كيف يمكنك التأكد أنك تحادث بشراً وليس برنامج بوت؟

7 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

توظف الشركات عادةً البشر لتقمص دور برامج البوت. فماذا عن الحديث مع البوت مقابل الحديث مع البشر؟

في تطور غير متوقع لما يُقال “الروبوتات سوف تحل محل البشر في العمل”، وجدت بعض شركات التكنولوجيا التي تتباهى باستخدامها لتقنيات الذكاء الاصطناعي، أن البشر يعتبرون أقل كلفة وأكثر كفاءة كما أن التعامل معهم أسهل (وذلك ضمن نطاقات الأعمال الصغيرة) من تقنيات الذكاء الاصطناعي التي يمكنها تنفيذ نفس المهام.

“الذكاء الاصطناعي المزيف”

في بعض الأحيان لا يستخدم الذكاء الاصطناعي على الإطلاق، لذا يكون “الذكاء الاصطناعي” مجرد نموذج محاكاة ومشغَل بالكامل بواسطة البشر، وقد تمت برمجته لتقييم اهتمام المستثمرين أو سلوك العملاء. وفي أحيان أخرى، يُدمج ذكاء اصطناعي حقيقي مع موظفين بشريين جاهزين للتدخل إذا أظهر برنامج البوت أي مؤشرات تدل على انعدام الاستجابة لديه. وتسمى هذه الطرق: “الذكاء الاصطناعي المزيف” أو من وجهة نظر أكثر تفاؤلاً يمكن القول: “الذكاء الاصطناعي الهجين”.

وليس غريباً أن تعمد الشركات إلى تعتيم الخط الفاصل بين الإنسان وبرنامج البوت. على سبيل المثال، تعلن شركة “كلاود سايت” (Cloudsight.ai)، عن خدمة التعرف على الصور التي “تسخّر أفضل ما يقدمه ذكاء الإنسان والآلة”. وكما أوضحت الشركة خلال مقابلة مع وكالة الأنباء “أسوشيتد برس” (AP News)، أن ما يعنيه ذلك هو أنهم يلجؤون إلى الموظفين البشر عندما تكون الصور مضللة غير واضحة. إن هذه الشراكة بين البشر والذكاء الاصطناعي تجعل تقنية “كلاود سايت” أكثر كفاءة، إنها واحدة من واجهات برمجة تطبيقات (APIs) التعرف على الصور الوحيدة التي لا تخدعها تلك الصور المضللة. ولكن نظراً لأنها مبنية بفضل نظام التأخير المضمّن لعدة ثوان، يصعب معرفة ما إذا ما كانت صورة معينة قد تمت معاينتها بواسطة برنامج ذكي أو بواسطة إنسان.

تصرّح “شركة كلاود سايت” نسبياً عن استخدامها للبشر، ولكن الشركات التي وعدت بتقديم حلول باستخدام الذكاء الاصطناعي قد تعرضت لهجوم مراراً بسبب إرسال رسائل صوتية حساسة وتقارير نفقات وجداول شخصية لموظفين بشر. وجدير ذكره، أن الشركات الكبرى مثل “فيسبوك” استعانت أيضاً بالذكاء الاصطناعي المزيف، فقد كان مساعد فيسبوك الشخصي “إم” السابق ناجحاً جداً في قدرته على التجاوب بسبب اعتماده الكبير على البشر، ولكن تم إيقافه في النهاية.

اختبار “تورينغ”

وعلى الرغم من أن بعض الشركات ترى أن الاستعانة بالبشر لتنفيذ المهام التي يمكن لـ “الذكاء الاصطناعي” التعامل معها هو أمر مؤقت، فإن البعض الآخر يعتمدون الذكاء الاصطناعي المزيف استراتيجية لخدمة العملاء، والتي تجمع بين تقنيات الذكاء الاصطناعي القابلة للتوسع مع الكفاءة البشرية. حيث يعلنون استخدامهم تقنيات “الذكاء الاصطناعي الهجين“، وإذا عملوا وفق ما هو مخطط له، فلن تتمكن عندها من معرفة ما إذا كنت تتحدث إلى برنامج ذكي أم إلى إنسان. إذ يمكن أن يتحول كل تفاعل عن بعد إلى شكل من أشكال اختبار “تورينغ” (وهو اختبار يحدد ما إذا كانت الآلة قادرة على التفكير مثل الإنسان). إذاً، كيف تتأكد من أنك تحادث بشراً وليس برنامج بوت؟

إن أي محادثة أو نص يحافظ على تماسكه واتساقه لأكثر من عدة جمل، فمن المحتمل أن يكون معداً بواسطة البشر أو أنهم على الأقل قد ساعدوا بشكل كبير في تنسيقه.

