ما هي أهم ميزة أغفلها الضجيج الإعلامي بشأن نموذج الذكاء الاصطناعي الجديد من ديب مايند؟

4 دقائق
الضجيج الإعلامي حول نموذج الذكاء الاصطناعي الجديد من ديب مايند لا يركز على أفضل ميزاته، فما هي؟
حقوق الصورة: آي ستوك.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

منذ فترة وجيزة، قدمت “ديب مايند” (DeepMind) نموذج ذكاء اصطناعي جديد و”غير تخصصي”، يحمل اسم غاتو. حيث يستطيع النموذج الجديد ممارسة ألعاب الفيديو من شركة “أتاري” (Atari)، والتعليق على الصور، والدردشة، وتكديس الكتل باستخدام ذراع روبوتية حقيقية، كما أعلن المختبر الذي تمتلكه شركة “ألفابت” (Alphabet). وإجمالاً، يستطيع غاتو تنفيذ 604 مهمات مختلفة. 

وعلى حين لا يمكن إنكار روعة غاتو، فقد بالغ بعض الباحثين في حماستهم خلال الفترة التالية لإطلاقه.

اقرأ أيضاً: لن تكون بمفردك في ألعاب الفيديو الافتراضية بعد اليوم

وعلى سبيل المثال، لم يستطع ناندو دي فريتاس، وهو أحد كبار باحثي ديب مايند وأحد مؤلفي بحث غاتو، أن يسيطر على حماسته. فغرد قائلاً: “لقد انتهت اللعبة!” مشيراً إلى وجود طريق واضح يبدأ بغاتو نحو تحقيق الذكاء الاصطناعي العام، أو اختصاراً “AGI”، وهو مفهوم غير واضح حول ذكاء اصطناعي بمستوى ذكاء البشر أو بمستوى أعلى. ويزعم الباحث أن مسألة بناء الذكاء الاصطناعي العام أصبحت عموماً مسألة تضخيم، أي تطوير وتضخيم النماذج المماثلة لغاتو. 

مهارات وقدرات النموذج الجديد

وكما هو متوقع، فقد أطلق إعلان دي فريتاس تغطية إعلامية محمومة تقول إن ديب مايند أصبح “على وشك تحقيق” الذكاء الاصطناعي من المستوى البشري. ولكن ليست هذه هي المرة الأولى التي تتجاوز فيها الحماسة الحقيقة. فقد تسببت نماذج ذكاء اصطناعي رائعة أخرى، مثل مولد النصوص “جي بي تي 3” من “أوبن أيه آي” (OpenAI) ومولد الصور “دال-إي” (⁩DALL-E⁦،( بإطلاق قدر مماثل من الادعاءات الضخمة. وبالنسبة لكثير من الباحثين، فإن هذا النوع من الخطاب المحموم يغطي على بعض النواحي الأخرى المهمة في أبحاث الذكاء الاصطناعي

وهذا أمر مؤسف، لأن غاتو يمثل خطوة مثيرة للاهتمام في الذكاء الاصطناعي. فقد بدأت بعض النماذج بمزج مهارات مختلفة، مثل “دال-إي” الذي يولد الصور من التوصيفات النصية. وتعتمد نماذج أخرى على طريقة تدريب واحدة لتعلم كيفية التعرف على الصور والنصوص. كما أن نموذج ألفازيرو من ديب مايند تعلم كيفية ممارسة ألعاب غو والشطرنج وشوغي. 

ولكن هناك فرق جوهري: فألفازيرو يستطيع القيام بمهمة واحدة فقط في نفس الوقت. وبعد أن تعلم كيفية لعب غو، توجب عليه نسيان كل شيء قبل تعلم الشطرنج، وهكذا دواليك. ولم يتمكن من تعلم اللعبتين في نفس الوقت. فهذا ما يفعله غاتو بالضبط، فهو قادر على تعلم عدة مهام مختلفة في نفس الوقت، ما يعني قدرته على الانتقال بينها دون أن يضطر لنسيان إحدى المهارات لتعلم مهارة أخرى. وعلى الرغم من أنها خطوة صغيرة، فهي خطوة مهمة.

ولكن غاتو يؤدي المهام المختلفة بمستوى أقل من النماذج التي تستطيع القيام بشيء واحد فقط. فما زالت الروبوتات بحاجة إلى تعلم “معرفة المنطق السليم” حول كيفية عمل العالم استناداً إلى النصوص، كما يقول جيكوب أندرياس، وهو أستاذ مساعد في جامعة إم آي تي ومختص في الذكاء الاصطناعي ومعالجة اللغات الطبيعية والكلام.   

وهو أمر مفيد بالنسبة للروبوتات التي تساعد الناس في المنزل، على سبيل المثال. يقول أندرياس: “عندما تضع روبوتاً في مطبخ، وتطلب منه أن يصنع كوباً من الشاي للمرة الأولى، فهو يدرك الخطوات المطلوبة لصنع كوب من الشاي، والخزانة التي يمكن أن توجد فيها أكياس الشاي على الأرجح”. 

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي العاطفي: كيف يمكن لآلة أن تدرك مشاعرنا؟

آراء متباينة حول غاتو

وقد عبر بعض الباحثين الخارجيين عن رفضهم الصريح لمزاعم فريتاس. يقول غاري ماركوس، وهو باحث في الذكاء الاصطناعي وأحد منتقدي التعلم العميق: “هذا أبعد ما يكون عن (الذكاء)”. ويضيف: “إن الضجيج الإعلامي الذي يحيط بغاتو يبين أن مجال الذكاء الاصطناعي يعاني من “ثقافة الانتصارات” التي لا تفيد أحداً”.

