ماذا تعرف الشركات عنك؟

7 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أن تكون مواطناً يعيش في عصرنا الحالي معناه أن ترى بعض معلوماتك الشخصية يجري تسويقها لشركات الإعلان أو مشاركتها مع شركات أخرى. على سبيل المثال، تمنح شركة “فيسبوك” رسائلك إلى شركتي نيتفليكس” و”سبوتيفاي”، فيما تدفع شركات الإعلان مقابل ميزة الظهور على حسابك في قسم آخر الأخبار على “فيسبوك”، فما هي المعلومات التي تعرفها الشركات عنك؟

لقد تعرضت منظمة “مجلس الكلية” (College Board) في الآونة الأخيرة لانتقادات شديدة بسبب السماح للكليات بشراء قوائم طلاب الثانويات الذين يحصلون على درجات منخفضة، وبعد ذلك تعرض عليهم الانضمام إليها ثم ترفضهم لكي تعزز صورتها وترفع تصنيفها. وحددت شركة “فاست كومباني” أكثر من 120 شركة وسيطة للبيانات متخصصة فقط في بيع بياناتك الشخصية.

بيع البيانات المتعلقة بسلوك المستهلكين

بالإضافة إلى شركات البيانات هذه، يوجد أيضاً سوق رائج لتحليل أو بيع البيانات المتعلقة بسلوك المستهلك. كتبت كشمير هيل، وهي صحفية تعمل لصالح صحيفة “نيويورك تايمز”، مؤخراً، تقريراً عن العديد من الشركات التي جمعت بيانات عن العملاء. تحذر شركة “ريتيل إكويشن” (Retail Equation)، على سبيل المثال، شركات البيع بالتجزئة، إذا أظهر المستهلكون “سلوكيات إرجاع مفرطة”، حيث تتمكن الشركات بذلك من رفض المرتجعات، بينما تحاول شركة “سيفت” (Sift)، التعرف على المحتالين لصالح شركات مثل “سيت جيك” (SeatGeek)، وهو موقع لبيع التذاكر. ويمكنك قراءة هذه الإفادة لشركة “سيت جيك” على موقع شركة “سيفت”. تقول الإفادة: “نرسل إلى شركة “سيفت” جميع البيانات التي نريدها، ونتلقى معلومات مفيدة لا نتمكن من الحصول عليها بمفردنا”.

منذ دخول النظام الأوروبي العام لحماية البيانات حيّز التنفيذ في عام 2018، يتعين على الشركات العاملة في “الاتحاد الأوروبي” الكشف عن جميع البيانات ومشاركة المعلومات التي تجمعها مع عملائها من الشركات. ويهدف قانون خصوصية المستهلك في كاليفورنيا، الذي سيدخل حيز التنفيذ في عام 2020، إلى فعل الأمر نفسه في الولايات المتحدة، والعديد من هذه الشركات تقدم بالفعل بيانات العملاء لضمان امتثالها للقانون الجديد.

عندما طلبت “هيل” بياناتها من شركة “سيفت”، تلقت تقريراً مفصلاً من 400 صفحة يحتوي على “الرسائل كافة التي أرسلتها إلى المضيفين على موقع شركة “إير بي إن بي”، وبيانات طلبات تسليم على مدار سنوات عبر موقع شركة “يلب” (Yelp)، وسجلاً في كل مرة فتحت فيها تطبيق “كوينبيس” (Coinbase) على جهاز الآيفون الخاص بها”. أعلم أن ما سأقوله ينمّ عن سذاجة، لكنني ظننت دائماً أن رسائلي على موقع “أير بي إن بي” ستبقى خاصة. واتضح بعد كل هذا، أن “أير بي إن بي” إلى جانب “كوينبيس” و”يلب” وشركات أخرى، شاركت هذه المعلومات مع شركة “سيفت” حتى يتمكنوا من تقييم مصداقية العميل وتحديد سلوكيات معينة مثل سوء المعاملة أو الاحتيال. تذكر “هيل” أربع شركات أخرى، وهي “زيتا غلوبال” (Zeta Global)، و”ريتيل إكويشن”، و”ريسك فيلد” (Riskified)، و”كستمر” (Kustomer)، التي تقدم أيضاً مشاركة البيانات مع العملاء. لكنها تقول: “الشركات التي تصرح بأنها سوف تزودك ببياناتك، لا يعني أنها ستفعل ذلك بالفعل”. واستلهاماً من قصة “هيل”، حاولت، مثل كثيرين غيري، الحصول على بياناتي الخاصة. لقد علمت من تلك المحاولة أن العملية بطيئة وتتطلب أحياناً مشاركة المزيد من البيانات مع الشركة، وعلمت أيضاً أن هذه الشركات تبدو غير مهيأة للاستجابة إلى أعداد كبيرة من الطلبات المقدمة من العملاء.