وإن من الطرق التي لا يمكنك الاستعانة بها بعد الآن للكشف عن ذلك البحث عما يمكن أن يخطئ به البشر مثل الأخطاء النحوية أو التردد أو التلعثم أثناء الكلام. وفي الماضي، كانت أجزاء من حوار برامج التشات بوت مصاغة مسبقاً، والتي يمكن دمجها ومطابقتها وفقاً للقواعد المضمنة، إذ كان كلام برنامج البوت مترادف مع الصياغة المحددة. وفي اختبارات تورينغ الأولية، غالباً ما كشفت الأخطاء الإملائية أن الذي يتكلم هو بلا شك إنسان. أما اليوم، فإن العديد من برامج التشات بوت مدعومة بنظام تعلم الآلة، وبدلاً من استخدام القواعد التي يضعها المبرمج، تتعلم هذه الخوارزميات من خلال الأمثلة. إن العديد من مجموعات البيانات التدريبية يكون مصدرها منصات مثل منصة “ميكانيكال تورك” (Mechanical Turk)، التابعة لـ “شركة أمازون”، والتي تتيح للمبرمجين توظيف أشخاص من جميع أنحاء العالم لخلق أمثلة لمهام مثل طرح الأسئلة والإجابة عنها. وعادة ما تكون مجموعات البيانات هذه مليئة باللهجات العامية، أو لهجة خاصة بمنطقة معينة، وما إلى ذلك، وهذا ما تتعلمه الخوارزميات. وليس من المستغرب اليوم الحصول على شرح توضيحي للصور، أي التي تُقرأ مثل رسائل نصية والتي صيغت بواسطة خوارزمية. ولأن معظم الناس لا يتوقعون قصوراً في الخوارزمية، يضيف المبرمجون أحياناً أموراً عن عمد، ففي مايو/أيار، احتل المساعد الذكي من “جوجل” عناوين الصحف لبراعته في تقليد التعابير مثل “أمم” و”أوه” الخاصة بالبشر.

محاكاة الخوارزميات للغة الإنسانية

إذاً، ليس من الصعب على الخوارزميات محاكاة التعابير اللغوية غير العادية الخاصة بالبشر. ولكن نظراً لأن تقنيات الذكاء الاصطناعي لا تصل إلى قدرة البشر في استخدام اللغة، فهناك مؤشرات واضحة أخرى تدل على أن ذلك قد كتب بواسطة برنامج بوت.

في إحدى المؤشرات الرئيسة ذات النطاق المحدود جداً للخبرة، لا يمكن لبرنامج بوت التحدث إلا عن موضوع واحد في كل مرة. أجريت مؤخراً محادثة مع “متجر سوق الأغذية” (Whole Foods Market) على الماسنجر، وكانت المحادثة على هذا النحو التالي:

المتجر: مرحباً جانيل! نحن هنا لمساعدتك في العثور على وصفات بمكونات بسيطة.

أنا: هل لديك وصفة الغواكامولي؟

المتجر: [يرسل لي وصفة الغواكامولي بالكزبرة]

أنا: هل يمكن صنع الغواكامولي من البازلاء الخضراء؟

المتجر: [يرسل لي وصفة الغواكامولي من البازلاء الخضراء]

أنا: أريد وصفة تستخدم الأفوكادو؛ أي وصفة باستثناء الغواكامولي.

المتجر: [يرسل لي وصفة صلصة الأفوكادو مع الزيتون والكزبرة]

حتى هذه اللحظة، تعتبر هذه المحادثة غامضة بعض الشيء. إذ إنني أتحدث مع شيء لم يكشف عن نفسه صراحة على أنه برنامج بوت، بالإضافة إلى أنه يجيب بكفاءة عن الأسئلة من خلال إرسال الوصفات. ولكن عندما أخذ الحديث يسير بمنح آخر، كشف ذلك البوت حقيقة نفسه بسرعة.

