هذه هي أول رحلة لطائرة كهربائية جديدة من دون أجزاء متحركة

3 دقائق
مصدر الصورة: معهد إم آي تي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عادة ما تكون الطائرة النفاثة التقليدية مليئة بالشفرات سريعة الحركة، فنحن في حاجة إلى دوران المراوح التوربينية والداسرة لكي تولِّد قوة دافعة وتسمح لنا بالتحليق إلى السماء. ولكن هل نحن في حاجة إلى ذلك حقاً؟

في بحث علمي نُشر في 21 نوفمبر في مجلة نيتشر Nature، يقول باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إنهم تمكنوا من ابتكار أول طائرة لا تحتاج إلى أي أجزاء متحركة والتحليق بها. هذه الطائرة التجريبية التي تزن 2.45 كيلوجراماً لم تقم بتدويم شفرات توربينية لكي تدفع نفسها مسافة 60 متراً (ما يعادل طول صالة رياضية مدرسية)؛ وإنما استخدمت الكهرباء بشكل مباشر.

إذا أمكن الارتقاء بهذه التكنولوجيا، فستصل إلى حد إنتاج طائرات مستقبلية أكثر أماناً وأكثر هدوءاً، وحتى أكثر سهولة من حيث الصيانة. والأهم من ذلك هو أنها ستقضي على الانبعاثات الناجمة عن الاحتراق، طالما أن العملية يتم تشغيلها بالكامل بواسطة البطاريات.

وقد نجحت الطائرة في تنفيذ أول تحليق لها بفضل عملية تُعرف باسم الدفع الديناميكي الهوائي الكهربائي، وهي فكرة تم طرحها منذ ستينيات القرن الماضي. وإن مبدأها بحد ذاته يصعب تصوره كثيراً مقارنة بالمروحة الدورانية التقليدية، فهو يستفيد مما يُعرف بالرياح الأيونية.

وباستخدام مستويات مرتفعة جداً من الجهد الكهربائي -الذي بلغ 40,000 فولط في حالة الطائرة- يولد الدافع أيونات في الهواء حول اثنين من الأقطاب الكهربائية، ليقوم الحقل الكهربائي المتولِّد بين هذين القطبين بقذف الأيونات من القطب الأصغر باتجاه القطب الأكبر، فتصطدم هذه الأيونات أثناء انتقالها بجزيئات الهواء الطبيعية، مما يشكل الرياح الأيونية ويدفع الطائرة إلى الأمام. بما أن الأيونات تتحرك بين قطبين كهربائيين ثابتين، فليس هناك حاجة إلى الأجزاء المتحركة لتشغيل الطائرة.

مصدر الصورة: إم آي تي

ربما سبق لك أن رأيت هذا المفهوم على أرض الواقع إن كان لديك مروحة مكتبية من دون شفرات، فهذه المراوح تستخدم المفهوم ذاته، ولكن التقنية هنا بدلاً من أن تحرك طائرة ما، فإنها تُبقيك في جو بارد.

إذن لماذا لم يسبق لنا استخدام هذه التكنولوجيا في طائراتنا طوال المدة الماضية؟ السبب هو أنها عندما جرى التفكير فيها في الستينيات، خلُص الباحثون حينها إلى نتيجة مفادها أنها غير قادرة على توليد مستوى الدفع المطلوب للحفاظ على الطيران.

وعندما ألقى ستيفن باريت (وهو أستاذ علوم الطيران والملاحة الفضائية في معهد إم آي تي) نظرة فاحصة على هذا البحث في العام 2009، لم تُثنِه تلك النتائج، فقد رأى أن هناك إمكانياتٍ غير مستغَلَّة، حيث يقول: “كنت أستمد إلهامي من أفكار الخيال العلمي عن الطائرات والمركبات الفضائية. وكذلك أخذت أفكر في ماهية المفاهيم الفيزيائية التي يمكنها أن تسمح بتحقيق مثل هذه الأفكار”.

وبعد تسع سنوات تخلَّلها العديد من المحاولات الفاشلة، تمكَّن باريت وفريقه في النهاية من الحصول على طائرة قادرة على التحليق، لقد أوشكوا على تحقيق ذلك في الواقع، فعلينا ألا ننسى أن طائرة الاختبار لم تكن تحمل على متنها أي أحد أو أي شيء، فهي بالكاد يمكنها في هذه المرحلة أن تحافظ على نفسها في الهواء، فما بالك بحمل البضائع؟ إضافة إلى أن الاختبارات قد أجريت داخل صالة للألعاب الرياضية خالية من الرياح، ولم تدُم أكثر من 12 ثانية تقريباً.

ولا يزال الطريق طويلاً أمام هذه التكنولوجيا قبل أن تتمكن من التحليق بك من لوس أنجلوس إلى نيويورك من دون أجزاء متحركة، ولكن هذه التجربة تبقى إنجازاً بارزاً في مجال الطيران. تقول بريانكا دوبيد (الباحثة في معهد أكسفورد للموائع الحرارية): “على الرغم من أنه لا يزال بعيداً جداً عن قدرات الدفع التوربيني الغازي التجاري… إلا أن الدفع الديناميكي الهوائي الكهربائي لديه القدرة ليصبح نقطة تحول في مجال الرحلات الجوية المسيَّرة قصيرة المدى وذات الحمولات الصغيرة”.

وحتى إن لم يكن هذا النوع من الدفع فعالاً بما فيه الكفاية للطائرات التجارية، إلا أن باريت يعتقد أن استخدامه ممكنٌ بشكل مترافق مع المحركات النفاثة؛ حيث يقول إن أنظمة الدفع الديناميكي الهوائي الكهربائي يمكن إدماجها ضمن بدن الطائرة، بحيث تستخدم في إعادة تنشيط الهواء الذي يتحرك على امتداد جسم الطائرة. وفي الوقت الحالي ينتهي المطاف بهذا الهواء خلف جسم الطائرة، متحركاً ببطء ويجرها نحو الخلف، وبالتالي فإن إضافة أنظمة دفع جديدة قد يلغي أثر هذه القوة المعاكسة ويزيد من كفاءة استخدام الوقود.


مصدر الفيديو: إم آي تي

هذا ما يخطط فريق إم آي تي للتركيز عليه في المرحلة التالية، بالإضافة إلى تحسين النموذج الأوَّلي للطائرة إلى أقصى حد ممكن. يقول باريت: “لم يكن أمامنا سوى بضع سنوات لتطوير هذه التكنولوجيا، أما الدفع التقليدي فقد كان لديه 100 عام؛ لذا علينا أن نتدارك شيئاً مما فاتنا، وأنا أعتقد أننا قادرون على تحقيق ذلك”.