هل أغفلت آبل التأثير الاجتماعي لنظارتها الجديدة فيجن برو؟

7 دقائق
هل أغفلت أبل التأثير الاجتماعي لنظارتها الجديدة فيجن برو؟
حقوق الصورة: جاستن سوليفان/ غيتي إيميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بدأ الفيديو الترويجي الذي أنتجته شركة آبل لنظارة الواقع الافتراضي والمعزز فيجن برو (Vision Pro)، الذي أطلقته في 5 يونيو/ حزيران، على النحو المتوقع: فقد ارتدى المستخدم النظارة الضخمة، وعرضت له النظارة قائمة من التطبيقات المألوفة، مثل متصفح سفاري (Safari) وفوتوز (Photos) ومسيجز (Messages). ولكن سرعان ما تبين أن الشركة تقدّم نظارتها الجديدة على أنها أداة للحوسبة الشخصية وحسب. حيث قالت الشركة في الفيديو الترويجي: “من أهم مزايا آبل فيجن برو أنها لا تعزلك عن الآخرين”. لقد كان تركيز لغة الفيديو الترويجي وتصاميمه المرئية على التفاعلات الاجتماعية، وبصورة متكررة، أمراً مدهشاً. ففي عدة مرات، أظهر الفيديو الترويجي لفيجن برو أن الأشخاص الذين يرتدون النظارة كانوا يتفاعلون بصورة اعتيادية مع أصدقائهم المبتسمين أو مع أطفالهم، وكأن ارتداء الشخص جهازاً متطوراً يشبه نظارة الغطس في أثناء وجوده بين الآخرين أمر طبيعي وغير لافت للنظر.

واقع اجتماعي مصطنع بصورة مجملّة

وعلى الرغم من أنني من معجبي آبل، فإن الشك يخامرني إزاء الواقع الاجتماعي المصطنع بصورة مجمّلة وبعناية فائقة الذي يتضمنه هذا العرض التقديمي. أنا أشعر بالتفاؤل إزاء النظارات القابلة للارتداء من حيث استخدامها في حالات معينة، مثل إنتاج القصص الرقمية، والابتكار في التعليم، أو ممارسة الألعاب على انفراد. ولكن شكوكي حول قدرة آبل على تحقيق وعدها في ابتكار “طريقة جديدة تماماً للتواصل الجماعي” تنبع من تجربتي مع جهاز مماثل، وإن كان أقل تطوراً بكثير من الناحية التقنية: وهو نظارة جوجل، التي أجرى طلابي في جامعة ليهاي بعض التجارب عليها منذ نحو 10 سنوات. سرعان ما اكتشف طلابي السلبيات الاجتماعية لهذه الأجهزة، فقد أدّى تصميمها الذي ينتهك الحدود والمعايير الاجتماعية إلى تفاعلات اجتماعية غريبة، بل وحتى عدائية في بعض الأحيان.

تتميز فيجن برو بأنها أكثر تطوراً وأناقة من نظارة جوجل، كما أنها أفضل بكثير من حيث الجودة والميزات. وعلى الرغم من هذا، فإن تصميمها يمثّل تكراراً لعلاقة اجتماعية محددة من حيث الطريقة التي يراها الأشخاص المحيطون بمن يستخدمها: فهي نظارة قابلة للارتداء مع كاميرا مدمجة يمكن أن تلتقط الصور أو مقاطع الفيديو عند الطلب. تمثّل الخصائص الجذابة لفيجن برو جميعها مزايا مصممة لكي يختبرها المستخدم، أمّا الأشخاص المحيطون به فهم مجرد عناصر إضافية معرضة لأثر هذه المزايا.

اقرأ أيضاً: من تجربة شخصية: إليك الأسباب التي دفعتني لتفضيل استخدام سناب وتيك توك عوضاً عن جوجل

حمقى ذوو عدسات

ولهذا، يواجه هذا المنتج السمعة السيئة نفسها التي تركتها نظارة جوجل غلاس (Google Glass)، والتي قوبلت بالفضول في البداية، ولكن هذا الفضول سرعان ما تحول إلى خوف ونفور. فقد أطلق الناس على مرتدي نظارة جوجل اسم “الحمقى ذوي العدسات” (Glassholes) بسبب تصرفاتهم الغريبة بين الآخرين، وقد أوحى هذا المصطلح بمقطع فكاهي مضحك للغاية في البرنامج الشهير ساترداي نايت لايف” (Saturday Night Live). في الواقع، كان هذا الاستهزاء مُستَحقاً إلى حد ما، فقد كانت نسبة صغيرة من مرتدي النظارة تنتهك الحدود الشخصية بوقاحة فائقة، إلى درجة ارتداء النظارة في أماكن مثل المراحيض العامة. وبغض النظر عن هذا، تحولت نظارة جوجل إلى أضحوكة أثّرت سلباً في منتجات أخرى للواقع المعزز منذ ذلك الحين.

