدف تعزيز التكامل والازدهار. وتروّج دولة الإمارات العربية المتحدة بنشاط لتبني الذكاء الاصطناعي التوليدي؛ حيث تنشر دليل المستخدم الأول من نوعه في المنطقة للذكاء الاصطناعي التوليدي بعنوان “دليل 100 تطبيق واستخدام عملي للذكاء الاصطناعي التوليدي”. ويقدّم هذا الدليل توصيات للمواطنين والشركات حول استخدام قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي للاحتياجات الشخصية عبر أبعاد مختلفة بهدف تحسين نوعية الحياة والارتقاء بمستويات الكفاءة والإنتاجية.

وتمهّد هذه المبادرات الموسعة الطريق لدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي باعتبارها من عوامل التمكين عبر عددٍ كبيرٍ من الوظائف والأعمال ومجالات الحياة اليومية. وتتمثل أهميتها في توفير الحماية التي تتنامى الحاجة إليها، مع تعزيز الاستخدام الأخلاقي والمسؤول للتقنيات بشكلٍ استباقي، وبما يتماشى مع استراتيجيات الذكاء الاصطناعي الوطنية المستقبلية.

حكومات الجيل التالي: خوض مسيرة الانتقال من الفرص التي يوفّرها الذكاء الاصطناعي إلى الارتقاء بمستويات القيمة

من المؤكد أن التطور المتنامي لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتزايد الاعتماد عليها في مجالات الأعمال الخاصة بالقطاع العام، سيؤدي إلى إحداث ثورة حقيقية في كيفية تفاعل الحكومات مع مواطنيها عبر الجهات الحكومية. ومن شأن تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكلٍ مناسب وأخلاقي أن يسهم في ظهور حكومات الجيل التالي: وهي حقبة تتميز بالخدمات الحكومية الاستباقية والذكية والمترابطة التي تُعيد تحديد معايير الخدمات التي توفّرها الحكومات لمواطنيها.

ويعتبر تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي GenAI مسألة وقت. ومن خلال الوعود ذات الصلة بتعزيز الكفاءة على نحو أكبر وإتاحة الفرصة لتقديم خدمات تنافس أفضل ما يقدّمه القطاع الخاص. وبالتالي، يتعين على قادة الحكومات الالتزام بهذا التوجه لتلبية الاحتياجات الحقيقية الملحة والاستثمار في الإمكانات الهائلة لهذه التقنيات الناشئة.