دبي نحو تحويل كافة وثائقها إلى رقمية بحلول العام 2021

5 دقائق
دبي نحو تحويل كافة وثائقها إلى رقمية بحلول العام 2021
حقوق الصورة: شترستوك.

تحتل دبي موقع الريادة في تبنّي التكنولوجيات المبتكرة التي تصبّ في مصلحة مواطنيها. ويلعب مكتب دبي الذكية دوراً كبيراً في الدفع قدماً بعجلة العديد من التكنولوجيات الصاعدة والمشاريع الحديثة بغية مساعدة المدينة في بلوغ هدفها على المدى البعيد المتمثّل في أن تغدو مدينة ذكية.

ولقد غدا تحول الوثائق والبيانات إلى رقمية، واحدة من أولويات حكومة دبي. كما أحرزت مؤسسات وهيئات حكومية متنوعة خلال السنوات القليلة الماضية تقدماً ملحوظاً على مسار ذلك التحول.

وفي صيف العام 2017، أدخلت دبي تطبيقاً جديداً، يدعى حقيبة الإمارات الذكية، يمكّن المواطن من استخدام جوّاله كجواز سفر. وعليه فإن بمقدور مواطني دبي العابرين لمطار دبي الدولي استخدام هذا التطبيق للدخول عبر البوابات الإلكترونية والمرور عبر نقاط تدقيق جوازات السفر. قبل استخدام التطبيق، كان على المستخدمين أن يقدموا بياناتهم الشخصية ممهورة ببصمتهم. وبهذا تكون دبي أول حكومة تُطلق جواز السفر الرقمي. كما ذكرت بعض التقارير أن هيئة صحة دبي كانت قد أتاحت سجلاتها الطبية إلكترونياً. بيد أن التوجه نحو المعاملات اللاورقية لم يعد محصوراً فقط في بضع هيئات حكومية بعد أن أعلنت حكومة دبي رسمياً استراتيجية المعاملات اللاورقية.

ما هي استراتيجية دبي للمعاملات اللاورقية؟

تواظب دبي على تطبيق الأفكار الخلاقة بغية تحقيق هدفها الأوسع في أن تغدو مدينة ذكية. فلقد أطلق الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، في فبراير 2018 رسمياً استراتيجية دبي للمعاملات اللاورقية عبر مكتب دبي الذكية.

وكما يوحي اسمها، فإن هذه الاستراتيجية الجديدة تدعم وضع إطار عمل قانوني وتوظيف التكنولوجيا بهدف تمكين المدينة في نهاية المطاف من تقليص الحاجة للوثائق الورقية. ويتمثل هدف الحكومة في دفع المدينة إلى السير باتجاه نهج جديد والتخلي عن الذهنية الورقية.

وبالرغم من أن الإعلان الرسمي عن استراتيجية المعاملات اللاورقية قد جرى قبل فترة وجيزة جداً، غير أن الشيخ حمدان بن محمد كان قد صرّح عام 2017 أن دبي ستتخلّص من معاملاتها الورقية في غضون أربع سنوات، أي بحلول العام 2021. وهذا التحوّل سيكون ممكناً بمساعدة مجموعة من التكنولوجيات المبتكرة، مثل منصة "البلوك تشين" والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء.  

وكما صرّح الشيخ حمدان بن محمد فإنه: "بعد العام 2021 لن يحتاج أي موظف أو أي متعامل مع حكومة دبي لطباعة أي ورقة، وسيسهم ذلك في ترسيخ نظرتنا الشاملة لواجبنا كبشر ليس على مستوى دبي فحسب، بل تجاه هذا الكوكب الذي نعيش فيه. فاستراتيجية دبي للمعاملات اللاورقية ستلغي طباعة أكثر من مليار ورقة في حكومة دبي سنوياً".

كما أفاد بأن هذه الاستراتيجية الجديدة إنما تمثّل مرحلة جديدة في مسيرة دبي نحو تبنّي التكنولوجيات الذكية.

وتقوم استراتيجية المعاملات اللاورقية على ثلاثة محاور أساسية هي:

محور التقنيات

ستركّز الحكومة من خلاله على المتطلبات التقنية والفنية اللازمة لضمان إجراء كل المعاملات والإجراءات الحكومية بلا ورق.

