الأرحام الاصطناعية: إليك كلَّ ما يجب أن تعرفه عنها

6 دقائق
الأرحام الاصطناعية: إليك كلَّ ما يجب أن تعرفه عنها
كانت عدة مجموعات بحثية تعمل على الأرحام الاصطناعية منذ سنوات، بما فيها جامعة أيندهوفن للتكنولوجيا. وقد عرضت هذا المشروع في 2019.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في 19 سبتمبر/ أيلول، اجتمع مستشارو الإدارة الأميركية للغذاء والدواء لمناقشة كيفية نقل الأبحاث المتعلقة بالأرحام الاصطناعية من مرحلة إجراء التجارب على الحيوانات إلى مرحلة إجرائها على البشر. صُمِّمَت هذه الأجهزة الطبية لمنح الأطفال الخدج المولودين قبل أوانهم بمدة طويلة مزيداً من الوقت للنمو والتطور ضمن بيئة شبيهة بالرحم الطبيعي قبل الخروج إلى العالم. وقد اختُبِرَت على المئات من الحملان (وبعض صغار الخنازير الحديثة الولادة)، لكن النماذج الحيوانية لا تستطيع تقديم توقع كامل حول مدى نجاح هذه التكنولوجيا مع البشر.

وفي اجتماع اللجنة، قالت رئيسة قسم طب حديثي الولادة في مكتب طب الأطفال التابع لإدارة الغذاء والدواء، آن ماسارو: “إن أصعب الأسئلة التي يتعين الإجابة عنها هو مقدار ما يمكن أن نتقبله من العوامل المجهولة”. سيضطر المشرّعون إلى التعامل مع هذا السؤال مع خروج البحث من نطاق المختبرات وبداية دخوله مرحلة التجارب البشرية.

ماذا يوجد في الرحم الاصطناعي؟

الرحم الاصطناعي هو جهاز طبي تجريبي يهدف إلى توفير بيئة شبيهة بالبيئة داخل الرحم الطبيعي للأطفال الخدج المولودين قبل أوانهم بمدة طويلة. وفي معظم التكنولوجيات المختلفة لهذا الجهاز، يطفو الطفل ضمن “كيس حيوي” شفاف، محاطاً بسائل. تنطوي الفكرة على وضع الخديج بضعة أسابيع حتى يتابع تطوره ضمن هذا الجهاز قبل الولادة، بحيث “يصبح أكثر قدرة على البقاء وأقل إصابة بالتعقيدات المتعلقة بالعلاجات التقليدية بعد خروجه من الجهاز”، وفقاً لجراح الأطفال في جامعة ميشيغان، جورج ميتشاليسكا.

يمثّل تطور الرئة أحد أهم العوامل التي تحدد قدرة الأطفال الخدج المولودين قبل أوانهم بمدة طويلة على البقاء على قيد الحياة. وبدلاً من تنفس الهواء، ستمتلئ رئتا الطفل داخل الرحم الاصطناعي بسائل أمينوسي مصنوع في المختبر، بحيث يحاكي السائل الأمينوسي الذي يحيط به في الرحم الطبيعي. وسيدخل الأطباء المختصون بطب حديثي الولادة عدة أنابيب في الأوعية الدموية الموجودة في الحبل السري حتى يستطيع دم الطفل الدوران في رئة اصطناعية لالتقاط الأوكسجين.

يحمل الجهاز الأقرب إلى مرحلة التجارب البشرية اسم “بيئة تطور المواليد الجدد خارج الرحم” (EXTrauterine Environment for Newborn Development)، أو اختصاراً: إكستيند (EXTEND)، حيث يوضع الطفل في وعاء مليء بسائل أمينوسي مصنوع في المختبر. اخترع هذا الجهاز آلان فليك وماركوس ديفي في مستشفى الأطفال في فيلادلفيا، وتعمل شركة فيتارا بايوميديكال (Vitara Biomedical) على تطويره.

