لقاح لفيروس كورونا؟ سيستغرق 18 شهراً على الأقل (إن نجح)

9 دقائق
الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأعضاء فريق البيت الأبيض المعني بمواجهة فيروس كورونا مع شركات التكنولوجيا الحيوية في 2 مارس 2020.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

خلال مؤتمر صحفي في 2 مارس، انضمت مجموعةٌ من الرؤساء التنفيذيين لشركات التكنولوجيا الحيوية إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول نفس الطاولة الخشبية التي تعقد الحكومة الأميركية اجتماعاتها حولها.

وبينما أخذ كلٌ منهم دوره في الحديث عن ما يمكن أن يقدمه في مواجهة فيروس كورونا المتفشي، كان ترامب مهتماً بمعرفة الوقت اللازم بالضبط لتوفير التدابير المضادة.

مصدر الفيديو: موقع بلومبيرج

غير أن شخصاً واحداً فقط -وهو ستيفان بانسيل، الرئيس التنفيذي لشركة موديرنا للصناعات الدوائية (Moderna Pharmaceuticals) في كامبريدج، ماساتشوستس- كان قادراً على القول إنه بعد أسابيع قليلة من اندلاع المرض، قامت شركته بالفعل بتسليم لقاحٍ محتمل ووضعه بين يدي الحكومة لاختباره.

قال ترامب مذهولاً: “إذن، أنت تعتقد بإمكانية توصلك إلى لقاح خلال الأشهر القليلة المقبلة؟”.

“هذا صحيح”، أجابه بانسيل، الذي تقوم شركته بدورٍ ريادي في تطوير نوعٍ جديد من اللقاحات المستندة إلى الجينات. وقال إن الأمر لم يتطلب أكثر من “بضعة مكالماتٍ هاتفية” مع الأشخاص المناسبين.

عادةً، يتم تطوير الأدوية على مراحل؛ حيث يتم إجراء اختبارات السلامة أولاً ليتم بعدها تنفيذ اختباراتٍ أوسع حول الفعالية. وقال بانسيل إن ما قصده بكلامه هو أن اختبار المرحلة الثانية، وهو جولةٌ مبكرة من اختبار الفعالية، قد يبدأ بحلول الصيف. لكن لم يكن واضحًا ما إذا كان ترامب قد سمع هذا التفسير بالطريقة الصحيحة.

 وهنا يتدخل أنتوني فوشي، رئيس المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، وقد كان مستشاراً لستة رؤوساء أميركيين، كان أولهم رونالد ريغان الذي قدم إليه المشورة أثناء وباء فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز). يقاطع فوشي الحديث قائلاً: “لن يكون لديك لقاحٌ جاهز للتوزيع، وإنما ستحصل على لقاحٍ جاهز للاختبار”.

ما أراد ترامب معرفته هو: “كم سيستغرق ذلك من الوقت؟”.

ستيفان بانسيل، الرئيس التنفيذي لشركة موديرنا للصناعات الدوائية، التي سرعان ما صنعت لقاحاً محتملاً لفيروس كورونا.
صور أسوشييتد برس

يجيبه فوشي: “كما كنت أقول لك، من عام إلى عامٍ ونصف”، يردّ ترامب قائلاً إنه قد أحب وقع كلمة “شهرين” أكثر على مسامعه.

أظهر مؤتمر البيت الأبيض حول فيروس كورونا كيف هبت شركات التكنولوجيا الحيوية والأدوية لمواجهة خطر العدوى باستخدام تكنولوجيا جديدةٍ وسريعة. وقد حضر المؤتمر أيضاً ممثلو شركة Regeneron Pharmaceuticals وCureVac وInovio Pharmaceuticals، وهذه الأخيرة كانت قد اختبرت لقاحاً جينياً ضد فيروس زيكا، وتقول إن دراسة سلامة لقاحها المحتمل لفيروس كورونا قد تبدأ في أبريل القادم. 

لكن في خضم هذه الضجة الإعلامية حول اللقاحات الجديدة والسريعة، تم إغفال حقيقة أن التقنيات -على غرار تلك التي تطورها شركة موديرنا- ما زالت غير مثبتة علمياً. في الواقع، لا أحد يعلم إمكانية نجاح هذه التقنيات من عدمه.

