الصين تعلن عن نظام جديد للرصيد الاجتماعي وهذا ما يعنيه بالضبط

11 دقيقة
مصدر الصورة: ستيفاني أرنيت/ ميتر، غيتي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

قد يكون من الأسهل نفي الأفكار والتصورات الخاطئة حول نظام الرصيد الاجتماعي في الصين، بدلاً من التحدث عنه نفسه. ومنذ أن أعلنت الصين في 2014 عن خطة لبناء “نظام رصيد اجتماعي” لمكافأة الأفعال التي تعزز الثقة في المجتمع، ومعاقبة الأفعال ذات الأثر المعاكس، أصبح هذا النظام واحداً من العناوين التي تتصدر قائمة الجوانب المساء فهمها حول الصين في الحوارات الغربية. والآن، ومع نشر وثائق جديدة في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني، أصبحت لدينا فرصة لنصحح تصوراتنا.

نظام يستحضر مسلسل بلاك ميرور

فبالنسبة لمعظم الناس خارج الصين، يستحضر اسم النظام صورة فورية في الذهن: نظام أشبه بما رأيناه في مسلسل بلاك ميرور (Black Mirror) ويعتمد على تكنولوجيات تقوم آلياً باحتساب نقاط لكل مواطن صيني بناءً على أفعاله الجيدة والسيئة. ولكن، وفي الواقع، فإن هذا النظام المرعب غير موجود، كما لا يبدو أن الحكومة المركزية راغبة ببنائه أيضاً.

وبدلاً من ذلك، فإن النظام الذي كانت الحكومة المركزية تعمل عليه بهدوء، يمثل سلسلة من المحاولات لتنظيم صناعة الائتمان المالي، وتمكين الوكالات الحكومية من مشاركة البيانات مع بعضها بعضاً، والترويج للقيم التي ترى الحكومة أنها مناسبة (وإن بدا البند الأخير غامضاً إلى درجة ما). ولا يوجد أي دليل حتى الآن على إساءة استخدام هذا النظام للتحكم بالمجتمع على نطاق واسع (وإن ما زال من الممكن استخدامه لانتهاك الحقوق الفردية).

وعلى حين كانت الحكومات المحلية أكثر طموحاً بكثير بقوانينها (المبتكرة)، متسببة بالمزيد من الجدل والاستياء العام، فإن نظام الرصيد العام سيستغرق وقتاً أطول بكثير حتى يتبلور. وعلى الرغم من هذا، فإن الصين أصبحت أقرب من أي وقت مضى إلى تحديد بنية النظام الفعلية. ففي 14 نوفمبر/ تشرين الثاني، قامت عدة وكالات حكومية مهمة، وبشكل جماعي، بنشر مسودة قانون حول تأسيس نظام الرصيد الاجتماعي، وهي المحاولة الأولى لتجميع التجارب السابقة حول الرصيد الاجتماعي في هيكلية موحدة، ووضع أساس للمحاولات اللاحقة، من الناحية النظرية على الأقل.

ولكن مسودة القانون أثارت من التساؤلات أكثر مما أجابت عنه.

يقول أحد كبار الزملاء في مركز بول تساي المختص بالصين في مدرسة القانون في جامعة يال، والذي كان يتابع تجربة الرصيد الاجتماعي في الصين لعدة سنوات، جيريمي دوم: “لا تعكس هذه المسودة أي تغيير شامل وجذري على الإطلاق”، مضيفاً أنها لا تمثل أي نقلة تستحق الذكر في الاستراتيجية أو الهدف.

وبدلاً من هذا، فقد بقي القانون قريباً من القواعد التي نشرتها وفرضتها بعض المدن الصينية، مثل شنغهاي، لعدة سنوات، والتي تتمحور حول أشياء مثل جمع البيانات وأساليب العقاب، ما يعني أن القانون ليس أكثر من موافقة للحكومة المركزية عليها. كما أن هذا القانون لا يجيب عن التساؤلات العالقة التي لطالما طرحها الأكاديميون حول حدود القوانين المحلية. يضيف دوم قائلاً: “يعتمد هذا القانون بدرجة كبيرة على القوانين الموجودة من قبل، إلى درجة أنه يكاد لا يحمل أي قيمة مضافة”.

