علماء من جامعة الشارقة يطورون تقنيات لأبنية قادرة على التكيف مع الحرارة

4 دقائق
علماء من جامعة الشارقة يطورون تقنيات لأبنية قادرة على التكيف مع الحرارة
حقوق الصورة: جامعة الشارقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعد منطقة الخليج العربي إحدى مناطق العالم التي تشهد حرارة شديدة إذ تتخطى درجات الحرارة فيها الدرجة المعيارية البالغة 50 درجة مئوية.

تعمل أجهزة تكييف الهواء التي تستهلك الطاقة الكهربائية حتى عند إيقاف تشغيلها، طيلة اليوم، ما يؤدي إلى تفاقم آثار الاحتباس الحراري التي يعتقد العلماء أنها السبب في انتشار الظواهر الجوية المتطرفة في نظام الطقس الحالي.

وتُصنع أغلبية أنواع المباني في دول الخليج العربي، ومن بينها بعض أشهر الأبراج الشاهقة في العالم، من الخرسانة المسلّحة والفولاذ، وهي تحتوي على ألواح زجاجية كبيرة لا تعزل الحرارة الخارجية الشديدة.

لذلك، انخرط العلماء في المنطقة في سباق مع الزمن لتطوير تصميمات من شأنها تخفيف تأثير الحرارة الحارقة في أشهر الصيف الممتدة (من مايو/ أيار إلى سبتمبر/ أيلول)، مقدّمين تصميمات إنشائية جديدة مزودة بأنظمة التكييف “الذكية” والمواد ذات الناقليّة الحرارية المنخفضة.

الخوارزميات لحل مشاكل تصميم المباني القادرة على التكيف

وفي هذا الصدد، يقود عالم من جامعة الشارقة فريقاً من الباحثين يركّزون على استخدام التصميمات الحاسوبية بهدف معالجة المشكلات الإنشائية التي تعاني منها المباني الحالية التي لا تعزل أجزاءها الداخلية تماماً عن العوامل الجوية، حيث يبحث الدكتور عارف مقصود وزملاؤه حالياً استخدام الخوارزميات والمتغيرات الأخرى لحل المشكلات الحالية في تصاميم المنازل والمكاتب، وابتكار أفكار جديدة لتصميم المباني القادرة على التكيف، والتعلّم من البيئة. ويوضح مقصود: “أريد ابتكار تصميمات لمبنى ذاتيّ التعلم يتمتّع بالقدرة على التكيف والتعلّم من البيئة”. 

تُجرى الدراسات حول تصميم المباني الذكية مثل تلك التي أجراها الدكتور مقصود وزملاؤه في دول مختلفة من العالم؛ إذ يتحضّر العلماء لبعض السيناريوهات الأسوأ وسط الظروف الجوية غير المتوقعة. 

مع ذلك، تتميّز الدراسة التي أجراها الدكتور مقصود وزملاؤه، والتي نُشرت في مجلة الهندسة المعمارية والهندسة (Journal of Architecture and Engineering)، بأنها تعتمد على أساليب التصميم الحاسوبي والمواد الصديقة للبيئة والمعاد تدويرها لتصميم مبانٍ مستقبلية قادرة على التكيّف مع البيئة.   

يقول مقصود، المؤلّف الرئيسي للدراسة الذي يعمل أستاذاً مساعداً في جامعة الشارقة: “تعوّض الدراسة نقصاً في مجال الهندسة المعمارية من خلال استكشاف إمكانيات التصميم الحاسوبي لتصميم مبانٍ أكثر رفقاً بالبيئة وقابلة للتكيّف”، ويضيف مقصود إن تصميماته “تتميز عن التصميمات السائدة حالياً لأنها تمزج بين التكنولوجيا المتقدمة وكفاءة الطاقة والاستدامة البيئية والقدرات التكيّفية وعوامل راحة القاطنين والقدرة على توفير التكاليف على المدى الطويل”. 

اقرأ أيضاً: أخيراً: الإنفاق العالمي على الطاقة الشمسية يتجاوز الإنفاق على إنتاج النفط

المباني ذاتية التعلم

تُبيّن الدراسة الجديدة، التي حصلت على جائزة أفضل ورقة بحثية في المؤتمر الدولي للتنوّع الحيوي والتنمية المستدامة، أنه يمكن استخدام التصميم الحاسوبي لإنشاء مبانٍ ذاتية التعلّم تتمتّع بالقدرة على التكيف مع البيئة والتعلّم منها. وتركز دراسة الدكتور مقصود التي نُشرت عام 2023 في ورقتين بحثيتين على المباني الذاتية التعلّم.  

التصميم الحاسوبي هو طريقة جديدة تعتمد على الخوارزميات والمتغيّرات لحل المشكلات التصميمية. ويصف مقصود المشروع: “إذا نُفّذ هذا المشروع في مكان ما، سيتمتّع نظام البناء الذكي بالقدرة على جمع المعلومات المتعلقة بثقافة ذلك المكان وتحليلها داخلياً، والتكيّف مع تلك الثقافة. سيستخدم هذا النظام أجهزة الاستشعار لتحديد عدد الأشخاص في المبنى والفترة الزمنية التي يقضونها معاً والملابس التي يرتدونها والنشاطات التي يقومون بها”. 

وفقاً لتصميم العلماء، سيتمتّع المبنى بالقدرة على جمع البيانات حول الطقس واستهلاك الطاقة وتخزينها، وسيحدد نظام المبنى الإجراءات اللازمة لتقليل استهلاك الطاقة داخله استناداً إلى البيانات المجموعة، مثل تغيير لون النوافذ لتقليل كمية الحرارة في الداخل. 

