كيف سيغير الذكاء الاصطناعي طريقة استخدامنا للحواسيب وفقاً لبيل غيتس؟

5 دقائق
كيف سيغير الذكاء الاصطناعي طريقة استخدامنا للحواسيب وفقاً لبيل غيتس؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/Frederic Legrand - COMEO

منذ أن بدأ بيل غيتس وزميله في تأسيس شركة مايكروسوفت، بدأ بتغيير كيفية استخدامنا للحواسيب، ومنذ ذلك الحين لم يضعف شغفه في البرمجة، حتى جاء الذكاء الاصطناعي الذي يرى أن تطوره سيعيد تشكيل طريقة استخدامنا للحواسيب والهواتف الذكية في المستقبل القريب جداً، وفي هذا المقال سنلقي نظرة حول رؤيته تلك كما ذكر في مدونته الخاصة

البرمجيات المدعومة بالذكاء الاصطناعي 

على الرغم من التطور الكبير في البرمجيات، فإنها لم تكن قادرة، حتى وقت قريب، من إنجاز أي مهمة بذكاء، دون أن نملي عليها ما يجب فعله. كما أنها غير قادرة على فهم أعمالنا وحياتنا الشخصية واهتماماتنا وعلاقاتنا، وإنجاز المهام عوضاً عنا. 

في المقابل، ومنذ خمس سنوات تقريباً، لم نعد مضطرين إلى استخدام تطبيقات مختلفة لإنجاز مهام مختلفة. علاوة على ذلك، أصبح بإمكاننا إخبار أجهزتنا بلغاتنا العامية ما يجب عليها فعله. ويمكنها الاستجابة بما يناسب احتياجاتنا بالاعتماد على معلوماتنا الشخصية التي نشاركها معها.

أما عن المستقبل القريب، فسيصبح بإمكان أي شخص متصل بالإنترنت الحصول على مساعد شخصي مدعوم بالذكاء الاصطناعي، ومتطور عن أي تكنولوجيا متقدمة موجودة اليوم، وذلك لقدرته على معالجة اللغة الطبيعية، وهو ما أطلق عليه غيتس اسم "الوكيل" (agent)، وهو أقوى من الروبوتات وبوتات الدردشة. وبذلك تتغير كيفية تفاعل الجميع مع الحواسيب، ما سيشكل ثورة جديدة في مجال الحوسبة. 

اقرأ أيضاً: بيل غيتس يطمئنك: لا تقلق من الذكاء الاصطناعي

"الوكلاء" ستشكل ثورة جديدة في مجال الحوسبة

الوكلاء ليست حديثة العهد، ولم نتبناها بصفتنا مستخدمين سوى مؤخراً، فقد أدركنا منذ وقت قريب جداً أنها تجعل حياتنا أفضل بكثير، فهي تُجري محادثات دقيقة وتخصصية، وتساعدنا في جميع الأنشطة، وتدرك نوعية الأشخاص الذين نتواصل معهم، والأماكن التي نزورها، والأنشطة التي نشارك فيها، والخيارات التي نفضّلها، بالإضافة إلى أنها تتحسن بمرور الوقت لأنها تتذكر أنشطتنا وتتعرف على النوايا والأنماط في سلوكنا، وبناءً على ذلك تقدم لنا الاقتراحات قبل أن نطلبها منها، ما يساعدنا على اتخاذ القرار النهائي.

أهم المجالات التي سيضع الذكاء الاصطناعي بصمته فيها

سيظهر الأثر الأكبر للذكاء الاصطناعي عند تعميم استخدام الخدمات التي تُعد باهظة الثمن بالنسبة لمعظم الناس، خاصة في مجالات: الرعاية الصحية، والتعليم، والإنتاجية، والترفيه والتسوق.

الرعاية الصحية

يؤدي الذكاء الاصطناعي دوراً مهماً في مجال الرعاية الصحية، خاصة في المساعدة في المهام الإدارية، إذ تلتقط بعض البرامج الصوت خلال الموعد وتدوّن الملاحظات ليراجعها الطبيب.

لكن التطور القادم الذي سيؤدي إلى تحول حقيقي هو التطور الذي يمكّن الوكلاء من مساعدة المرضى في التعامل مع المشكلات الصحية، وتحديد إذا ما كانوا بحاجة إلى طلب العلاج. أما مقدمو الرعاية الصحية، فسيقف الوكلاء إلى جانبهم في أثناء اتخاذ القرارات ومساعدتهم ليصبحوا أكثر إنتاجية. 

تبرز أهمية الوكلاء في القطاع الصحي عند تبنّيها في البلدان الفقيرة، التي تعاني قلّة الرعاية الطبية. وتبقى العقبة في اكتساب ثقة المرضى، لأننا أمام مسألة حياة أو موت، وتبقى أفضل من عدم الحصول على الرعاية اللازمة. 