إذاً، ما الشكل الحالي لنظام الرصيد الاجتماعي الصيني؟ وهل هناك نقاط ائتمان اجتماعي لكل شخص؟ وهل هناك أي درجة من الحقيقة في التصورات الغربية، والتي تهيمن عليها صورة نظام تحكم اجتماعي يعتمد على الذكاء الاصطناعي؟

اقرأ أيضاً: كيف يمكن لحجب البرمجيات مفتوحة المصدر في الصين أن يؤدي إلى نتيجة عكسية؟

في البداية، ما هو “الرصيد الاجتماعي”؟

عندما تتحدث الحكومة الصينية عن الرصيد الاجتماعي، فهي تغطي ناحيتين أساسيتين، وهما الأهلية الائتمانية المالية التقليدية، و”الأهلية الاجتماعية”، والتي تستمد بياناتها من عدد كبير من القطاعات.

تمثل الناحية الأولى عملياً مفهوم الائتمان المعروف في الغرب: وتعني توثيق التاريخ المالي للأشخاص أو الأعمال، وتوقع قدرتهم على دفع القروض المستقبلية. وبما أن اقتصاد السوق في الصين الحديثة ما زال في بداياته، فإن البلاد تفتقر إلى نظام موثوق لتوثيق السجلات المالية للأشخاص والشركات. وبالتالي، فإن فكرة بناء نظام كهذا لمساعدة البنوك وغيرها من الأطراف المؤثرة في السوق على اتخاذ القرارات المتعلقة بالأعمال تبدو مهمة أساسية، ومقبولة إلى درجة كبيرة. وتشير معظم الوثائق السياسية الصينية إلى هذا النوع من الرصيد بكلمة محددة: “征信” (جنشين)، والتي ترجمها بعض الأكاديميين إلى “الإبلاغ عن الرصيد”.

أما الناحية الأخرى، وهي “الأهلية الاجتماعية”، فهي الأكثر إثارة للجدل والاستغراب. وبشكل أساسي، تقول الحكومة الصينية إنه من الضروري رفع مستوى الثقة في المجتمع إلى أعلى درجة ممكنة، ولتعزيز هذه الثقة، تقوم الحكومة بمكافحة الفساد، وعمليات الاحتيال في الاتصالات، والتهرب الضريبي، والإعلانات الكاذبة، والسرقات الأكاديمية، والمنتجات المزيفة، والتلوث، وتقريباً كل شيء. ولن يقتصر تحمل المسؤولية على الأفراد والشركات، بل ستمتد أيضاً إلى المؤسسات القانونية والوكالات الحكومية.

وهنا، تصبح الأمور متشابكة ومربكة. فيبدو أن الحكومة تعتقد أن المشكلة الجذرية، والتي تتفرع عنها جميع المشكلات السابقة، تتعلق بنقص الثقة، وأن بناء هذه الثقة يحتاج إلى حل شامل. ولهذا، وكما يساعد نظام الائتمان المالي على تقييم الأهلية المالية لشخص معين، تعتقد الحكومة أن شكلاً ما من “الائتمان الاجتماعي” يمكن أن يساعد على تقييم أهلية شخص ما وفق معايير أخرى.

ولهذا، فإن نظام الرصيد الاجتماعي يقترن في أغلب الأحيان بالائتمان المالي في النقاشات السياسية، على الرغم من أنه مجال جديد للغاية، دون وجود تجارب سابقة تستحق الذكر في مجتمعات أخرى.

وما يزيد من الارتباك هو أن الحكومات المحلية، في التطبيق العملي، كانت تجمع المفهومين معاً. ولهذا، فقد ترى قانوناً يتحدث حول نشاطات غير مالية يمكن أن تؤذي وضعك الائتماني المالي، أو بالعكس. وفي مثال واحد فقط، قالت مقاطعة لياونينغ في أغسطس/ آب، إنها تدرس كيفية مكافأة التبرع بالدم عن طريق نظام الائتمان المالي.

ولكن على المستوى الوطني، يبدو أن الحكومة ترغب بالحفاظ على الفصل بين المفهومين، وفي الواقع، فإن مسودة القانون الجديد تتعامل مع كل منهما وفق مجموعة مستقلة من القواعد.

