تعمَّق داخل السباق الكبير نحو تزويد العقول السيليكونية بالذكاء الاصطناعي

4 دقائق
مصدر الصورة: مادي إدجار
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يستذكر نايجل تون (وهو مؤسس مشارك ومدير تنفيذي لشركة جرافكور الناشئة في مجال أنصاف النواقل في المملكة المتحدة) أن الكثير من المستثمرين كانوا منذ بضع سنوات ينظرون إلى فكرة الاستثمار في مجال الشرائح الحاسوبية المصنوعة من أنصاف النواقل على أنها أقرب إلى أضحوكة، قائلاً: “كان يكفي أن تعرض الفكرة في اجتماع حتى يفتح الكثير من الشركاء أشداقهم في نوبة ضحك شديدة”. غير أن وجهات نظر بعض رواد الأعمال في مجال الشرائح بدأت تتغير بشكل جذري، وبدلاً من أن يفتحوا أفواههم، بدؤوا يفتحون دفاتر شيكاتهم.

لكن هناك سبباً وجيهاً يدعو المستثمرين إلى التزام جانب الحذر من السيليكون، على الرغم من أن أهم الشركات التقنية موجودة في مكان اسمه وادي السيليكون؛ حيث إن الشرائح المصنوعة من أنصاف النواقل تكلف أكثر من البرمجيات من ناحية التطوير، كما أنه لم يكن هناك حتى فترة قريبة مجال يذكر للكثير من الابتكارات التي تميز الإصدارات الجديدة، وحتى لو تمكنت الشركات الجديدة من تجنب الانهيار والإفلاس، فغالباً ما ينتهي بها المطاف بهوامش ربح أكثر رقة من شرائح السيليكون نفسها، ناهيك عن وجود منافسة شرسة من شركات عملاقة ذات معرفة عميقة في هذا المجال وجيوب أكثر عمقاً، مثل إنتل وإنفيديا.

أما الذي تغير فهو أن بعض المستثمرين بدؤوا يعتقدون بأن الذكاء الاصطناعي قد يمثل فرصة فريدة لبناء شركات جديدة وهامة في مجال أنصاف النواقل؛ فقد بلغت قيمة الاستثمارات في الشركات الناشئة التي تعمل في مجال الشرائح المخصصة للذكاء الاصطناعي 113 مليون في 2017 (أي ما يقارب ثلاثة أضعاف الاستثمارات في 2015)، وذلك وفق بيانات من خدمة بيتش بوك التي تتتبَّع التعاملات المالية للشركات الخاصة.

وقد كانت جرافكور من الشركات التي استفادت من هذا التغير في النظرة، فقد أضافت مؤخراً إلى حساباتها 50 مليون دولار كتمويل من سيكويا كابيتال، وهي من الشركات الاستثمارية الكبيرة في وادي السيليكون. كما أن بعض الشركات الناشئة الأخرى في مجال الشرائح (مثل ميثيك وويف كومبيوتينج وسيريبراس في الولايات المتحدة، وديفاي تيك وكامبريكون في الصين) بدأت تطوِّر أيضاً شرائح جديدة مخصصة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي. حتى أن كامبريكون -وهي واحدة من أهم الشركات الناشئة الصينية في هذا المجال- قد تمكنت من جمع 100 مليون دولار من الاستثمارات الأولية عن طريق صندوق تمويل حكومي صيني.

ومنذ ظهور الحاسوب بشكله الأولي، كانت التطورات في العتاد الصلب للحوسبة تؤدي إلى ابتكارات برمجية، التي كانت تؤدي بدورها إلى تحسينات في العتاد الصلب، ويمثل الذكاء الاصطناعي الحلقة الأحدث في هذه الدورة الرقمية؛ فقد كانت الشركات في العديد من المجالات تستثمر مبالغ كبيرة في العتاد الصلب لتشغيل أنظمة التعلم العميق، ولكن مع زيادة تعقيد هذه الأنظمة بدأت تعاني من محدودية الشرائح المستخدمة في تشغيلها. وكانت شركة إنفيديا وراء إنتاج الكثير من هذه المعالجات (وهي الشركة التي تُستخدم شرائحها الرسومية على نطاق واسع في الألعاب والإنتاجات الرسومية)، وتحتوي هذه المعالجات على آلاف الحواسيب الصغيرة التي تعمل على التوازي لرسم البيكسلات. ومع بعض التعديلات، تم تكييفها لتشغيل خوارزميات التعلم العميق، التي تتضمن أيضاً كميات هائلة من الحسابات المتوازية.

وعلى الرغم من استخدامها على نطاق واسع، فإن الشرائح الرسومية تعاني من بعض المشاكل، ومن أكبرها الاستهلاك الكبير للطاقة عند عمل أعداد كبيرة منها على التوازي. حتى أن جامعة كارنيغي ميلون -وهي من أهم مراكز أبحاث الذكاء الاصطناعي- قد اضطرت إلى أن تطلب من باحثيها إبطاء عمل شرائحهم بشكل مؤقت لأنها كانت تُجهد نظام الطاقة الكهربائية للجامعة. ويقول فرانز فرانشيتي (وهو بروفسور في جامعة كارنيجي ميلون) إن الجامعة تبحث عن مصادر بديلة للطاقة من أجل حل هذه المشكلة.

