هل سيرقى هاتف ريد بيل إلى مستوى الوعود التي طرحها مصنعوه من حيث الخصوصية والأمان؟

7 دقائق
هل سيرقى هاتف ريد بيل إلى مستوى الوعود التي طرحها مصنعوه من حيث الخصوصية والأمان؟
إم إس تيك/ غيتي إيميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كان عرض إريك برينس للمستثمرين بسيطاً -ولكنه طموحٌ بالتأكيد: ادفع 5 ملايين يورو فقط وعالج أكبر مشكلات الخصوصية والأمن السيبراني في عصرنا.

قام الملياردير الأميركي -المعروف بتأسيسه شركة بلاك ووتر العسكرية الخاصة سيئة السمعة، التي اشتهرت عالمياً بقتل المدنيين العراقيين وتهديد محققي الحكومة الأميركية -بالترويج لشركة “آن بلوغد” وهي شركة ناشئة للهواتف الذكية تعد “بحرية التعبير والخصوصية والأمن” وغير مقيدة بعمالقة التكنولوجيا المهيمنة مثل آبل وجوجل.

هاتف لا يمكن اختراقه!

في يونيو، كشف برينس للعلن عن الهاتف الجديد الذي يبلغ سعره 850 دولاراً. ولكن قبل ذلك، بداية من عام 2021، كان يبيع الجهاز بشكل سري للمستثمرين، باستخدام عرض تقديمي لم يتم الإفصاح عنه سابقاً والذي تم الحصول عليه من قبل (إم آي تي تكنولوجي ريفيو). يدّعي العرض التقديمي بجرأة أن الهاتف ونظام تشغيله “لا يمكن اختراقهما” للمراقبة والاعتراض (التنصت) والعبث، ويتم تسويق خدمة المراسلة فيه على أنها “من المستحيل اعتراضها أو فك تشفيرها”.

ومتفاخراً على نحو باطل بأن شركة “آن بلوغد” قد أنشأت “أول نظام تشغيل خالٍ من تحليلات وتسييل التكنولوجيا الكبيرة”، وتباهى برينس بأن الجهاز محمي بـ “تشفير من الدرجة الحكومية”. أضاف العرض التقديمي أن الأفضل من ذلك كله، سيتم استضافة “آن بلوغد” على مجموعة عالمية من مجموعات الخوادم بحيث “لا يمكن قطع الاتصال بها”. يُقال إن أحد الخيارات المطروحة هو مزرعة خوادم “على متن سفينة” متمركزة في “موقع لم يتم الكشف عنه في المياه الدولية، ومتصلة عبر القمر الصناعي بـشبكة ستارلينك التابعة لإيلون ماسك”. أوضح متحدث باسم الشركة أنهم “يستفيدون من وجود خوادم لا تخضع لأي قانون حكومي”.

اقرأ أيضاً: لماذا يصعب قراءة سياسات الخصوصية؟ وكيف يمكن جعلها سهلة الفهم؟

إن عرض الشركة التقديمي الموجه للمستثمر ما هو إلا عبارة عن مزيج فوضوي من هذه الادعاءات المستحيلة والعبارات الطنانة التي لا معنى لها وضرب من الخيال المطلق.

المنتج هو أحدث مثال للهواتف الذكية التي تركز على الخصوصية والأمن في تقليدٍ دام عقداً من الزمن والذي يبشر بعمل أكثر بكثير مما يمكن أن تفعله أجهزة أندرويد أو آيفون لحمايتك وحماية بياناتك. منذ اكتشاف إدوارد سنودن عام 2013 عن التجسس الأميركي، ظهر هاتف جديد في هذا السوق مرة واحدة على الأقل كل عام. كانت هذه النزعة بارزة بالفعل بحلول عام 2014 لدرجة أن مجلة “إم آي تي تكنولوجي ريفيو” أطلقت على “الهواتف فائقة الخصوصية” أحد الإنجازات التكنولوجية لهذا العام. حسناً، لقد فشلت كل المحاولات تقريباً لاعتماد هذا النوع من الهواتف.

