الفائزة بجائزة مليون دولار في مجال الذكاء الاصطناعي: لسنا مستعدين لهذه التقنية

5 دقائق
مصدر الصورة: رايتشل وو / مختبر علوم الحاسوب والذكاء الاصطناعي في إم آي تي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ريجينا بارزيلاي، الأستاذة في مختبر علوم الحاسوب والذكاء الاصطناعي (CSAIL) في إم آي تي، هي أول فائزة بجائزة سكويريل إيه آي (Squirrel AI) في فئة الذكاء الاصطناعي لصالح البشرية، وهي جائزة جديدة تُمنح تقديراً للبحوث المتميزة في مجال الذكاء الاصطناعي. بدأت بارزيلاي حياتها المهنية بالعمل في مجال معالجة اللغة الطبيعية، وبعد أن شُفيت من سرطان الثدي في عام 2014، حولت تركيزها إلى تطوير خوارزميات التعلم الآلي لاكتشاف السرطان وتصميم أدوية جديدة. وسيتم تقديم الجائزة في فبراير عام 2021 من قِبل جمعية النهوض بالذكاء الاصطناعي (AAAI).

إن قيمة الجائزة -التي تبلغ مليون دولار، والمقدمة من شركة التعليم الصينية عبر الإنترنت سكويريل إيه آي التي كتبنا عنها سابقاً- تضعها على نفس المستوى المالي مع جائزة نوبل وجائزة تورينج في علوم الحاسوب. وقد أجريت مكالمة هاتفية مع بارزيلاي حول الجائزة والوعود التي يقدمها الذكاء الاصطناعي وخيبات الأمل المرتبطة به.

تم تعديل محادثتنا الهاتفية لأغراض الوضوح والاختصار.

أهنئك على هذه الجائزة، ما الذي تعنيه بالنسبة لك وللذكاء الاصطناعي بشكل عام؟

شكراً لك. كما تعلم، هناك الكثير من المجالات التي لا يزال فيها الذكاء الاصطناعي لا يحدث فرقاً رغم قدرته على تحقيق ذلك. نحن نستخدم الترجمة الآلية أو أنظمة التوصية طوال الوقت، ولكن لا أحد يفكر في هذه الأنظمة على أنها تقنية رائعة، ولا أحد يثير تساؤلات حولها. ولكن في المجالات الأخرى في حياتنا التي تعد جوهرية لرفاهيتنا (مثل الرعاية الصحية)، فإن الذكاء الاصطناعي لا يحظى بعد بقبول المجتمع. آمل أن تساعد هذه الجائزة والاهتمام الذي يصاحبها في تغيير عقلية الناس وأن تتيح لهم رؤية الفرص وتدفع مجتمع الذكاء الاصطناعي لاتخاذ الخطوات التالية.

ما طبيعة هذه الخطوات؟

في الماضي، عندما انتقلت التكنولوجيا من استخدام الطاقة البخارية إلى الكهرباء، لم تكن المحاولات الأولى لجلب الكهرباء إلى الصناعة ناجحة للغاية؛ لأن الناس حاولوا فقط استنساخ آلية عمل المحركات البخارية. وأعتقد أن شيئاً مشابهاً يحدث الآن مع الذكاء الاصطناعي؛ فنحن في حاجة إلى استكشاف كيفية دمجه في العديد من المجالات المختلفة، ليس فقط الرعاية الصحية، ولكن أيضاً التعليم وتصميم المواد وتخطيط المدن وما إلى ذلك. بالطبع، هناك الكثير الذي ينبغي القيام به من الناحية التكنولوجية، بما في ذلك تطوير خوارزميات أفضل، لكننا نقوم بإدخال هذه التكنولوجيا إلى بيئات شديدة التنظيم ولم ندرس كيفية القيام بذلك عملياً.

في الوقت الحالي، يزدهر الذكاء الاصطناعي في الأماكن التي تكون فيها تكلفة الفشل منخفضة للغاية،؛ فإذا عرضت لك جوجل ترجمة خاطئة أو رابطاً مغلوطاً، لن يسبب ذلك مشكلة كبيرة، إذ يمكنك عندها الانتقال إلى الترجمة أو الرابط التالي. لكن الطبيب لن يستطيع الاستجابة بنفس الطريقة في حال وقوع خطأ؛ فإذا أعطى مرضاه علاجاً غير مناسب أو أخطأ في تشخيصه، فهناك عواقب وخيمة جداً لهذه الأخطاء. ورغم أن الكثير من الخوارزميات تستطيع فعلاً إنجاز أمور عديدة على نحوٍ أفضل من البشر، لكننا دائماً ما نثق في حدسنا وتفكيرنا أكثر من شيء آخر لا نستوعبه. يجب علينا أن نمنح الأطباء العوامل التي تدفعهم إلى الثقة بالذكاء الاصطناعي. ومع أن إدارة الغذاء والدواء الأميركية تدرس هذه المشكلة، لكنني أعتقد أنها بعيدة جداً عن الحل في الولايات المتحدة وفي أي مكان آخر في العالم.