جذب التصميم بالفعل اهتمام مشاركين في أسبوع دبي للتصميم. ويشير مقصود إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تعاني من حر الصيف الشديد كل عام، أبدت اهتماماً شديداً بتبنّي ممارسات الإنشاء المبتكرة الصديقة للبيئة التي تهدف لإنشاء مدن أكثر استدامة تتميّز بطابع مستقبلي بارز. 

استخدم مقصود وفريقه خوارزمية تستخدم المفاهيم الطبيعية للتصميم، وتولّد مستندات بهدف محاكاة عملية نمو البنى العظمية الخلوية وقدرتها على التكيّف. ويؤكّد المؤلفون أن الهدف النهائي يتمثّل في إنشاء مبنى يمكن أن يوفر حلولاً مبتكرة لأي مشكلات محتملة. 

اقرأ أيضاً: ما أساليب الباحثين في مؤتمر أربا-إي لحل المعضلة المناخية؟

نقلة نوعية في مجال الإنشاء

يُحدث التصميم في الدراسة الجديدة نقلة نوعية في مجال الإنشاء، حيث ستُستخدم الخرسانة المسلّحة وقطع الفولاذ لتوفير الدعامات الأساسية للمبنى. وبخلاف ذلك، يقول مقصود إن كلاً من “المواد الصديقة للبيئة والمعاد تدويرها والمواد العازلة العالية الأداء والزجاج الذكي وأسطح المباني الصديقة للبيئة والأنظمة الموفّرة للطاقة والألواح الشمسية والتجهيزات ذلت الكفاءة في استهلاك المياه والوحدات الإنشائية المسبقة الصنع والتشطيبات القابلة للتحلل” ستمثّل الجزء الأكبر من المواد المستخدمة.  

ستتمتّع هذه المباني بمجرد إنشائها بالقدرة المعززة على تنظيم درجة الحرارة، وستعزز راحة القاطنين من خلال استخدام الأنظمة المؤتمتة المعتمدة على أجهزة الاستشعار، وستدمج بين تكييف الهواء المستدام وأنظمة الطاقة المتجددة، كما أنها ستقلل استهلاك الطاقة باستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تراقب معدل انبعاثات الغازات الدفيئة.

على سبيل المثال، تصوَّر العلماء في أحد تصميماتهم مبنى مخصصاً للحماية من جائحة كوفيد-19 وكيف يمكن أن يحمي قاطنيه من التأثيرات المحتملة للجائحة.

اقرأ أيضاً: ما التكنولوجيات التي يمكن استخدامها لإبطاء عملية التغيّر المناخي؟

في هذه الحالة، وفقاً لباحثي الدراسة ، سيتكيّف المبنى من خلال تفعيل ممارسات التباعد الاجتماعي من الداخل، ما يمكن فعله من خلال الاتصال بين نظام التصميم الحاسوبي السحابي الخاص بالمبنى والروبوتات الموجودة داخله. تتمثّل إحدى الطرق الأخرى للتعامل مع المشكلات التي تثيرها جائحة كوفيد-19 في إضافة طبقة خارجية مبتكرة إلى الجدران الداخلية للمباني لا تلتقط الجراثيم. قد يضمن ذلك تعقيم المساحات في المبنى دائماً.

سلط الباحثون في دراستهم الضوء أيضاً على كفاءة استخدام تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي في الهندسة المعمارية والتصميم. فعندما يتعلّق الأمر بأداء المباني، يمكن استخدام أنظمة الأتمتة الجديدة للتحكم في الأمن والراحة وكفاءة الطاقة. يحوّل الذكاء الاصطناعي المباني إلى أماكن تديرها البيانات وتقييمات فورية، وتتواصل أجزاؤها المختلفة مع بعضها مثل كائن حي. كما تستطيع برامج إدارة الطاقة المعتمِدة على الذكاء الاصطناعي تتبع أنماط الاستهلاك لخلق الظروف المناسبة للقاطنين وتوفير الطاقة والمال.

يقترب الباحثون من تحويل حلمهم إلى حقيقة باستخدام الابتكارات التقنية المذهلة وغير المسبوقة لتوليد تصميمات حاسوبية صديقة للبيئة.

اقرأ أيضاً: 12 استخداماً سلميّاً للطاقة النووية

مباني المستقبل

يمكن تصميم المباني المستقبلية حاسوبياً وباستخدام مواد البناء التي تخفّف تأثير الحرارة الخانقة في الوسط الخارجي، بدلاً من الاعتماد على الخرسانة المسلّحة تقريباً، كما هو الحال في معظم هياكل المباني في الخليج العربي. ويؤكد مقصود أنه وزملاءه واثقون من أن أدوات التصميم الحاسوبي ستزودهم باستراتيجيات لإنشاء المباني رقمياً من التصميمات وتحويل البنى الرقمية إلى منشآت حقيقية. 

حقوق الصورة: جامعة الشارقة

يمكن استخدام التصميم الحاسوبي لإنشاء مبانٍ ذاتية التعلّم تتمتّع بالقدرة على التكيف والتعلّم من البيئة المحيطة.

سيتمتّع نظام البناء الذكي بالقدرة على جمع المعلومات المتعلقة بثقافة ذلك المكان وتحليلها داخلياً، والتكيّف مع تلك الثقافة.