تقوم موديرنا بصنع “لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال أو الرنا المرسال mRNA”. وبشكلٍ أساسي، تقوم الشركة بإدماج التعليمات الجينية لأحد مكونات الفيروس في جسيم نانوي، الذي يمكن حقنه لاحقاً في جسم الإنسان. وعلى الرغم من السرعة الكبيرة في إعداد الأساليب الجديدة مثل تلك التي تتبعها موديرنا، إلا أنها لم تؤدِّ أبداً في السابق إلى تطوير لقاحٍ مرخَّص للبيع.

وأكثر من ذلك، على الرغم من الانطلاقة السريعة، يحتاج أي لقاحٍ إلى إثبات أنه آمن وأنه يحمي الناس من العدوى. وهذه الخطوات هي التي تسبب التأخير الزمني المزعج لمدة 18 شهراً الذي ذكره فوشي. وعلى الرغم من أن اختبار السلامة قد يستغرق 3 أشهر فقط، إلا أنه ينبغي إعطاء اللقاح لمئات أو آلاف الأشخاص في مركز الوباء لمعرفة ما إذا كان المستفيدون من اللقاح محصنين بالفعل أم لا. وهذا الأمر يستغرق حوالي العام بصرف النظر عن التكنولوجيا المستخدمة.

اللقاح المنتظر: بين الأمل والضجة الإعلامية
في أواخر شهر فبراير، ارتفعت أسعار أسهم شركة موديرنا بنسبة 30٪ عندما أعلنت الشركة أنها سلمت جرعاتٍ من أول لقاحٍ محتمل لفيروس كورونا إلى المعاهد الوطنية للصحة، مما رفع قيمتها التقديرية في سوق الأسهم إلى حوالي 11 مليار دولار رغم حالة الانخفاض العامة في الأسواق المالية. وقد يبدأ تطعيم المتطوعين باللقاح بحلول منتصف هذا الشهر.

يجدر القول بأن سرعة التحول كانت مذهلة؛ وكما وصفها بانسيل، استغرقت شركته 42 يومًا فقط “منذ الحصول على التسلسل الجيني للفيروس” حتى تتمكن من شحن أنابيب اللقاح إلى مجموعة فوشي في المعاهد الوطنية للصحة.

لقد تمكنت موديرنا من إنجاز ذلك بواسطة التكنولوجيا التي يتم فيها إضافة المعلومات الوراثية إلى الجسيمات النانوية. وفي هذه الحالة، أضافت الشركة التعليمات الجينية لبروتين “الشوكة” الذي يستخدمه الفيروس لغزو الخلايا البشرية والاندماج فيها. فإذا تم حقن الجسيمات النانوية في جسم الإنسان، فإنها تحرِّضه على تحصين نفسه ضد العدوى الحقيقية.

كان بانسيل وزملاؤه يتتبعون التفشي السريع للمرض من مكاتب شركة موديرنا في كامبريدج منذ شهر يناير. وقد كان كل ما يحتاجون إليه للشروع في عملهم هو التسلسل الجيني للفيروس الذي كان حينئذٍ في طور الانتشار في مدينة ووهان بالصين. وعندما بدأ العلماء الصينيون ينشرون نسخاً من التسلسل الجيني على الإنترنت، صبّ علماء الشركة تركيزهم على تسلسل بروتين الشوكة. بعد ذلك، تمكنت الشركة من المباشرة في تصنيع حمض الرنا المرسال الخاص ببروتين الشوكة، وذلك في مركز التصنيع الخاص بها في نوروود، ماساتشوستس. ومن ثم قامت بإضافته إلى جسيماتٍ نانوية شحمية، ووضعت المادة الناتجة في أنابيبَ معقمة.

وخلال العملية برمتها، لم تحتج موديرنا إلى -ولم ترغب في- الحصول على عيناتٍ حقيقية من فيروس كورونا المعدي؛ حيث قال رئيس موديرنا، ستيفن هوج، في مقابلةٍ أجريت معه في يناير: “يمكننا تحقيق هدفنا باستخدام التسلسل الجيني للفيروس، لذا -وبمجرد نشره على الإنترنت- قمنا بتحميلها، شأننا شأن الجميع”. 