على الرغم من عدم تمكن أي من الخبراء الذين تحدثت معهم من اختبار الهاتف أو قراءة الكود الخاص به، نظراً لأن الشركة لم توفر إمكانية الوصول، فإن الأدلة المتاحة تشير إلى أن شركة “آن بلوغد” ستفشل إلى حد كبير في تحقيق ما وعدت به.

جيد جداً لدرجة يصعب تصديقها

يقول ديفيد ريتشاردسون، نائب رئيس شركة “لوك آوت” لأمن الأجهزة المحمولة: “لا يوجد جهاز غير قابل للاختراق، وقد تم إثبات ذلك بمرور الوقت”.

إن نقاط بيع جهاز “آن بلوغد”، والمعروفة باسم “أب فون” ( UP Phone)، قائمة على وعود هائلة بالأمان والخصوصية تتجاوز ما يمكن لأي هاتف إنجازه. تشير العبارات الرنانة مثل “التشفير على المستوى الحكومي” إلى نوع من الحماية المشددة، ولكن- كما لم تذكر الشركة أبداً- تستخدم الحكومات نفس التشفير العادي الذي نستخدمه. وعندما سألت مجلة إم آي تي تكنولوجي ريفيو الشركة عن هذه الجملة، أقرت بأن “هذه الرسائل لا تلقى صدى جيداً في مجتمعنا” وقالوا إنهم لن يستخدموها في المرحلة المقبلة.

يقول ألان ليسكا، محلل الاستخبارات الإلكترونية في شركة الأمن السيبراني ريكوردد فيوتشر: “هناك شيئان يحدثان هنا، هناك محاولات فعلية لصنع هواتف آمنة حقيقية، ثم هناك هراء التسويق. يمكن أن يكون التمييز بين هذين الأمرين صعباً حقاً “.

اقرأ أيضاً: كيف جعلت شركة أبل من الخصوصية ميزة تنافسية بارزة مع الشركات الأخرى؟

أخبر برينس المستثمرين أن هاتف “آن بلوغد” (أب فون) تم تصنيعه من قبل “مهندسين لديهم خبرة بالغة في قدرات الاعتراض القانونية والمراقبة والتزوير”.

أثناء إجراء تحسينات متنوعة على الخصوصية والأمان من مشروعات مفتوحة المصدر، قال رئيس “آن بلوغد” ريان بيترسون لـ مجلة إم آي تي تكنولوجي ريفيو عبر البريد الإلكتروني، أن نظام التشغيل الخاص بالشركة طور “التحسينات” الخاصة به بما في ذلك “الثغرة الأمنية (اليوم صفر) وغيرها على أساس المعرفة غير المتاحة للجمهور”. ثغرة اليوم صفر هي نقطة ضعف أمنية غير معروفة يمكن مهاجمتها من خلال فعل معين يمكن بيعه بملايين الدولارات.

تدير شركة “آن بلوغد” عمليات التكنولوجيا اليومية من قبل عيران كاربن، الموظف السابق في شركة “كوميوني تيك” (CommuniTake)، وهي شركة ناشئة أسفرت عن نشوء شركة “إن إس أو غروب” (NSO Group) المعروفة الآن باسم المخترقون مقابل أجر. هناك، قام كاربين بإنشاء هاتف “إنتاكت فون” (IntactPhone)، والذي أطلقت عليه الشركة اسم “جهاز محمول من الدرجة العسكرية”. وهو أيضاً من قدامى المحاربين في الوحدة 8200، وهي وكالة تقوم بالتجسس الإلكتروني تعادل وكالة الأمن القومي في البلد.

لكن أي شخص لديه هذه الخبرة يجب أن يكون قادراً على رؤية ادعاء برينس بأنه من المستحيل مراقبة هاتف “آن بلوغد”. يقول ليسكا: “عندما عملت في المخابرات الأميركية، [اخترقنا] عدداً من شركات الهاتف خارج البلاد. كنا داخل شركات الهاتف تلك. يمكننا بسهولة تعقب الأشخاص بناءً على مكان اتصالهم بالأبراج. لذلك عندما تتحدث عن كونك غير قابل للاختراق، فهذا خطأ”.

ويضيف: “هذا هاتف، والطريقة التي تعمل بها الهواتف هي أنها تتعقب الأبراج الخلوية، وهناك دائماً خط عرض وخط طول لمكان جلوسك بالضبط. لا شيء تفعله بالهاتف سيغير ذلك”.

