تعرّف على الدكتورة السودانية الأميركية نوال نور ومساعيها لمواجهة ختان الإناث

3 دقائق
الدكتورة نوال نور.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

نشأتها وتعليمها

وُلدت نور في السودان عام 1966، ولكنها لم تعِش الطفولة التقليدية التي تعيشها أي طفلة إفريقية مسلمة. كانت نور إحدى الأبناء الأربعة لأمّ أميركية من مدينة روتشيستر بنيويورك ولأب سوداني، اللذَيْن كانا قد التقيا أثناء دراستهما في لندن. كان والد نور يشغل منصب وزير الزراعة في السودان، بينما كانت والدتها أستاذة جامعية في علم أمراض النباتات في جامعة الخرطوم. كانت العائلة تتنقّل بين السودان ومصر، وتشدّد على أهمية التعليم، وخاصةً بالنسبة للبنات.

انتقلت العائلة إلى لندن عندما كانت نور بعمر 14 سنة، وحينها بدأت تهتم بقضايا النساء. عندما كانت في الخرطوم، كانت تسمع صديقاتها يتحدثن عن ختان الإناث، ولكنها لم تكن تعرف الكثير عنه، سوى أن تلك الفتيات كنّ يعتبرنه كأحد الطقوس التي لا بدّ من إجرائها. ولكن عندما التحقت نور بالمدرسة الأميركية في لندن، تعرّفت على بعض الكاتبات النسويات مثل سيمون دي بوفوار. كما قرأت كتاب “الوجه العاري للمرأة العربية” للكاتبة نوال السعداوي، الذي تحدّثت فيه عن معاناتها الإجبارية مع الختان وهي بعمر السادسة، وما عانته من ألم وغضب بسبب ذلك. بدأت نور تتساءل عن هذه العملية، لتكتشف مدى الأثر السلبي الذي يمكن أن تتركه عند النساء، سواءً من الناحية الجسدية أو النفسية. أدركت نور الحاجة إلى إيقاف هذه العملية، وكتبت مقالاً عن الأمر وهي في المدرسة الثانوية.

بعد أن أكملت المرحلة الثانوية، انتقلت نور إلى الولايات المتحدة لتلتحق بجامعة براون، وتكتب أطروحة تخرّجها عن تحرير النساء المصريات. فكّرت بعدها بالعمل في مجال التنمية الدولية، وعملت متدرّبةً في الأمم المتحدة لمدة عام، ولكنها أصيبت بالإحباط من البيروقراطية التي كانت تواجهها، وقرّرت أن تصبح طبيبة لاعتقادها بأنها ستكون أكثر فعالية وأنها ستتوصّل إلى النتائج التي ترجوها بسرعة أكبر. وبالفعل، التحقت بكلية الطب في جامعة هارفارد وحصلت على شهادة الطب عام 1994، ثم تابعت تخصّصها في التوليد وأمراض النساء في مستشفى بريجهام آند وومن، وهو مستشفى تعليمي في بوسطن ويتبع لجامعة هارفارد. كما حصلت نور على ماجستير في الصحة العامة من كلية الصحة العامة بجامعة هارفارد.

استهداف النساء الإفريقيات المهاجرات
خلال فترة تخصّصها، بدأت نور القيام بأنشطة مجتمعية في أوساط النساء الإفريقيات المهاجرات في بوسطن. وجدت نور أن هؤلاء النساء في حاجة إلى عيادة خاصة بهنّ، وحصلت على موافقة من مستشفى بريجهام آند وومن لافتتاح المركز الصحي للنساء الإفريقيات عام 1999. ولكن عندما افتتحت نور المركز، لم يَزُره أحد؛ إذ اعتقدت المريضات أن نور تريد أن تستفيد مالياً منهنّ، ولذلك قرّرن الابتعاد عنها. قامت نور بتوضيح أنها تتلقى راتباً من جامعة هارفارد، وأنها لن تحصل على أي فائدة مالية من المريضات، وعندها بدأنَ بزيارة المركز، لتزداد أعداد النساء المراجعات بالتدريج إلى أن تضاعفت. ومن بين المريضات، كان هناك نساء من الصومال وإثيوبيا، وهما تعدّان من الدول ذات المعدّلات المرتفعة لختان الإناث، بنسبة تبلغ 98% و90% على التوالي. 