محور التشريعات

ستتولى الحكومة من خلاله سنّ التغييرات التشريعية اللازمة لخلق إطار عمل قانوني لتطبيق المعاملات بلا ورق في المؤسسات كافة.

محور الثقافة

ستسعى الحكومة من خلاله إلى تعزيز استراتيجيتها أبعد من المعاملات الرسمية. حيث تتطلع إلى تخطي المعيقات الثقافية لدى الأفراد والمؤسسات في اعتماد الذهنية الورقية.

من المتوقع أن تُسهم استراتيجية دبي للمعاملات اللاورقية الجديدة في تسريع تحول معاملات المتعاملين ضمن جميع الهيئات الحكومية إلى معاملات رقمية. وبعبارة أخرى، ستتوقف الحكومة في العام 2021 من خلال الاستراتيجية عن إصدار أو طلب الوثائق الورقية من المتعاملين، إلى جانب أن الموظفين والهيئات الحكومية سيوقفون مسألة إصدار أو تبادل الأوراق في ذلك الحين.  

ونتوقع أن يتم تطبيق ابتكارات تقنية عديدة، الأمر الذي من شأنه أن يضمن تبنّي الاستراتيجية خطوة بخطوة. وتتمثّل الأوجه التقنية الأساسية لهذه الاستراتيجية في البطاقات التعريفية والتواقيع والشهادات الرقمية، إلى جانب البيانات المحمية المتاحة عبر منصات متعددة.

وكما ذكرنا سابقاً فإن الاستراتيجية الجديدة ستلامس أيضاً الجوانب القانونية أيضاً. فجدير بالذكر، أن القانون يتطلب راهناً امتلاك وثائق ورقية كإثبات على إتمام المعاملة. ولذلك ستتم إزالة هذا الشرط والاستعاضة عنه بشروط قانونية أخرى بحيث ترتكز استراتيجية المعاملات اللاورقية الجديدة على أساس قانوني.

وعلى الرغم من أن هذه الاستراتيجية تبدو واعدة، إلا أنها تواجه تحديات عدة. حيث يتعين على الحكومة لكي تغدو بلا ورق أن تنشئ بنية تحتية كاملة قائمة على التقنيات الإبداعية. وعليها أن تعتمد على التكنولوجيات الناشئة كمنصة "البلوك تشين". وحتى عندما تثبت التكنولوجيا نضجها وكفاءتها، فإن بناء البنية التحتية المعقدة التي تحقق متطلبات تلك التكنولوجيا، قد يتطلب بعض الوقت والأفكار الخلاقة في التطبيق.

هنالك العديد من المؤسسات التي تعتمد في عملها على تطبيقات تقليدية مثل "أوراكل" و"مايكروسوفت أوفيس" وغيرها، ولذلك يتعين على تلك المؤسسات أن تضمن تكامل تلك التطبيقات مع استراتيجية المعاملات اللاورقية، وإلا وجب على الحكومة التفكير في الانتقال التدريجي إلى تطبيقات جديدة، من شأنها أن تعقّد المعاملات والإجراءات.   

ولكن المزايا المحتملة من شأنها أن تعوض أية خسارة ناجمة عن تلك التحديات والصعوبات المترافقة مع تنفيذ هذه الاستراتيجية. وفيما يلي بعض الإيجابيات المتوقعة من التحول إلى المعاملات اللاورقية.

لقد وجد تقرير لشركة البيانات الدولية أن تحول المعاملات والبيانات إلى رقمية من شأنه أن يساعد الهيئات على توفير الرواتب. وذلك ممكن لأن السجلات الرقمية يمكن تحديثها بكفاءة أكبر من السجلات الورقية. ففرق ضمان الجودة على سبيل المثال يمكنها التحقق من مجلد رقمي بسرعة أكبر بكثير من المجلد الورقي الذي يحتوي نفس المضمون. ويخلص التقرير إلى "وفورات إضافية يمكن تحقيقها من خلال خفض تكاليف التخزين والصيانة كاستئجار المخازن وصيانة الوثائق".

إن التحول إلى المعاملات اللاورقية يعني أتمتة العديد من العمليات التي عادة ما يتطلب إنجازها الكثير من الوقت. الأمر الذي قد يساعد هيئات حكومة دبي في ترشيق عملياتها ومهامها وتوفير كم هائل من ساعات العمل.  

