إجراءات الحجر في شنغهاي تمثل فرصة جديدة لتطبيقات البقالة الصينية

5 دقائق
إجراءات الحجر في شنغهاي تمثل فرصة جديدة لتطبيقات البقالة الصينية
حقوق الصورة: إم إس تك/ إنفاتو.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

منتصف الليل، السادسة صباحاً، الثامنة صباحاً، الثامنة والنصف صباحاً، التاسعة صباحاً: هذه الأوقات محفورة في ذهن كويني سونغ. فعلى مدى أسبوع كامل في أبريل/نيسان، كانت سونغ البالغة من العمر 24 عاماً، والمقيمة في شنغهاي، مضطرة إلى إمساك هاتفها في هذه المواعيد الخمسة لتحديث بيانات تطبيق مختلف لتوصيل البقالة، على أمل الحصول على حجز طلب لا يمكن الحصول عليه إلا بصعوبة.

وخلال الحجر المتواصل منذ شهر في شنغهاي، كانت هذه التطبيقات المخصصة للبقالة شريان حياة للمواطنين العالقين داخل منازلهم. وتقول سونغ إن ما يقارب 60% إلى 70% من مشترياتها من البقالة تم شراؤها عن طريق تطبيقات الإنترنت منذ بدأ تطبيق الحجر. ومن دون هذه التطبيقات، كانت ستعاني من نقص الطعام.

اقرأ أيضاً: لماذا يختلف تعامل بعض الدول مع تطبيقات كوفيد بين التعليق والاستبدال وإعادة الإطلاق؟

يمثل الحجر في شنغهاي المرحلة الأكبر في رحلة متقلبة دامت سنتين لصناعات شراء البقالة على الإنترنت في الصين. ويعكس صعودها وهبوطها وصعودها ثانية اشتداد وتراخي القيود التي فرضتها الصين بسبب كوفيد-19، وقد تعرضت الكثير من التطبيقات، مثل “دينغ دونغ” (Dingdong)، و”هيما” (Hema) من “علي بابا”، و”مايكاي” (Maicai) من “ميتوان” (Meituan)، إلى التراجع مع تراخي إجراءات الحجر. 

والآن، ومع استمرار الصين في اتباع استراتيجية “صفر كوفيد”، أدت إجراءات الحجر الصارمة إلى إعطاء هذه الصناعة فرصة جديدة للبروز واللمعان بعد سنة كاملة من العائدات المخيبة للآمال. ولكن، ليس من المعروف ما إذا كانت ستواصل تحقيق النجاح مع عودة الأمور إلى طبيعتها.

اقرأ أيضاً: فترة الحجر الصحي كانت أطول فترة هدوء في التاريخ البشري المعروف

صعود وهبوط تجارة البقالة على الإنترنت

في 2015 تقريباً، أطلقت بعض الشركات التكنولوجية الصينية، بما فيها شركة علي بابا، بعض التجارب على أفكار تقوم على إدماج تسوق البقالة ضمن المشهد المزدهر للتجارة الإلكترونية في البلاد. ولكن هذه الصناعة لم تنطلق فعلاً إلا بحلول 2018 و2019، مع تنافس العشرات من الشركات الناشئة الجديدة على اجتذاب الاهتمام والاستثمارات. ولكن النمو كان متواضعاً، وكانت ميزات الشركات الناشئة مشتركة ومكررة. 

وبعد ذلك، تم فرض أول حجر على مستوى البلاد في الصين خلال الأشهر الأولى من العام 2020، وهو ما أعطى دفعة فائقة القوة لنمو الصناعة. ومع بدء إدراك الصينيين لمعنى الاعتكاف في المنزل، بدأوا بالاعتماد على هذه التطبيقات، والتي تم إطلاق معظمها في 2018 و2019، وذلك لتوصيل أغراضهم ومشترياتهم إلى المنزل. 

اقرأ أيضاً: تجارة التجزئة بعد كوفيد-19: التكنولوجيا وسيلة الاستمرار

وتحولت هذه الصناعة بسرعة كبيرة إلى أحد أكثر الصناعات التكنولوجية الجديدة نشاطاً في الصين، وتدفقت استثمارات رأس المال عليها، وسارعت الشركات التكنولوجية العملاقة مثل “ديدي” (DiDi) و”ميتوان” (Meituan) إلى المشاركة والحصول على حصة في السوق. وتوقع تقرير لماكينزي في فبراير/ شباط من العام 2021 أن “تسوق البقالة على الإنترنت سيكون على الأرجح أحد أكثر القطاعات الاستهلاكية تنافسية في الصين في 2021”. 