لقد تمكنت موديرنا بالفعل من تصنيع بعض اللقاحات التجريبية لبعض الأمراض مثل الأنفلونزا باتباع هذه الطريقة، وبالتالي تستطيع تكييف نفس عملية التصنيع مع تهديداتٍ جديدة. وكلُّ ما توجَّب عليها فعله هو استبدال حمض الرنا الذي تتم إضافته؛ إذ يقول جاكوب بيكرافت، الرئيس التنفيذي لشركة Strand Therapeutics التي تصمم اللقاحات وعلاجات السرطان باستخدام الحمض النووي الريبوزي: “إن الأمر يشبه استبدال البرامج بدلاً من بناء حاسوب جديد، لهذا السبب تمكنت موديرنا من التوصل إلى اللقاح المحتمل بهذه السرعة”.

تقول الشركة إن أسلوبها آمن؛ فقد أعطت جرعاتٍ من لقاحاتها السابقة ضد مجموعة من الأمراض المعدية إلى حوالي 1000 شخصٍ في 6 تجارب سابقة على السلامة. لكنها لم توضح إطلاقاً ما إذا كانت تقنيتها تحمي البشر بالفعل ضد الأمراض أم لا.

وقد صرح أخصائي لقاح يدعى بيتر هوتز، وهو رئيس المدرسة الوطنية لطب المناطق المدارية بجامعة بايلور، في جلسة استماعٍ بالكونجرس بتاريخ 5 مارس، وبعد 3 أيام من مؤتمر البيت الأبيض: “ليس لدينا لقاحٌ واحد مرخص كان قد تم تطويره باستخدام هذه التكنولوجيا”.

وخلال شهادته، خرج هوتز عن إطار الشهادة ليؤنِّب الشركات بسبب رفعها لسقف توقعات الناس حول اللقاح. وكان هوتز نفسه قد طور لقاحاً للسارس لم يصل بتاتاً إلى مرحلة الاختبارات البشرية. وقال للمشرعين “لسوء الحظ، فإن بعض زملائي في صناعة التكنولوجيا الحيوية يقدمون ادعاءاتٍ مبالغ فيها، هناك الكثير من النشرات الصحفية الصادرة عن شركات التكنولوجيا الحيوية، وبعضها يزعجني حقاً”.

لم تعلِّق شركة موديرنا على انتقادات هوتز ولا على سؤال حول ما إذا كان ترامب قد أساء فهم بانسيل؛ حيث قال كولين هوسي، المتحدث الرسمي باسم الشركة: “ليس لدينا تعليق على ذلك في الوقت الحالي”.

أنواع اللقاحات
هناك بضعة أنواعٍ من اللقاحات الأساسية، التي تتضمن الفيروسات المقتولة، والفيروسات الموهَّنة، واللقاحات التي تنطوي على حقن البروتينات الفيروسية. وتهدف جميعها إلى تعريض الجسم لمكونات الفيروس حتى تتمكن خلايا الدم المتخصِّصة من صنع أجسامٍ مضادة. بعد ذلك، عندما تحدث العدوى الحقيقية، سيكون جهاز المناعة لدى الشخص المصاب مؤهلاً لإيقافها.

يقول درو ويسمان، وهو خبير في لقاحات الحمض النووي الريبوزي في جامعة بنسلفانيا: “يتم تجريب جميع هذه الإستراتيجيات ضد فيروس كورونا”. ويضيف ويسمان إن فيروس كورونا “ليس من الفيروسات التي يصعب تصنيع لقاحٍ مضاد لها”.

وبالطبع، لكل تقنية إيجابياتها وسلبياتها، ويتم تطوير بعضها بوتيرةٍ أبطأ من غيرها. وعلى سبيل المثال، جمعت شركة الأدوية الفرنسية العملاقة سانوفي التمويل اللازم لتصنيع لقاح باستخدام وسائل تقليدية أكثر. وتقول إن إنتاجه سيستغرق 6 أشهر، ولا يمكن إجراء الاختبارات على الأشخاص قبل عام 2021.

