يمكن استخدام اللقاحات في تدريب الجهاز المناعي على التعرف إلى الخلايا السرطانية بالطريقة نفسها التي يُدرّب فيها على التعرف إلى البروتينات الفيروسية. نظرياً، يمكن تخصيص هذا النهج بشكل كامل حسب حاجة المريض، إذ يستطيع العلماء دراسة خلايا الورم المصاب به شخص ما وتصميم علاج مخصص له من شأنه أن يساعد جهازه المناعي في التغلب على السرطان. تقول بلاكني: "هذا استخدام رائع للحمض النووي الريبي"، وتضيف: "أعتقد أن هذا النهج واعد للغاية".
لطالما واجه الباحثون صعوبات كبيرة في تطوير لقاحات لمرض السرطان، ويعود ذلك جزئياً إلى أنه في أغلب الحالات، لا يوجد بروتين محدد يمكن استهدافه. تقول كاريكو إن الباحثين يستطيعون تصميم قطعة من الرنا المرسال خاصة بتركيب بروتين يوجد على القشرة الخارجية لفيروس ما، مثل بروتين سبايك الموجود على الفيروس الذي يتسبب في مرض كوفيد-19، ولكن عندما تشكّل الخلايا البشرية أوراماً، لا يستطيع العلماء إيجاد بروتين يمكن استهدافه بسهولة.
وفقاً لباردي، على الأرجح أن التعامل مع الخلايا السرطانية يتطلب نوعاً آخر من الاستجابة المناعية مختلفاً عن الاستجابة المسؤولة عن الدفاع عن الجسم من فيروس كورونا. يقول باردي: "يجب علينا أن نطوّر لقاحات معتمدة على الرنا المرسال مختلفة". يتم حالياً إجراء العديد من التجارب السريرية، ولكن "لم يتم ابتكار لقاح ثوري حتى الآن"، حسب تعبير باردي.
الجائحة التالية
على الرغم من أن لقاحات الرنا المرسال واعدة للغاية، فمن غير المرجح أن يتمكن الباحثون من استخدامها في الوقاية من جميع الأمراض وعلاجها، على الأقل في الوضع الحالي لهذه التكنولوجيا. تقول عالمة المناعة في معهد كارولينسكا في مدينة ستوكهولم في السويد، كارين لوريه (Karin Loré)، إنه على سبيل المثال، يجب تخزين بعض أنواع هذه اللقاحات في ثلاجات منخفضة درجة الحرارة، ولا يعتبر ذلك خياراً متاحاً في بعض دول العالم.
كما أن هناك بعض الأمراض التي يعتبر التعامل معها أكثر صعوبة مقارنة بغيرها. للوقاية من الأمراض المعدية، يجب أن يكون لقاح الرنا المرسال قادراً على تحفيز تركيب بروتين محدد يمثّل إشارة تمكّن الجهاز المناعي من التعرف إلى مسببات الأمراض ومحاربتها. بالنسبة لبعض الفيروسات، مثل فيروس كورونا، يعتبر تحديد هذا البروتين سهلاً.
لكن هذا لا ينطبق على الفيروسات الأخرى. تقول بلاكني إنه على سبيل المثال، قد لا يكون من السهل تحديد أهداف مناسبة ضمن عمليات تطوير اللقاحات التي تقي البشر من حالات العدوى البكتيرية، يعتبر ذلك صعباً أيضاً في حالة فيروس نقص المناعة البشرية. تقول بلاكني: "لم يتمكن الباحثون من تحديد نوع البروتينات التي تحفّز استجابة مناعية فعّالة ضد هذا الفيروس".
تقول لوريه: "لا أريد أن أوهم أحداً بأن لقاحات الرنا المرسال ستمثّل حلاً لجميع المشكلات الصحية". توافق بلاكني على هذا الكلام، وتقول: "لقد شهدنا أثر هذه اللقاحات، وهو مثير للحماس بحق"، وتضيف: "لكني لا أعتقد أن العلماء سيتمكنون من تطبيق تكنولوجيا الحمض النووي الريبي لتطوير جميع اللقاحات المستقبلية بين ليلة وضحاها".
مع ذلك، هناك الكثير من التطورات المترقبة، ومن المتوقعّ تطوير تحديث جديد للقاحات مرض كوفيد-19 في عام 2023. ويأمل الباحثون أن يتم طرح المزيد من لقاحات الرنا المرسال في السوق في المستقبل القريب. يقول باردي: "أتمنى أنه في العامين المقبلين، ستتم الموافقة على المزيد من لقاحات الرنا المرسال المخصصة لمقاومة الأمراض المعدية".
يخطط باردي حالياً للتعامل مع حالات تفشي الأمراض العالمية المستقبلية، والتي قد يتسبب فيها فيروس الإنفلونزا. وهو يقول إننا لا نعرف متى ستبدأ الجائحة التالية، ولكن "يجب أن نكون مستعدين لها"، ويضيف: "لا شك في أن البدء في تطوير اللقاحات بعد بداية الجائحة يعني أننا متأخرون بالفعل".