تقرير خاص

معهد قطر لبحوث الحوسبة بمؤسسة قطر يتصدى للتهديدات الرقمية للغة العربية

4 دقيقة
معهد قطر لبحوث الحوسبة بمؤسسة قطر يتصدى للتهديدات الرقمية للغة العربية
حقوق الصورة: مؤسسة قطر
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يتحدث المهندس حمدي مبارك عن جهود المعهد لتطوير أدوات تعزز فهم الحاسوب للغة العربية واستخدامها على مستوى العالم

يعتقد الخبراء أن اللغات التي ليست لها موارد لغوية وأدوات للمعالجة الآلية مهددة بالانقراض؛ حيث تهدف المعالجة الآلية للغات الطبيعية إلى تحسين فهم أجهزة الحاسوب للغة البشرية.

تُعدُّ اللغة العربية معقدة بالنسبة للحاسوب لأسباب عديدة من أهمها: غياب حركات التشكيل وبالتالي حدوث التباس في فهم الكثير من الكلمات، وصعوبة قواعد الصرف والنحو، واستخدام اللهجات جنباً إلى جنب مع العربية الفصيحة، بالإضافة إلى قلة الموارد المتوفرة بالعربية على الإنترنت.

هذا ما يؤكده المهندس حمدي مبارك، مهندس برمجيات رئيسي في قسم تقنيات اللغة العربية، في معهد قطر لبحوث الحوسبة، التابع لجامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر، الذي يعمل مع فريق من العلماء والخبراء على تطوير أدوات لتعزيز فهم الحاسوب للغة العربية، ما يساعد في تطبيقات عديدة مثل الترجمة من وإلى العربية، وتحليل النصوص واسترجاع المعلومات، وتقنيات الأصوات العربية، وغيرها.

يقول المهندس مبارك: "اللغة العربية هي خامس لغات العالم انتشاراً؛ حيث يزيد عدد المتحدثين بها على 440 مليون نسمة، وهي تحمل مكانة سامية لدى ملياري مسلم عبر العالم، وهي اللغة الأسرع نمواً على شبكة الإنترنت بالنسبة لعدد المستخدمين. على الرغم من ذلك، فإن هناك نقصاً شديداً في الموارد الإلكترونية بشكلٍ لا يتناسب مع منزلة هذه اللغة العظيمة بين باقي اللغات. نسعى في معهد قطر لبحوث الحوسبة إلى تمكين الناطقين بالعربية والراغبين في تعلم العربية من تحسين مهاراتهم اللغوية من خلال إنشاء مصادر لغوية وبرامج تساعد على إثراء التعلّم، بالإضافة إلى استخدام التقنيات الحديثة لأغراض التواصل مع الثقافات الأخرى وسرعة الحصول على المعلومات وتحليل النتائج".

يُضيف قائلاً: "في مجال معالجة اللغة العربية، طوّر معهد قطر لبحوث الحوسبة حتى الآن الكثير من البرامج والتطبيقات؛ منها موقع "فراسة" للتحليل اللغوي للنصوص، وموقع "أسد" لتحليل وسائل التواصل الاجتماعي مثل اكتشاف خطاب الكراهية والمحتوى غير المرغوب فيه، وموقع "شاهين" للترجمة الآلية بين العربية الفصحى واللهجات والإنجليزية، وموقع تحليل المناهج الدراسية. كذلك، أتاح المعهد للمستخدمين إمكانية تحويل الكلام العربي إلى نصوص مكتوبة، وتحويل النصوص المكتوبة إلى كلام بطريقة طبيعية وبلهجات مختلفة. إضافة إلى ذلك، أتاح للمستخدمين التحقق من مصداقية الأخبار واكتشاف التحيزات ولغة الدعاية والأخبار الكاذبة وغير ذلك. تتميز برامج المعهد جميعها بالدقة العالية التي تقترب من دقة الإنسان في كثيرٍ من الحالات".

يُضيف: "تحتاج برامج الذكاء الاصطناعي إلى كميات كبيرة من البيانات الموسومة بدقة وكفاءة. ونظراً لقلة هذه الموارد اللغوية، جهزنا البيانات اللازمة لكثير من البرامج وإتاحتها للباحثين من أجل تحسين فهم الحاسوب للغة العربية. هذا يساعد على تطوير مجالات مثل التعليم والتواصل والأمن والدراسات الاجتماعية، وتمكين ذوي الإعاقة، وغيرها. على سبيل المثال، يمكن استخدام التقنيات لتحسين التواصل بين العرب والثقافات الأخرى عن طريق الترجمة، وتحليل أوجه القصور في المناهج الدراسية وتحسينها، وقراءة النصوص لضعاف البصر، وتحويل الكلام إلى نص لمَن لديه إعاقة سمعية، وتبسيط النصوص لمتعلمي العربية، وغير ذلك".