أنا: كيف يمكنني معرفة ما إذا كانت الأفوكادو ناضجة؟

المتجر: [يرسل لي وصفة الغواكامولي بالفاصولياء]

أنا: هل لديك شخصية مفضلة ضمن شخصيات سلسلة أفلام حرب النجوم؟

المتجر: [يرسل لي وصفة القريدس المقلي مع دقيق الذرة وجبنة المانشيغو]

قد تنجح أي خوارزمية يكون أداؤها قريباً جداً من البشر، ويعود السبب في ذلك إلى تخصيصها لأداء مهام معينة، إذ تستطيع الخوارزميات مثل “كويل” و”وردسميث” و”هيليوغراف” الخاصة بصحيفة “واشنطن بوست”، تحويل جداول من البيانات إلى مستندات مكتوبة وكتابة نتائج الرياضة المحلية وأخبار الانتخابات وغيرها الكثير. ولكن يعود نجاح هذه الخوارزميات إلى حقيقة أن مهامها تستند إلى طبيعة الصيغ، أي أنها تحول البيانات من جداول إلى بعض العبارات. على سبيل المثال، كتبت خوارزمية هيليوغراف “هزم فريق نايتس رايكن سانت ماري فريق ماونت سانت جوزيف في مباراة بنتيجة متقاربة 28-30 في يوم السبت” و”سجل النايتس أهدافاً في فريق ماونت سانت جوزيف في الربع الأول، 13-0. وفي الربع الثاني، سجل فريق ماونت سانت جوزيف 14 نقطة مقابل 7 نقاط لصالح النايتس”. إنها لا تعد أموراً مثيرة للدهشة، لكنها تؤدي مهاماً تخصصية في وصف المباراة. من ناحية أخرى، سوف يفشل تماماً الذكاء الاصطناعي مثل خوارزمية هيليوغراف، إذا واجهت معلومات لا تتناسب بدقة مع الصيغ المحددة. على سبيل المثال، هل ركض حصان ما في الملعب أثناء المباراة؟ أو هل التقط أحد اللاعبين الكرة بشكل مدهش وقلب نتيجة المباراة؟ لن تتمكن خوارزمية هيليوغراف من التعامل إلا مع جداول البيانات الخاصة بها.

القدرات المحدودة للخوارزميات

إن قدرة المعالجة الحاسوبية المحدودة هي السبب الرئيس في أن برامج البوت عادة لا تكون جيدة إلا في فعل أمر واحد فقط في كل مرة. فكلما حاول المبرمجون تدريب خوارزميات تعلم الآلة للتعامل مع مهام إضافية، تكون النتيجة عادة هي الحصول على خوارزميات تنفذ العديد من المهام ولكن بشكل سيئ. وبعبارة أخرى، إن خوارزميات اليوم هي عبارة عن ذكاء اصطناعي محدود (A.N.I)، وليست ذكاء اصطناعياً عاماً (A.G.I). وفي الوقت الحالي، ولسنوات عديدة في المستقبل، فإن أي خوارزمية أو برنامج تشات بوت يُقال إن مستوى أدائه عام، أي لديه القدرة على التعامل بطريقة معقولة مع مجموعة واسعة من المواضيع، من المرجح أن يكون للبشر دور كبير في ذلك.

ومن الأمور التي تكشف برامج البوت أيضاً هي الذاكرة السيئة جداً. فخارج النص الذي يعتمد كلياً على الصيغ الجاهزة، تواجه الخوارزميات صعوبة كبيرة في إنتاج قصص أو حتى فقرات منطقية. فيتم تبديل الأحرف، وتشويه الحبكة، كما تصبح المحادثات متكررة، ومرد ذلك أن الخوارزمية لا يمكنها ببساطة المواصلة تتبع ما يجري. وكما هو الحال مع الخوارزميات التي تفشل في أداء مهام متعددة، فإن الحدود هنا هي قدرة المعالجة الحاسوبية.

إنتاج وصفات الطعام من قبل الخوارزميات

هناك توجّه اليوم لدى البعض للادعاء بأنهم أنتجوا سيناريو معيناً، وذلك عندما “يجعلون برنامج البوت يشاهد 10,000 ساعة من “س”، ولكن إحدى الطرق السهلة لمعرفة أن هذه المحاكاة هي مجرد تقليد لما يكتبه البشر، هي البحث عن مؤشرات لقوة الذاكرة التي من شأنها أن تمتد لأكثر من جملة أو اثنتين. وفي المقابل، فإن النص الفعلي الذي تنتجه خوارزمية سيبدو عادة مثل الوصفة أدناه، والتي تم إنتاجها بواسطة شبكة عصبية دربتها على 30 ميجابايت من وصفات كتاب الطبخ.

