هل يُعتبر تحفيز الدماغ عملية توغليّة؟

3 دقائق
هل يُعتبر تحفيز الدماغ عملية توغليّة؟
غيتي إيميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

اليوم، هناك الكثير من التقنيات العصبيّة التي يمكنها قراءة ما يدور في أدمغتنا، وتعديل طريقة عملها، وتغيير نشاطها الكهربائي.

وهذا ينطبق على العديد من العلاجات التي تعتبر غير توغليّة لأنها تعمل من خارج الدماغ. ولكن إذا تمكّنا من الوصول إلى عقل الشخص، حتى بدون إحداث ثقب في الجمجمة، فهل يمكن اعتبار هذه التقنية غير توغليّة بالفعل؟

استحوذ هذا السؤال على تفكيري، ويرجع ذلك لأنني بدأت للتو قراءة كتاب المعركة من أجل دماغك (The Battle for Your Brain)، لأستاذة القانون والفلسفة في جامعة ديوك في دورهام بولاية نورث كارولينا، نيتا فاراهاني. تركّز أبحاث فارهاني على التحديات الأخلاقية والقانونية التي قد تفرضها التقنيات الجديدة على المجتمع.

اقرأ أيضاً: ما حقيقة الشرائح الإلكترونية التي تُزرع في الدماغ؟

نظرة خاطفة على عقول الآخرين

حيث تغطي فاراهاني في كتابها التأثيرات المحتملة للتقنيات التي تسمح لنا بإلقاء نظرة خاطفة على عقول الآخرين. لقد استخدم علماء الأعصاب بالفعل تقنيات تصوير الدماغ لمحاولة اكتشاف أفكار الشخص وميوله السياسية، أو التنبؤ باحتمالية أن يعاود السجناء ارتكاب الجرائم. يبدو لي أن ذلك توغل شديد.

هناك طرق مختلفة لتعريف هذا التوغّل، كما اكتشف روبين بلوم من جامعة ولاية ميشيغان وزملاؤه، عندما سألوا الأشخاص الذين خضعوا للعلاجات التي تستهدف نشاط الدماغ، وكذلك الأطباء النفسيين وغيرهم من الناس.

بالمعنى الطبي، عادةً ما تتضمن العلاجات التوغليّة إحداث شق جراحي في الجلد. ويُعد التحفيز العميق للدماغ مثالاً واضحاً على ذلك. حيث يتضمن هذا الإجراء زرع أقطاب كهربائية في عمق الدماغ لتحفيز الخلايا العصبية والتحكم في طريقة عمل مناطق الدماغ.

اقرأ أيضاً: قطب كهربائي داخل الدماغ لإصلاح الذاكرة يفتح آفاقاً جديدة لعلاج ألزهايمر

في مقال نُشر الأسبوع الماضي، تحدثتُ إلى رجلٍ تطوّع لزراعة 14 قطباً كهربائياً في دماغه لفهم الاكتئاب وعلاجه. حيث خضع لعملية جراحية في الدماغ، وكان متيقظاً بينما كان الأطباء يفحصون دماغه للعثور على نقطة الاتصال لوضع أحد هذه الأقطاب الكهربائية.

لمدة 10 أيام قضاها في المستشفى، كان رأس الرجل، (الذي لم يرغب في الكشف عن هويته)، ملفوفاً بضماد، مع وجود أسلاك تخرج من دماغه. لقد كان بلا شك إجراءً توغليّاً. 

وقبل اشتراكه في عملية التطوع هذه، كان الرجل قد جرّب الكثير من العلاجات الأخرى، بما في ذلك التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (TMS). يتضمن ذلك الإجراء تمرير جهاز على شكل رقم 8 فوق رأس الشخص لتوصيل نبضة مغناطيسية إلى أجزاء من الدماغ والتدخل في نشاطه. ويعتبر التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (TMS) عادةً إجراءً غير توغّلي.

