كيف غيرت الطائرات المسيرة قواعد خوض الحروب؟

6 دقائق
أليسو مامو/الغارديان/آي فاين عن طريق ريدوكس
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عندما أطلقت الولايات المتحدة لأول مرة صاروخاً من الطائرة المسلحة المسيرة من طراز بريداتور (Predator) على مجموعة من قادة تنظيم القاعدة المشتبه بهم في أفغانستان بتاريخ 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2001، كان من الواضح تماماً أن طرائق خوض الحروب تغيرت للأبد. وخلال العقدين التاليين، أصبحت الطائرات المسيرة أدوات الحرب النموذجية على الإرهاب. تم استخدام طائرات مسيرة أميركية متطورة للغاية وتكلف ملايين الدولارات مراراً وتكراراً في عمليات القتل المستهدف؛ ولكن كان استخدامها عالمياً مقتصراً فقط على الدول العظمى.

اقرأ أيضاً: كيف ستشكل الطائرات المُسيَّرة السلاح المستقبلي للبحرية الأميركية؟

بيرقدار تي بي 2: طائرة مسيرة دشنت فصلاً جديداً في الحرب

بعد ذلك، ومع تطوّر الإلكترونيات الاستهلاكية وأنظمة الملاحة والتكنولوجيات اللاسلكية المستخدمة في الطائرات المسيرة الخاصة بالهواة، ظهر نوع جديد من الطائرات المسيرة العسكرية في مدينة إسطنبول التركية، وليس في واشنطن الأميركية. لفت هذا النوع الجديد انتباه العالم في أوكرانيا في عام 2022 عندما أثبت قدرته على كبح جماح أحد أقوى الجيوش في العالم.

تعكس هجمات الطائرات المسيرة جميع أهوال الحرب؛ إذ إنها تُجرى بالاستعانة بالكاميرات التي تسترق النظر ولا تخطئ أهدافها.
وتمثّل طائرة بيرقدار تي بي 2 (Bayraktar TB2)؛ وهي طائرة تركية تصنعها شركة بايكار (Baykar)، فصلاً جديداً في عصر حرب الطائرات المسيرة الجديد.

 

وقد غيّرت إمكانية استخدام الطائرات المسيرة منخفضة التكلفة والمتوفرة على نطاق واسع الطريقة التي تخوض فيها الدول الصغيرة الحروب الحديثة، وعلى الرغم من أن الحرب الروسية الأوكرانية زادت رواج هذه الأسلحة، فهي ليست السبب الوحيد لانتشارها.

يتم صنع طائرة بيرقدار تي بي 2 في تركيا باستخدام مزيج من الأجزاء المصنوعة محلياً والأجزاء المستوردة من الأسواق التجارية العالمية. وكشفت التحقيقات التي أُجريت على طائرات بيرقدار التي تم إسقاطها أنها تحتوي على أجزاء مصنوعة من قبل شركات أميركية؛ مثل مستقبلات نظام تحديد المواقع التي تصنعها شركة تريمبل (Trimble)، وأجهزة المودم (المضمان) أو المستقبلات المرسلات التي تصنعها شركة فياسات (Viasat)، وأجهزة الراديو الملاحية من طراز جي إن سي 255 من صنع شركة غارمين (Garmin).

أصدرت شركة غارمين، والتي تصنع المنتجات الخاصة بنظام تحديد المواقع للمستهلكين، بياناً تشير فيه إلى أن وحدات الملاحة التي وجدت في طائرات تي بي 2 “غير مصممة أو مخصصة للاستخدام العسكري كما أنها غير مصممة أو مخصصة للاستخدام في الطائرات المسيرة”، مع ذلك استُخدمت هذه الوحدات في هذه الطائرات.

طائرات مسيرة منخفضة التكلفة تُستخدم في الصراعات

وتزيد التكنولوجيا التجارية من رواج طائرات تي بي 2 لسبب آخر، ففي حين أن الطائرات المسيرة الأميركية من طراز ريبر (Reaper) تكلف 28 مليون دولار، فإن طائرة تي بي 2 تكلّف نحو 5 ملايين دولار فقط، وتم استخدام هذه الطائرات منذ تطويرها في عام 2014 في الصراعات التي دارت في أذربيجان وليبيا وإثيوبيا وأوكرانيا. تُعتبر طائرات تي بي 2 أقل تكلفة بكثير من الأسلحة التقليدية لدرجة أن ليتوانيا أطلقت حملات التمويل الجماعي لمساعدة القوات الأوكرانية على شرائها.