تنتشر هذه الممارسة في العديد من الدول الإفريقية، ويمكن أن تتم بطرق مختلفة؛ حيث يقوم بعض الممارسين بإزالة جزء صغير من الأعضاء التناسلية الأنثوية، بينما يقوم آخرون بإزالة جزء أكبر. بعد عملية الاستئصال، يقوم الممارس بخياطة الأنسجة المتبقية، تاركاً فتحة صغيرة للتبوّل والطمث. يمكن لهذه العملية التي تتم دون تخدير من قِبل أشخاص غير مؤهلين وفي أوساط غير معقّمة أن تؤدي إلى التهابات خطيرة، بل حتى الموت. وعادةً ما تعاني الفتيات بعد العملية من الألم ومن الالتهابات المتكرّرة، التي تستمر طوال حياتهنّ.

سرعان ما أصبحت نور معروفة وسط النساء الإفريقيات المهاجرات على أنها الطبيبة التي تتفهّم احتياجاتهنّ الصحيّة دون أن تُبدي أي ردّ فعل من شكل أعضائهنّ التناسلية، كما قد يفعل بعض الأطباء الأميركيين. كما كانت نور تؤكّد على استخدام بعض الكلمات لوصف تلك العملية مثل “إزالة” بدل كلمات أخرى قد تثير حفيظة المريضات مثل “استئصال أو بتر”. كما قامت بإعداد بروتوكول للتدبير الطبي لختان الإناث، وطوّرت تقنيات جراحية لتصحيح الأعضاء التناسلية الأنثوية في حالات الختان الشديدة.

تكريماتها ومساعيها
حصلت نور عندما كانت بعمر 37 عاماً عام 2003 على جائزة زمالة مؤسسة ماك آرثر المرموقة، التي تبلغ قيمتها 500 ألف دولار أميركي؛ تقديراً لمساهماتها في الرعاية الصحية للنساء الأفريقيات المهاجرات، وتأسيسها المركزَ الوحيد من نوعه في الولايات المتحدة الذي يركّز على الاحتياجات الجسدية والنفسية لأولئك النساء. وقالت نور للكاتبة في صحيفة بوسطن جلوب، آيرين سيج، إنها تأمل أن تمنحها شهرتها التي حصلت عليها بفضل الجائزة مزيداً من التمويل لأعمالها، مشيرةً إلى أن أصدقاءها كانوا يأملون أن تستخدم أموال الجائزة لاستبدال سيارتها القديمة، ولكن نور أخبرت أحد كتّاب شبكة “يو إس نيوز آند وورد ريبورت” أن من يعيش في الدول النامية لا يحتاج إلى اقتناء الكثير من الأشياء في حياته، وأنه ينبغي استخدام تلك الأموال في الأعمال الخيرية.

تحدّثت نور في العديد من المؤتمرات المحلية والدولية، وعملت ضمن مجموعة عمل ختان الإناث في الكلّية الأميركية لأطباء التوليد وأمراض النساء، وكانت المؤلفة الرئيسية للكتاب الذي نشرته الكلّية بعنوان “Female Genital Cutting, Clinical Management of Circumcised Women”، الذي يهدف إلى تثقيف أطباء التوليد وأمراض النساء في الولايات المتحدة وكندا حول التدبير الطبي للنساء اللواتي تعرّضن للختان. كما حصلت على شهادات فخرية من كلّية بودوين بولاية مين ومن كلّية ويليامز بولاية ماساتشوستس لأعمالها المجتمعية.

تسعى نور لمتابعة أعمالها في إفريقيا؛ حيث تتواجد العديد من المنظمات الإنسانية التي تعمل على مواجهة ختان الإناث، وخصوصاً أنه يمكنها أن تستفيد بشكل كبير من التعاون والتمويل اللذَيْن قد تحصل عليهما من الغرب. وتؤمن أنه سيتم القضاء على هذه الممارسة يوماً ما.