هل تُعدُّ رقاقة الجيل الخامس من هواوي إنجازاً يستحق الاحتفال حقاً؟

5 دقائق
هل تُعدُّ رقاقة الجيل الخامس من هواوي إنجازاً يستحق الاحتفال حقاً؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/Dpongvit
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

شهدت العلاقات الأميركية-الصينية أسبوعاً حافلاً بالأحداث؛ فقد اجتمع الرئيس الصيني شي جينبينغ مع الرئيس الأميركي بايدن في مدينة سان فرانسيسكو للتباحث في القضايا العسكرية والتجارة وغير ذلك. كانت هذه أول زيارة له إلى الولايات المتحدة منذ ست سنوات.

شهدت الفترة الفاصلة بين 2017 وهذا العام، الكثير من الأحداث، فقد انتهت حقبة التناغم في العلاقات الأميركية-الصينية، وشهدنا حرباً تجارية، وجائحة عالمية، ومنافسة تكنولوجية متواصلة، وبعض مناطيد التجسس المتفرقة، والكثير من التطورات الصاخبة الأخرى في هذه القائمة.

وفي هذا السياق، أصبحت شركة الاتصالات والتكنولوجيا الصينية، هواوي (Huawei)، أشبه برمز لهذه العلاقات المتردية. فقد كانت إحدى أولى الشركات الصينية التي تعرضت إلى مستوى عالٍ من التدقيق، وأصبحت هدفاً للعقوبات المتعلقة بالأمن القومي. في الواقع، فإن الكثير من الأساليب التي تستخدمها الولايات المتحدة حالياً في تطبيق العقوبات في الحرب التكنولوجية الأميركية-الصينية مستوحاة من نجاحها في تطويق شركة هواوي.

هواوي تفاجئ العالم

لكن هواوي لم تتعرض للانهيار بسبب هذه العقوبات، فهي أبعد ما يكون عن الانهيار في حقيقة الأمر. ففي أغسطس/ آب -خلال زيارة وزيرة التجارة الأميركية جينا ريموندو إلى الصين- صعقت شركة هواوي العالم على حين غرة، ودون أي إعلان مسبق، عندما بدأت ببيع هاتف رائد جديد، يحمل اسم ميت 60 برو (Mate 60 Pro). 

تكمن المفاجأة الكبيرة هنا في أن الهاتف يعتمد على رقاقة جديدة لشبكات الجيل الخامس، على الرغم من أن الشركة مُنِعت من الحصول على رقاقات شبكات الجيل الخامس أو العمل مع مصانع الرقاقات خارج الصين. ولهذا، أصيب المسؤولون وغيرهم من المعادين المتشددين للصين في واشنطن العاصمة بالذعر، لأن هذه الرقاقة المتطورة نسبياً، والمصنوعة بدقة 7 نانو متر، أثبتت أن الشركة تمكنت من الالتفاف على العقوبات بطريقة ما.

اقرأ أيضاً: كيف استعادت هواوي قدرتها التنافسية مع آبل في سوق الهواتف الذكية؟

لكن، هل هذا ما حدث فعلاً؟ يعتقد الباحثون الذين تفحصوا الرقاقة أنها، على ما يبدو، مصنوعة بالكامل في الصين وفق تصميم خاص طوّرته هواوي بنفسها.

لقد كنت أسعى إلى استيعاب ما حدث بالضبط، وما يعنيه على نطاقٍ أوسع بالنسبة للمنافسة المحتدمة في مجال الرقاقات وغيرها من التكنولوجيات. ولهذا، تحدثت مؤخراً إلى الأستاذ في جامعة كولومبيا، هاريش كريشناسوامي، الذي يدرس تكنولوجيا الاتصالات وتصاميم الرقاقات. 

باختصار، يُبيّن هاتف ميت 60 برو أن هواوي تمكنت من تحقيق إنجاز غير مسبوق في تصنيع الرقاقات، بحيث أصبحت قادرة على العودة إلى المنافسة في مجال الهواتف الذكية. وقد قال لي كريشناسوامي: “من الخطأ أن نفترض أن هواوي خرجت من هذا المجال بسبب العقوبات”.

