كيف يمكن للروبوتات تغيير شكل الحياة البشرية في الخدمات اللوجستية للميل الأخير؟

4 دقائق
كيف يمكن للروبوتات تغيير شكل الحياة البشرية في الخدمات اللوجستية للميل الأخير؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Andrey Suslov
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في البداية دعني أنطلق معك من تعريف مصطلح الميل الأخير المتعارف عليه في إدارة سلاسل الإمداد، حيث يشير مفهوم الميل الأخير إلى المرحلة النهائية من سلسلة التوريد، والتي يتم فيها توصيل المنتجات من مراكز التوزيع إلى وجهاتها النهائية، مثل المناطق السكنية أو التجارية. وتواجه هذه المرحلة الحاسمة عدة تحديات من حيث الكفاءة والتكلفة والاستدامة. ومع تطور التكنولوجيا، ظهرت الروبوتات ذاتية التوصيل كحل واعد لهذه التحديات، وبإمكانها إحداث ثورة في مجال توصيل الميل الأخير وإعادة تشكيل سلسلة الإمداد ككل.

كما أدّى النمو المتسارع للتجارة الإلكترونية الذي تحفزّه تجارة التجزئة عبر الإنترنت إلى قيام شركات الخدمات اللوجستية بتطوير ابتكارات مستدامة ومعقولة التكلفة للتوصيل، كاستخدام الطائرات دون طيار منخفضة الارتفاع وروبوتات التوصيل، حيث يمكن أن تعالج هذه الابتكارات قضايا كبيرة مثل الازدحام المروري ونقص القوى العاملة كما حدث مع الانتشار غير المسبوق لجائحة كوفيد-19 (COVID-19) منذ بداية عام 2020، حيث توسعت التجارة الإلكترونية بشكلٍ أكبر مع تحول المزيد من المستهلكين نحو البيع بالتجزئة عبر الإنترنت. على سبيل المثال، قُدّرت مبيعات المعاملات عبر الإنترنت في جميع أنحاء العالم مؤخراً بنحو 3.5 تريليون دولار كما جاء في تقرير نشرته وكالة الإحصاء الكورية (KOSIS). ومع هذا الازدياد في مبيعات التجارة الإلكترونية تزيد أهمية توفير حلول سريعة ومستدامة للتوصيل للعملاء في الميل الأخير كاستخدام الروبوتات الصناعية الذكية.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن للذكاء الاصطناعي حل مشاكل العجز في سلاسل التوريد قبل عيد الميلاد؟

ولكن هل تساءلت في يومٍ من الأيام كيف تعمل هذه الروبوتات؟

كيف تعمل الروبوتات الصناعية الذكية؟

تعتبر الروبوتات ذاتية التوصيل وحدات متنقلة قادرة على التشغيل بشكلٍ آلي، وهي مصممة لتوصيل الطرود والطعام والسلع الأخرى مباشرةً إلى عتبة الباب للمستفيدين دون الحاجة إلى تدخل بشري. تستخدم هذه الروبوتات أجهزة استشعار متطورة ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، وتستخدم الرؤية الحاسوبية للتنقل وتحديد مواقعها وإكمال عمليات التوصيل الخاصة بها. وهنا يجدر الذكر بأن أحد أهم الرواد في تقديم هذه التقنيات في مجال إدارة اللوجستيات شركة تكنولوجيا ستارشيب وشركة نورو وأمازون سكاوت، وكل منها توفّر حلولاً فريدة لمواجهة التحديات المتعلقة بتوصيل الأميال الأخيرة.

وهنا يأتي السؤال كيف يمكن للروبوتات ذاتية التوصيل تغيير سلاسل الإمداد؟ وكيف يمكن لهذه التقنية أن تكون صديقة للبشرية؟ 

تأثير الروبوتات ذاتية التوصيل على سلاسل الإمداد؟

يمكن أن يؤدي تطوير سلاسل الإمداد باستخدام الروبوتات ذاتية التوصيل إلى تحسينات كبيرة في كفاءة النظام اللوجستي، ويجعل هذه التقنية بالطبع صديقة للبشرية. إحدى الطرق التي تسهم بها هذه الروبوتات في جعل العالم أفضل عن طريق تعزيز الاستدامة البيئية من خلال استخدام الروبوتات الكهربائية بدلاً من السيارات التقليدية، يمكن تقليل الانبعاثات الضارة والحد من التلوث الناتج عن وسائل النقل المعتادة. 

فقد أظهرت الدراسات التي أجرتها وكالة حماية البيئة الأميركية، أن وسائل النقل تسهم بـ 29% من انبعاثات الكربون في الولايات المتحدة بدءاً من عام 2019، وبالتالي يمكن للروبوتات المساعدة على حماية البيئة وتعزيز التنمية المستدامة لاعتمادها على الطاقة الكهربائية غير المسببة لأي انبعاثات ضارة بالبيئة. 