إن ما يجعل اللقاحات باستخدام الرنا المرسال مختلفةً -وربما واعدة- هو أنه بمجرد أن يكون لدى الشركة طريقةٌ لتصنيعها، سوف تتمتع بسرعة استجابة كبيرة للتهديدات الجديدة لحظة نشوئها، وذلك من خلال تعديل محتوى الجينات. ويقول رون ويس، عالم الأحياء الاصطناعية في جامعة إم آي تي ومؤسس ستراند: “إنها سرعةٌ هائلة، وهذا شيء تمكّننا لقاحات الحمض النووي الريبي من إنجازه، لكن في المقابل: لا أحد يستطيع أن يضمن النجاح المطلق لهذه اللقاحات. لن يحدث ذلك في غضون شهرين، ولا بحلول الصيف؛ إنها تمثل أسلوباً واعداً ولكنه غير مُثبت، ورغم أني متحمسٌ لهذه التقنية كأسلوب، ولكن -كما هي الحال مع أي أسلوبٍ جديد- عليك أن تكون حذراً للغاية. هل تحصل على ما يكفي من التأثير الجيني القابل للقياس؟ وهل تستمر هذه التأثيرات؟ وهل تثير أيّ ردود فعلٍ ضارة؟”.

يقول ويسمان إن فكرة اللقاحات الجينية -باستخدام الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين/ الدنا أو الحمض النووي الريبوزي/ الرنا (RNA)- هي فكرة قديمة عمرها 30 عاماً، لكن الاختبارات قد كشفت عن ردود فعل مناعية غير مرغوب فيها، وفي بعض الحالات، كشفت الاختبارات عن عدم تحقيقها درجة كافية من التأثير. ولم يتم تجاوز هذه المشاكل بالكامل حتى الآن، على حدِّ تعبير ويسمان، الذي اخترع تحسينًا كيميائيًا رخصته جامعته لصالح شركتي موديرنا وبيونتيك BioNTech، وهي شركة تكنولوجيا حيوية ألمانية يعمل معها حاليًا.

ويضيف أن شركة موديرنا لم تنشر سوى نتيجتين فقط حتى الآن، وكلتاهما من تجارب اختبار السلامة على لقاحات الأنفلونزا، وهذا ما يعتبره نسبةً متفاوتة من النجاح نظراً لكون اللقاحات لم تولِّد القدر المأمول من المناعة. ويعتقد ويسمان أن السبب في ذلك قد يعود إلى تلوث الحمض النووي الريبي غير النقي في مرحلة التحضير.

يقول ويسمان: “هناك تجربتان: الأولى هي ما نراه في الحيوانات والأخرى تتمثل في اللقاح الذي استخدمته موديرنا مع البشر. فما نراه في الحيوانات -عند الفئران والقرود- هو استجابةٌ قوية حقًا. في المقابل، وعلى الرغم من أن تجارب موديرنا لم تكن سيئة -فالاستجابات التي حققتها كانت أفضل من اللقاح العادي- إلا أنها كانت أقلّ بكثيرٍ من المتوقع”.

قد يواجه اللقاح المحتمل الجديد لفيروس كورونا من إنتاج موديرنا مشاكلَ مماثلة، وعلى الرغم من أنه قد يكون اللقاح الأول، إلا أن من الممكن أن يتم تجاوزه بلقاحاتٍ أكثر تقليدية إذا أثبتت أنها أكثر فعالية. حيث يقول ويسمان: “عندما تستثمر في شيء جديد عادةً، فأنت تريد أن يكون أفضل، وإلا فكيف يمكنك استبدال ما هو قديم؟”.

اختبار السلامة
بيد أنه من شبه المؤكد أن تكون تقنية موديرنا هي أول لقاح لفيروس كورونا تجري تجربته على البشر. فقد أوردت صحيفة بوسطن جلوب أن المعاهد الوطنية للصحة تقوم بالفعل بتعيين متطوعين لإخضاعهم للمرحلة الأولى من تجارب السلامة، ويمكن أن يحصل أول المتطوعين على جرعته بحلول منتصف الشهر الحالي في معهد كايزر برمننت واشنطن لبحوث الصحة في سياتل، وهي مدينة اجتاحها فيروس كورونا.

سوف يقوم الأطباء بمراقبة المتطوعين الأصحاء لمعرفة ردود الفعل والتحقق مما إذا كانت أجسامهم تبدأ في إنتاج أجسام مضادة للفيروس. ويمكن أن يأخذ الباحثون عيناتٍ من دماء المتطوعين والتأكد مما إذا كان اللقاح “يحيّد” الفيروس في التجارب المخبرية. واعتمادًا على مستوى الأجسام المضادة في مصل الدم، يُفترض أن ترتبط تلك الأجسام المضادة ببروتين الشوكة وتمنع الفيروس من دخول الخلايا.

