ما هو تحليل الواقع المعاكس الذي تستخدمه شركة سبوتيفاي لتحسين أداء تطبيقها؟

5 دقائق
ما هو تحليل الواقع المعاكس الذي تستخدمه شركة سبوتيفاي لتحسين أداء تطبيقها؟
مصدر الصورة: ستيفاني أرنيت. إم آي تي تي آر. إنفاتو
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

صمم فريق من الباحثين في شركة سبوتيفاي (Spotify) لبث الموسيقى عبر الإنترنت نموذج تعلم آلي جديد يتعرف لأول مرة على الرياضيات المعقدة التي يعتمد عليها التحليل المعاكس للواقع (counterfactual analysis)، وهي تقنية دقيقة يمكن استخدامها لتحديد أسباب الأحداث السابقة والتنبؤ بآثار الأحداث المستقبلية.

يمكن أن يزيد النموذج الجديد الذي وُصف في ورقة بحثية نُشرت في أوائل عام 2023 في مجلة نيتشر ماشين إنتيليجنس (Nature Machine Intelligence) من دقة عملية اتخاذ القرارات المؤتمت، وخصوصاً التوصيات المخصصة، في مختلف المجالات من الماليات إلى الرعاية الصحية.

تكمن الفكرة في التحليل المعاكس للواقع في محاولة اكتشاف ما يمكن أن يحدث في حال اختلف بعض الظروف. يشبه ذلك السفر بالزمن إلى الماضي وتغيير بعض التفاصيل الحاسمة وملاحظة العواقب. يمكن التمييز بين الصدف والأحداث المرتبطة فقط والأحداث التي تتسبب بالأحداث الأخرى بالفعل من خلال تعديل العوامل المناسبة.

يقول قائد مختبر أبحاث الاستدلال السببي في شركة سبوتيفاي، كيران غيليغان لي (Ciaran Gilligan-Lee)، الذي شارك في تطوير النموذج الجديد: “فهم السبب والنتيجة مهم للغاية في صنع القرارات. يجب علينا أن نعرف ما هو التأثير المستقبلي المحتمل للخيارات التي نتخذها اليوم”.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في جودة اتخاذ القرارات؟

أهمية التقنية لشركة سبوتيفاي

في حالة شركة سبوتيفاي، قد يعني ذلك اختيار الأغاني التي تُعرض للمستخدمين ومساعدة الفنانين على تحديد التوقيت الأمثل لإصدار الألبومات. وفقاً لغيليغان-لي، لم تستخدم هذه الشركة التحليل المعاكس للواقع بعد؛ يقول: “يمكن أن تفيد هذه التقنية في الإجابة عن الأسئلة التي نتعرض لها يومياً”.

تحليل الوقائع المعاكسة هو عملية حدسية. يحاول البشر عادة استيعاب العالم من خلال تخيّل النتائج المحتملة لو وقع الحدث “س” بدلاً من الحدث “ع”. لكن الصياغات الرياضية التي تعبر عن هذه الوقائع مخيفة.

يقول غيليغان-لي: “الوقائع المعاكسة هي كينونات إحصائية غريبة للغاية، وفهمها عملية غريبة أيضاً؛ إذ يتطلب التحليل المبني عليها تقدير احتمال وقوع حدث لم يقع”.

بدأ غيليغان-لي وزملاؤه العمل معاً بعد اطلاع كل منهم على أبحاث الآخرين في أحد مقالات موقع إم آي تي تكنولوجي ريفيو، وصمموا نموذجهم الجديد بناءً على إطار عمل نظري خاص بالوقائع المعاكسة يحمل اسم الشبكات المزدوجة.

اقرأ أيضاً: كيف تستخدم تطبيقات بث الموسيقى الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة المستخدم؟

الشبكات المزدوجة

اخترع عالما الحاسوب أندرو بالكي (Andrew Balke) وجوديا بيرل (Judea Pearl) هذه الشبكات في تسعينيات القرن العشرين. فاز بيرل في عام 2011 بجائزة تورينغ (Turing Award) المكافئة لجائزة نوبل في علم الحاسوب، نتيجة أبحاثه حول الاستدلال السببي والذكاء الاصطناعي.

يقول غيليغان-لي إن بيرل وبالكي طبّقا الشبكات المزدوجة على بعض الأمثلة البسيطة، ولكن تطبيق إطار العمل الرياضي هذا على الحالات الواقعية الأوسع والأعقد يدوياً أمر صعب.

