يبدو أن قيادة السيارات وهي مقلوبة رأساً على عقب أسهل مما كنا نظن

4 دقائق
مصدر الصورة: سبينسر ديفيز من أنسبلاش
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

طيلة عقود ممتدة، استهوت إمكانية أن تسير المركبات رأساً على عقب -على طول سقف أحد الأنفاق مثلاً- الكثيرَ من المهندسين وعشّاق قيادة السيارات. من الناحية النظرية والعملية يمكن تنفيذ هذه الفكرة في بعض الظروف، وهناك الآن أكوام من التحليلات والدراسات التي تدرس وتتفحص بدقة شتى أنواع القوى الفيزيائية المتعلقة بالموضوع، بل إن الكثير من المدراس والكليات غالباً ما تطلب من الطلاب والطالبات حساب هذه القوى كامتحان لمعارفهم.

وهذه المسألة قد تم استكشافها طوال سنوات وبشتى الطرق، مما قد يوحي لأول وهلة أنه ما من طريقة جديدة لحلها، ولكن ذلك ليس صحيحاً.

فقد اكتشف فرناندو دال أغنول وزملاؤه من جامعة سانتا كاتارينا الاتحادية في البرازيل طريقةً جديدة كلياً لحلّ هذه المسألة، مع أن تلك الطريقة انزلقت بشكل ما في مهاوي التجاهل والنسيان حتى إنجاز هذه الدراسة الحديثة. وفي هذا السياق، يقول مؤلفو الدراسة “بالرغم من أن الحلّ غير معقد رياضياً، إلا أن الروايات الأدبية -بل حتى الأفلام والألعاب- لم تتناوله”.

وتتمتع المقاربة التي اكتشفها هؤلاء الباحثون ببعض المزايا الهامة مقارنة بغيرها. ويشرح الباحث دال أغنول وزملاؤه ذلك بقولهم: “وجدنا حلاً لديناميكيات السيارة البهلوانية، بحيث يتيح هذا الحل للسيارة المضيّ رأساً على عقب في مسار دائري، ليس لجزء من الثانية فقط، بل لمدة زمنية غير محدودة”. ولإثبات جدوى هذا الحل، برهن الباحثون عليه باستخدام سيارة لعبة.

صورة توضح المسار المقلوب.

لنستذكر أولاً بعض أساسيات الموضوع. إحدى طرق جعل مركبة ما تسير رأساً على عقب تتمثل في استخدام القوى الحركية الهوائية (الإيروديناميكية)؛ حيث تمتلك سيارات الفورمولا ون -مثلاً- أجنحة أمامية وخلفية تولّد قوةً تضغطها بقوة تجاه الطريق، وإذا أجرينا بعض الحسابات السريعة سنجد أن هذه المركبات عالية الأداء تولّد ما يكفي من القوة السفلية الكفيلة بإبقائها متشبثة بسقف النفق عند سرعة منخفضة نوعاً ما لا تتجاوز 225 كيلومتراً في الساعة. (حريّ بالذكر أن هناك بعض الجدل بشأن قدرة المحركات على مواصلة العمل في ظل تلك الظروف).

وهناك أيضاً قوة أخرى تجعل السيارة متشبثة بالطريق، تُدعى قوة الجذب المركزي. وقد قاد بالفعل عددٌ كبير من المغامرين سياراتهم في مسارات اللف والدوران الحَلَقية، حيث تسير مركباتهم للحظات رأساً على عقب، تدفعها تلك القوى نحو المسار ممّا يمنع سقوطها.

ويحدث مثل هذا التأثير في مهرجانات “جدار الموت” أيضاً؛ إذ تمضي المركبات في تلك المهرجانات في مسار دائريّ ذي جدران مشيدة بزاوية تسعين درجة. وعندما تبلغ سرعة تلك المركبات مستوى معيناً، تولّد ما يكفي من قوة الجذب المركزي مما يضغط المركبة بقوة على الجدار العمودي، حيث يمنعها الاحتكاك من السقوط. وبمعرفة هذا، ندرك أن كافة القوى المساهمة في مثل هذا التأثير واضحة وميسورة الحساب عند تحليلها.

إلا أن الباحث دال أغنول وزملاءه قطعوا شوطاً أبعد؛ إذ تساءلوا عما سيحدث لهذا التأثير في مسارات ذات جدران مشيدة بزوايا أكبر من 90 درجة؟ ويتمثل السؤال الذي بحثوا عن إجابة له في: إلى أي مدى يمكن رفع درجة الزاوية بحيث تحافظ على الحركة الدائرية للسيارة؟ ويشرح مؤلفو الدراسة ذلك بقولهم: “إن المسارات ذات الزوايا المائلة بدرجات أكبر من التسعين نسميها: مسارات مقلوبة”، وأضافوا أن هذا الموقف لم يُدرس علمياً من قبل.

