لماذا لم تُحسِّن التكنولوجيا الحيوية حياة المصابين بالشلل حتى الآن؟

3 دقيقة
لماذا لم تُحسِّن التكنولوجيا الحيوية حياة المصابين بالشلل حتى الآن؟
مصدر الصورة: ستيفاني آرنيت/ إم آي تي تي آر | إنفاتو
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كتبت مؤخراً عن جهاز تحفيز خارجي يوصل نبضات كهربائية إلى العمود الفقري للمساعدة على تحسين وظائف الذراعين واليدين لدى الأشخاص المصابين بالشلل. لكنه ليس علاجاً. ففي معظم الأحيان، كانت المكاسب الناجمة عن هذا الجهاز متواضعة نسبياً. إذ قال أحد المشاركين إن هذا العلاج أدى إلى زيادة سرعته في الكتابة باستخدام لوحة المفاتيح من 23 كلمة إلى 35 كلمة في الدقيقة. كما تمكّن مشارك آخر من استخدام المقص بيده اليمنى بعد أن كان عاجزاً عن ذلك من قبل. وتمكنت مشاركة ثالثة من استخدام يدها اليسرى لفك حزام الأمان.

لم تحظَ هذه الدراسة بالاهتمام الإعلامي الذي حظيت به دراسات سابقة أصغر منها وتتمحور حول مساعدة الأشخاص المصابين بالشلل على المشي. ويبدو أن التكنولوجيات التي تتيح للناس الكتابة على لوحة المفاتيح بسرعة أكبر بقليل أو ربط الشعر على هيئة ذيل الحصان دون مساعدة لا تتمتع بالقدر نفسه من الجاذبية. وفي إحدى المرات، قال مدير مركز ترميم الأعصاب في جامعة جنوب كاليفورنيا، تشارلز ليو، لأحد المراسلين الصحفيين: "إن صورة شخص مشلول ينهض من مكانه ويمشي تكاد تكون خارقة للطبيعة". غير أن المكاسب المتزايدة بالتدريج يمكن أن تحدث أثراً كبيراً في جودة الحياة لدى الأشخاص الذين يعانون إصابات في النخاع الشوكي.

اقرأ أيضاً: أمل جديد للمصابين بالشلل بفضل جهاز مبتكر يمكنه تحسين التحكم في أيديهم

التكنولوجيا بالنسبة للمستفيدين منها

ولهذا، ستكون هذه التكنولوجيا، والمستفيدون منها، موضوعنا اليوم. في 2004، أجرت الباحثة في جامعة كيس وسترن ريزيرف، كيم أندرسون إريسمان، وهي مصابة بالشلل، استطلاع رأي شمل أكثر من 600 شخص يعانون إصابات في النخاع الشوكي. أرادت الباحثة أن تفهم أولويات المصابين بصورة أفضل، ولهذا طلبت منهم أن يأخذوا بعين الاعتبار 7 وظائف مختلفة، تتراوح بين حركات اليدين والذراعين، وصولاً إلى وظائف طرح الفضلات الصلبة والسائلة، وانتهاء بالوظيفة الجنسية. وطلبت من المشاركين ترتيب هذه الوظائف وفقاً لمدى تأثير التعافي على جودة حياتهم.

كان المشي أحد تلك الوظائف، لكنه لم يكن الأولوية القصوى بالنسبة إلى معظم المشاركين. فقد وضع المصابون بالشلل الرباعي وظيفة اليدين والذراعين في أعلى القائمة. أما بالنسبة إلى المصابين بشلل النصف السفلي، فقد كانت الوظيفة الجنسية في المرتبة الأولى. أجريتُ مقابلة مع أندرسون إريسمان في إطار مقال كتبته في 2019 حول الأبحاث المتعلقة بالمحفزات القابلة للزرع بوصفها وسيلة لمساعدة الأشخاص الذين يعانون إصابات في النخاع الشوكي على المشي. وبالنسبة إلى الكثير من الأشخاص، كما قالت لي: "يمثل العجز عن المشي الجزء السهل من الإصابة في النخاع الشوكي. وإذا لم يكن لديك ما يكفي من القوة في أطرافك العلوية حتى تعتني بنفسك بصورة مستقلة، فهذه مشكلة أكبر من العجز عن المشي".

تقدم بطيء ومكاسب كبيرة

كانت إحدى المجموعات البحثية التي ركزت عليها في جامعة لويسفيل. فعند زيارتي لهذا الفريق في 2019، كان قد أحدث ضجة إعلامية مؤخراً، لأن اثنين من المشاركين في إحدى دراساته من المصابين في النخاع الشوكي استعادا القدرة على المشي بفضل محفز مزروع. أعلن أحد العناوين الصحفية بأسلوب رنان: "جهاز تجريبي يساعد رجلاً مشلولاً على المشي مسافة تعادل طول 4 ملاعب كرة قدم". لكن عندما زرت أحد هؤلاء المشاركين، جيف ماركيز، في شقته بمدينة لويسفيل، اكتشفت أن المشي ممكن بالنسبة إليه ضمن المختبر فقط. فحتى يمشي، كان في حاجة إلى التمسك بقضبان متوازية يحملها أشخاص آخرون، وارتداء أحزمة تثبيت للإمساك به في حال سقوطه. وحتى مع وجود المساعدة الإضافية في المنزل، لم تكن هناك مساحة كافية لهذه التجهيزات.

اقرأ أيضاً: رجل مصاب بمرض باركنسون يستعيد القدرة على المشي بفضل زرعة في النخاع الشوكي

وبدلاً من ذلك، يتنقل داخل شقته بالطريقة نفسها التي يتنقل بها خارج شقته: على كرسي متحرك. يستطيع ماركيز أن يقف داخل المنزل، لكن حتى هذا يتطلب الاعتماد على هيكل ضخم. كما أنه يقف لأغراض علاجية فقط. ويقول: "في أغلب الأحيان، أكتفي بمشاهدة التلفاز عندما أفعل ذلك". هذا لا يعني أن هذه التكنولوجيا كانت عديمة النفع. فقد ساعدت الزرعة ماركيز على اكتساب شيء من التوازن، وقوة التحمل، وثبات الجذع. وقد قال لي: "يجب ألا يستهان بدور ثبات الجذع في تسهيل الحركات الأخرى التي أؤديها جميعها إلى حد كبير. وهو أهم شيء أحتفظ به عند إيقاف المحفز عن العمل".

الأمر المثير للحماسة بالنسبة إلي في هذه الدراسة هو أن التكنولوجيا المستخدمة فيها منحت المشاركين مهارات يستطيعون استخدامها خارج المختبر. وبما أن جهاز التحفيز خارجي، فمن المرجح أن يكون الوصول إليه أسهل، وأن يكون أقل تكلفة بكثير. من المسلَّم به أن الحركات الجديدة التي باتت ممكنة بفضل هذه الطريقة حركات صغيرة، لكن إذا أصغيت جيداً إلى الحماسة الواضحة لدى أحد المشاركين في الدراسة وهو يعرض قدرته على وضع كرة صغيرة داخل كوب، فستدرك أن المكاسب المتزايدة بالتدريج ليست ضئيلة على الإطلاق. وذلك وفقاً لميلاني ريد، إحدى المشاركات في التجربة الأخيرة، التي تحدثت في مؤتمر صحفي مؤخراً. "لا توجد معجزات فيما يتعلق بإصابات النخاع الشوكي، لكن المكاسب الصغيرة قد تكون كافية لإحداث تغيير جذري في الحياة".