وهنا يدخل التعلم الآلي المعادلة. تتعامل الشبكات المزدوجة مع الوقائع المعاكسة على أنها زوجان من النماذج الاحتمالية التي يمثل أحدها العالم الحقيقي بينما يمثل الآخر عالماً خيالياً. يرتبط النموذجان أحدهما بالآخر بطريقة تجعل النموذج الحقيقي يقيّد النموذج الخيالي، أي أنه يجعله مماثلاً له في جميع النواحي باستثناء الحقائق المرغوب تغييرها.

استخدم غيليغان-لي وزملاؤه إطار عمل الشبكات المزدوجة كمخطط عمل لتصميم شبكة عصبية دربوها على إجراء تنبؤات حول الأحداث التي يمكن أن تقع في العالم الخيالي. نتج عن هذا العمل برنامج حاسوبي متعدد الأغراض قادر على إجراء العمليات الاستدلالية بناءً على الوقائع المعاكسة. يقول غيليغان-لي: “يتيح لنا هذا البرنامج الإجابة عن أي سؤال معاكس للواقع حول أي سيناريو”.

اقرأ أيضاً: تطور برامج التمثيل الصوتي المعتمدة على الذكاء الاصطناعي يثير قلق الممثلين الصوتيين

مياه ملوّثة

اختبر الفريق في شركة سبوتيفاي النموذج الجديد باستخدام عدد من دراسات الحالة الواقعية، التي شملت دراسة نظرت في الموافقات على منح الائتمان في ألمانيا، وأخرى نظرت في تجربة سريرية دولية على دواء للسكتة الدماغية، ودراسة نظرت في سلامة موارد المياه في كينيا.

درس الباحثون في عام 2020 ما إذا كان يمكن التقليل من معدلات إصابة الأطفال بالإسهال من خلال حماية ينابيع المياه في إحدى مناطق كينيا من التلوث البكتيري بتركيب الأنابيب والحاويات الخرسانية في هذه الينابيع. وجد الباحثون أن هذه الإجراءات لها تأثيرات إيجابية، ولكن غيليغان-لي يقول إنه يجب تحديد سبب هذه التأثيرات بدقة. وقبل تركيب الجدران الخرسانية حول آبار المياه عبر البلاد، يجب التأكد من أن الانخفاض في معدل الإصابة بالإسهال نتج بالفعل عن هذه الإجراءات وليس مجرد أثر جانبي لها.

من المحتمل أن يكون سكان المنطقة قد اكتسبوا وعياً أكبر بمخاطر المياه الملوثة وبدؤوا بغليها في منازلهم بعد رؤية الباحثين وهم يجرون الدراسة ويركّبون الجدران الخرسانية حول الآبار، يقول غيليغان-لي إنه في هذه الحالة “سيمثّل التثقيف طريقة أقل تكلفة لخفض معدلات الإصابة بالإسهال”.

اقرأ أيضاً: ديب مايند يتمكن من التنبؤ بتراكيب معظم البروتينات المعروفة للعلم تقريباً فماذا يعني ذلك بالنسبة للأدوية والعلاجات؟

طبّق غيليغان-لي وزملاؤه نموذجهم على هذا السيناريو، وطلبوا منه تحديد ما إذا كان الأطفال الذين عانوا من هذه الحالة الصحية بعد الشرب من بئر غير محمية في العالم الحقيقي قد أصيبوا بالحالة نفسها بعد الشرب من بئر محمية في العالم الخيالي. لاحظ الباحثون أن تغيير التفصيل المتمثّل في مصدر المياه التي شربها الأطفال وعدم تغيير الظروف الأخرى مثل طريقة تحضير المياه في المنزل لم يؤثر كثيراً في النتيجة، ما يشير إلى أن انخفاض معدلات الإصابة بالإسهال لدى الأطفال لم ينتج مباشرة عن تركيب الأنابيب والحاويات الخرسانية.

نتائج التحليل الجديد مماثلة لنتائج الدراسة التي أجريت في عام 2020، التي استُخدم الاستدلال المبني على الوقائع المعاكسة فيها أيضاً. لكن يقول غيليغان-لي إن مؤلفي هذه الدراسة صمموا بشكل يدوي نموذجاً إحصائياً مفصّلاً بهدف طرح هذا السؤال فقط. لكن ما فعله الباحثون في شركة سبوتيفاي هو أنهم صمموا نموذج تعلم آلي متعدد الأغراض يمكن استخدامه لطرح العديد من أسئلة الوقائع المعاكسة المتعلقة بسيناريوهات مختلفة.

