ما هي أوجه الشبه بين الجينوم البشري والذكاء الاصطناعي التوليدي؟

3 دقيقة
ما هي أوجه الشبه بين الجينوم البشري والذكاء الاصطناعي التوليدي؟
مصدر الصورة: ستيفاني آرنيت/ إم آي تي تكنولوجي ريفيو| إنفاتو

ما هي مهمة الجينوم؟ من المحتمل أنك سمعت بأنه يمثل مخطط عمل للكائن الحي، أو أنه أشبه بوصفة لإعداد الطعام، لكن بناء كائن حي أكثر تعقيداً بكثير من بناء منزل أو صنع كعكة.

مؤخراً، صادفت فكرة تطرح طريقة جديدة للتفكير في الجينوم (أو الشريط الوراثي)، وهي فكرة مستوحاة من مجال الذكاء الاصطناعي. ويقول اثنان من الباحثين إننا يجب أن نفكر في الطريقة على أنها أشبه بنموذج توليدي، وهو شكل من أشكال الذكاء الاصطناعي التي يمكنها توليد أشياء جديدة.

ومن المحتمل أن بعض أدوات الذكاء الاصطناعي هذه مألوفة بالنسبة لك، فهي الأدوات التي يمكنها إنشاء النصوص أو الصور أو حتى الأفلام انطلاقاً من أوامر نصية متنوعة. هل تعمل أشرطتنا الوراثية بالطريقة نفسها فعلاً؟ إنها فكرة مدهشة، ولنتعمق فيها معاً.

اقرأ أيضاً: 10 مجالات حديثة لعلم الجينوم في عام 2023

هل تعمل أشرطتنا الوراثية بالطريقة نفسها التي تعمل بها أدوات الذكاء الاصطناعي؟

عندما كنت طالباً في المدرسة، تعلمت أن الجينوم من الناحية الجوهرية يمثل رموزاً برمجية تمد الكائن الحي بالتعليمات. فهو يحتوي على التعليمات اللازمة لصنع البروتينات المختلفة التي نحتاج إليها لبناء خلايانا وأنسجتنا، والحفاظ على عملها. وقد بدا من المنطقي بالنسبة لي أن أفكر في الجينوم البشري بوصفه شيئاً مشابهاً لبرنامج ينظم العمليات الجارية في جسم الكائن البشري.

لكن الأخطاء الفادحة في هذا التشبيه تظهر عندما نمعن البحث فيه، كما يقول العالم المختص بعلم الوراثة العصبية في جامعة ترينيتي بمدينة دبلن في إيرلندا، كيفن ميتشل، الذي أمضى الكثير من الوقت في التفكير في كيفية عمل الجينوم.

فالبرنامج الحاسوبي هو، من الناحية الجوهرية، سلسلة من الخطوات التي يتحكم كل منها في جزء محدد من عملية التطوير. من الناحية البشرية، سيكون هذا أشبه بمجموعة من التعليمات التي تبدأ ببناء الدماغ، ثم الرأس، ثم الرقبة، وهلم جرا. لكن ما يحدث في الواقع مختلف تماماً.

ثمة تعبير مجازي آخر واسع الانتشار، يشبّه الجينوم بمخطط عمل للجسم. لكن مخطط العمل يمثل من الناحية الجوهرية خطة تنص على ما يجب أن تبدو عليه البنية الجسمانية عند اكتمال بنائها، حيث يمثل كل جزء من المخطط جزءاً من المنتج النهائي أيضاً. لكن أشرطتنا الوراثية لا تعمل وفق هذه الطريقة أيضاً.

فليس لدينا جين مختص بمرفق اليد وآخر مختص بحاجب العين. فثمة جينات متعددة تشارك في تطوير أجزاء متعددة من الجسم. وقد تتداخل وظائف الجينات، كما يمكن أن تعمل الجينات نفسها بطرق مختلفة اعتماداً على اللحظة التي تنشط فيها والموضع الذي تنشط فيه. إن المسألة أكثر تعقيداً بكثير من مخطط عمل،

ثم هناك التعبير المجازي الذي يستخدم تشبيه "وصفة إعداد الطعام". هذا التعبير المجازي أدق في بعض النواحي من تشبيه الجينوم بمخطط العمل أو البرنامج، فقد يكون من المفيد لنا أن ننظر إلى جيناتنا بوصفها مجموعة من المكونات والتعليمات، وأن نضع في حسباننا أن المنتج النهائي يمكن أن يتأثر أيضاً بدرجة حرارة الفرن أو نوع الطبق المستخدم في الخَبْز، على سبيل المثال. فالتوائم المتطابقة تحمل الحمض النووي نفسه عند ولادتها، لكنها غالباً ما تصبح مختلفة اختلافاً تاماً في سن البلوغ.

غير أن تعبير "وصفة إعداد الطعام" المجازي غامض للغاية ويفتقر إلى الدقة، كما يقول ميتشل. حيث يعمد هو وزميله من جامعة فيرمونت، نِك تشيني، بدلاً من ذلك، إلى استعارة مفاهيم من الذكاء الاصطناعي للتعبير عما يفعله الجينوم. يشير ميتشل إلى نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية مثل ميدجورني (Midjourney) ودال-إي (DALLE-E)، اللذين يولدان الصور اعتماداً على الأوامر النصية. تعمل هذه النماذج من خلال التقاط عناصر من الصور الموجودة سابقاً لإنتاج صور جديدة.

لنفترض أنك لقمت النموذج بأمر نصي لتوليد صورة حصان. تدربت هذه النماذج على عدد هائل من صور الأحصنة، وهذه الصور مضغوطة في الأساس كي تتيح للنماذج التقاط عناصر معينة مما يمكن أن نطلق عليه اسم "جوهر الحصان" (horsiness). بعد ذلك، يستطيع الذكاء الاصطناعي بناء صورة جديدة تحتوي على هذه العناصر.

اقرأ أيضاً: تحويل الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى مصدر قيمة تجارية حقيقية في 2024

التطور مقابل بيانات التدريب!

يمكننا التفكير في البيانات الجينية بطريقة مماثلة. ووفقاً لهذا النموذج، قد نعتبر أن التطور يمثل بيانات التدريب. أما الجينوم فهو يمثل البيانات المضغوطة، أي مجموعة المعلومات التي يمكن استخدامها لبناء كائن حي جديد. تحتوي هذه المعلومات على العناصر المطلوبة، لكن ثمة مجال واسع من التنوع. (ثمة الكثير من التفاصيل الإضافية حول الجوانب المختلفة للنموذج في الورقة البحثية، التي لم تخضع بعد لمراجعة الأقران).

يعتقد ميتشل أنه من المهم أن نرتب تعابيرنا المجازية عند التفكير في الجينوم. تتيح التكنولوجيات الجديدة للعلماء أن يسبروا أغوار الجينات والمهام التي تنفذها بصورة أعمق. حيث بات في إمكانهم الآن دراسة كيفية التعبير عن الجينات كلها في خلية واحدة، على سبيل المثال، وكيف يختلف التعبير على مستوى كل خلية من الخلايا في الجنين.

يقول ميتشل: "يجب أن يكون لدينا إطار مفاهيمي يسمح لنا أن نفهم ذلك". يأمل ميتشل بأن هذا المفهوم سيساعد على تطوير النماذج الرياضية التي يمكن أن تساعدنا على تحسين فهمنا للعلاقات المعقدة بين الجينات والكائنات الحية التي ينتهي بها المطاف إلى أن تصبح جزءاً منها، وبعبارة أخرى، كيف تسهم مكونات الجينوم لدينا في تطورنا.