ما هي البصمة الكربونية الحقيقية للذكاء الاصطناعي؟

4 دقائق
ما هي البصمة الكربونية الحقيقية للذكاء الاصطناعي؟
مصدر الصورة: ستيفاني آرنيت/ ميتر/ إنفاتو
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هناك سرٌّ خفيٌّ للنماذج اللغوية الكبيرة (LLMs)، فهي تتطلب كميات هائلة من الطاقة لتدريبها وتشغيلها. إضافةً إلى ذلك، لا يزال هناك نوع من الغموض حول مدى ضخامة البصمة الكربونية لهذه النماذج. تقول شركة هاغينغ فيس (Hugging Face) الناشئة للذكاء الاصطناعي أنها توصلت إلى طريقة جديدة أفضل لحساب ذلك التأثير بشكلٍ أكثر دقة، من خلال تقدير الانبعاثات الناتجة خلال دورة حياة النموذج بأكملها وليس فقط أثناء التدريب. 

قد تكون هذه الطريقة خطوة مهمة نحو بيانات أكثر واقعية من شركات التكنولوجيا حول البصمة الكربونية لمنتجات الذكاء الاصطناعي، في وقتٍ يدعو فيه الخبراء هذا القطاع إلى القيام بعمل أفضل لتقييم الأثر البيئي للذكاء الاصطناعي. نشرت شركة هاغينغ فيس (Hugging Face) أعمالها في صحيفة غير محكّمة.

اقرأ أيضاً: كيف يمكننا قياس البصمة الكربونية لنماذج الذكاء الاصطناعي وتقليلها؟

الانبعاثات الكربونية لنموذج بلوم اللغوي

وقد قامت الشركة بتقدير إجمالي الانبعاثات لنموذجها اللغوي الكبير، المعروف باسم بلوم (BLOOM)، الذي تم إطلاقه في وقتٍ سابق من هذا العام، لاختبار هذه الطريقة الجديدة. تضمنت العملية إضافة الكثير من الأرقام المختلفة، مثل كمية الطاقة المستخدمة لتدريب النموذج على كمبيوتر عملاق، والطاقة اللازمة لتصنيع عتاد الكمبيوتر العملاق والحفاظ على بنيته التحتية الحاسوبية، بالإضافة إلى الطاقة المستخدمة لتشغيل نموذج بلوم (BLOOM) بمجرد تطبيقه. قام الباحثون بحساب الطاقة المستخدمة للتشغيل باستخدام أداة برمجية تسمى كود كربون (CodeCarbon)، التي تتبعت الانبعاثات الكربونية لنموذج بلوم (BLOOM) في الوقت الفعلي على مدار 18 يوماً. 

وحسب تقديرات شركة هاغينغ فيس (Hugging Face)، فقد نتج عن تدريب نموذج بلوم (BLOOM) 25 طناً مترياً من الانبعاثات الكربونية. لكن الباحثين وجدوا أن هذا الرقم تضاعف عندما أخذوا في الحسبان الانبعاثات الناتجة عن تصنيع معدّات الكمبيوتر المستخدمة للتدريب، والبنية التحتية الحاسوبية، والطاقة المطلوبة لتشغيل النموذج فعليّاً بمجرد تدريبه. 

بلغت الانبعاثات الكربونية نحو 50 طناً مترياً، وهو ما يعادل نحو 60 رحلة جوية بين لندن ونيويورك، قد تبدو هذه النسبة كبيرة بالنسبة لنموذج واحد، إلّا أنها أقل بكثير من الانبعاثات المرتبطة بالنماذج اللغوية الكبيرة الأخرى من نفس الحجم. ويرجع ذلك لأن نموذج بلوم (BLOOM) قد تم تدريبه على كمبيوتر فرنسي عملاق يتم تشغيله في الغالب بالطاقة النووية ولا تنتج عنه انبعاثات كربونية. من المرجح أن تكون النماذج التي تم تدريبها في الصين أو أستراليا أو بعض أجزاء من الولايات المتحدة، التي لديها شبكات طاقة تعتمد بشكل أكبر على الوقود الأحفوري، أكثر تلويثاً.

بعد إطلاق مشروع نموذج بلوم (BLOOM)، أشارت تقديرات شركة هاغينغ فيس (Hugging Face) إلى أن استخدام النموذج يؤدي إلى انبعاث نحو 19 كيلوغراماً من ثاني أوكسيد الكربون يومياً، وهو ما يعادل الانبعاثات الناتجة عن قيادة سيارة عادية جديدة لمسافة 54 ميلاً. 

انبعاثات هائلة لنموذج جي بي تي-3 

وعلى سبيل المقارنة، تشير التقديرات إلى أن نموذج جي بي تي-3 (GPT-3) من أوبن أيه آي (OpenAI) للذكاء الاصطناعي ونموذج أو بي تي (OPT) من ميتا (Meta) يطلقان أكثر من 500 و75 طناً مترياً من ثاني أوكسيد الكربون، على التوالي، أثناء عملية التدريب. يمكن تفسير الانبعاثات الهائلة لنموذج جي بي تي-3 (GPT-3) جزئياً بسبب تدريبه على أجهزةٍ أقدم وأقل كفاءة. لكن من الصعب تحديد الأرقام تماماً، حيث إنه لا توجد طريقة موحدة لقياس انبعاثات الكربون، وتستند هذه الأرقام إلى تقديرات خارجية، أو في حالة شركة ميتا (Meta)، إلى بيانات محدودة أصدرتها الشركة. 