يعمل باحثون آخرون على تطوير الأرحام الاصطناعية أيضاً، وإن لم يصلوا إلى المرحلة نفسها من التطوير. فبعض العلماء في أستراليا واليابان يعملون على تطوير نظام مشابه للغاية لنظام إكستيند. وفي أوروبا، يعمل مشروع دعم الحياة ما قبل الولادة (Perinatal Life Support) على تطوير تكنولوجيا خاصة به للرحم الاصطناعي. وفي كندا، كان الباحثون يجرون اختبارات على تصميمهم الخاص للرحم الاصطناعي باستخدام صغار الخنازير. يعمل الباحثون في جامعة ميشيغان على تكنولوجيا مماثلة للاستخدام مع الأطفال الخدج الذين من المرجح ألّا يستفيدوا من العلاجات التقليدية. وبدلاً من أن يطفو الطفل في السائل، يملأ السائل رئتيه فقط. يُستخدم هذا النظام حالياً في وحدات العناية الفائقة مع بعض التعديلات الطفيفة، ولهذا، “نعتقد أنه أكثر قابلية للتطبيق السريري”، وفقاً لميتشاليسكا، الذي يقود المشروع.

اقرأ أيضاً: هل يمكن تشكيل الأجنة الحية من الخلايا الجذعية في المستقبل القريب؟

متى ستبدأ اختبارات هذه التكنولوجيا على البشر؟

اخُتبِرَت تكنولوجيا نظام إكستيند على 300 من أجنة الحملان تقريباً حتى الآن، مع نتائج جيدة. وتستطيع الحملان البقاء على قيد الحياة والتطور ضمن الكيس فترة ثلاثة أسابيع، بل وحتى أربعة أسابيع.

وللانتقال إلى مرحلة التجارب البشرية، تحتاج الشركة إلى الحصول على استثناء للأجهزة التجريبية من إدارة الغذاء والدواء. وفي اجتماع في يونيو/ حزيران، قال فليك إن فيتارا قد تكون مستعدة لطلب هذا الاستثناء في سبتمبر/ أيلول أو أكتوبر/ تشرين الأول. لكن، في اجتماع اللجنة الاستشارية في سبتمبر/ أيلول، رفض فليك تقديم أي إجابة عندما سُئِل مباشرة عن المرحلة التي وصل إليها تطور هذه التكنولوجيا. وقال إنه يمكن أن يناقش الجدول الزمني مع اللجنة الاستشارية خلال الجزء المحجوب عن العامة من الاجتماع. وللموافقة على التجربة، يجب أن يقتنع مسؤولو إدارة الغذاء والدواء بأن الأطفال الذين سيُجرَّب الجهاز عليهم سيستفيدون على الأرجح من هذا النظام، وأنهم سيكونون على الأقل في حال مماثلة للأطفال الذين يتلقّون الرعاية بالطرق المعيارية المتبعة اليوم.

اقرأ أيضاً: تطوير أول اختبار حمض نووي قادر على استبعاد الأجنة الحاملة للصفات غير المرغوبة

كيف ستُجرى التجربة البشرية الأولى؟

تتطلب التجربة عملية نقل دقيقة ومدروسة بعناية. فأولاً، يجب استيلاد الطفل بعملية قيصرية، وإدخال الأنابيب في الحبل السري على الفور قبل نقله إلى الوعاء المليء بالسائل.

من المرجح أن تُستَخدم التكنولوجيا أولاً على الأطفال المولودين في الأسبوع 22 أو 23، ممن ليست أمامهم خيارات كثيرة أخرى. يقول ميتشاليسكا: “ليس من المناسب استخدام هذا الجهاز مع طفل يمكن أن يستفيد جيداً من العلاج التقليدي”. في الأسبوع الـ 22 من الحمل، يكون الطفل صغير الحجم، وغالباً ما يزن أقل من 450 غراماً. ويكون نمو الرئة غير مكتمل. عندما درس الباحثون الأطفال المولودين بين 2013 و2018، وجدوا أن احتمال البقاء على قيد الحياة بين الأطفال الذين تعرضوا لعملية إنعاش بعد الولادة في الأسبوع الـ 22 من الحمل هو 30%. وترتفع هذه النسبة إلى 56% تقريباً في الأسبوع 23. إضافة إلى ذلك، فإن الأطفال الذين يتمكنون من البقاء على قيد الحياة في هذه المرحلة أكثر عرضة لمشكلات النمو العصبي، والشلل الدماغي، والمشكلات الحركية، ومشكلات السمع، وغيرها من الإعاقات.