اقرأ أيضاً: لماذا يتجنب المسنون التكنولوجيا؟

فيجن برو: ترويج لم يستفد من تجارب سابقة لجوجل

هذا أحد الأشياء الذي جعل الفيديو الترويجي لفيجن برو يبدو غريباً إلى هذه الدرجة. تعتمد آبل عند ترويجها منتجاً معيناً على العرض المرئي لتقديم فكرة عن شكل هذا المنتج والوظائف التي من المفترض أنه صُمم لأدائها في إطار استراتيجيتها بعيدة المدى، ويمكن لهذا الأسلوب أن يسرّع من تبني المنتج، حيث يُتيح للمستهلكين تخيل أنفسهم وهم يستخدمون الجهاز. تصلح هذه الطريقة على وجه الخصوص في فئات المنتجات الجديدة، التي لا يعرف الجمهور أي شيء عنها عملياً.

 لكن خيار عرض فيجن برو بوصفها جهازاً اجتماعياً يتجاهل جميع الدروس المستقاة من نظارة جوجل حول أثر تكنولوجيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي على التفاعل الاجتماعي، والمشهد الاجتماعي الشامل المحيط بهذه الأجهزة. خلال الفيديو الترويجي لآبل، ظهر أب في وضعية القرفصاء قرب أطفاله الصغار، وهو يرتدي الجهاز ويصور مقطع فيديو للاحتفاظ به ذكرى لصغاره. وقد بدا هذا المقطع قاتماً بصورة غريبة من حيث افتراضاته غير المعلنة حول المعايير الطبيعية والموافقة الاجتماعية، وما سيشعر به أطفالنا (والكثير من الأشخاص الآخرين) إزاء النظر إليهم بصورة مستمرة عبر عدسة الكاميرا.

اقرأ أيضاً: تعرف إلى تحديات وصعوبات إدماج الميتافيرس في الشركات

وثائقيات النظارة

في 2013، كنت ضمن أول دفعة من مستكشفي نظارة جوجل (أجل، كان هذا الاسم الرسمي للمجموعة (Google Glass Explorers)) التي تمكنت من استخدام النظارة على نحو مسبق وحصري بصفتها مجموعة مختبري النسخة التجريبية من المنتج. أردت اختبار القدرات الكامنة للنظارة في التعليم والصحافة، واعتمدت على طلابي في مادة الوسائط المتعددة في جامعة ليهاي لإجراء التجارب على أنواع جديدة من القصص المرئية. كانت النظارة مزودة بتطبيقات لاستخدامات متعددة مثل الخرائط والألعاب، ويمكن رؤيتها جميعاً عبر شاشة مستطيلة وشفافة مثبتة فوق العين اليمنى بقليل.

لكن الميزة الأهم للنظارة كانت الكاميرا المدمجة، التي تستطيع التقاط الصور ومقاطع الفيديو بجودة جيدة. استخدم طلابي الكاميرا لتصوير الكثير من الصور ومقاطع الفيديو. وتضمن هذا العمل قصصاً قصيرة أطلقنا عليها اسم “وثائقيات النظارة” (Glassumentaries)، وهي مؤلفة من مقاطع يلتقطها الشخص في أثناء ارتداء النظارة لمشاهدة القصة من وجهة نظره. أنتج طلابي قصصاً جميلة حول بعض المواهب المميزة، مثل نحت الخشب ونفخ الزجاج. أنا معجب للغاية بالعمل الإبداعي الذي أنجزناه.

