5 وظائف مهددة بسبب «تشات جي بي تي»

4 دقائق
5 وظائف مهددة بسبب «تشات جي بي تي»
حقوق الصورة: shutterstock.com/ khan-art
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لسنوات، ظل الاعتقاد السائد أن التطور التكنولوجي يمثل خطراً على وظائف العمال ذوي الياقات الزرقاء، الأقل تعليماً ورواتباً، وأنه سيحتاج لوقت طويل حتى يبدأ بتهديد وظائف ذوي الياقات البيضاء، لا سيما أولئك الذين تتضمن أعمالهم مهاماً معرفية وذهنية معقدة وتتطلب قدراً من الإبداع. لكن بوت الدردشة الجديد تشات جي بي تي (ChatGPT) الذي أطلقته شركة أوبن أيه آي (OpenAI) في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، سرعان ما أثبت خطأ هذه الفرضية، مؤكداً خلال فترة زمنية قصيرة أنه لا توجد وظائف محصنة بالكامل ضد تأثيرات الذكاء الاصطناعي.

لن نتطرق هنا إلى النقاش المستمر منذ سنوات حول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيوفر وظائف أكثر من تلك التي سيقضي عليها أم سيرفع مستوى البطالة في العالم. لكننا سنستعرض عدداً من الوظائف التي قد يسهم هذا البوت في تغيير طبيعتها أو ربما حتى استبدالها بالكامل خلال سنوات قليلة.

اقرأ أيضاً: ما هو تشات جي بي تي (ChatGPT)؟ وهل سيزلزل عرش جوجل ويهدد وظائف البشر؟

الكتّاب والصحفيون

بدأت تتضح قدرات الذكاء الاصطناعي في مجال الكتابة بشكل عام منذ إصدار “أوبن أيه آي” نموذجها اللغوي الكبير جي بي تي-3 (GTP-3)، واعتماد منصات الكتابة بمساعدة الذكاء الاصطناعي، مثل جاسبر (Jasper) وكوبي أيه آي (Copy AI)، عليه في تقديم خدماتها. ومع إطلاق النموذج المعدّل “تشات جي بي تي”، أصبح الذكاء الاصطناعي جيداً في الكتابة لدرجة أنه يساعد الآن في تأليف كتب كاملة، مثيراً الجدل بشأن ما إذا كان سيستبدل المؤلفين البشر يوماً ما.

يرى محرر التكنولوجيا في صحيفة الغارديان البريطانية، أليكس هيرن، أن جميع الأساتذة والمبرمجين والصحفيين يمكن أن يصبحوا عاطلين عن العمل في غضون بضع سنوات فقط، بعد أن أذهل “تشات جي بي تي” الناس بقدرته على الكتابة وكفاءته في المهام المعقدة وسهولة استخدامه.

بيد أن يوآف شوهام الرئيس التنفيذي لشركة أيه آي 21 لابز (AI21 Labs)، المتخصصة في خدمات الكتابة بمساعدة الذكاء الاصطناعي، يعتقد أنه على الرغم من وجود بعض المجالات التي يمكن أتمتة جزء كبير من الكتابة فيها -لا سيما الكتابات التكرارية مثل تلخيص المباريات الرياضية- فإن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يحل محل الكتّاب البشر بالكامل، مرجحاً “أن تتم معظم أعمال الكتابة بواسطة البشر، حتى لو كان ذلك بمساعدة أدوات أكثر قوة مما كان متاحاً في السابق”.

اقرأ أيضاً: بوت تشات جي بي تي مبدع وسهل الاستخدام لكن مخاطره كثيرة

المبرمجون

منذ إصدار “تشات جي بي تي”، تمحور جزء كبير من الهوس العالمي به حول قدراته الفريدة على العثور على الأخطاء في التعليمات البرمجية وتصحيحها، وترجمة هذه التعليمات من لغة برمجة إلى أخرى. كذلك يمكن للبوت كتابة صفحات ويب وتطبيقات بسيطة بلغات برمجة مثل جافا سكريبت (JavaScript) وبايثون (Python) وريأكت (React)، وحتى المساعدة في إنشاء لغات برمجة جديدة.

وعلى الرغم من حقيقة أن “تشات جي بي تي” لا يمكنه حتى الآن كتابة تعليمات برمجية معقدة، مثل تلك المطلوبة للتطبيقات المصرفية مثلاً، فإن المحللة في شركة غلوبال داتا (GlobalData) البريطانية لأبحاث السوق، شارلوت دنلاب، تعتقد أنه سيتطور سريعاً. وتضيف أننا “انتقلنا بين عشية وضحاها من طريقة الإكمال التلقائي للتعليمات البرمجية، التي اتبعها برنامج كوبايلوت (Copilot) الذي طوّرته شركة غيت هاب (GitHub)، إلى الصيغة الحوارية التي تميز تشات جي بي تي”، مشيرة إلى أن “التطورات [سريعة] لدرجة أننا سنصل إلى هذه الدرجة في غضون عامين إلى ثلاثة أعوام”.

في الوقت الحالي، يمكن لأولئك الذين يتمتعون بخبرة كبيرة في البرمجة أن ينظروا إلى “تشات جي بي تي” باعتباره فرصة لأتمتة بعض مهام البرمجة المملة، لكنه في المقابل يمكن أن يهدد المبرمجين المبتدئين. 

