لماذا أخفقت المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض في اختبارات فيروس كورونا؟

4 دقائق
مصدر الصورة: شاتر ستوك
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لا تمتلك الكثير من المؤسسات الصحية حول العالم مدى الشهرة التي تتمتع بها المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها. والأمر الذي يثير الحيرة أنها تخبّطت كثيراً في طرح اختبارات تشخيص فيروس كورونا في أنحاء البلاد. ففي حين تمكنت بلدان أخرى من إجراء ملايين الاختبارات، لم تقم مراكز مكافحة الأمراض بإجراء اختبارات إلا لـ 1235 مريضاً فقط، في حين أن السرعة تعدّ أمراً جوهرياً عند التعامل مع الوباء بمراحله الأولى، وقد ثبت بالفعل أن أخطاء مراكز مكافحة الأمراض قد كلّفت عملية تتبع تفشي المرض في الولايات المتحدة الكثير.

في 5 فبراير، بدأت مراكز مكافحة الأمراض بإرسال مجموعات اختبار فيروس كورونا، ولكن سرعان ما تبين أن العديد من هذه المجموعات تحتوي على مقاييس سلبية (أي تلك التي تظهر عند غياب فيروس كورونا) خاطئة ناجمة عن كواشف ملوثة. وكان ذلك على الأرجح تأثيراً جانبياً للتسرّع في وضع المجموعات مع بعضها. وكان على المختبرات ذات المقاييس السلبية الفاشلة إرسال عيناتها إلى مراكز مكافحة الأمراض بحد ذاتها لإجراء الاختبارات.

أما مجموعات مراكز مكافحة الأمراض فتعتمد على اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR)، الذي يقوم بإنشاء ملايين أو مليارات النسخ من عينة الحمض النووي بحيث يمكن للأطباء التعرف عليها ودراستها بسهولة. يعدّ اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل من التقنيات المُحكمة، ويُعمل به منذ 35 عاماً. لقد قمنا بتحسين العملية من خلال بعض التطورات مثل استخدام إنزيمات وكواشف عالية الجودة، مما سمح بإجراء اختبارات أكثر دقة واكتشاف الأهداف بالوقت الحقيقي، حتى أثناء إجراء الاختبار.

فكيف إذن أخفقت مراكز مكافحة الأمراض، من بين جميع المؤسسات، في استخدام شيء مجرب وواقعي كهذا الاختبار؟

لا بدّ أولاً من معرفة أن اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل هو اختبار حساس للغاية؛ إذ يجب استخدام كواشف نظيفة جداً، ويمكن لأصغر الملوثات أن تخرّبه تماماً (كما حدث في هذه الحالة). ويعتبر المقياس السلبي -الذي يكشف الجينوم الفيروسي الخاطئ ويؤدي إلى ظهور نتيجة إيجابية كاذبة من الناحية العملية- هو السيناريو الأسوأ؛ لأنه يشكك في جميع النتائج الأخرى التي يتم إجراؤها، إذ لا يمكن معرفة ما إذا كانت العينات إيجابية حقاً أم أنها إيجابية بسبب التلوث. يقول نايجل ماكميلان، مدير الأمراض المُعدية والمناعة بجامعة جريفيث في أستراليا: “لا يمكنك أساساً الحكم على إمكانية نجاح أي شيء”.

يجب البدء بتضخيم الحمض النووي في تفاعل البوليميراز المتسلسل باستخدام شرائط قصيرة مكمّلة للحمض النووي المستهدف، تسمى البادئات. ويشير كيث جيروم، رئيس علم الفيروسات بجامعة واشنطن، إلى أن “تصميم البادئات لا يزال فنياً إلى حدّ ما ولا يمكن التنبؤ به تماماً”. وحتى عندما يكون هناك قاعدة بيانات جيدة للتسلسلات الفيروسية، فلن تعمل جميع مجموعات البادئات التي تبدو جيدة على الكمبيوتر بشكل جيد في الاختبارات الحقيقة.

هذا الأمر يعتبر من المشاكل الشائعة التي لا يمكن أن تؤثر على اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل فحسب، ولكن أيضاً على أي اختبار لأي فيروس أو أي مرض مُعدٍ جديد. ويقول ماكميلان: “بالنسبة إلى مراكز مكافحة الأمراض، فأنا متأكد من أنه أمر لم يُسمع به؛ فهم عادةً ما يكونون حذرين للغاية بشأن هذه الأمور”.