وتخطط الشركات الناشئة في مجال شرائح الذكاء الاصطناعي لإنتاج معالجات أكثر فعالية في استهلاك الطاقة، ولكن الدافع الحقيقي لعمل هذه الشركات هو الاعتقاد بأن المعالجات المصمَّمة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي بشكل خاص تستطيع التفوق على الشرائح غير المتخصصة في نطاق واسع من المهام المتعلقة بالتعلم الآلي. هذا بالإضافة إلى أن الجيل الجديد من الشرائح يجمع عدة وظائف معالجة في خطوة واحدة، في حين تنفذ المعالجات الرسومية عدة خطوات لتحقيق نفس النتيجة، كما يتم ربط عدة وظائف من أجل تحسين الاستخدام في حالات معينة، مثل تدريب الخوارزميات على مساعدة سيارة ذاتية التحكم من أجل كشف العوائق المحتملة في طريقها.

وتزعم جرافكور أن الاختبارات الأولية أظهرت أن “وحدة معالجة الذكاء” الجديدة الخاصة بها -التي بدأت تشحنها إلى الزبائن في الربع الأول من هذه السنة- أسرع في أداء هذه المهام من العتاد الصلب الحالي بمقدار 10 أضعاف إلى 100 ضعف. كما أن معالجات شركة كامبريكون الصينية أصبحت موضع ثناء وتقدير؛ حيث تقول شركة هواوي -وهي من زبائن كامبريكون- إن شرائح الشركة الناشئة أسرع بست مرات من المعالجات الرسومية عند تشغيل نفس الوظيفة في تطبيقات التعلم العميق، مثل تدريب الخوارزميات من أجل التعرف على الصور.

ويشعر الباحثون بالحماس لفكرة إحداث قفزة كبيرة في قوة الحوسبة للذكاء الاصطناعي، حيث يقول آندرو ديفيسون (وهو بروفسور في الجامعة الإمبراطورية في المملكة المتحدة، ويركز في عمله على الروبوتات والرؤية الحاسوبية): “ما زالت هناك فجوة كبيرة بين وضعنا الحالي وما نطمح إليه”، كما أنه يعتقد أن الابتكارات التي ستطرحها الشركات الناشئة المختصة بالشرائح في الأسواق ستسرع من التطور في العديد من المجالات، مثل المجالات التي يعمل فيها.

ولا شك في أن ردود الفعل هذه مشجعة، ومع ذلك فهي لا تضمن النجاح؛ حيث إن الشركات الكبيرة بدأت تكشف عن شرائحها المخصصة للذكاء الاصطناعي حتى تنافس عروض الشركات الناشئة، فقد أعلنت إنتل مثلاً عن خطط لإطلاق مجموعة جديدة من المعالجات التي صمَّمتها نيرفانا سيستمز (وهي شركة ناشئة استحوذت عليها إنتل)، كما أن إنفيديا بدأت تتحرك بسرعة لتحديث قدرات شرائحها أيضاً.

وتواجه الشركات الناشئة تحدياً آخر؛ حيث يعمل الكثير منها على تصميم عتاد صلب مخصَّص لدعم تطبيقات ذكاء اصطناعي عالية التخصص، ولكن طرح شريحة في الأسواق قد يستغرق سنوات. ونظراً لسرعة تطور الذكاء الاصطناعي، فهناك مخاطرة حقيقية بأن تصبح الاستخدامات التي صُممت هذه الشرائح لأجلها عديمة الفائدة قبل أن تنتشر على نطاق واسع.

وبالنسبة لشاهين فارشي (من لوكس كابيتال التي استثمرت في نيرفانا واشترت حصة في ميثيك) فإن هذا الوضع يشبه ما حصل مع الشركات الناشئة التي كانت تبني معالجات لتطبيقات الاتصال اللاسلكي من الجيل الرابع في منتصف العقد السابق؛ حيث انتهى المطاف بالكثير منها إلى الفشل، بسبب أنها كانت مصمَّمة بشكل خاص لتطبيقات لم تصل إلى مرحلة الانتشار الواسع، وهو يقول: “إن شركات الشرائح عالية التخصص ستتعرض إلى تصفية أخرى في وقت لاحق”.

من ناحية أخرى، إذا قامت الشركات الجديدة ببناء شرائح تتضمن مجموعة واسعة من التطبيقات، فمن المرجح أن هذا سيكون على حساب مستوى أداء هذه الشرائح، وهو ما قد يُضعفها في المنافسة مع إنفيديا وإنتل وغيرها. كما قد يتم الاستحواذ على بعضها من قِبل شركات الشرائح العملاقة، ولكن إذا فشل الكثير منها، فقد يبدأ المستثمرون بالتراجع وإقفال جيوبهم ثانية.