اقرأ أيضاً: كيف بنت الصين نظام تجسس سيبراني فريداً من نوعه؟

لا يوجد هاتف لا يمكن اختراقه

وفقاً لمتحدث باسم الشركة، فإن نظام تشغيل “آب فون”، الذي يسمى “ليبيرت أو إس”، هو نسخة مملوكة لنظام أندرويد من جوجل. إنه يعمل على مزيج غامض من عتاد الأجهزة التي قال متحدث باسم الشركة إنهم صمموها بأنفسهم. يحذر الخبراء من أن مجرد الحفاظ على “نظام أندرويد البديل” (الشوكة) -نسخة من نظام التشغيل تختلف عن النسخة الأصلية، بمثابة مفترق طرق- هي محاولة صعبة يمكن أن تكلف أموالاً وموارد ضخمة. بالنسبة إلى شركة ناشئة صغيرة، يمكن أن يكون هذا تحدياً لا يمكن التغلب عليه.

يقول ريتشاردسون: “هناك قدر كبير من الثغرات الأمنية التي يكشف عنها نظام أندرويد ويصلحها بشكل مستمر، الأمر الذي يجعلك تحتاج حقاً إلى البقاء على اطلاع والاستفادة من هذه الثغرات”. إن الحفاظ على توافق جميع البرامج والأجهزة مع كل إصدار جديد من نظام أندرويد هو أمر يمكن لعدد قليل جداً من الشركات باستثناء عمالقة شركات التكنولوجيا القيام به بشكل فعال. للتعامل مع هذا الأمر، لا تعتمد بعض الهواتف المتخصصة ببساطة إصدارات أندرويد الجديدة- وهي طريقة أرخص ولكنها أكثر خطورة.

العمر الافتراضي للأجهزة

العمر الافتراضي للأجهزة هو قضية رئيسية أخرى. تعتبر أجهزة آيفون من آبل أكثر الأجهزة الاستهلاكية أماناً في السوق ويرجع ذلك جزئياً إلى حقيقة أن الشركة تقدم تحديثات أمنية لبعض هواتفها القديمة لمدة ست سنوات، وهي مدة تكاد تكون أطول مما يقدمه جميع المنافسين تقريباً. عندما ينتهي دعم الهاتف، لا يتم معالجة الثغرات الأمنية، ولا يعد الهاتف آمناً. لا توجد معلومات متاحة حول المدة التي ستتلقى فيها هواتف “آب” دعماً أمنياً.

تعتبر بعض هواتف الخصوصية الأخرى خطيرة إذا كانت منتجات غير كاملة. على سبيل المثال، تم إصدار هاتف “ليبريم5” من شركة بيوريزم (Purism)، وهي شركة أميركية “ذات أغراض اجتماعية” متخصصة في المنتجات الموجهة نحو الخصوصية. الهاتف شفاف تماماً وينشر كود المصدر وتفاصيل العتاد ليراها أي شخص على عكس “آن بلوغد”، التي أصدرت تفاصيل قليلة ثمينة إلى جانب وعودها الكبيرة. يعتمد هاتف “ليبريم” على نظام التشغيل “لينوكس”، وهو نظام تشغيل مجاني ومفتوح المصدر يكذّب ادعاء برينس الزائف بأنه أول من أنشأ نظام تشغيل خارج شركات التكنولوجيا الكبيرة. قامت العديد من الهواتف المتاحة تجارياً بهذا بالفعل.

كانت آراء النقاد حول الهاتف دقيقة: أشاد المراجعون بطموح الهاتف وتفاصيله، بالإضافة إلى التسويق المباشر والصريح نسبياً، وهو أمر محترم في حد ذاته. (ولكن، مثل العديد من الأجهزة التي تعتمد نظام التشغيل لينوكس، ستجذب في الغالب خبراء التكنولوجيا والأشخاص الذين يرغبون بتعلم الكثير).

يعد نظام “غرافين او اس” (GrapheneOS) مشروعاً رصيناً وموثوقاً آخر يهدف إلى توفير نظام تشغيل آمن ومفتوح المصدر وقابل للتدقيق لهواتف أندرويد.