تواصلت مع جميع الشركات الخمس مرتين، واتبعت أولاً تعليمات الشركات التي طلبت مزيداً من البيانات. بعد ذلك، أرسلت رسالة إلكترونية إلى وسائط الإعلام أو إدارات الاتصال الخاصة بهم، وسألت عما إذا كانوا قد شهدوا ازدياداً في الطلبات نتيجة لتقرير صحيفة “التايمز”، وكيف يلبون هذه الطلبات. أردت أن أعرف على وجه الخصوص كيف سيتحققون من هويتي وكيف سيتعقبونني بالضبط، هل يجري ذلك من خلال عنوان بريدي الإلكتروني؟ أو عنواني الفعلي؟ أو رقم هاتفي؟

انتظرت مدة 72 ساعة لتلقي ردود من الشركات، لكن لم تُقدم إليّ أي بيانات استجابة لطلبي. وكانت شركة “ريسك فيلد”، التي “تحدد المتسوقين المسموح لهم” وفقاً لموقعها على شبكة الإنترنت، هي الأقل تجاوباً. إذ إنها لم تستجب إلى طلبي في الحصول على البيانات، ولا حتى من خلال رد إلكتروني يفيد أنها تلقته، ولا بعد أن طلبت توضيح ذلك.

استجابت شركة “ريتيل إكويشن” لطلبي عبر البريد الإلكتروني في غضون يوم واحد، وطلبت مني الاتصال على الرقم 1-800 وذكرت أنه ينبغي عليّ أن أكون مستعدة لتقديم رقم رخصة القيادة الخاصة بي أو رقم هويتي. بداية، أنا لا أحبذ على الإطلاق إعطاء أي شركة معلومات تخصني لا تمتلكها بالفعل، وقد طرح هذا الطلب أيضاً أسئلة حول كيفية تحقق الشركة من هويات العملاء من خلال أرقام رخص القيادة. فهل تمتلك الشركة حق الوصول إلى قواعد البيانات الحكومية للتحقق من أرقام الهويات الصالحة؟ وماذا عن المواطنين غير المسجلين الذين يعيشون في 37 ولاية ممن لا يُسمح لهم بالحصول على هوية حكومية، ألا يستطيعون طلب معلوماتهم؟ لم تستجب الشركة إلى طلبي للإجابة عن هذه الأسئلة.

تطلب شركة “زيتا غلوبال”، التي تحتفظ بقاعدة بيانات للملفات الشخصية لأكثر من 350 مليون شخص، معلومات إضافية قبل تقديم التقرير. تقول ميجان روز، وهي نائبة رئيس الاتصالات في الشركة: “نطلب من مقدم الطلب تقديم هوية رسمية ضمن نظام “ونتراست” (OneTrust) الخاص بنا، باعتباره تدبيراً أمنياً لمنع الحسابات المزيفة من الحصول على البيانات الشخصية. ثم يجري التحقق من الهوية يدوياً ويحذف تلقائياً بعد 90 يوماً من إغلاق الطلب”. مجدداً، ترددت في تقديم أي بيانات لهذه الشركات، وخاصة صورة عن هويتي، لكن ما شجعني هو أن الشركة لديها خطة واضحة لتأكيد هويتي وحذف هذه المعلومات في النهاية.