يستطرد قائلاً: "تطوَّر حالياً أدوات لتحسين جودة الكتابة وإعادة الصياغة واكتشاف الأخطاء النحوية، وتحديد مدى ملاءمة النص لصفّ دراسي معين والكلمات الصعبة، إضافة إلى استبدال المصطلحات الدخيلة على اللغة العربية بالكلمات الأصلية. علاوة على ذلك، يتطور برنامج لتقييم جودة نطق الكلمات والجمل".

يُتيح معهد قطر لبحوث الحوسبة استخدام البرامج على موقعه الإلكتروني، كما ينشر الأبحاث في أكبر المؤتمرات الدولية المرموقة للاستفادة من نتائجها. كذلك، تُستخدم البرامج عن طريق المئات من المراكز البحثية والآلاف من المستخدمين من مختلف الدول حول العالم. يتم التعاون بشكلٍ مستمر مع منظمات دولية مثل الأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، وكبرى الشركات الدولية وشبكات الأخبار العالمية من أجل تحسين فهم الحاسوب للغة العربية، بالإضافة إلى تعليم اللغة العربية (مثلاً موقع تعليم العربية على قناة الجزيرة).

ويؤكد المهندس مبارك أن العالَم يزخر بالعلماء العرب الذين أثروا المشهد العلمي والبحثي، وأنه يجب علينا الاستفادة من خبراتهم وتحفيزهم للتواصل مع بلدانهم العربية لتعزيز الارتباط بها.

حصل المهندس حمدي مبارك على بكالوريوس هندسة الكمبيوتر من كلية الهندسة جامعة الإسكندرية بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، وعمل في مجال المعالجة الآلية للغة العربية قرابة 30 عاماً حيث كان مديراً لأبحاث اللغة العربية وتطويرها في كبرى الشركات قبل انضمامه للمعهد عام 2014م. شارك خلال سنوات عمله في بناء أدوات للتحليل الصرفي والنحوي والدلالي للغة العربية، والترجمة الآلية، ومعالجة الأصوات العربية، والتعرف الضوئي على الحروف، وغير ذلك.

وعن مكانة اللغة العربية لديه يقول: "بكل فخر، أنا محبٌّ للغة العربية منذ الصغر.. عندما كنت طالباً في المرحلة الابتدائية، كنت أقرأ الجرائد وأعرب ما كُتِب فيها كلّه. كنت أجد متعة كبيرة في تطبيق قواعد النحو وتذوّق بلاغة اللغة العربية، كما أنني كنت دائماً طالباً متفوقاً في المواد الدراسية بما فيها مادة اللغة العربية.

كتبتُ الكثيرَ من قصائد الشعر خلال دراستي الجامعية ومتذوق جيد لها، وبنيتُ أولَ برنامج عربي لتحليل الشعر العربي والتأكد من سلامة تركيبه. كذلك شاركتُ في بناء أول محلل صرفي ونحوي عربي".

ويُضيف: "من الأمور التي حفّزتني على العمل في ميدان معالجة اللغة العربية آلياً هي بداية قدرة الحاسوب على فهم لغة القرآن الكريم؛ ففي بداية التسعينيات ولأول مرة، قامت شركة معروفة متخصصة بالبرمجيات في مصر، بتحليل صرفي للقرآن الكريم مع إتاحة البحث الصرفي المتقدم. كان هذا إنجازاً غير مسبوق في هذا الوقت. الآن وبعد مرور سنوات عديدة، تطورت البرامج وأصبح الحاسوب قادراً على فهم اللغة التراثية والمعاصرة واللهجات بشكلٍ أفضل بكثير".

وفقاً للمهندس مبارك، فإن ما دفعه للقدوم إلى قطر هو البيئة الخصبة للأبحاث التي توفّرها، وذلك من خلال جذب أفضل الكوادر العالمية في مجال حوسبة اللغة والذكاء الاصطناعي -سواء من الوطن العربي أو من الشرق أو الغرب- وإتاحة الموارد المادية والإدارية؛ حيث تُمول المشاريع البحثية وإنشاء البيانات، وحضور المؤتمرات الدولية، وإتاحة الأبحاث والبرامج أمام الباحثين.

ويختتم: "في الغالب، لا تنشر الشركات العربية الأبحاث ولا تُتيح البيانات أمام الباحثين. في المقابل، لا تكتفي مؤسسة قطر بدعم مشاريع ضخمة لبناء موارد عربية لغوية، بل تحرص على إتاحتها للباحثين عبر العالم. هذا من الأسباب الرئيسية التي دفعتني للانضمام إلى مؤسسة قطر؛ حيث إن معالجة اللغة العربية آلياً تتقدم عن طريق مشاركة الجهود والخبرات الفنية والتجارب الناجحة".