وهذا ما حدث بالفعل، فقد زادت جرأة الإنفاق لدى الأطراف الفاعلة في السوق، ووفقاً لمدير تنفيذي في شركة “تشينغشين يوشوان” (Chengxin Youxuan) التي توقفت عن العمل، والتي كانت الذراع المختصة بالتسوق الإلكتروني للبقالة لشركة ديدي، فإن “السوق بأسرها كانت تنفق على الأقل 10 مليار يوان (1.57 مليار دولار) في كل شهر”، كما قال لمجلة الأعمال الصينية “كايشين” (Caixin). وفي يونيو/ حزيران من العام 2021، قدمت الشركتان الناشئتان دينغ دونغ و”ميس فريش” (MissFresh) طلباً للتحول إلى شركات عامة في الولايات المتحدة في نفس اليوم، في سباق للتحول إلى أول شركة صينية لتسوق البقالة على الإنترنت بأسهم متداولة بين العامة.

ولكن الأمور بدأت بالانحدار في السنة الماضية. وعلى الرغم من كل الضجيج الإعلامي والأموال، وجدت هذه الشركات صعوبة كبيرة في تحقيق الأرباح مع تراخي إجراءات الحجر وعودة الناس ببساطة إلى التسوق العادي بشكل شخصي. والأسوأ من ذلك أن هذه الشركات وجدت نفسها في مواجهة التوجه الصيني الجديد ضد السلوك الاحتكاري. وتحركت الحكومة الصينية بسرعة كبيرة لفرض الغرامات، ونشر العديد من المقالات التي تشكك بجدوى هذه الصناعة.

اقرأ أيضاً: هل عادت الحياة إلى طبيعتها؟ تجارب بعض الدول من حول العالم

ولهذا، قررت الشركات الناشئة والشركات التكنولوجية الكبيرة، والتي كانت تسير نحو مستقبل واعد، أن تخفف من خططها للتوسع، أو تطبق عمليات تسريح كبيرة للموظفين، أو حتى تقدم طلباً لإعلان الإفلاس الكامل. وقررت شركتا ديدي و”إيلي دوت مي” (Ele.me)، وهما من الشركات التكنولوجية الناجحة التي راهنت على تسوق البقالة على الإنترنت كدافع جديد للنمو، أن تغلقا هذه الخدمات بالكامل. وقامت شركتان ناشئتان أخريان على الأقل في مجال تسوق البقالة على الإنترنت بإيقاف خدماتهما في السنة الماضية. 

ولكن إجراءات الحجر الجديدة أعطت هذه الصناعة فرصة ثانية. ومع استعداد مدن صينية أخرى أيضاً لمواجهة الحجر الوشيك، مثل بكين وهانغتشو، بدأ الملايين من الأشخاص مرة أخرى بتنزيل هذه التطبيقات والاعتماد عليها بشكل يومي. وفي الواقع، فإن تطبيق دينغ دونغ ارتفع إلى المركز الثالث في مجموعة التطبيقات المجانية في متجر التطبيقات في الصين في أوائل أبريل.

المعركة اليومية

قد يتلقى بعض المحظوظين من سكان شنغهاي رزم بقالة مجانية من أرباب عملهم أو حكوماتهم المحلية، ولكن معظم الناس، مثل سونغ، يحتاجون لإيجاد طريقة لشراء بقالتهم بأنفسهم. فقد قام بعض السكان بتشكيل مجموعات تضم قاطني الأحياء السكانية عبر تطبيقات التراسل، حيث يقومون بجمع طلبات الجميع وشرائها بالجملة من المزارع أو معامل الأغذية القريبة. 