لن تكون عملية اختيار المشاركين المناسبين سهلة؛ فبعض الخبراء يقولون إن عمر الحمل يجب ألّا يكون المعيار الوحيد. ومن العوامل التي ستزيد تعقيد المسألة التباين الكبير في التشخيص بين المستشفيات، حيث يتحسن التشخيص مع زيادة خبرة المستشفيات في معالجة الأطفال الخدج بأفضل طريقة. على سبيل المثال، فإن معدل البقاء على قيد الحياة في مستشفى ستيد للعائلة والأطفال في جامعة آيوا أعلى بكثير من المتوسط؛ حيث يبلغ المعدل 64% للأطفال المولودين في الأسبوع 22 من الحمل. وقد تمكن طاقم المستشفى حتى من الحفاظ على حياة بعض الأطفال المولودين في الأسبوع الـ 21. “لا يمثّل هؤلاء الأطفال حالات ميؤوسة منها، ففرصتهم في النجاة مرتفعة. وسيتمكنون من النمو جيداً إذا خضعوا لإشراف مناسب”، وفقاً للطبيب المختص بطب حديثي الولادة في مستشفى ستيد، برايدي توماس. “هل يمكن أن نحدث فرقاً كبيراً بإضافة هذه التكنولوجيا؟ وما المخاطر التي قد يتعرض لها هؤلاء المرضى مع بدء التجارب؟”.

أيضاً، يختلف التشخيص بين طفل وآخر بناءً على عدة عوامل. “عادة ما تكون الفتيات أوفر حظاً من الفتيان. وعادة ما يكون الأطفال الأكبر حجماً أوفر حظاً من الأطفال الأصغر حجماً”، وفقاً لمختص طب حديثي الولادة ومختص الأخلاقيات الحيوية في طب الأطفال في مدرسة الطب في جامعة ييل، مارك ميركوريو. إذاً، “ما درجات الخطر التي يجب أن يشير إليها التشخيص كي يصبح استخدام الرحم الاصطناعي مبرراً؟” هذا سؤال يرغب ميركوريو في رؤية إجابة عنه.

اقرأ أيضاً: تعرف على “الأجنة الاصطناعية” الغريبة والمذهلة

ما المخاطر؟

من المخاوف الموجودة على الدوام لدى أصغر الأطفال حديثي الولادة النزيف الدماغي. يقول ميتشاليسكا: “يحدث هذا بسبب تركيبة مكونة من عدة عوامل، مثل عدم نضج الدماغ، وجزئياً، العلاج الذي نقدّمه إليهم”. يجب تزويد الأطفال في الرحم الاصطناعي بمميع للدم لمنع تشكل الخثرات الدموية في مكان دخول الأنابيب إلى الجسم. ويقول: “أعتقد أن هذا يزيد إلى درجة كبيرة من خطورة تعرض الأطفال إلى النزيف الدماغي”.

لكن هذا لا يتعلق بالطفل فقط. فحتى يكون الطفل مؤهلاً كي يوضع في إكستيند، يجب توليده بعملية قيصرية، ما يعرض الأم إلى خطر الإصابة بالالتهابات والنزيف. إضافة إلى هذا، فإن الولادة القيصرية يمكن أن تؤثّر في الحمل مستقبلاً.

