هذه أول صورة لثقب أسود على الإطلاق

2 دقائق
مصدر الصورة: مشروع تلسكوب أفق الحدث
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لا شك في أن الصورة أعلاه – وهي تقدمة من مشروع تلسكوب أفق الحدث EHT – ستصبح قريباً من أشهر الصور على مستوى العالم، وهي أول صورة للثقب الأسود في مجرة ميسييه 87 (M87) التي تقع على بعد أكثر من 53 مليون سنة ضوئية من الأرض، وتصل كتلة هذا الثقب الأسود إلى 6.5 مليار ضعف من كتلة الشمس.

كُشف عن هذه الصورة المتألقة من قبل عدد من الباحثين في عدة مؤتمرات صحفية أقيمت في كافة أنحاء العالم يوم 10 أبريل، كما نُشرت مجموعة من الأبحاث حولها في مجلة “Astrophysical Journal Letters“، وتمثل دليلاً مرئياً على أفق الحدث للثقب الأسود، وتسمح لنا برؤية شيء كنا نظن أن رؤيته مستحيلة. قال مايكل كريمر من معهد ماكس بلانك لعلم الفلك الراديوي في أحد هذه المؤتمرات: “ستُقسم كتب التاريخ إلى فترة ما قبل الصورة وفترة ما بعد الصورة”.

ولكن كيف يمكن أن نلتقط صورة لشيء لا يصدر الضوء؟ بدلاً من النظر إلى الثقب الأسود نفسه، قام مشروع تلسكوب أفق الحدث برصد الغازات المحيطة به لالتقاط صورة لظله، وقد ركز الباحثون تحديداً على أفق الحدث، وهو الحد الذي لا يستطيع الضوء بعده أن يفلت من الجاذبية الشديدة للثقب الأسود. ترتفع درجة حرارة الغازات في هذه المنطقة إلى مليارات الدرجات، ما يؤدي إلى صورة ظلية يُفترض بأنه يمكن توقع شكلها بناء على نظرية النسبية لأينشتاين. وحتى الآن، يبدو أن نتائج الرصد لتلسكوب أفق الحدث تتوافق مع ما توقعه أينشتاين.

يبدو هذا الظل في مركز الصورة أمام خلفية من الضوء المتوهج الذي تسحبه الجاذبية الهائلة للثقب الأسود. ويمكنك أن تلاحظ أن أحد جانبي الصورة يبدو أكثر سطوعاً من الآخر، ويعود هذا إلى اتجاه الثقب الأسود بالنسبة للأرض، حيث أن الجانب الأكثر سطوعاً هو الذي يدور نحو الأرض، أي أن الجسيمات تُقذف نحو كوكبنا بسرعة أكبر من تلك الحافة، ما يجعلها تبدو أكثر توهجاً.

احتفل الفلكيون في كافة أنحاء العالم بهذا الحدث. قالت كيم كوال أركاند، المسؤولة عن تكنولوجيا الإظهار والتكنولوجيا الناشئة في مرصد تشاندرا: “بعد أن أمضيت حوالي 20 سنة في المساعدة على إظهار النواحي الكونية ذات الطاقات العالية، رأيت أخيراً هذا الظل للثقب الأسود. إن وقوع هذا الحدث في فترة حياتي أمر مذهل. يمثل هذا بالنسبة لي تتويجاً لسلسلة مذهلة من الاكتشافات الفلكية، وانتقالاً من نطاق الخيال العلمي إلى الواقع العلمي”.

تم تشكيل الصورة بالاعتماد على علم الفلك الراديوي، ويتم إنجاز معظم العمل في هذا المجال باستخدام أطباق لاقطة ضخمة تلتقط الأمواج الراديوية التي تصل إلى الأرض. ولكن تشكيل صورة لثقب أسود يتطلب تلسكوباً أكبر بكثير، وفي الواقع، فقد احتاج الباحثون إلى تلسكوب بحجم الأرض نفسها.

ولهذا، قام مشروع تلسكوب أفق الحدث بجمع قياسات من مراصد راديوية في أربع قارات مختلفة. وتتألف المجموعة حالياً من مراصد في أميركا الشمالية، وأميركا الجنوبية، وأوروبا، والقطب الجنوبي، وستُضاف مواقع أخرى خلال فترة عمل المشروع. وعندما تقوم جميع الأطباق اللاقطة بأخذ القياسات في نفس الوقت، يمكن جمعها ضمن كتلة واحدة من البيانات، بشكل مماثل لما يحدث على مستوى أصغر في الأطباق الراديوية (يمكنك أن ترى شرحاً مفصلاً ممتازاً في هذا الفيديو).

أتت المعلومات المستخدمة لتشكيل هذه الصورة بشكل أساسي من البيانات الملتقطة في أبريل 2017. وعلى مدى السنتين الماضيتين، عمل الباحثون على تحويل المعلومات إلى أوضح صورة ممكنة، وذلك بمزامنة القياسات المُلتقطة في نفس الوقت حول العالم. وفي 2018، أضيف مرصد آخر في تشيلي إلى المجموعة للمساعدة على تشكيل صورة أكثر وضوحاً، بعد أن ظهرت النتائج الأولية ضبابية بعض الشيء.

يعتبر هذا الحدث معلماً هاماً في دراسة الثقوب السوداء، كما قال البروفسور كليفورد جونسون من جامعة ساوثرن كاليفورنيا لإم آي تي تكنولوجي ريفيو قبل الإعلان: “على الرغم من أننا أكدنا وجود الثقوب السوداء ودرسنا خصائصها بأكثر من طريقة، فلا شيء يضاهي الرصد المباشر، أي أننا رأينا الحدث نفسه بدلاً من رؤية ما يدل عليه”.

أما الخطوة التالية، فهي معرفة ما يجري داخل الثقب الأسود فعلياً. وعلى الرغم من أن الصورة تمثل خطوة كبيرة نحو حل لغز هذه الأجسام الغامضة، إلا أن ما يحدث خلف هذا التوهج ما زال تحدياً كبيراً ينتظرنا.