اقرأ أيضاً: هاتف هواوي ميت 60 برو: هل نجحت الصين في الاعتماد على نفسها في صناعة الرقائق؟

المشكلة: رقاقات الجيل الخامس

شرح لي كريشناسوامي أن تصميم رقاقات الجيل الخامس ليس بالضرورة صعباً بالنسبة للباحثين الصينيين والشركات الصينية. ولهذا، قد لا يكون بناء رقاقة شبكات الجيل الخامس في المختبر صعباً للغاية بالنسبة لهواوي. أمّا المشكلة الأصعب بكثير فهي إنتاج رقاقة شبكات الجيل الخامس بكميات كبيرة وجودة عالية وتكاليف مقبولة لاستخدامها في منتج استهلاكي.

وأضاف قائلاً إن إنتاج رقاقات شبكات الجيل الخامس المتطورة “يمثّل ببساطة مهمة هندسية ضخمة تتجاوز قدرات الكثير من الشركات”. لقد تمكنت مجموعة صغيرة وحسب من الشركات -مثل كوالكوم (Qualcomm) الأميركية، وميدياتيك (MediaTek) التايوانية، وسامسونغ (Samsung) الكورية الجنوبية، وهاي سيليكون (HiSilocon) (وهي شركة رقاقات تابعة لهواوي)- من تحقيق النجاح في إنتاج رقاقات شبكات الجيل الخامس الحديثة. وحتى الشركات التكنولوجية العملاقة، مثل إنتل وآبل، لم تتمكن حتى الآن من تطوير رقاقات شبكات الجيل الخامس بنفسها.

ولهذا، عندما أدّت العقوبات الأميركية إلى حظر الشركات من تزويد هواوي بالرقاقات لهواتفها، وجدت الشركة الصينية أنه لم يعد أمامها خيار سوى الاعتماد على هاي سيليكون فقط.

اقرأ أيضاً: رغم الضغط الأميركي: المملكة المتحدة تسمح لهواوي بإنشاء أجزاء من شبكات الجيل الخامس

لكن العقوبات أدّت أيضاً إلى عزل هاي سيليكون عن الشبكة العالمية من المصانع (التي يُطلق عليها اسم “المسابك” [foundries]، أو “فابس Fabs” [اختصاراً لكلمة Fabrications] في مجال صناعة أنصاف النواقل) التي تتسم بأهمية فائقة في عملية تصنيع المنتجات واختبارها. على سبيل المثال، فإن مسبك تي إس إم سي (TSMC) التايواني الذي كان يصنع الرقاقات لصالح هاي سيليكون في ذلك الوقت توقف عن تزويدها بمنتجاته في 2020.

القليل من الخيارات أمام هواوي

وهو ما أدّى إلى فقدان المزيد من الخيارات المتاحة أمام هواوي. لم يبقَ أمام هواوي سوى اللجوء إلى المسابك الصينية، وكانت هذه عملية مكلفة وتستغرق الكثير من الوقت. يقول كريشناسوامي الذي يمتلك أيضاً شركة رقاقات تعمل جنباً إلى جنب مع المسابك: “عندما نصمم رقاقة في مسبك، ويتوقف إنتاجها لسببٍ ما، لا يمكن ببساطة الحصول على التصميم من مصدر آخر والانتقال إلى شركة أخرى، ما يعني الاضطرار إلى الدخول في دوامة جديدة من إعادة التصميم، وتدقيق الكفاءة، وزيادة الإنتاج إلى المستوى المطلوب، وهو ما يستغرق ثلاث سنوات على الأقل”.

بعد ذلك، زادت وطأة المشكلات على هواوي، فقد امتدت العقوبات حتى طالت المسابك الصينية، وأصبحت محظورة عن الوصول إلى أي تكنولوجيات حديثة لصنع الرقاقات.