مكونات الحساء

1 حبة بطاطا (اختيارية)

1 قطعة كاملة من لحم الخنزير

4 فصوص ثوم مفرومة

3 قطع قريديس

¼ كوب من مسحوق الفلفل الحار

2 كيلو بييولار

حمّص المزيج فوق الزبدة في مقلاة، وحركه حتى تقطع حبة الليمون. لا تتوقف حتى يثخن الخليط، ثم أضف اللوز. حرك حتى يبدأ اللحم في الغليان. ثم أضف البيض والكثير من البيض وحركه حتى يمتزج جيداً. لا تضع الكثير من الفاصولياء، ثم أضف الثوم. اتركه على النار لبضع دقائق، ثم أضف الخل والفلفل الحار. غطِّ المزيج واتركه على النار بدرجة حرارة منخفضة لمدة 4 إلى 5 ساعات (قدمه مع الأرز).

النتيجة: وجبة لأربعة أشخاص.

لقد نسيت الخوارزمية تماماً قائمة المكونات، حالما وصلت إلى طريقة التحضير. وتجدر الإشارة إلى أنه بالإمكان إيجاد حل لهذه المشكلة من خلال إعداد نصوص كاملة وكبيرة، كما فعلت شركة “آي بي إم” بواسطة تطبيق وصفات الشيف واتسون، وكما يفعل بعض الباحثين من أجل كتابة القصص. لكن، هذا النوع من “هندسة مجموعة البيانات” يتطلب الكثير من العمل، كما أن النتائج تكون محدودة. وبصرف النظر عن إعداد الصيغ الكبيرة، فإن أي محادثة أو نص يحافظ على اتساقه لأكثر من عدة جمل، فمن المحتمل أن يكون معداً بواسطة البشر أو أنهم على الأقل قد ساعدوا على نحو كبير في تنسيقه.

الحديث مع البوت مقابل الحديث مع البشر

إذاً، هل يمكنني معرفة ما إذا كنت أتحدث إلى برنامج بوت أو إلى موظف بشري في قسم خدمة العملاء؟ الإجابة هي لا في الواقع. لأن الذكاء الاصطناعي المزيف يدمج أداء برامج البوت مع البشر، ومن الصعب إجراء اختبار على ذلك. ولكن، إذا بدأت محادثة مع برنامج بوت، قد تشعر في مكان ما أن من يتحكم في المحادثة هو إنسان. في الواقع، يشكل ذلك بحد ذاته مشكلة، إذ إن برامج البوت لا تمانع في العبث بها، ولكن يعتبر ذلك غير لائق وربما مؤذٍ بالنسبة للموظف البشري الذي يحاول فقط تنفيذ عمله.

هذا ما يظهر سبباً ملحاً آخر للشركات للإفصاح عن طبيعة برنامج البوت الخاص بها. ومن المؤكد أنه يمكن لأي شخص أن يتفاعل مع برامج البوت المشكوك بها على أنها إنسان، ولكن مجرد كشفك عن برنامج البوت يحمل الكثير من المتعة، مثل محاولة شخص ما لجعل برنامج البوت إيليزا يقسم أنه يعلم بالأمر.

أنا: هل أنت برنامج بوت؟

المتجر: لم أتمكن من العثور على ذلك، ولكن دعنا نحاول مرة أخرى. وتذكر أنه يمكنك أيضاً استخدام الرموز التعبيرية مثل [الفراولة] للبحث!

أنا: إذا كنت عالقاً في جزيرة صحراوية، فما هو نوع الطعام الذي قد ترغب بتناوله؟

المتجر: [يرسل لي وصفة شطائر سمك السلمون المدخن]

أنا: هل التاكو تعتبر من الشطائر؟

المتجر: [يرسل لي وصفة البرغر الإنجليزي]

أنا: أيهما أفضل، الكوكا كولا أم البيبسي؟

المتجر: [يرسل لي وصفة الآيس كريم بالفراولة الطازجة]

(حقيقة، لا يمكنني مجادلته بما يتعلق بالآيس كريم). كانت هذه خلاصة تجربة الحديث مع البوت مقابل الحديث مع البشر.