إذا سار اختبار السلامة هذا بسلاسة، فقد يكون من الممكن بدء تجارب المرحلة الثانية بحلول الصيف لتحديد ما إذا كان الأشخاص الذين تم تحصينهم باللقاح محميين من العدوى. غير أن هذه المرحلة تنطوي على إعطاء مئات أو آلاف الأشخاص المتواجدين بالقرب من بؤر تفشي المرض والمعرضين للعدوى جرعاتٍ من اللقاح، كما يقول فوشي.

وفي معرض حديثه إلى هوارد بوشنر، رئيس تحرير مجلة الاتحاد الطبي الأميركي (JAMA)، في بثٍّ صوتي (بودكاست) تمت إذاعته منذ فترةٍ قصيرة، قال فوشي: “إنك تقوم بذلك في المناطق التي توجد بها عدوى نشطة، لذا فأنت تتحدث فعليًا عن مدة تصل إلى عام أو عام ونصف، حتى تتأكد من نجاح اللقاح”.

اللقاح لن ينقذنا
لقد تجاوز عدد الإصابات بفيروس كورونا في جميع أنحاء العالم 113,000 حالة في الأسبوع الماضي، مع الإبلاغ عن حالات إصابة في 34 ولاية أميركية. وخلال عطلة نهاية الأسبوع، حثت منظمة الصحة العالمية مرة أخرى البلدان على إبطاء التفشي عن طريق اتخاذ “إجراءات صارمة للاحتواء والسيطرة”، وصرحت بشكل واضح أن “السماح بالانتشار غير الخاضع للرقابة يجب ألا يكون خياراً لحكومة أي دولة”.

ويتمثل أحد الجوانب السلبية لعقد الأمل على التوصل إلى لقاح تجريبي في احتمال أن يؤدي ذلك إلى تقاعس المسؤولين عن اتخاذ خطوات الاحتواء الصارمة مثل تقييد السفر أو إغلاق المدارس، وهي تدابير تتسبب بالفعل في خسائر اقتصادية.

هناك أمرٌ آخر يجب النظر فيه لاحقاً وهو مدى سعي الإدارة الأميركية وأسلوبها في العمل على تسريع متابعة جهود إطلاق اللقاح. وقد انتهز بعض المسؤولين التنفيذيين في اجتماع البيت الأبيض الفرصةَ ليقولوا إن المزيد من الأموال الحكومية ستساعد في دفع تكاليف المنشآت، من بين تكاليف أخرى، بينما اقترح آخرون على ترامب أن تقوم إدارة الغذاء والدواء الأميركية بتسريع إجراء الاختبارات بطريقةٍ ما.

وعلى الرغم من عدم إفصاح أحدٍ عن رغبته في توزيع لقاح لم يتم إثباته بشكلٍ كامل، إلا أن المسؤولين التنفيذيين ربما طرحوا الفكرة فعلاً على الطاولة عندما أخبروا ترامب بأن الوقت قد حان لبناء المعامل وتجاوز الخطوط الحمراء.

وقد اغتنم فوشي الفرص منذ ذلك الحين للتحذير من الإقدام على خطوة مماثلة. ورغم أن إدارة الغذاء والدواء لديها طرق لتسريع المشاريع، فإن أي حركة لتخطي مرحلة جمع الأدلة العلمية وإعطاء لقاح غير مثبت للأشخاص الأصحاء يمكن بسهولة أن تأتي بنتائج عكسية.

ويعود ذلك جزئيًا إلى إمكانية أن تؤدي اللقاحات إلى تفاقم المرض وليس إلى تحسن المريض. يقول هوتز إن هذا التأثير يُسمى “التحسن المنيع”، وقد شهده في أحد إصدارات لقاح السارس الذي تسبب في المرض عند الفئران.

وفي بثه الصوتي مع JAMA، حذر فوشي مما يمكن أن يحدث إذا “حصلت على ما تعتقد أنه لقاح، وأعطيته للناس بكل بساطة”. ونظراً لأن المستفيدين من اللقاحات يتمتعون بصحة جيدة، فليس هناك هامشٌ كبير للخطأ؛ حيث يختم فوشي: “لذلك لن يكون لدينا لقاحٌ في المستقبل القريب، وهو ما يخبرنا بأن علينا الاعتماد على التدابير العامة”.