في عام 2014 تم تشخيص إصابتك بسرطان الثدي، هل غيّر ذلك من طريقة تفكيرك في عملك؟

أجل، بالتأكيد. أحد الأشياء التي حدثت عندما خضعت للعلاج وقضيت فترات طويلة من الوقت في المستشفى هو أن الأمور التي كنت أعمل عليها فقدت الآن أهميتها. قلت لنفسي: الناس يعانون، ويمكننا فعل شيء حيال ذلك.

عندما بدأت العلاج، كنت أسأل ماذا يحدث لمرضى مثلي في ذات العمر ويعانون من الإصابة بنفس نوع الورم الذي أعاني منه ويخضعون لنفس العلاج. كانوا يقولون: “كانت هناك تلك التجربة السريرية، لكن حالتك غير مناسبة تماماً لتسجيلك فيها”. وفكرت في أن سرطان الثدي مرض شائع جداً؛ حيث يوجد الكثير من المرضى مع الكثير من البيانات المتراكمة، فلماذا لا نستخدم هذه البيانات ونستفيد منها؟ لكن لا يمكنك الحصول على هذه المعلومات بسهولة من النظام الصحي في مستشفيات الولايات المتحدة. إنها موجودة، لكن في صيغة نص. وهكذا بدأت في استخدام البرمجة اللغوية العصبية للوصول إلى هذه البيانات. لم أستطع تخيل أي مجال آخر حيث يقوم فيه الناس طواعية بالتخلص من البيانات المتاحة، ولكن هذا ما كان يحدث في مجال الطب.

هل استغلّت المستشفيات الفرصة للاستفادة بشكل أكبر من هذه البيانات؟

استغرق الأمر بعض الوقت للعثور على طبيب يوافق على العمل معي. كنت أقول للناس، إذا كانت لديكم أي مشكلة، فسأحاول حلها. لا أحتاج إلى تمويل، فقط أخبروني ما المشكلة وامنحوني البيانات. لكن الأمر استغرق مني بعض الوقت للعثور على متعاونين. كما تعلم، لم أكن شخصية مشهورة حقاً حينئذٍ.

بعد هذا العمل في البرمجة اللغوية العصبية، انتقلت إلى العمل على تنبؤ درجة خطورة حالة المريضة استناداً إلى تصوير الثدي بالأشعة السينية (ماموجرام)، باستخدام التعرف على الصور للتنبؤ بما إذا كانت المريضة ستصاب بالسرطان أو لا، وباحتمال تطور المرض.

هل كانت هذه الأدوات لتحدث فرقًا لو كانت متاحة لك عندما تم تشخيص إصابتك بسرطان الثدي؟

لا شك في ذلك؛ حيث يمكننا استخدام هذه الأدوات على صور الثدي الشعاعية الخاصة بي من قبل تشخيص إصابتي، وكانت علامات السرطان موجودة بالفعل ويمكن اكتشافها بوضوح. هذه العملية ليست معجزة، فالسرطان لا ينمو بين ليلة وضحاها، إنها عملية طويلة جدًا. توجد علامات في الأنسجة، لكن قدرة العين البشرية محدودة على اكتشاف ما قد يكون أنماطاً صغيرة جداً. وفي حالتي كان يمكن اكتشاف ورؤية هذه العلامات قبل عامين.

لماذا لم يكتشفها الطبيب في حينه؟

إنها مهمة صعبة؛ إذ يحتوي كل تصوير شعاعي للثدي على بقع بيضاء قد تكون سرطانية أو لا. ويجب على الطبيب أن يقرر أي من هذه البقع البيضاء يجب أخذ خزعة منها. ينبغي على الطبيب الموازنة بين اتخاذ إجراء بناءً على الحدس وبين التسبب في ضرر للمريض عند أخذ الخزعات غير الضرورية. ولكن هذا هو بالضبط نوع القرار الذي يمكن أن يساعدنا الذكاء الاصطناعي المعتمد على البيانات في اتخاذه بطريقة أكثر منهجية.