اقرأ أيضاً: دراسة تجريبية لجهاز يحدّ من حالات وفيات الأجنة البالغ عددها 2.6 مليون حالة كل عام

إذاً، في حال نجاح النظام، هل يمكن للطفل أن ينمو بالكامل خارج الرحم؟

ليس عما قريب، وربما لن يحدث هذا على الإطلاق. ففي بحث نُشر في 2022، وصف فليك وزملاؤه هذا السيناريو بأنه “ساذج من الناحية التقنية والتطورية، غير أنه حلم طوباوي مثير للحماسة”. تكمن المشكلة في ناحيتين. فأولاً، يتضمن تطور الجنين عملية منسقة بدقة وتعتمد على التواصل الكيميائي بين جسد الأم الحامل والجنين. وحتى لو تمكن الباحثون من استيعاب العوامل جميعها التي تسهم في تطور الجنين -وهذا لم يحدث حتى الآن- فلا يوجد ما يضمن نجاحهم في محاكاة هذه الظروف.

أمّا المشكلة الثانية فهي الحجم؛ حيث يحتاج نظام الرحم الاصطناعي الذي يخضع للتطوير حالياً إلى أن يُدخل الأطباء أنبوباً صغيراً في الحبل السري للطفل لإيصال الدم المؤكسج. وكلما صغر الحبل السري، ازدادت صعوبة العملية.

اقرأ أيضاً: شركة تكنولوجيا حيوية تدّعي أنها نجحت في زرع الخلايا المفرزة للدوبامين في الدماغ

ما المخاوف الأخلاقية؟

على المدى القريب، ثمة مخاوف تتعلق بضمان كيفية حصول الباحثين على الموافقات المسبقة بناءً على معلومات واضحة من الأهالي الذين قد يكونون في حاجة ماسة لإنقاذ أطفالهم. تقول مختصة الأخلاقيات الحيوية ورئيسة مركز هيستينغز -وهو معهد متخصص في أبحاث أخلاقيات علم الأحياء- فارديت رافيتسكي: “هذه مشكلة ترافق الكثير من العلاجات المخصصة للحالات الميؤوس منها”.

أمّا إذا حققت الأرحام الاصطناعية النجاح، فثمة المزيد من الأسئلة المهمة. فعند استخدام هذه الأجهزة لإنقاذ حياة الأطفال الذين يولدون مبكراً جداً، “ستكون هذه التكنولوجيا رائعة دون شك”، وفقاً لرافيتسكي. لكن، وكما يحدث في أي تكنولوجيا، قد تظهر استخدامات أخرى لاحقاً. تلفت رافيتسكي النظر إلى أنه عندما تقطع مثل هذه التكنولوجيا أشواطاً كبيرة من الإنجازات، فقد تدفع البشر إلى إعادة النظر في معنى الحمل وخياراته بالنسبة إلى النساء.

بما أن هذه التكنولوجيا ما زالت في بداياتها، فما يزال من المبكر جداً النقاش بشأن ما يمكن أن يحدث، ولكن يجدر بنا أن نفكر في النتائج منذ الآن. في اجتماع اللجنة الاستشارية، قالت إليزابيث كلوي رومانيس، التي تدرس قوانين الرعاية الصحية والأخلاقيات الحيوية في جامعة دورام في المملكة المتحدة، إن “الكيان البشري الذي يتطور خارج الجسم البشري هو كيان بشري مستقل”، وقد يمتلك احتياجات مختلفة، ويتطلب أنواعاً مختلفة من الحماية.

اقرأ أيضاً: ما القيود التي أخّرت الباحثين عن تطوير العلاجات المعتمدة على الخلايا الجذعية؟

أدّى ظهور الرحم الاصطناعي إلى إثارة كل الأسئلة التي يمكن تصورها، كما تقول رافيتسكي: “ما هو الجنين؟ وما هو الطفل الرضيع؟ وما هو الطفل حديث الولادة؟ وما هي الولادة؟ وما هي العيوشية أو قابلية الجنين للحياة؟” تنطوي هذه الأسئلة على أبعادٍ أخلاقية، لكنها تنطوي على أبعادٍ قانونية أيضاً. تقول رافيتسكي: “إذا لم نبدأ منذ الآن بالتفكير في هذه المسائل، فسوف نواجه الكثير من النقاط المبهمة لاحقاً”.