وعند تفحص الأمر، لم يكن من الصعب تحليل هذا الموقف. حيث وضع فريق الباحثين المعادلات التي تضبط القوى المعنية، وأثبتوا أن من الممكن للسيارات أن تسير لمدة غير محدودة في مسار مقلوب مائل بما يصل حتى 150 درجة، ودون حتى الاستعانة بالقوى الحركية الهوائية (الإيروديناميكية).

ومثلاً في مسارٍ مائلٍ بزاوية قدرها 135 درجة، لا بد للسيارة من أن تمضي بسرعة 322 كيلومتراً في الساعة تقريباً لئلا تسقط عن المسار. وبطبيعة الحال، عندما نضيف القوى الحركية الهوائية المناسبة، يرتفع سقف الإمكانيات. وبهذا الصدد يقول الباحث دال أغنول وزملاءه: “مع وجود ما يكفي من القوة السفلية الحركية الهوائية، من الممكن قيادة السيارات على كل المسارات مهما كانت درجة ميلان زاوياها”.

ولم يكتفِ فريق الباحثين بالحلّ النظري للمسألة فحسب، بل اختبروا النتائج باستخدام سيارةٍ لُعبة على مسار دائري مقلوب؛ حيث جعلوا كامل المسار في حالة حركة دائرية، بدلاً من تسيير المركبة فوق مسار ساكن، مما يعني أن السيارة ساكنة بالنسبة للطريق. وبهذا الصدد يقول مؤلفو الدراسة: “لقد أجرينا التجربة بذلك الشكل لأن جعل المسار كله -ومعه السيارة اللعبة- يدور أسهل بكثير من صنع سيارة كهربائية تسير في مسار مقلوب”.

وبهذا الشكل لا يحتاج الباحثون إلى كامل المسار لأن السيارة ساكنة بالنسبة له. ولذلك استخدموا مقطعاً صغيراً من المسار غطّوه بورق الصّنفرة لزيادة الاحتكاك مع عجلات السيارة، وبعدها ألصقوا ذلك المقطع مقلوباً بعجلة دراجة هوائية أفقية يمكن تدويرها، مع تثبيت السيارة فوق المقطع بواسطة مغناطيس. وعندما تصل سرعة دوران العجلة إلى معدّل معين، يطرحون المغناطيس عمداً، تاركين السيارة مثبتة على المسار بفعل القوى الضاغطة.

عند رؤية التجربة يخطر لنا سؤال بديهي مفاده: هل يمكن إنجاز هذا في العالم الواقعي؟ يقترح الباحث دال أغنول وزملاؤه تشييد مسار دائري يشبه شكله كعكَ الدونات من الداخل. هذا ما يتيح للسائق أن ينتقل إلى وضع القيادة رأساً على عقب بسرعة أبطأ نسبياً مما يتطلبه الأمر في المسارات الأخرى، كما يتيح له أيضاً أن يبقى في ذلك الوضع المقلوب قدر ما يشاء. ويعد شكل المسار المقترح تصميماً آمناً إلى حد ما، لأنه في حال قلّت سرعة المركبة عما يتطلبه قيادتها رأساً على عقب، لن تسقط، بل ستنزلق فقط أسفل المسار. ويشرح مؤلفو الدراسة ذلك بقولهم “إذا انخفضت السرعة [أقل من الحد الأدنى المطلوب] فلن يسقط السائق على رأسه بسرعة نحو الأرض”.

ومع ذلك، ما زال هذا الحلّ يواجه العديد من التحديات العملية التي لا بد من التصدي لها. ومنها على سبيل المثال، ضرورة تعديل محركات الاحتراق الداخلي للمركبات المشاركة لئلا تتوقف عن العمل. وهذا في المتناول بطبيعة الحال؛ لأن محركات الطائرات يمكنها العمل بسلاسة وهي مقلوبة رأساً على عقب. ومن جانب آخر، تحتاج بعض العناصر مثل نظام سائل المكابح إلى أن يعدَّل بصورة تضمن تدفق السائل بسلاسة في الوضع المقلوب.

ومع ذلك فهذه تعديلات ممكنة جداً ومتاحة. وبهذا الشأن، تعتبر السيارات الكهربائية أسهل من ناحية تعديلها لتسير بالوضع المقلوب أكثر من نظيراتها العادية.

وهذه فكرة رائعة من شأنها إثارة اهتمام مدمني قيادة السيارات في شتى أنحاء العالم. ولهذا السبب بالذات، لن نبحث كثيراً قبل أن نجد جمهوراً غفيراً من المتطوعين لقيادة مثل هذه السيارات القادرة على السير بالوضع المقلوب لمدة لا محدودة. يتبقى فقط أن نجد شركة أو مستثمراً راعياً لديه ما يكفي من المال لتعديل السيارة وإنجاز المضمار، فهل تعرف شركة ما يمكنها تبنّي الفكرة؟

المرجع: arxiv.org/abs/1905.03825:
القيادة رأساً على عقب في مسار دائري