اقرأ أيضاً: تعرّف إلى ميوزك إل إم (MusicLM): أداة جوجل لتوليد الموسيقى من النصوص

سباق الشركات في مجال نماذج التعلم الآلي

شركة سبوتيفاي ليست شركة التكنولوجيا الوحيدة التي تسابق لتصميم نماذج التعلم الآلي القادرة على تحليل الأسباب والنتائج؛ إذ بدأت شركات مثل ميتا (Meta) وأمازون (Amazon) ولينكدإن (LinkedIn) وبايت دانس (ByteDance)، التي طورت تطبيق تيك توك، (TikTok)، بتطوير هذه التكنولوجيا أيضاً في السنوات القليلة الماضية.

يقول مهندس البرمجيات في شركة ميتا، نايلونغ جانغ (Nailong Zhang): “الاستدلال السببي عامل حاسم في تقنية التعلم الآلي”. تستخدم شركة ميتا الاستدلال السببي في أحد نماذج التعلم الآلي الذي يحدد نوع الإشعارات التي يجب أن يرسلها تطبيق إنستغرام للمستخدمين وعددها حتى يستمروا باستخدام التطبيق.

اقرأ أيضاً: مشروع ذكاء اصطناعي جديد من جوجل يمكّنك من تأليف الموسيقى خلال الحجر الصحي

الوقائع المعاكسة في عملية صنع القرار

تستخدم عالمة البيانات في جامعة بوردو في ولاية إنديانا الأميركية، روميلا برادهان (Romila Pradhan)، الوقائع المعاكسة لجعل عملية صناعة القرار أكثر شفافية. تستخدم المنظمات الحكومية حالياً نماذج تعلم آلي لتحديد الأشخاص الذين سيحصلون على الائتمان والوظائف وإخلاء السبيل المشروط وحتى حقوق الإسكان. بدأت الجهات الرقابية أيضاً بمطالبة المنظمات الحكومية بتفسير نتائج العديد من هذه القرارات للأشخاص الذين يتأثرون بها. لكن إعادة بناء الخطوات التي تجريها خوارزمية معقدة أمر صعب، وتعتقد برادهان أن الوقائع المعاكسة يمكن أن تكون مفيدة في هذه الحالة.

لنفترض أن أحد نماذج التعلم الآلي المستخدمة في مصرف ما رفض طلبك للحصول على قرض، ورغبتَ في معرفة السبب؛ يمكن الإجابة عن هذا السؤال باستخدام الوقائع المعاكسة. هل من الممكن أن يُرفض الطلب في عالم خيالي يختلف فيه تاريخك الائتماني علماً أنه رُفض في العالم الحقيقي؟ وما ستكون النتيجة لو اختلف رمزك البريدي أو دخلك أو اختلفت وظيفتك وما إلى ذلك؟ تقول برادهان إن تصميم برامج الموافقة على القروض المستقبلية بطريقة تجعلها قادرة على الإجابة عن هذا النوع من الأسئلة سيمنح المصارف القدرة على تقديم الأسباب للعملاء بدلاً من إجابات بالموافقة أو الرفض فقط.

وفقاً لبرادهان، الوقائع المعاكسة ضرورية لأنها تمثّل الطريقة التي يفكّر وفقها البشر بالنتائج المختلفة؛ تقول: “استخدام هذه الوقائع طريقة فعالة لفهم التفسيرات”.

اقرأ أيضاً: موسيقى خلفية يؤلفها الذكاء الاصطناعي تظهر لنا حدود إبداعه

يمكن أيضاً أن تساعد الوقائع المعاكسة الشركات على التنبؤ بسلوك البشر، وتستطيع منصات التكنولوجيا استخدام هذه الوقائع لتصنيف المستخدمين بدقة غير مسبوقة لأنها تتيح استنتاج ما كان من الممكن أن يحدث في موقف محدد وليس فقط في المواقف النموذجية.

يمكن استخدام نفس المنطق الذي يُستخدم لتحليل تأثيرات المياه الملوثة أو قرارات الإقراض في تقييم أداء قوائم التشغيل في تطبيق سبوتيفاي وإشعارات تطبيق إنستغرام، وفي الإعلانات المستهدفة. إذا شغّلنا هذه الأغنية، هل سيستمر هذا المستخدم بالاستماع إلى ما تبثه منصتنا فترة أطول؟ وإذا عُرضت هذه الصورة، هل سيستمر المستخدم في تصفح المحتوى؟ يقول غيليغان-لي: “تسعى الشركات للتوصل إلى طرق فعالة لمنح التوصيات لمستخدمين محددين بدلاً من المستخدمين النموذجيين”.