هنالك فائدة أساسية أخرى ألا وهي أمان تلك الوثائق. فمع أن نسبة المخاطر صغيرة، إلا أن تخزين الوثائق الورقية في مكان منعزل قد لا يقاوم بشكل كاف حوادث الظروف القاهرة كالهزات الأرضية والفيضانات والحرائق. في حين أن الوثائق الرقمية، وباستخدام "تكنولوجيا دفتر الحسابات الموزع"، من شأنها أن تساعد الحكومة على ضمان الأمان الكامل لتخزين البيانات.

يمكن تخزين المعاملات والملفات اللاورقية في منصات مركزية، تسمح لجميع الهيئات الحكومية بالتفاعل فيما بينها على نحو أفضل. وهكذا يمكن تخفيض الأخطاء البشرية على نحو كبير، وإرساء التعاون فيما بين الهيئات الكثيرة على نحو سلس ومن دون مشاكل.  

وبالمحصلة فإن المزايا كبيرة جداً إلى حد يمكّن الحكومة من معالجة أية عقبات ومواجهة أية تحديات محتملة. ويجدر بنا أن نتذكر أن دبي تمتلك أكثر البنى التحتية تقدماً.   

التحديات  

  • خلق بنية تحتية معقدة
  • إدماج استراتيجية المعاملات اللاورقية مع التطبيقات الراهنة

المزايا

  • خفض التكاليف
  • أتمتة العمليات
  • دعم التفاعل بين الهيئات الحكومية
  • رفع سوية أمن البيانات

هل هنالك حكومة في العالم نجحت في التحول الكامل إلى حكومة بلا ورق؟

لا – حتى الآن ليس هنالك أية حكومة اعتمدت استراتيجية المعاملات اللاورقية على نحو كامل. غير أن دبي ليست وحيدة في مسيرتها للتحوّل إلى أن تصبح حكومة بلا ورق، غير أنها تنجز الخطوات الأكبر نحو هدفها.

فلقد أطلقت أستراليا سياسة الاستمرارية الرقمية 2020، التي تهدف إلى تشجيع التحول الرقمي بالنسبة للوثائق الحكومية. وتتطلب هذه السياسة المنشورة على موقع محفوظات أستراليا الوطنية، من الهيئات الحكومية أن تتحول إلى المعاملات اللاورقية بحلول العام 2020. وتشير تلك الوثيقة إلى أنه يمكن لحفظ المعلومات الرقمية على الورق أو على أي شكل نظيري آخر أن يؤدي إلى عدم الكفاءة كحفظ النسخ غير الضرورية، وزيادة تكاليف التخزين، ووجود معلومات غير موثوقة وغير متاحة، يصعب إيجادها وتشاركها والاحتفاظ بها على نحو فعال من حيث التكلفة، من أجل ضمان استمرارية العمل. وكانت هذه المبادرة قد أطلقت عام 2015 من قبل وزيرة المالية، دجين هالتون.

وفي مارس 2018 أعلنت حكومة تايلاند أنها ستبدأ بإدخال النظم اللاورقية إلى مؤسساتها هذا العام، في مسعى منها إلى دفع جميع الهيئات الحكومية لتبني التحول الرقمي. وبحسب رئيس الحكومة "برايوت تشان أو تشا"، يتمثل الهدف التالي للأشهر الستة القادمة في إجبار جميع الهيئات الحكومية على التوقف عن طلب أية وثائق من المواطنين مقابل تقديم الخدمات العامة لهم. وأضاف بأنه خلال الأشهر الاثني عشر التالية، سيتم وضع نظام جديد يصل بين جميع الهيئات الحكومية على المستوى الوطني، وقد يشمل في نهاية المطاف القطاع الخاص أيضاً.    

بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأميركية وسويسرا والمملكة المتحدة، لديها هيئات حكومية تحولت إلى الوثائق الرقمية، لكن تلك الدول لم تطبق بعد مبادرة أو استراتيجية معاملات لاورقية على مستوى الحكومة قاطبة.

من المرجح أن تغدو دبي رائدة في اعتماد التحول الرقمي بفضل قدرتها على إدماج التكنولوجيات الحديثة مثل "البلوك تشين"، والذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء وغيرها، وهكذا ستغدو أبعد بخطوة من أستراليا أو تايلاند.

نشر هذا المقال في عدد مجلة بوبيولار ساينس-العلوم للعموم مارس/أبريل 2018