ولهذا، عندما صنعت هواوي هذا الهاتف الذكي المزود برقاقة جديدة لشبكات الجيل الخامس في وقتٍ سابق من هذه السنة، وفقاً لكريشناسوامي، فوجئت الصناعة بسرعة الشركة في التوصل إلى تصميم، ونقله إلى مسبك صيني، وتصنيع الرقاقة الجديدة، وزيادة الإنتاج إلى المستوى المطلوب، وتحقيق ما سبق كله في خضم مواجهة خسائر فادحة في العائدات بسبب العقوبات. ويقول: “إن قدرة هواوي على تحقيق كل هذا مثيرة للإعجاب بالتأكيد”.

اقرأ أيضاً: موجة جديدة من أجهزة الذكاء الاصطناعي قد تحل محل الهواتف الذكية

وبالفعل، ومنذ انتشرت الأخبار حول نجاح هواوي في صنع رقاقات شبكات الجيل الخامس الخاصة بها في المسابك الصينية مع أدنى حد من الإسهامات الخارجية، أصبحت الشركة مصدراً للفخر الوطني بالنسبة للكثير من الصينيين. بالنسبة لهم، يُعد هذا مثالاً على أن العقوبات الأميركية لا تحقق أهدافها المنشودة على الدوام. فقد تؤدي هذه العقوبات إلى إجبار الشركات الصينية على التكيُّف معها، أو إعادة الإنتاج إلى الصين، أو إدراك أحدث التطورات في المجالات التكنولوجية التي كانت متأخرة فيها، وهو ما يمكن أن يصب في مصلحة الصين في نهاية المطاف.

غير أن الاحتفال بهذا الإنجاز لا يزال سابقاً لأوانه، فهناك العديد من العوائق الأخرى التي يجب على هواوي أن تتجاوزها قبل أن تعود إلى التنافسية الحقيقية في سوق الهواتف المتطورة مرة أخرى.

يقول كريشناسوامي: “بعد أن تثبت أي شركة أنها لا تزال قادرة على مواصلة العمل -أي قدرتها على تصنيع الرقاقة عملياً- فإن النجاح على المدى الطويل يتعلق بالقدرة على تصنيعها بكميات كبيرة وتخفيض التكاليف مع مرور الوقت”.

تمر هواوي حالياً بلحظة مواجهة مع الواقع، فبعد بضعة أشهر من إطلاق الطراز الجديد، شهدت الحماسة الوطنية تراجعاً ملحوظاً، لأن المستهلكين لا يزالون يجدون حتى الآن صعوبة بالغة في الحصول على هاتف. وقد وصل تأخر تلبية الطلبات إلى عدة أشهر بسبب النقص في الإمدادات. في الواقع، حافظت هواتف آبل وشاومي (Xiaomi) (وهي علامة تجارية صينية أخرى) على مكانتها في صدارة المبيعات في عطلة نهاية الأسبوع الصينية التي تقابل عطلة الجمعة السوداء الأميركية “Black Friday” (التي تمثل بداية موسم تسوق عيد الميلاد).

اقرأ أيضاً: شبكات الجيل الخامس تحدث ثورة في التصنيع والإنتاج وتجعل المصانع أكثر ذكاءً

في المحصلة، يتعين على هواوي منافسة كوالكوم وسامسونج في تصنيع رقاقات أفضل وأقل تكلفة على نحو موثوق، إذا كانت تريد الحفاظ على أي أمل في إحياء مكانتها الكبيرة في سوق الهواتف الذكية، وهي مهمة ستكون صعبة للغاية. سيؤدي الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة على الرقاقات، والذي تعمل الآن على توسيع نطاقه وتعزيز مفعوله، إلى زيادة صعوبة هذه المهمة في المستقبل، حتى لو لم تجعلها مستحيلة حتى الآن.

الشتاء المرير الذي تشهده العلاقات الأميركية-الصينية قد يستمر سنوات عديدة. في هذه الحالة، ستضطر الشركات الصينية مثل هواوي إلى خوض الكثير من المعارك لاحقاً، ولن يكون إنجاز واحد غير مسبوق في مجال تصنيع الرقاقات كافياً للفوز فيها.