هذه الطائرات هي أحد الأمثلة العديدة على تطبيقات تكنولوجيا الطائرات المسيرة التجارية في الحروب. تم استخدام طائرات دي جاي آي مافيك (DJI Mavic) ذات المراوح الأربع؛ والتي استخدمها وكلاء العقارات لمسح الممتلكات، في الصراعات التي دارت في بوركينا فاسو ومنطقة دونباس في أوكرانيا. وتم رصد طرازات أخرى من طائرة دي جاي آي في سوريا منذ عام 2013؛ كما انتشرت الطائرات المسيرة القابلة للتجميع باستخدام أجزاء متوفرة تجارياً على نطاق واسع.

اقرأ أيضاً: برج الطائرات بدون طيار.. رؤية أمازون المستقبلية لتسليم الطرود بسرعة كبيرة

تغير ميزان الحروب

لا تخضع هذه الطائرات منخفضة التكلفة والتي تفي بالغرض لقيود التصدير، وقد منحت الدول الصغيرة المقدرات الجوية التي اقتصرت من قبل على القوى العسكرية العظمى. على الرغم من أن هذا الانتشار يوفر درجة أكبر بقليل من التكافؤ في القوة، فإنه يتسبب بخسائر بشرية كبيرة. 

تعكس هذه الهجمات جميع أهوال الحرب؛ إذ إنها تُجرى بالاستعانة بالكاميرات التي تسترق النظر ولا تخطئ أهدافها، وتتم مراقبة مقاطع الفيديو التي تلتقطها من قبل أحد المشاركين في الهجوم الذي يبعد عادة عشرات أو حتى آلاف الكيلومترات عنه.
وتوصف هجمات الطائرات المسيرة بلغة محايدة ويروّج لها على أنها تُطلق الصواريخ المضادة للمركبات فقط؛ ولكن ما يحدث عندما تضرب هذه الصواريخ المتفجرة أجسام البشر هو أمر مأساوي.

بالإضافة إلى ذلك، فمع استمرار انتشار هذه الأسلحة، ستقوم القوى العالمية الأكبر باستخدامها بشكل متزايد في الحروب التقليدية بدلاً من الاعتماد على عمليات القتل المستهدفة.

إمكانية التصدير

تم تطوير طائرة تي بي 2 من قبل خريج معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، سلجوق بيرقدار (Selcuk Bayraktar) الذي بحث في أنماط الهبوط العمودي المتقدمة للطائرات المسيرة في أثناء دراسته في الجامعة. وتنتمي طائرته التي تحمل الاسم نفسه إلى فئة الطائرات ثابتة الجناحين، وهي تتمتع بمواصفات متواضعة.

تستطيع هذه الطائرة التواصل في مدى يبعد نحو 300 كيلومتر عن المحطة الأرضية، وتتراوح سرعتها بين 128 – 222 كيلومتراً في الساعة. عند هذه السرعات، تستطيع طائرة تي بي 2 أن تبقى في السماء لمدة تتجاوز 24 ساعة، وهي مدة تقترب من المدة التي تستطيع الطائرات المسيرة الأكثر تقدّماً؛ مثل طائرة ريبر وطائرة غراي إيغل (Gray Eagle)، قضاءها في السماء.

تستطيع طائرة تي بي 2 أن تمسح الأرض تحتها عند الطيران على ارتفاعات تصل إلى 7.6 كيلومتر، ومشاركة مقاطع الفيديو التي تلتقطها لتنسيق الهجمات أو الحركات بعيدة المدى أو إطلاق قنابل موجّهة بالليزر على الأشخاص والمركبات والمباني.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن لأوكرانيا أن تحصل على حاجتها من الكهرباء مع تصاعد حدة العمليات العسكرية؟

لكن وفقاً للأستاذ المساعد في دراسات الحرب في المعهد الدنماركي للدراسات المتقدمة (Danish Institute for Advanced Study)، جيمس روجرز (James Rogers)، فإن الميزة الأكثر تفرداً لهذه الطائرة هي أنها: “نظام الطائرات المسيرة الأول الذي يتم إنتاجه بكميات كبيرة، والذي تستطيع الدول الصغيرة والمتوسطة استخدامه”.

قبل أن تطور شركة بايكار طائرة تي بي 2، أراد الجيش التركي شراء طرازيّ بريداتور وريبر من الولايات المتحدة. يُعتبر هذان الطرازان من الطائرات الموجهة عن بعد الأكثر استخداماً في الحربين الأميركيتين الطويلتين في أفغانستان والعراق. لكن صادرات الطائرات المسيرة الأميركية يحكمها نظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ الأميركي، وهي معاهدة يوافق أعضاؤها على تقييد استخدام بعض الأنواع من الأسلحة. خففت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب (Donald Trump) من درجة الالتزام بهذه القواعد في عام 2020 (وهو تغيير حافظت عليه إدارة الرئيس الأميركي الحالي، جو بايدن(Jo Biden)). لكن الالتزام المسبق بهذه القواعد، بالإضافة إلى القلق المتمثل في أن تركيا ستستخدم الطائرات المسيرة لانتهاك حقوق الإنسان، حال دون بيعها في عام 2012.