اقرأ أيضاً: ما الذي يعنيه إعلان شركة جوجل الأخير عن خصوصية البيانات؟

الخصوصية: المشكلة الأكبر

لكن المشكلات المتعلقة بهذه الكاميرا القابلة للارتداء ظهرت بوضوح خلال المهمة الأخرى التي كلفت بها الطلاب، والتي كانت تدريباً اجتماعياً. في هذه المهمة، طلبت من كل طالب ارتداء النظارة في كل مكان خلال وقت اليقظة مدة يومين كاملين (في القاعة الدراسية، ومع شركاء الغرف، وفي الصالة الرياضية، وغير ذلك) مع توثيق يومي يقَدَّم لاحقاً حول تفاعلاتهم مع الآخرين. أعطيت الطلاب تعليمات بوجوب الاستئذان قبل التقاط الصور أو مقاطع الفيديو، والتصريح بوضوح عن كونهم يرتدون النظارات في إطار مهمة أكاديمية. كما أتحت لهم إمكانية إيقاف عمل النظارة في أثناء ارتدائها إذا تسببت بالضيق لشخص آخر، وإلغاء تفعيل الكاميرا لأسباب اجتماعية.

حتى مع كل هذه التوضيحات، وإيقاف عمل الجهاز، قال لي الطلاب إن الأشخاص المحيطين بهم لم يعرفوا كيف يمكنهم أن يتفاعلوا بعد زوال فضولهم الأولي إزاء هذه التكنولوجيا. وقد شعر الأساتذة في القاعات الدراسية والأصدقاء في الحفلات بالتوتر بسبب احتمال تصويرهم. وحتى عندما كان الطالب معروفاً من قبل المحيطين به، لم يكن إيقاف عمل الجهاز كافياً في جميع الأحيان. وفي بعض الأحيان، وجدت نفسي مضطراً لإرسال رسالة نصية تحمل إذناً بنزع النظارة لأن العواقب الاجتماعية كانت وخيمة. لقد نفذ طلابي هذه المهمة الصعبة بمنتهى الصبر والشجاعة، وواصلوا ارتداء النظارة طوال الوقت، ووصل بهم الأمر إلى مرحلة التقاط صور سيلفي لأنفسهم وهم يرتدون النظارة في الحفلات وإرسالها إليّ مع رسائل مثل “#omgawkward” (يا إلهي، يا له من موقف غريب). لكن النظارة كانت متوقفة عن العمل 75% من الوقت وفقاً لتقديراتهم.

اقرأ أيضاً: كيف تعوق البرمجيات مفتوحة المصدر هيمنة الشركات التكنولوجية الكبرى على الذكاء الاصطناعي؟

القبول الاجتماعي لهذه النظارات

كان الهدف من هذه المهمة اختبار مدى القبول الاجتماعي لفعل ارتداء جهاز كهذا في الأماكن العامة. اكتشفنا أن هذا الجهاز يحمل بعض القدرات الكامنة الجيدة، ولكنه كان مرفوضاً اجتماعياً بطبيعته، وهو أمر غير مستغرب، فهو جهاز تكنولوجي مثبت على وجهك ويشوش على قدرتك على التواصل بالعين مع الآخرين، ما يؤدي إلى قطع التواصل معهم. تتسم نظارة فيجن برو بحجم كبير ولون داكن، ما يؤدي إلى مفاقمة هذه المشكلة. قد تظن أن أثر هذه النظارة لا يختلف كثيراً عن طريقتنا في تجاهل الأصدقاء أو العائلة في أثناء تحديقنا في هواتفنا، أو رؤية العالم عبر كاميرا الهاتف لدينا. لكن التجارب التي خاضها طلابي قدمت لي نتيجة مختلفة.

فأولاً، يمكنك بسهولة أن تعبر بصورة واضحة عن انتقال تركيزك من الهاتف إلى صديقك. فمن الممكن أن تخفض الهاتف، أو تضعه في جيبك، أو ترفع عينيك للتعبير عن انتباهك. أمّا في حالة فيجن برو أو نظارة جوجل، يصبح إرسال إشارات كهذه أكثر صعوبة بكثير، فالآخرون خارج الجهاز لا يستطيعون رؤية ما الذي تنظر إليه أنت من الداخل. إضافة إلى ذلك، ثمة العديد من الإشارات الواضحة والمفهومة من قِبل الجميع عند استخدام الكاميرات المحمولة أو الهواتف. فحمل الجهاز بطريقة معينة يعبّر للجميع بوضوح عن أنك تقوم بالتقاط صورة أو فيديو. وفي حالة الكاميرا القابلة للارتداء، تختفي هذه الإشارات. علاوة على ما سبق، يؤدي السعر المرتفع لهذه الأجهزة أيضاً إلى اقتصارها بطبيعة الحال على فئة من الناس دون غيرهم وإلى اختلال في النفوذ. من ناحية أخرى، يعني الانتشار الواسع للهواتف والسهولة النسبية في الحصول عليها أننا نمتلك جميعاً فرصاً متساوية لفعل ما هو حسن أو ما هو سيئ، وهو نوع من “توازن رعب” يشجّع على الاتفاق على معايير اجتماعية لاستخدام هذه الأجهزة.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تحقيق المصلحة العامة؟