طلبت مني شركة “كستمر”، التي تقول إن لديها “منصة توفر رؤية غير مسبوقة لتجارب العميل السابقة وآرائه الحالية”، ملء نموذج باسمي الكامل وبلدي وبريدي الإلكتروني، وما إذا كنت أبحث عن البيانات التي جمعتها الشركة نفسها عني أو تلك التي جمعتها إحدى الشركات المتعاملة معها. اعتراني الفضول للحصول على الاثنين، لكن اختيار خيار “زبون” يتطلب منك إدراج اسم زبون معين، وأظن أن معظم زبائن ذلك العميل لا يملكون تصوراً عن الأمر برمته، وأخشى شخصياً أن هذه ثغرة يمكن للشركة استغلالها لتجنب تسليم جميع بياناتها إلى الزبائن. راسلتني الشركة بعد ذلك بيومين عبر البريد الإلكتروني وبينت أنها لا تملك بيانات عني، لكنني كنت متأكدة من أنني أنشأت حساباً خاصاً بي وأجريت عمليات شراء من بعض الشركات المعروفة في “كستمر”، مثل شركة “رنت ذا رنواي” (Rent the Runway) وشركة “جلوسير” (Glossier). إلا أنني ربما استخدمت عنوان بريد إلكتروني مختلف عن ذلك الذي قدمته إلى شركة “كستمر”.

استجابة إلى طلبي للتوضيح، أصدرت شركة “كستمر” تصريحاً لم يتناول تماماً سؤالي حول كيفية استيفائها لطلبات بيانات الزبائن. لذلك طرحت السؤال مرة أخرى، وأخبرتني الشركة المتخصصة في التواصل والتي تتعامل مع طلبات وسائل الإعلام الخاصة بشركة “كستمر” أنها تعالج البيانات فقط، لذلك يجب توجيه الطلبات المتعلقة بالخصوصية إلى وحدات التحكم في البيانات، حيث تجمع الشركات البيانات الخاصة بنا، لكن مجدداً، لم تجب الشركة عن سؤالي حول كيفية مطابقة الشركة للطلبات مع بيانات الزبون. وبناء على النتائج التي توصلت إليها، أظن أنها تستخدم عناوين البريد الإلكتروني، ما يجعلني أشعر بالفضول حول مدى جدوى تحليل بيانات شركة “كستمر” بالنسبة إلى الشركات الأخرى. هل يمكنني التخلص من الملف الشخصي سيئ السمعة بصفتي زبونة بمجرد تبديل عنوان البريد الإلكتروني؟

طلبات الحصول على البيانات

من المحتمل أن تنتج هذه العوائق جزئياً عن عدد الطلبات الكبير، إذ أخبرتني روز أنهم شهدوا زيادة في عدد الطلبات المقدمة منذ نشر تقرير صحيفة “التايمز”. ويقول برادلي فلين، المسؤول في قسم خصوصية البيانات في شركة “سيفت”: “إن الشركة شهدت زيادة كبيرة في عدد طلبات الحصول على البيانات خلال الـ 24 ساعة اللاحقة لذلك التقرير”. وبعد ذلك بيومين، أرسلت الشركة رسالة إلكترونية إلى الزبائن الذين طلبوا البيانات لتوضيح سبب التأخير، قالت فيها: “إن الشركة تعمل على التحقق من هوية الزبائن وسوف تنجز طلبات مواطني “الاتحاد الأوروبي” في غضون 90 يوماً، بحسب ما ينص عليه النظام الأوروبي العام لحماية البيانات، لكن جميع الطلبات الأخرى سوف تستغرق وقتاً أطول، ويجب أن نعطي الأولوية لتلك الطلبات التي تتطلب منا استجابة في الوقت المحدد قانوناً”. لم تقدم الشركة معلومات حول معنى “الزيادة الكبيرة” التي طرأت، لكن استناداً إلى رسالتها الإلكترونية المرسلة إلى مقدمي الطلبات، يبدو أنها تلقت طلبات أكثر مما يمكنها التعامل معه في الوقت المحدد.