والحل الذي يطرحه الخبراء هو تحويل تركيز المبرمجين إلى مجالات أخرى، مثل بنية التطبيقات المعقدة أو الأمن السيبراني. كما يمكن أن يمهّد “تشات جي بي تي” الطريق لتحويل وجهة المبرمجين إلى وظائف أخرى مطلوبة في عصر الذكاء الاصطناعي، مثل هندسة الإدخالات (Prompt engineering).

اقرأ أيضاً: كيف يمكن كشف النصوص التي يولدها الذكاء الاصطناعي؟

موظفو خدمة العملاء

“تشات جي بي تي” في الأساس هو بوت دردشة، وبالتالي فإن نقطة قوته الرئيسية هي القدرة على التحدث على نحو يحاكي البشر. لذلك، فإن أحد المجالات الرئيسية التي قد تتأثر بزيادة استخدام الذكاء الاصطناعي وبوتات الدردشة المتقدمة مثل “تشات جي بي تي” هي خدمة العملاء. يتم استخدام البوتات حالياً بالفعل للتعامل مع استفسارات العملاء وحل مشكلاتهم. ومع تقدمها المتواصل، من المرجح أن تتمكن من التعامل مع مهام أكثر تعقيداً، ما يعني بالتالي فقدان المزيد من ممثلي خدمة العملاء لوظائفهم.

سيكون من الطبيعي لوكلاء مركز الاتصال أن ينظروا إلى أدوات مثل “تشات جي بي تي” باعتبارها تهديداً، إذ يمكنه التعامل مع العديد من المهام، بما في ذلك البحث في قواعد المعرفة للإجابة عن أسئلة العملاء تلقائياً عبر تقنية التعرف على الكلام، وجمع تفاصيل الحالة أثناء انتظار العملاء في قائمة الانتظار. ومع ذلك، ستظل هناك دائماً قيود على عمل برامج الذكاء الاصطناعي بشكل عام، من ضمنها صعوبة تدريبها على توليد الشعور بالتعاطف مع العملاء، وهي نقطة أساسية ستظل تصب في صالح الموظفين البشر.

مندوبو المبيعات

يمكن لبوتات الذكاء الاصطناعي تقديم التوصيات ومساعدة العملاء في العثور على المنتج أو الخدمة المناسبة لاحتياجاتهم، كما يمكن استخدام أدوات مثل “تشات جي بي تي” لإتمام عمليات البيع دون الحاجة إلى تفاعل بشري. ومع ذلك -وكما هو الحال بالنسبة لخدمة العملاء- يفتقد “تشات جي بي تي” حتى الآن لميزة مهمة تمثل جوهر التسويق، ألا وهي القدرة على فهم سلوك البشر ومشاعرهم ورغباتهم.

يستخدم بعض الشركات بالفعل نماذج الذكاء الاصطناعي اللغوية لمساعدة مندوبي المبيعات على تحسين عروضهم، ويرى الشريك المؤسس في شركة غونغ (Gong) إيلون ريشيف، الكثير من الإمكانات التي قد يتمتع بها “تشات جي بي تي” في هذا المجال. تستخدم الشركة الذكاء الاصطناعي لتحليل النصوص المستخدمة في عروض المبيعات سواء الهاتفية أو الكتابية لتقديم ملاحظات إلى مندوبي المبيعات. ويشير ريشيف إلى أنه من الممكن تدريب “تشات جي بي تي” مستقبلاً بواسطة شركات مثل “غونغ” للمساعدة في تحسين العروض.

اقرأ أيضاً: ما الذي قد يحدث إذا تحول الذكاء الاصطناعي من أداة إلى كائن حي؟

تهديد وظيفة جوجل

يبدو أن “تشات جي بي تي” لن يهدد وظائف البشر فقط، وإنما سيمتد خطره للأدوات التكنولوجية المهيمنة حالياً مثل محرك جوجل البحثي. فمنذ اليوم الأول لإطلاق البوت، قارن العديد من المستخدمين بين قدراته المثيرة للإعجاب في الإجابة عن الأسئلة وبين قدرات محرك جوجل، لدرجة أن بعضهم اعتبر أن هذه “نهاية جوجل“.

وبالإضافة إلى ما تم تداوله حول القلق الذي انتاب مسؤولي شركة ألفابت (الشركة الأم لجوجل) بسبب الشعبية السريعة التي اكتسبها “تشات جي بي تي”، تشير التقارير إلى أن شركة مايكروسوفت تسعى للاستفادة من استثمارها في “أوبن أيه آي” من خلال دمج النموذج في محركها البحثي بينغ (Bing)، لجذب المستخدمين بعيداً عن محرك جوجل البحثي.

في النهاية، ربما نميل إلى المبالغة في قدرات “تشات جي بي تي”، كما يفعل البشر عموماً مع أي شيء جديد يثير إعجابهم، وقد يتحول البوت في النهاية إلى أداة عادية مثل “إكسل”، كما يتوقع أستاذ الفهم الجماهيري للتكنولوجيا بالجامعة المفتوحة في بريطانيا، جون نوتون. لكن الأمر المؤكد أنه سيحدث اضطراباً في الوظائف وأسواق العمل المضطربة بالفعل.