ولرعاية الصحة العقلية نصيب من اهتمام مطوري الوكلاء، وهم يلبّون حاجة العديد من الأشخاص الذين يمكن أن يستفيدوا من العلاج ولا يستطيعون الوصول إليه، ويجعلون العلاج في متناول الجميع ويسهل الحصول عليه. 

عند مشاركة المعلومات الشخصية مع وكيل الصحة العقلية، ستصبح لديه معلومات كافية عن حياتنا وعلاقاتنا، وسيكون رفيقاً لا ينفد صبره عندما نحتاج إليه، وسيراقب تحركاتنا وحالتنا الجسدية، ويقترح زيارتنا للمختص عندما يرى أننا في حاجة لها. 

اقرأ أيضاً: تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الطب وتشخيص الأمراض

التعليم

منذ بداية تطويرها، تسهّل البرمجيات عمل المعلمين وتكمّله، وتحررهم من الورقيات، وتمنحهم وقتاً أكبر يقضونه في إنجاز المهمة الأساسية، وتنهض بمستوى تعلّم الطلاب.

جاءت الآن بوتات الذكاء الاصطناعي القائمة على النصوص، لتدرّس الطلاب جميع أنواع العلوم، ولتساعد المعلمين في إعداد خطط الدروس وغيرها. أما تطوير الوكلاء المعلمين، فسيزيح أعباء دفع تكاليف المعلم الخاص عن كاهل الآباء، وسيستخدم شخصيات الطفل المحببة وألعابه في تبسيط عملية التعلم، وجعلها أكثر ثراءً من حيث الرسومات والصوت، على سبيل المثال، وأكثر تخصيصاً من بوتات التعليم المعتمدة على النصوص.

اقرأ أيضاً: كيف سيغيّر الذكاء الاصطناعي مستقبل التعليم؟

الإنتاجية

تتنافس شركات التكنولوجيا في تطوير البرمجيات التي تعزز الانتاجية، ومن أبرز ما قُدِّم حتى اليوم برنامج كوبايلوت نت مايكروسوفت، وبارد من جوجل. تقدم برمجيات الذكاء الاصطناعي هذه خدمات مختلفة، مثل المساعدة في إنشاء المستندات وجدولة البيانات وكتابة رسائل البريد الإلكتروني.

هذا ليس كافياً، إذ تعِد الوكلاء القادمة بتقديم المزيد، ورفع مستوى الإنتاجية بتقديم المساعدة المخصصة لكل فرد منا في المهام اليومية والعملية، والقيام بها بشكل مستقل إذا أردنا. 

على سبيل المثال، إذا كانت لدينا فكرة لمشروع تجاري، فسيقدم الوكيل يد المساعدة في كتابة خطة عمل، وإنشاء عرض تقديمي لها، وصور لما قد يبدو عليه المنتج، وكل ذلك بما يتناسب مع تفضيلاتنا الشخصية. وقِس على ذلك جميع المهام الحياتية الأخرى، حيث سيقف مساعدنا الشخصي "الوكيل" إلى جانبنا دائماً.

اقرأ أيضاً: على طريقة مايكروسوفت: كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي طريقة العمل ويرفع الإنتاجية؟

الترفيه والتسوق

يوصي الذكاء الاصطناعي في اختيار وسائل الترفيه المناسبة، مثل اختيار الأفلام والكتب والبودكاست وغيرها، بناءً على ما يعجبنا. أما الوكلاء فلا تقدم التوصيات فقط، بل تساعدنا على التصرف بناءً عليها.

باختصار، ستكون الوكلاء قادرة على المساعدة في أي نشاط وفي أي مجال من مجالات الحياة تقريباً، وستكون التداعيات على قطاع البرمجيات وعلى المجتمع عميقة.

اقرأ أيضاً: 10 تطبيقات للذكاء الاصطناعي في مجال التسويق الرقمي

الوكلاء يغيّرون وجه صناعة التكنولوجيا

تُبنى التطبيقات والخدمات اليوم على منصات، مثل أندرويد وآي أو إس وويندوز، ومع تطور الوكلاء ستشكل هي المنصات المستقبلية، أي لإنشاء تطبيق أو خدمة جديدة، ما علينا سوى إخبار وكيلنا بما نريد، ولن نكون في حاجة إلى معرفة في كتابة التعليمات البرمجية أو التصاميم الرسومية أو حتى نشر التطبيق عبر الإنترنت. 

ستحل الوكلاء محل مواقع البحث لأنها ستكون أفضل في العثور على المعلومات وتلخيصها، ومحل العديد من مواقع التجارة الإلكترونية لأنها ستجد أفضل الأسعار، ومحل معالجات النصوص وجداول البيانات وتطبيقات الإنتاجية الأخرى. وكل ذلك في مكان واحد فقط. 