ولكن سونغ أدركت بسرعة أن شراء البقالة مع جميع جيرانها يعني أنها لا تستطيع اختيار مشترياتها بحرية. فهي تعيش في حي سكني قديم يتألف بمعظمه من كبار السن أو العائلات التي لديها أطفال. وعلى حين يضع جيرانها طلبات شراء ذات حجم عائلي لأشياء مثل خمسة أرطال من اللحم، فإن مشتريات كهذه ستبقى لديها فترة طويلة للغاية حتى تستهلكها. 

وبالتالي، فإن الخيار الوحيد المتبقي هو تطبيقات البقالة. وهكذا، تمضي يومها في محاولات محمومة ومتكررة لتحديث بيانات دينغ دونغ وهيما وميتوان مايكاي على أمل الحصول على حجز. 

اقرأ أيضاً: كيف نستفيد من التجربة الصينية لاستخدام التكنولوجيا في مكافحة فيروس كورونا؟

ولكن، وبعدما تسبب الحجر باختلال سلاسل التوريد للكثير من السلع، بما فيها البقالة، أصبح مجرد إرسال طلب على هذه التطبيقات مسألة تتطلب الكثير من الحظ والجهد. وعلى غرار متسوقي الجمعة السوداء الذين ينتظرون لحظة اقتحام باب المتجر، يتدافع المواطنون على التطبيقات في الأوقات المحددة لشراء كل ما يمكن شراؤه قبل انتهاء المخزونات خلال ثوانٍ معدودة. وهي عملية تثير التوتر والإحباط. 

وتقول لي، وهي مستشارة في شنغهاي وتستخدم شهرتها لرغبتها بأن تبقى هويتها مجهولة، إنها كانت تستيقظ مبكراً كل صباح على مدار أسبوع كامل لتجربة حظها مع عدة تطبيقات مختلفة. ولكنها لم تتمكن في ظل إجراءات الحجر من تحقيق النجاح في حجز طلب واحد، على حين تمكنت والدتها، والتي تعيش معها في نفس المنزل، من الحصول على ثلاثة طلبات. وفي إحدى المرات، ملأت لي عربة التسوق الإلكترونية بمنتجات بقالة بعدة مئات من الرينمينبي، ولكن مع وصولها إلى مرحلة الدفع، لم يبق في المخزن سوى كيس من قطع الحلوى السكرية.

“نظراً للزيادة السريعة والمفاجئة في طلب مستخدمي شنغهاي، فإن تجربة الشراء ستكون مختلفة بالتأكيد عما هي عليه في الأوقات العادية. وسيكون احتمال تحقيق النجاح في حجز الطلبات منخفضاً”، كما قال ممثل عن تطبيق البقالة دينغ دونغ في رد أرسله لإم آي تي تكنولوجي ريفيو عبر البريد الإلكتروني. “وفي هذا الوضع، يقوم مبدؤنا الأساسي على تحديد الأولويات دون تمييز”. تقول الشركة إن هذا هو السبب الذي يدعوها لتجديد المخزونات في نفس الوقت يومياً، والموافقة على نسبة عشوائية من الطلب في كل مرة.

وقد تحدد طريقة تعامل الصناعة مع هذه المسائل مستقبلها عندما يعود كل شيء إلى حالته الطبيعية. فهل ستتمكن من الحفاظ على هؤلاء العملاء الجدد ما أن يصبح الجميع قادرين على الذهاب إلى المتاجر القريبة شخصياً مرة أخرى؟ لا يمكن الجزم بذلك منذ الآن، ولكن المستثمرين لم يعودوا إلى نفس مستوى التفاؤل في 2020، ومن المرجح أن المستخدمين منقسمون حول هذه التطبيقات. 

اقرأ أيضاً: أمازون توظف 100 ألف عامل جديد لتغطية الارتفاع الكبير في الطلب جراء تفشي فيروس كورونا

تقول سونغ إنها ستحتفظ بالتطبيقات مثل دينغ دونغ وجي دي على هاتفها، لأنها ممتنة لهذه التطبيقات التي أمنت الطعام لها ولغيرها خلال فترة من الرعب. 

ولكن لي، والتي تسكن أيضاً في شنغهاي، لا تشاركها الرأي. وتقول: “إنها ما تزال الخيار الثاني لديّ.  لقد كنت أتسوق على هذه التطبيقات لعدم وجود طريقة أخرى. وبعد الوباء، أنا واثقة من عدم عودتي إلى استخدامها ثانية”.