ولكن علينا ألا نلوم تفاعل البوليميراز المتسلسل بحدّ ذاته بسبب عدم موثوقية الاختبارات؛ فوفقاً لدوين نيوتن، مدير علم الأحياء الدقيقة السريري في جامعة ميشيغان، فإن أكبر القيود في وسائل التشخيص ليست التكنولوجيا، وإنما عملية الموافقات التنظيمية للاختبارات والمنصات الجديدة. فعلى الرغم من أهمية هذه العملية لضمان السلامة والفعالية، فإن التأخيرات الضرورية غالباً ما “تعرقل رغبة وقدرة الشركات المصنّعة والمختبرات على استثمار الموارد في تطوير وإجراء اختبارات جديدة”، كما يقول.

مثال على ذلك: منعت قواعد إدارة الغذاء والدواء الأميركية في البداية المختبرات الحكومية والتجارية من تطوير اختباراتها التشخيصية لفيروس كورونا، حتى لو كان بإمكانها تطوير بادئات لاختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل لفيروس كورونا بنفسها؛ لذا عندما يتبين فجأة أن الاختبار الوحيد المتاح عديم الجدوى، فلا يمكن لأحد في الواقع أن يحدد مجموعات البادئات التي كانت فعالة.

قامت مراكز مكافحة الأمراض وهيئة الغذاء والدواء بالتراجع ورفع هذه القاعدة في 29 فبراير، وأصبح بإمكان المختبرات التجارية والأكاديمية المشاركة الآن. ويقول جيروم: “يعمل الكثير من الناس على ذلك، ونحن نتحدث على الهاتف طوال الوقت مع بعضنا البعض لمقارنة الملاحظات. على الأقل، فقد توصلنا الآن إلى أن بعض بادئات مراكز مكافحة الأمراض تبدو بأنها تعمل بشكل أفضل من غيرها، وأن بعض مجموعات بادئات منظمة الصحة العالمية تبدو جيدة حقاً، كما تبدو بعض بادئات المجموعات الأكاديمية رائعة أيضاً”.

لا توجد صعوبة تقنية معيّنة في تصميم اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل، لذلك ينبغي أن تكون معظم المختبرات قادرة على القيام بذلك بثقة. وقد بدأت مؤخراً المختبرات الحكومية والتجارية بإجراء الاختبارات الخاصة بها، ونحن نشهد بالفعل خطوات كبيرة نحو الأمام؛ فعلى سبيل المثال، لدى جامعة واشنطن وسيلة تشخيصية جديدة تسمح لها باختبار 1500 عينة يومياً. وتدّعي مجموعة في اليابان أن لديها اختباراً يمكنه اكتشاف الفيروس خلال 10 دقائق إلى 30 دقيقة فقط. 

يقول جيروم: “إن القوة العظمى التي تتمتع بها الولايات المتحدة بشكل دائم، وليس في مجال الفيروسات فقط، هي أنه لدينا دائماً مجموعة واسعة من الأشخاص والمجموعات التي تعمل على حل أي مشكلة. عندما قررنا أن كل اختبارات فيروس كورونا يجب أن تُجرى بواسطة هيئة واحدة، حتى لو كانت متميزة مثل مراكز مكافحة الأمراض، فقد تخلّينا عندها عن قوتنا العظمى”.

تم إصلاح الكواشف الآن، ويبدو أن مراكز مكافحة الأمراض جاهزة للمضي قدماً. فمن المتوقع قريباً أن تتمكن المختبرات في جميع أنحاء البلاد من إجراء الاختبار لنحو 400 ألف مريض. وتنظر مجموعات أخرى حول العالم بالفعل إلى هذه الأزمة على أنها فرصة لجعل اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل أسرع، بل حتى تطوير وسائل تشخيصية فيروسية أخرى مثل اختبار الأجسام المضادة. يجب إعطاء المؤسسات المحلية والتجارية تفويضات مماثلة للعمل بشكل حاسم دون قيود غريبة. ويقول ماكميلان: “هناك موارد رائعة في مراكز مكافحة الأمراض. ولكن إذا لم يكن دورها استباقياً بشكل كافٍ أو في الوقت المناسب، فستبدأ الأمور بالتدهور”.