عن الإجراءات التوغلية

لكن هل هو كذلك فعلاً؟ تباينت الردود في الاستطلاع الذي أجراه بلوم وزملاؤه. حيث يعتقد البعض أن العلاجات التي تتضمن زيارات متعددة إلى عيادة الطبيب توغليّة لأنها تأخذ من وقت الشخص. ويعتقد البعض الآخر أن العلاجات التي تعتمد على الأجهزة أقل توغّلاً من العلاجات التقليدية القائمة على الحديث مع الطبيب، لأنها لا تتطلب من الشخص أن يقوم بسرد قصة حياته لشخصٍ غريب. لكن بالنسبة للآخرين، فإن ما جعل التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (TMS) إجراءً توغليّاً هو تأثيره على الدماغ.

حيث يمكن أن تنتشر التأثيرات في جميع أنحاء الدماغ. من الناحية النظرية، تم تصميم أشكال غير توغليّة لتحفيز الدماغ لاستهداف مناطق معينة، مثل تلك المرتبطة بالحالة المزاجية. لكن من المستحيل تحديد المناطق الصغيرة بدقة عند تحفيز الدماغ من خلال الجمجمة، كما يشير نيك ديفيس من جامعة مانشستر متروبوليتان.

وإذا كان من الممكن أن يساعد التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (TMS) في علاج أعراض الآلام المزمنة أو الاكتئاب أو مرض باركنسون، فلا بُدّ أنه يتسبب في بعض التغييرات في الدماغ. قد تكون هذه التغييرات في طريقة إنتاج جزيئات الإشارات، أو طريقة اتصال دارات الدماغ أو عملها، أو ربما آلية أخرى.

ولأننا لا نزال لا نعرف حقاً طريقة عمل التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (TMS)، فمن الصعب معرفة كيفية تأثير هذه التغييرات على الدماغ على المدى البعيد.

اقرأ أيضاً: زرعة جديدة للمكفوفين تتصل مباشرة بالدماغ

هل يُعد العلاج توغليّاً إذا غيّر طريقة عمل دماغ الشخص؟ ربما يعتمد ذلك على تأثير تلك التغييرات. نحن نعلم أن الأشكال غير التوغليّة لتحفيز الدماغ يمكن أن تسبب الصّداع، والتشنجات، وربما نوبات الصرع. فقد تم تصميم العلاج بالصدمات الكهربائية، الذي يوفر جرعة أعلى من التحفيز الكهربائي، لإحداث نوبة صرع ويمكن أن يسبب فقداناً للذاكرة.

قد يكون هذا مؤلماً للغاية لبعض الناس. على أي حال، ذكرياتنا تشكّل هويتنا. ويتعلق هذا الأمر بأحد المخاوف الأخرى حول تقنيات تعديل الدماغ، وهو قدرة تلك التقنيات على تغيير شخصياتنا. فقد لاحظ الأطباء أن بعض الأشخاص الذين يخضعون لتحفيز عميق للدماغ (DBS) لعلاج مرض باركنسون يعانون من تغيرات مؤقتة في سلوكهم. فقد يصبحون أكثر تهوراً أو أكثر انفعالاً، على سبيل المثال.

اقرأ أيضاً: هل يمكن لتحفيز الدماغ أن يعالج الآلام المزمنة؟

من غير المحتمل أن تكون تأثيرات التحفيز غير التوغّلي هائلة إلى هذا الحد. ولكن كيف يمكننا التمييز بين الإجراءات التوغليّة وغير التوغليّة؟

إنه سؤالٌ مهم. عادةً ما تكون العلاجات التوغليّة مخصّصة للأشخاص الذين ليس لديهم خيارات أخرى. حيث يُنظر إلى تلك العلاجات على أنها أكثر خطورة. وفقاً لما ذكره جرّاح الأعصاب بجامعة تورنتو، نير ليبسمان، وزملاؤه، فإن العلاجات التي تُعتبر شديدة التوغل قد لا يتم استخدامها أو دراستها.

ومن المثير للدهشة أن العلاجات التي تعتبر أكثر توغلاً قد تكون أكثر فاعلية، فقط بسبب توقعات نجاحها. وربما هذا هو السبب في أن الحقن الوهمية أكثر فعالية من الحبوب الوهمية، كما يشير بلوم وزملاؤه. وفي الوقت نفسه، فإننا نجازف بإغفال المخاطر المحتملة المرتبطة بالعلاجات غير التوغليّة.