بينما تتواجد شركة “آن بلوغد” على الطرف النقيض تماماً. يذكرنا ادعاء الشركة بأن الهاتف “غير قابل للاختراق” بالهاتف “المضاد للاختراق” الذي حاول جون ماكافي، المعروف بتهمة الاحتيال في تشغيل ملايين الدولارات المشفرة قبل وفاته، بيعه في عام 2017.

الريد بيل

أصبح هاتف “آن بلوغد” منذ أن تم الكشف عنه علناً في يونيو 2022، محل شك وازدراء بين خبراء الأمن السيبراني.

يقول الباحث في الأمن السيبراني في المعهد الدولي لعلوم الكمبيوتر، نيكولاس ويفر: “إن الكلمات والعبارات مثل “درجة حكومية” و”غير قابلة للاختراق” يتم الاستهزاء بها بحق عبر الإنترنت من قبل أوساط أمان الكمبيوتر لأننا نعلم أنها تُستخدم لخداع الناس”.

يعتقد ويفر أن هاتف “آن بلوغد” لا يتعلق بالتكنولوجيا بقدر ما يتعلق بفرصة البيع المتصورة. ويؤكد: “هذا هو الاحتيال اليميني المتطرف”.

اقرأ أيضاً: تنصُّت فان إيك: تجسس على بياناتك دون أي وصول فيزيائي أو لاسلكي إلى حاسوبك

في الواقع، كان يُطلق على الهاتف في الأصل اسم “هاتف ريد بيل”، وهو اسم يستند إلى ميم “فكرة أو مقولة” يعشقها اليمين المتطرف الأميركي. برينس هو مؤيد صريح للرئيس السابق دونالد ترامب، وقد ظهر الهاتف لأول مرة في المدونة الصوتية “غرفة الحرب”، وهو برنامج بودكاست يقدمه ستيف بانون المحلل الاستراتيجي السابق لترامب. وقد حصل بانون وأنصاره على كود خصم جراء هذا العرض.

إذن، من المستغرب في البداية رؤية برينس يروج للمستثمرين فكرة أن الهاتف سوف يروق لـ “أنصار الحزب اليميني وأنصار الحزب اليساري على حد سواء”. لكن هذا يقدم دليلاً على سبب قيام شركة “آن بلوغد” بإسقاط اسم “ريد بيل”.

ومع ذلك، قد يجد برينس جمهوراً متجاوباً من أتباع بانون، الأمر الذي قد يكون مهماً بشكل كبير لنجاح الهاتف. ومن المحتمل أن ينهار ​​مستقبلها اعتماداً على مدى ثقة العملاء في برينس وادعاءاته.

يقول كايل رانكين، رئيس شركة بيوريزم: “أعتقد بالنسبة للشخص العادي، أن الأمر يتعلق بالثقة، هل يستوجب منك أن تثق بالبائع الذي يبيع لك هاتفاً حتى يكون ذلك الهاتف آمناً؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل يستحقون هذه الثقة؟ الأمر كله يعود إلى الثقة”.

لطالما كانت مسألة الثقة معقدة بالنسبة للعديد من هواتف الأمان والخصوصية.

غالباً ما تكون أسباب الفشل أبسط. يُقال إن جهاز “بلاك فون” (Blackphone)، وهو أول جهاز أمني ظهر على الفور تقريباً بعد تسريب معلومات سرية من وكالة الأمن القومي من قبل شخص يدعى “سنودن”، قد غرق بسرعة في ديون بملايين الدولارات بسبب انخفاض المبيعات. وكان هذا الجهاز أقل تكلفة من هاتف “آن بلوغد” بأكثر من 200 دولار.

اقرأ أيضاً: ما هو هاتف البلوك تشين وهل أنا بحاجة إليه؟

باختصار، السوق مليء بالفشل. إن التطلعات لصنع هاتف ذكي أكثر أماناً نبيلة. الادعاءات بأن هاتفك لا يمكن اختراقه مضلّلة في أحسن الأحوال وخطيرة في أسوأ الأحوال.

من المقرر طرح هاتف “آن بلوغد” في نوفمبر 2022.