الوسيلة كرسالة

وفي ملاحظة شهيرة لمنظّر التواصل مارشال ماكلوهان، قال إن “الوسيلة هي الرسالة”، وشجّعنا على تجاوز مرحلة الذهول إزاء التكنولوجيات الجديدة، وطرح الأسئلة حول آثارها الاجتماعية. ماذا يعني وجود هذه التكنولوجيا الجديدة في المجتمع؟ وكيف ستجلب لنا التغيير؟ بعد إجراء التجارب على نظارة جوجل، استنتجنا أن النظارات القابلة للارتداء والمزودة بكاميرات تشكّل عبئاً على الأشخاص المحيطين بمن يرتديها، ما يضفي طابعاً من الغرابة على التفاعلات الاجتماعية، ويؤدي إلى ظهور الريبة حيث لم تكن موجودة من قبل.

من الممكن أن تتطور التفاعلات الاجتماعية مع زيادة انتشار النظارات القابلة للارتداء. وقد حدث الأمر نفسه مع الهواتف التي تحولت إلى جزء من لقاءاتنا الاجتماعية. ولكن، بدلاً من قبول الوجود الدائم للهواتف دون أي شروط، وضعنا مجموعة من القواعد التي تنظّم التفاعلات.

وعلى غرار نظارة جوجل، سنشهد استخدامات مثيرة للاهتمام لفيجن برو. فهي مناسبة وجذابة للاستخدام في الألعاب والوسائط. يمكنني أن أتخيل استخدامها في الصحافة والمجالات الإبداعية، شريطة وجود تفاهم وطريقة للحصول على الإذن بالاستخدام عند ارتداء الجهاز.

أمّا بالنسبة للاستخدام الاجتماعي العادي، فإن آبل تطلب من الناس أن يتخيلوا مستقبلاً توضع فيه المعايير الاجتماعية المتعلقة بالأجهزة القابلة للارتداء وقبولها بسلاسة وبسرعة أيضاً. تمثّل ردة الفعل القاسية التي سيتعرض لها مرتدو فيجن برو حتماً في الأماكن العامة انعطافاً حاداً بالنسبة لشركة مشهورة بمنتجات مميزة للغاية، مثل سماعات الأذن البيضاء الشهيرة وأجهزة آي ماك الملونة بألوان الحلوى، المصممة بخبرة لاستغلال رغبة الناس في تعزيز أثرهم الاجتماعي. على غرار أسلوب ستيف جوبز، تجاوز الفيديو الترويجي الذي أنتجته آبل مرحلة ردود الفعل الغريبة، ووصل مباشرةً إلى القصة التي يرغب في أن تنتقل إلى أرض الواقع، وهي قصة حول زيادة رأس المال الاجتماعي والنفوذ والتواصل مع الآخرين. لكن القصة هذه المرة تتعلق بمنتج ينتمي إلى فئة حافلة بحوادث فقدان التواصل والخوف.

اقرأ أيضاً: هل نحتاج إلى دمج بوتات الدردشة في كافة التطبيقات التي نستخدمها؟

قد ترقى فيجن برو يوماً ما إلى طموحات آبل السامية المبينة في هذا الفيديو الترويجي، ولكن تقبّل المنتج الذي سيؤدي إلى انتشاره على نطاق واسع سيعتمد على سلوك المستخدمين، والقواعد الاجتماعية المقترنة بهذه التكنولوجيا الجديدة، التي عادة ما يستغرق الاتفاق عليها بعض الوقت. لن نستطيع تجاوز مرحلة الغرابة إذا رغبنا في وضع معايير اجتماعية لأجهزة الواقع المعزز والواقع الافتراضي، وسيحدث هذا على نحو أكثر فوضوية وعشوائية بكثير مما يشير إليه الفيديو الترويجي.