اقرأ أيضاً: كيف يمكن لآلات امتصاص الكربون أن تساعد في الحد من الانبعاثات الناجمة عن الطيران؟

علاوة على ذلك، تُتيح الروبوتات ذاتية التوصيل إمكانية تحسين كفاءة توصيل الأميال الأخيرة وتقليل التكاليف المرتبطة بها. فقد أظهرت دراسة أجرتها شركة إدارة الأصول أرك إنفست، أن تكلفة تسليم الميل الأخير تبلغ اليوم 1.60 دولار أميركي في الطرق التي تستخدم العنصر البشري للتوصيل، والجميل أنه يمكن أن تنخفض بشكل سريع حتى 0.06 دولار أميركي مع انتشار روبوتات التوصيل ذاتية القيادة. 

ومن خلال الاعتماد على الروبوتات لإتمام عمليات التوصيل، يمكن للشركات إعادة توجيه الموارد البشرية إلى أدوار ذات قيمة مضافة أكبر مثل خدمة العملاء والتخطيط الاستراتيجي، كما يمكن لهذه الروبوتات تقديم تجارب توصيل أسرع وأكثر مرونة للعملاء عن طريق توفير خيارات التوصيل في اليوم نفسه أو حتى حسب الطلب والذي تنافس عليه كبرى الشركات كميزة إضافية، ما يعزز رضا العملاء ويعزز الولاء لدى المستفيدين.

ويمكن أن يؤدي ذلك إلى إنشاء فرص عمل جديدة وتحسين جودة الخدمة التي يتلقاها المستفيدون. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للروبوتات ذاتية التوصيل جمع بيانات قيّمة حول ما يفضّله العملاء وتحديد مسارات التوصيل وتقييم مقاييس الأداء الأخرى. وعندما تتم معالجة هذه البيانات وتحليلها باستخدام تقنيات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي، يمكن للروبوتات تحديد أفضل الطرق لتسليم البضائع بشكلٍ أسرع وأكثر كفاءة، كما يمكن لها تقييم مستوى جودة الخدمة المقدمة وتحديد نقاط القوة والضعف في سلسلة التوريد واتخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين الأداء. 

وباستخدام هذه المعلومات يستطيع متخذ القرار تحسين سلسلة الإمداد واتخاذ قرارات موثوقة تلبي حاجات المستفيدين.

تحفيز تطوير وتكامل التكنولوجيا

ومن المحتمل أن يؤدي تبني الروبوتات ذاتية التوصيل إلى تحفيز تطوير وتكامل تكنولوجيا أخرى متقدمة، مثل التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي (AI) وإنترنت الأشياء (IoT)، كما يمكن أن تعمل هذه التكنولوجيات جنباً إلى جنب مع الروبوتات ذاتية التوصيل لتحسين عمليات التوصيل بشكلٍ إضافي، وتوفير مراقبة فورية لأداء الروبوتات. وفي المجمل توفّر الروبوتات ذاتية التوصيل تحسينات كبيرة في توصيل الأميال الأخيرة وسلاسل الإمداد، ما يجعل هذه التقنية صديقة مفضلة للبشرية. فبالإضافة إلى تعزيز الاستدامة البيئية وتحسين كفاءة التوصيل، تُتيح هذه الروبوتات للشركات إمكانية توفير تجارب توصيل أسرع وأكثر مرونة لعملائها. 

وعلى الرغم من الفوائد المحتملة، تواجه الروبوتات ذاتية التوصيل أيضاً تحديات يجب أخذها في الاعتبار، إذ ينبغي معالجة المشكلات التقنية مثل التنقل في البيئات الحضرية المعقدة والتعامل مع الظروف الجوية السيئة حتى تتمكن الروبوتات من العمل بكفاءة. بالإضافة إلى ذلك، يجب التعامل مع المخاوف المتعلقة بتشتت الوظائف لدى الروبوت والأمان والخصوصية لضمان انتقال سلس إلى نظام توصيل مدعوم بالروبوتات ذاتية التوصيل.

اقرأ أيضاً: كيف ستتعامل المدن مع التزايد الهائل في أعداد الطرود البريدية؟

وفي المستقبل، من المتوقع أن ينمو استخدام الروبوتات ذاتية التوصيل في المزيد من الصناعات والأسواق العالمية. ومن خلال انتشار استخدام هذه التكنولوجيا، سيستفيد المزيد من الشركات والعملاء من الكفاءة والتوفير في التكاليف والاستدامة البيئية التي توفّرها الروبوتات ذاتية التوصيل، وبالتالي يعتبر استخدام الروبوتات في توصيل الميل الأخير مثالاً رائعاً للتكنولوجيا التي تعمل على تحسين حياة الناس والعالم الذي نعيش فيه.