يعيدنا حديثك إلى مشكلة الثقة، هل نحتاج إلى حل تقني، أو إلى جعل الأدوات أكثر قابلية للتفسير، أم أننا في حاجة إلى تثقيف الأشخاص الذين يستخدمونها؟

هذا سؤال رائع. سيكون من السهل حقاً شرح بعض القرارات للإنسان. إذا اكتشف الذكاء الاصطناعي وجود سرطان في صورة ما، فيمكنك تكبير المنطقة التي يفحصها النموذج عندما يقوم بالتنبؤ. لكن إذا طلبت من آلة، كما نفعل بشكل متزايد، أن تقوم بأشياء لا يستطيع الإنسان القيام بها، فما الذي ستظهره لك الآلة بالضبط؟ يشبه الأمر أن تطلب من الكلب، الذي يتمتع بقدرة على الشم تفوق قدراتنا، توضيح كيفية شمِّه لرائحة ما. لا نمتلك هذه القدرة. أعتقد أنه كلما أصبحت الآلات أكثر تقدماً، فهذا هو السؤال الجوهري: ما التفسير الذي سيقنعك إذا لم تستطع حل هذه المهمة بمفردك؟

إذن، هل ينبغي علينا الانتظار حتى يتمكن الذكاء الاصطناعي من شرح نفسه بشكل كامل؟

لا. تأمَّل كيف نجيب عن الأسئلة المتعلقة بالحياة والموت الآن.  تتم الإجابة على معظم الأسئلة الطبية، مثل كيفية استجابتك لهذا العلاج أو ذاك الدواء، باستخدام نماذج إحصائية يمكن أن تؤدي إلى أخطاء. لا يمكن وصف أي من هذه النماذج بأنه مثالي.

وينطبق الأمر نفسه على الذكاء الاصطناعي. لا أعتقد أنه من الجيد الانتظار حتى نطور ذكاءً اصطناعياً مثالياً. وفي رأيي، لن نطور هذا النوع من الذكاء الاصطناعي في أي وقت قريب. تكمن المسألة في كيفية الاستفادة من نقاط قوة الأنظمة الموجودة وتجنب نقاط ضعفها.

أخيراً، لماذا لم يكن للذكاء الاصطناعي تأثير كبير في مواجهة كوفيد-19؟

لن يحلّ الذكاء الاصطناعي جميع المشاكل الكبيرة التي نواجهها، لكن هناك بعض الأمثلة الصغيرة؛ فعندما تم تقليص جميع الخدمات السريرية غير الأساسية في وقت سابق من هذا العام، استخدمنا أداة قائمة على الذكاء الاصطناعي لتحديد مرضى الأورام في بوسطن الذين يجب أن يستمروا في إجراء التصوير السنوي للثدي بالأشعة السينية.

لكن السبب الرئيسي الذي حال دون أن يتمكن الذكاء الاصطناعي من تقديم فائدة أكبر لا يُعزى إلى الافتقار إلى التكنولوجيا وإنما يتجسد في نقص البيانات. كما تعلم، أنا عضو في فريق القيادة في جي كلينيك (J-Clinic) التابع لإم آي تي، وهو مركز للذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية. وفي أبريل، كان الكثير منا يقولون: نريد حقاً أن نفعل شيئاً، أين يمكننا الحصول على البيانات؟ لكننا لم نتمكن من الحصول عليها، كان ذلك مستحيلاً. وحتى الآن، بعد ستة أشهر، ليس من الواضح كيف يمكننا الحصول على البيانات.

أما السبب الآخر فيتمثل في أننا لم نكن مستعدين. حتى في الظروف العادية، عندما لا يتعرض الناس للضغط، من الصعب اعتماد أدوات الذكاء الاصطناعي في عملية وضمان تنظيم كامل العملية بشكل صحيح. وخلال الأزمة الحالية، نحن ببساطة لا نمتلك هذه القدرة.

وأنا أتفهم سبب تحفظ الأطباء؛ إذ إن حياة الناس على المحك. لكني آمل أن يشكل ذلك جرس إنذار حول مدى عدم استعدادنا للاستجابة السريعة والتعامل مع التهديدات الجديدة. ورغم اعتقادي أن الذكاء الاصطناعي يمثل تكنولوجيا المستقبل، لكننا لن نشهد تطوره وتقدمه إذا لم نكتشف كيفية الوثوق به.