ويقول إن نماذج التعلم العميق التي تتسبب أكثر من غيرها بالحماسة إزاء إمكانية الوصول إلى الذكاء من المستوى البشري ترتكب أخطاء “لو ارتكبها أي شخص عادي، لشككنا بأنه ليس على ما يرام”. 

ويقول: “يبدو أن الطبيعة تحاول أن تخبرنا بأن هذا لن ينجح، ولكن هذا المجال يفضل تصديق القصص الإعلامية التي تحيط به، ولا يستطيع رؤية الحقيقة”. 

وحتى زميلا فريتاس في ديب مايند، جاكي كاي وسكوت ريد، اللذان عملا معه على غاتو، كانا أكثر تحفظاً عندما سألتهما بشكل مباشر عن مزاعمه. فعندما سألتهما عما إذا كان غاتو هو الطريق نحو الذكاء الاصطناعي العام، لم يأخذا هذا الاتجاه. “لا أعتقد أنه من الممكن إطلاق التنبؤات حول هذه الأشياء. وأنا أحاول أن أتجنب هذا، فهو أشبه بمحاولة التنبؤ بسوق الأسهم المالية”، كما قالت كاي.

أما ريد فقد قال إنه سؤال صعب: “أعتقد أن أغلب المختصين بالتعلم الآلي سيحاولون تجنب الإجابة عن هذا السؤال بأي طريقة. فتوقع أمر كهذا أمر صعب، ولكن، وكما تعلم، نأمل بأن يتحقق يوماً ما”.

اقرأ ِأيضاً: العلم وقطاع الأعمال والضجيج الإعلامي: التعلم الآلي كحالة نموذجية

ووفقاً لوجهة نظر معينة، فإن تصنيف ديب مايند لغاتو على أنه “غير تخصصي” ربما جعل منه ضحية للضجيج الإعلامي المبالغ به في قطاع الذكاء الاصطناعي حول الذكاء الاصطناعي العام. فأنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية تُصَنف بأنها “محدودة”، ما يعني أنها قادرة فقط على القيام بمجموعة محددة ومحدودة من المهام، مثل توليد النصوص

ويعتقد بعض التكنولوجيين، بما فيهم باحثو ديب مايند، أن البشر سيقومون يوماً ما بتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي “أكثر عمومية” ستكون قادرة على العمل بشكل يضاهي البشر، بل وربما أفضل منهم. وهو ما يسميه البعض بالذكاء الاصطناعي “العام”. ويعتقد آخرون أن التفكير بهذه الطريقة يشبه “الإيمان بوجود السحر”. ويشكك الكثير من كبار الباحثين، بما فيهم كبير علماء الذكاء الاصطناعي في شركة “ميتا” (Meta) “يان ليكون”، بإمكانية تحقيق هذا الأمر على الإطلاق.

ويحمل غاتو صفة الذكاء الاصطناعي “غير التخصصي” بمعنى قدرته على أداء الكثير من الأشياء المختلفة في نفس الوقت. ولكن هناك فرق شاسع بين هذا الذكاء الاصطناعي، والذكاء الاصطناعي “العام” الذي يستطيع التكيف مع مهام جديدة تختلف عما تم تدريب النموذج عليه، كما يقول أندرياس من إم آي تي. “ما زلنا بعيدين للغاية عن تحقيق أمر كهذا”.

ويقول أيضاً إن تضخيم النماذج لن يحل مسألة عجزها عن “التعلم مدى الحياة”، ما يعني أن هذه النماذج يمكن أن تتعلم لمرة واحدة، وستفهم جميع الآثار المترتبة عليها، وتستخدم معلوماتها لاتخاذ جميع قراراتها اللاحقة.

اقرأ أيضاً: ما هو التعلم الآلي؟ لقد رسمنا لك مخططاً تدفقياً آخر

يقول إيمانويل كاهيمبوي، وهو باحث في الذكاء الاصطناعي والروبوتات، وعضو في منظمة “بلاك إن أيه آي” (Black In AI) التي شاركت تيمنيت غيبرو في تأسيسها، إن الضجيج الإعلامي حول أدوات مثل غاتو يمكن أن يلحق الضرر بالتطور العام للذكاء الاصطناعي. ويقول: “هناك الكثير من المواضيع المثيرة للاهتمام التي تتعرض للإهمال، والضعف في التمويل، والتي تستحق المزيد من الاهتمام، ولكنها ليست من أولويات الشركات التكنولوجية الكبيرة وأغلبية الباحثين في هذه الشركات”.

ويجب على الشركات التكنولوجية أن تتوقف قليلاً وتفكر بالسبب الحقيقي الذي يدفعها إلى بناء ما تعمل على بنائه، كما يقول فيلاس دار، وهو رئيس مؤسسة باتريك ماكغوفيرن الخيرية التي تمول مشاريع الذكاء الاصطناعي “ذات الأهداف الخيّرة”. 

ويقول: “إن الذكاء الاصطناعي العام يلامس شيئاً في أعماق طبيعتنا البشرية، وهي الفكرة التي تقول إننا قادرون على زيادة قدراتنا وإمكاناتنا، وذلك ببناء أدوات ستدفعنا نحو العظمة”. “وهو أمر رائع فعلاً، ولكنه يمكن أن يتسبب أيضاً بتشتيت تركيزنا عن الوقائع التي تقول إننا نعاني اليوم من مشكلات حقيقية يجب أن نحاول حلها باستخدام الذكاء الاصطناعي“.