تركيا ليست الدولة الوحيدة التي مُنعت من شراء الطائرات المسيرة الأميركية. يشير منتقدو هذه المعاهدة إلى التناقض المتمثّل في أن الولايات المتحدة تستطيع بيع الطائرات المقاتلة التي تتطلب الطيارين البشر لمصر والدول الأخرى؛ لكنها ترفض بيع الطائرات المسيرة المسلحة للدول نفسها.

تأثير متبادل بين التكنولوجيا العسكرية والتكنولوجيا التجارية

لكن التكنولوجيا العسكرية والتكنولوجيا التجارية تؤثران في بعضهما بطريقة مميزة. وتُعتبر شركات وادي السيليكون إلى حد ما ثمرة أبحاث التكنولوجيا العسكرية التي أجريت في الحرب الباردة، ولطالما دعمت جهود الأبحاث العسكرية مجال الإلكترونيات الاستهلاكية مالياً، وبخاصة الإلكترونيات المرتبطة بأنظمة الحوسبة والملاحة. تم اعتبار نظام تحديد المواقع من قبل نوعاً من التكنولوجيا العسكرية شديدة الحساسية لدرجة أنه تم تأخير استخدام الشبكات التي يعتمد عليها مدنياً حتى عام 2000 بشكل متعمّد.

والآن، تتيح قابلية الاستخدام التجاري وغير المقيّد لهذه الشبكات، جنباً إلى جنب مع توفير أجهزة استقبال نظام تحديد المواقع منخفضة التكلفة والفعالة مثل تلك الموجودة في طائرات شركة بايكار، للطائرات المسيرة أن تعمل في مستوى شبه عسكري دون الحاجة إلى استخدام الشبكات العسكرية أو إشراف الكونغرس.

طائرات صغيرة قادرة على تحديد مصير دول

استخدم الجيش التركي طائرة بيرقدار لأول مرة في عام 2016 لاستهداف أعضاء ميليشيا حزب العمال الكردستاني. منذ ذلك الحين، استُخدمت هذه الطائرات من قبل العديد من الجيوش الأخرى، وأشهرها الجيش الأوكراني والجيش الأذربيجاني، بالإضافة إلى أنها استُخدمت في الحرب الأهلية الليبية. في عام 2022، اشترت دولة توغو غرب الإفريقية؛ والتي تبلغ ميزانيتها العسكرية أقل من 114 مليون دولار بقليل، شحنة كاملة من طائرات بيرقدار تي بي 2.

“وصلنا إلى مرحلة أصبحت فيها هذه الطائرات قادرة على تحديد مصير الدول”.

جيمس روجرز

يقول روجرز: “أعتقد أن تركيا اتخذت قراراً واعياً بالتركيز على شراء طائرات تي بي 2 وتطويرها؛ ما يجعل هذه الأخيرة أقل تكلفة وأكثر توافراً على نطاق واسع، ومجانية في بعض الحالات من خلال التبرعات”.

مجموعة من طائرات دي جاي آي من دون طيار موضوعة على صناديقها في مدرج للطائرات.
مجموعة من الطائرات المسيرة من طراز دي جاي آي ماتريس 300 آر تي كيه اشترتها القوات المسلحة الأوكرانية. إيفغن كوتينكو/وكالة يوكرينفورم للأخبار/ أيه بي أيه سي أيه/ شركة سيبا يو إس أيه الإعلامية عن طريق أيه بي إيميدجيز.

حتى لو لم تكن هذه الطائرات المسيرة قادرة على إطلاق القنابل، تعلّم الجنود الخوف من أزيز المحركات رباعية المراوح التي تمر فوقهم لأن وجود هذه الطائرات غالباً ينذر بقصف مدفعي وشيك. في اللحظة الأولى، تكون الفرق العسكرية عبارة عن وميض من الضوء تتحسسه الكاميرات الحرارية وتلتقط صوره وترسلها إلى حاسوب لوحي يستخدمه العدو المختبئ في مكان قريب. وفي اللحظة التي تليها، يتم تصوير عملية إعدام جنود هذه الفرقة من الجو بدقة 4 كاي بواسطة سلاح يمكن شراؤه من أي متجر من سلسلة بيست باي.