حتى إذا تمكنت من الحصول على بياناتي الخاصة لدى هذه الشركات، فمن غير الواضح ما الذي يمكنني فعله بتلك المعلومات غير معرفة مدى انتهاك خصوصيتي. تقول كريستين ووكر، أستاذة في مجال التسويق في جامعة “كاليفورنيا نورثريدج”: “يمكن للعملاء اليوم معرفة حجم المعلومات التي تمتلكها هذه الشركات، لكن ليس لهذا علاقة بالخصوصية”. يخلط الناس عادة بين تسليم هذا النوع من البيانات بحرية وبين الشفافية، ولكن وفقاً لما قالته ووكر، فإن هذا الأمر يعتبر أقل ما يمكن تقديمه، وقد أتى متأخراً جداً. وتقول: “تُستخدم الشفافية بطريقة تضلل العملاء، إذ لا تتمثل الشفافية في منح جميع المعلومات في وقت واحد، إنما تنطوي على أن يفهم الناس ما يقدمه المنتج أو الخدمة”. حتى مع وصول العملاء إلى سياسات الخصوصية “الشفافة”، يقع على عاتق العملاء تحليل المصطلحات القانونية التي غالباً ما تكون مربكة، وحتى عند تحليل تلك المصطلحات، توضح ووكر أن “هذا لا يتعلق بقدرتي على اختيار ما إذا كنت أستطيع التحكم بالبيانات الخاصة بي أم لا”. يسمح قانون خصوصية المستهلك في كاليفورنيا للعملاء بطلب حذف بياناتهم، ولكن مجرد العثور عليها تعتبر مهمة ضخمة إلى أي عميل.

طلب تلك البيانات، فضلاً عن طلب حذفها، هو عملية مرهقة، ولا يبدو أن أياً من هذه الشركات لديها نظام مبسط للسماح بمعالجة سريعة لهذه الطلبات. في هذه المرحلة، من الواضح أن خيارات طلب البيانات التي لدى الشركات هو أمر ثانوي، إذ يجري التعامل معه بغية الامتثال القانوني بدلاً من تصميمها بطريقة تتماشى مع توقع أن العملاء قد يستخدمونها بالفعل. لا شك أن الاستجابة إلى طلبات الحصول على البيانات على نطاق واسع ليس بالأمر السهل، ولكن إذا كانت الشركات المختصة بجمع البيانات يمكنها تقديم تلك التفاصيل بسرعة إلى عملائها من الشركات الأخرى، فيبدو أن التعتيم متعمد، إذ يُطلب من العملاء العاديين الاتصال بالرقم 1-800 المصمم لتقديم الشكاوى وليس لطلبات الحصول على البيانات، ولم أنسَ أنه ينبغي عليّ الانتظار لبضع دقائق وتزويدهم برقم الهوية الخاصة بي.

تقول ووكر: “إن أملنا الوحيد في كبح هذه الشركات في هذه المرحلة هو إصدار قوانين تنظم عملها، لكن تلك الشركات تجمع البيانات بوتيرة تتجاوز بكثير سرعة صدور التشريعات التي تتسم بالبطء:. وتقول أيضاً: “إذا نظرت إلى النظام الأوروبي العام لحماية البيانات وقانون خصوصية المستهلك في كاليفورنيا، فهما يحاولان السيطرة على ما تفعله الشركات، لكنهما يعملان بينما تسير الشركات بسرعة، بحيث لا يمكن لتلك التشريعات مواكبتها”. في أي وقت تجري فيه عمليات شراء عبر الإنترنت، أو تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي، أو تطبيقات توصيل الأطعمة، أو حتى مجرد تصفح الويب، اعلم فقط أنك تضيف بياناتك الشخصية إلى سجلك الدائم المباح للجميع، ولهذا عليك الانتباه إلى المعلومات التي تعرفها الشركات عنك.