وفي ورقة بحثية غير محكّمة ومنشورة على موقع الويب الخاص بالمختبر، يزعم هامفريز انه تمكن من توصيف إشارات ستارلينك بدقة غير مسبوقة. ويقول إن هذه المعلومات تمثل الخطوة الأولى نحو تطوير تكنولوجيا ملاحة عالمية جديدة يمكن أن تعمل بشكل مستقل عن نظام جي بي إس أو الأنظمة الأوروبية والروسية والصينية المكافئة له.
يقول هامفريز: "إن إشارات نظام ستارلينك تمثل سراً فائق الأهمية وتخضع لمستويات عالية من الحماية والتكتم الشديد. وحتى في بداية المفاوضات، عندما كانت سبيس إكس أكثر تعاوناً معنا، لم يكشف مسؤولوها لنا عن أي معلومات حول بنية الإشارة. ووجدنا أنفسنا مضطرين للبدء من نقطة الصفر، فقد قمنا بشكل أساسي ببناء تلسكوب راديوي صغير للتنصت على إشاراتهم".
كيف نجحت الهندسة العكسية؟
وللبدء بالمشروع، قامت جامعة تكساس في أوستن بشراء جهاز اتصال من ستارلينك، واستخدمته لمشاهدة البث الرقمي لمقاطع فيديو عالية الدقة للاعب التنس رافاييل نادال من يوتيوب (YouTube)، على مدار الساعة. وهكذا، تمكن الباحثون من تأمين مصدر متواصل لإشارات ستارلينك بشكل يمكن التنصت عليه باستخدام هوائي قريب.
وسرعان ما أدرك هامفريز أن ستارلينك تعتمد على تكنولوجيا تسمى الإرسال المتعدد بتقسيم التردد المتعامد "أو إف دي إم" (OFDM). وتعتبر هذه الطريقة من الطرق الفعّالة لترميز إشارات البث الرقمية، وقد تم تطويرها من قبل مختبرات بيل في الستينيات، ويتم استخدامها حالياً في تقنية واي فاي وشبكات الجيل الخامس. يقول خبير نظام جي بي إس وأستاذ الملاحة الجوفضائية في معهد فرجينيا للتكنولوجيا، مارك بسياكي: "إن تقنية أو إف دي إم تعتبر الأكثر استخداماً في الوقت الحالي، وهي الطريقة التي تتيح ضغط أكبر عدد من البتات في الثانية الواحدة ضمن عرض حزمة معين".
لم يحاول باحثو جامعة تكساس في أوستن كسر تشفير ستارلينك أو الوصول إلى بيانات المستخدم التي تبثها الأقمار الاصطناعية. وبدلاً من ذلك، قاموا بالبحث عن تسلسلات التزامن، أي الإشارات المتكررة القابلة للتوقع، والتي تبثها الأقمار الاصطناعية من المدار لمساعدة المستقبلات الأرضية على التنسيق معها. ولم يتمكن فريق هامفريز من اكتشاف هذه التسلسلات وحسب، بل "كانت المفاجأة السارة بوجود تسلسلات تزامنية بعدد يفوق الحد الأدنى المطلوب".
كما يحتوي كل تسلسل على أدلة تشير إلى بُعد القمر الاصطناعي وسرعته. وبما أن أقمار ستارلينك تبث ما يقرب من أربعة تسلسلات في كل ميلي ثانية، "فإنه وضع ممتاز يتيح استخدام نظامهم لغرض آخر غير وظيفته الأساسية، وهو تحديد الموضع".
اقرأ أيضاً: ناسا تختار مركبة ستارشيب من سبيس إكس كمسبار سطحي لأخذ رواد الفضاء إلى القمر
فإذا كانت المستقبلات الأرضية على معرفة كافية بتحركات الأقمار الاصطناعية، والتي تشاركها سبيس إكس على الإنترنت لتخفيف خطر التصادمات في المدار، فمن الممكن استخدام التسلسلات المنتظمة لتحديد القمر الاصطناعي الذي أصدرها، ومن ثم حساب البُعد عن هذا القمر الاصطناعي. وبتكرار هذه العملية مع عدة أقمار اصطناعية، يمكن للطرف المستقبِل أن يحدد موقعه الذاتي بدقة 30 متراً تقريباً، كما يقول هامفريز.