تقول الباحثة في شركة هاغينغ فيس (Hugging Face) والمؤلّفة الرئيسية للبحث، ساشا لوتشيوني: “كان هدفنا هو الذهاب إلى ما هو أبعد من الانبعاثات الكربونية للطاقة المستهلَكة أثناء التدريب، وحساب الجزء الأكبر من دورة الحياة من أجل مساعدة مجتمع الذكاء الاصطناعي في فهم تأثيره على البيئة وكيفية الحد من ذلك التأثير”.

كما تقول الأستاذة المساعدة في كلية علوم الكمبيوتر في جامعة كارنيجي ميلون، إيما ستروبيل، التي كتبت بحثاً مهماً حول تأثير الذكاء الاصطناعي على المناخ في عام 2019، ولم تشارك في هذا البحث الجديد: يضع بحث شركة هاغينغ فيس (Hugging Face) معياراً جديداً للشركات التي تقوم بتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي.  

وتضيف: “يمثّل البحث أكثر التحليلات شموليةً وأمانةً ومعرفةً حول البصمة الكربونية لنموذج كبير من نماذج التعلم الآلي، حيث يتناول قدراً أكبر من التفاصيل مقارنةً بأي تقريرٍ أو بحثٍ آخر”.

وتقول الأستاذة المساعدة لعلوم الكمبيوتر والسياسة العامة في كلية هيرتي في برلين، لين كاك، التي لم تشارك أيضاً في بحث شركة هاغينغ فيس (Hugging Face): يوضح البحث أيضاً مدى ضخامة البصمة الكربونية للنماذج اللغوية الكبيرة. وتقول إنها فوجئت بمعرفة حجم الأرقام المتعلقة بانبعاثات دورة الحياة، ولكن يجب القيام بالمزيد من العمل لفهم التأثير البيئي للنماذج اللغوية الكبيرة في العالم الحقيقي. 

تضيف كاك، التي شاركت في كتابة ورقة بحثية نُشرت في مجلة نيتشر الصيف الماضي، تقترح فيها طريقة لقياس الانبعاثات الضارّة التي تسببها أنظمة الذكاء الاصطناعي: “نحن بحاجة إلى القيام بعمل أفضل لفهم التأثيرات النهائية الأكثر تعقيداً بسبب استخدامات الذكاء الاصطناعي وإساءة استخدامه، وهذا أمر يصعب تقديره إلى حدٍّ كبير، ولهذا السبب غالباً ما يتم تجاهل هذا الجانب”.  

على سبيل المثال، غالباً ما تُستخدم خوارزميات الاقتراحات والإعلانات في الدعاية، التي بدورها تدفع الناس إلى شراء المزيد من الأشياء، ما يتسبب في المزيد من الانبعاثات الكربونية. تقول كاك: إنه من المهم أيضاً فهم كيفية استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي. تستخدم الكثير من الشركات، مثل جوجل وميتا، نماذج الذكاء الاصطناعي للقيام بأشياء مثل تصنيف تعليقات المستخدمين أو اقتراحات المحتوى. تستخدم هذه الإجراءات القليل من الطاقة ولكن يمكن أن تحدث مليار مرة في اليوم الواحد، وهذا من شأنه أن يزيد كمية الانبعاثات. 

محاولات للحدّ من البصمة الكربونية للذكاء الاصطناعي

تشير التقديرات إلى أن قطاع التكنولوجيا مسؤول عن 1.8% إلى 3.9% من انبعاثات الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري. على الرغم من أن جزءاً بسيطاً فقط من هذه الانبعاثات ناتج عن الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، فإن البصمة الكربونية للذكاء الاصطناعي لا تزال مرتفعة جداً بالنسبة لمجال واحد ضمن قطاع التكنولوجيا.

تقول لوتشيوني: من خلال فهم أفضل لمقدار الطاقة التي تستهلكها أنظمة الذكاء الاصطناعي، يمكن للشركات والمطوّرين اتخاذ خيارات بشأن الموازنات التي يرغبون في القيام بها بين التلوث والتكاليف.

يقول مدير التطبيقات في شركة غراف كور (Graphcore) لأشباه الموصّلات، سيلفان فيجيه، الذي شارك في تأليف بحث شركة هاغينغ فيس (Hugging Face): يأمل مؤلفو الورقة البحثية أن يتمكن الباحثون والشركات من التفكير في كيفية تطوير نماذج لغوية كبيرة بطريقة تحد من البصمة الكربونية. 

تقول لوتشيوني: قد يشجع هذا البحث الناس أيضاً على التحول نحو طرق أكثر كفاءة لإجراء أبحاث الذكاء الاصطناعي، مثل ضبط وتحسين النماذج الحالية بدلاً من الدفع نحو نماذج أكبر. 

ويقول الأستاذ المساعد في كلية علوم الكمبيوتر بجامعة ماكجيل وفي معهد ميلا كيبيك للذكاء الاصطناعي، وأحد المؤلفين المشاركين في البحث مع كاك، ديفيد رولنيك، الذي لم يشارك في أبحاث شركة هاغينغ فيس (Hugging Face): «تُعد النتائج التي توصل إليها البحث بمثابة “تنبيه للأشخاص الذين يستخدمون هذا النوع من النماذج، وهم غالباً شركات التكنولوجيا الكبيرة”».  

ويضيف: “تأثيرات الذكاء الاصطناعي ليست حتمية، فهي نتيجة للاختيارات التي نتخذها حول كيفية استخدامنا لهذه الخوارزميات بالإضافة إلى الخوارزميات التي يجب استخدامها”.