يُضمّن بعض شركات البرمجيات اليوم الوكلاء في برامج أخرى مثل معالجات النصوص وجداول البيانات، لكن بسبب تطورها المستمر ستصبح في النهاية قادرة على العمل من تلقاء نفسها.

من غير المحتمل أن تهيمن شركة واحدة على تطوير الوكلاء ونشرها، بل سيكون هناك العديد من محركات الذكاء الاصطناعي المختلفة المتاحة، وسيُتاح قسم كبير من الوكلاء مجاناً، ومعظمها سيكون مدفوعاً، لكنها لن تكون باهظة التكلفة بسبب منافسة الشركات البرمجية الكبيرة. 

اقرأ أيضاً: بيل غيتس: الذكاء الاصطناعي سيغزو القطاعات كافة ويتولى مهام الموظفين

تحديات تقنية واستفسارات عديدة تحوم حول الوكلاء 

لتصبح الوكلاء حقيقة واقعة، يجب أن تتخطى عدة عقبات، وأن نوجد إجابات للعديد من الاستفسارات: 

قاعدة البيانات

حتى اليوم، لم يتوصل أحد إلى البنية التي يجب أن تكون عليها قاعدة البيانات الخاصة بالوكيل، والتي يجب أن يكون بإمكانها تمييز جميع الفروق الدقيقة في اهتماماتنا وعلاقاتنا وتذكّر المعلومات بسرعة بشرط الحفاظ على الخصوصية. 

عدد الوكلاء 

الاستفسار الآخر هو عدد الوكلاء الذين سنتفاعل معهم، فهل سيكون لكل منا وكيل شخصي منفصل عن الوكلاء المخصصين؟ ومتى نريد للوكلاء المتعددين العمل معاً ومتى يجب أن يبقى كل منهم في مساره؟

كيفية التفاعل

السؤال التالي هو كيف سنتفاعل مع الوكلاء؟ هل ستكون تطبيقات على هواتفنا الذكية تظهر مباشرة عندما تريد التواصل معنا؟ أو بشكل ملحقات مثل النظارات والدبابيس والصور المجسمة؟ أو غالباً ستكون سماعات الأذن، التي سيتمكن الوكيل من التواصل معنا مباشرة عبرها، ويساعدنا على حجب الضوضاء في الخلفية، وتضخيم الكلام الذي يصعب سماعه، أو تسهيل فهم شخص يتحدث بلكنة ثقيلة.

يجب أن تنخفض التكلفة لتصبح في متناول الجميع، ويجب العمل أيضاً على منع الهلوسة، وخاصة في المجالات الدقيقة مثل الصحة. 

الخصوصية 

بالتأكيد، ستصبح المخاوف الأمنية ومخاوف الخصوصية أكبر، ولمواجهتها، يجب أن نكون قادرين على تحديد المعلومات التي يستطيع الوكيل الوصول إليها.

تثار هنا العديد من إشارات الاستفهام، وتتولد أسئلة مهمة يجب الحصول على إجابات مناسبة عنها قبل نشر الوكلاء: مَن يملك البيانات التي نشاركها مع الوكيل، وكيف نتأكد من استخدامها استخداماً مناسباً؟ هل يمكن لسلطات إنفاذ القانون استخدام الوكيل دليلاً ضدنا؟ متى يرفض الوكيل فعل شيء قد يضر بنا أو بشخص آخر؟ من يحدد القيم الأخلاقية المضمنة في الوكلاء؟ ما مقدار المعلومات التي يُسمح للوكيل مشاركتها؟ يهتم بالإجابة عن هذه الأسئلة ومئات الأسئلة الأخرى صنّاع التكنولوجيا والحكومات والمشرّعين. 

من جهة أخرى، لن يتمكن أحد سوانا من الإجابة عن أسئلة أخرى، خاصة تلك المتعلقة بكيفية تفاعلنا مع الأصدقاء والعائلة، فهؤلاء المقرّبون منا لا يريدون إظهار اهتمامنا بهم أو علاقاتنا معهم عن طريق الوكلاء، بل يريدون اهتماماً شخصياً. 

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن يساعد مفهوم التسامح على التبنّي الناجح للذكاء الاصطناعي؟

والسؤال الأهم هو: هل وجود هؤلاء الوكلاء الذين يساعدوننا بفعل كل شيء، أو حتى ينجزون بعض المهام عنا، سيؤثر على أهمية حياتنا ووجودنا؟ وهل ستكون المجتمعات آمنة ومزدهرة عندما يصبح لدينا متسع من وقت الفراغ؟ 

لا يمكن لأحد اليوم تقديم إجابة كافية ووافية عن هذه الأسئلة، لكن ما نعرفه هو أن وكلاء الذكاء الاصطناعي سيغيرون تماماً الطريقة التي نعيش بها حياتنا، سواء عبر الإنترنت أو خارجها.