اقرأ أيضاً: الصين تعمل على تدقيق كل التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي قبل نشرها

هل قامت الحكومة ببناء نظام يقوم بعملية تنظيم عملية وفعّالة لهذين النوعين من الائتمان؟

الإجابة القصيرة هي: كلا. ففي البداية، في 2014، كانت الخطة تقوم على استكمال نظام وطني لتتبع جميع “الأرصدة الاجتماعية” بحلول العام 2020. والآن، أصبحنا على مشارف عام 2023، ولم يتم نشر الهيكلية القانونية المنتظرة للنظام إلا في مسودة نوفمبر/ تشرين الأول من عام 2022.

وعلى الرغم من هذا، فقد تمكنت الحكومة من إنجاز القسم المالي بنسبة كبيرة. فنظام جنشين (zhengxin)، والذي تم الإعلان عنه في 2006 وتم تطبيق تحديثات كبيرة عليه في 2020، يمثل بشكل أساسي المكافئ الصيني لنظام نقاط مكتب الائتمان الأميركي، وهو خاضع لإشراف البنك المركزي للبلاد. ويقوم بتسجيل التاريخ المالي لمواطني الصين الذين يبلغ عددهم 1.14 مليار شخص (ويمنحهم نقاطاً ائتمانية)، إضافة إلى قرابة 100 مليون شركة (ولكن من دون نقاط ائتمانية).

ولكن، ومن الناحية الاجتماعية، فقد كانت القوانين مشتتة وغامضة. وحتى اليوم، قامت الحكومة الوطنية ببناء نظام يركز على الشركات فقط، لا الأفراد، ويعتمد هذا النظام على بيانات الامتثال لقوانين الشركات من عدة وكالات حكومية مختلفة. ووفقاً لتوصيف مديرة أبحاث سياسات التكنولوجيا في شركة تريفيوم تشاينا الاستشارية في بكين، كيندرا شيفر، فإن هذا النظام “يكافئ بشكل تقريبي منصة موحدة تجمع السجلات القانونية والتنظيمية التي تشاركها دائرة الإيرادات الداخلية، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، ووكالة حماية البيئة، وزارة الزراعة، وإدارة الغذاء والدواء، ووزارة الصحة والخدمات الإنسانية، ووزارة الإسكان والتنمية الحضرية، ووزارة الطاقة، ووزارة التعليم، وجميع المحاكم، وأقسام الشرطة، وشركات الخدمات الكبيرة في الولايات المتحدة”، وذلك في تقرير للمفوضية الأميركية لتدقيق العلاقات الاقتصادية والأمنية بين الصين والولايات المتحدة. أما النتائج فهي متاحة للبحث بشكل مفتوح لأي مواطن صيني على موقع تم إطلاقه مؤخراً باسم كريديت تشاينا (Credit China).

ولكن توجد بعض البيانات المتعلقة بالأشخاص وأنواع أخرى من المؤسسات أيضاً. فهذا الموقع يقوم أيضاً بدور بوابة إلكترونية مركزية لأكثر من 30 قاعدة بيانات (تتضمن في بعض الحالات معلومات محددة للغاية)، بما فيها قوائم للأشخاص الذين تخلفوا عن تنفيذ حكم قضائي، والجامعات الصينية المعترف بها، والشركات الحائزة على الموافقات لبناء الروبوتات، والمستشفيات التي ارتكبت عمليات احتيال ائتمانية. ولكن تصميم البوابة يبدو اعتباطياً إلى درجة يكاد يستحيل فيها تخيل طريقة استخدام هذه البوابة كمصدر شامل ومتسق للبيانات.

كيف سيؤثر نظام الرصيد الاجتماعي على الحياة اليومية للصينيين؟

يقوم النظام على فكرتي الثواب والعقاب. فإذا حاز أحد الأفراد أو إحدى الشركات على سجلات برصيد جيد من النقاط على جميع الصعد القانونية والتنظيمية، ستكون المكافأة معاملة تفضيلية مع الحكومة، كأن توضع شركة ما مثلاً على قائمة خاصة لها الأولوية في الحصول على الدعم الحكومي.

وفي نفس الوقت، فإن الأفراد والشركات الذين لديهم سجلات بأرصدة سيئة من النقاط سيعاقبون بعرض هذه المعلومات علناً، والتعرض للحظر من المشاركة في عروض الشراء الحكومية، واستهلاك الرفاهيات، ومغادرة البلاد. وقد نشرت الحكومة في العام الماضي قائمة شاملة توضح تفاصيل الإجراءات العقابية القابلة للتطبيق. وتعتبر بعض هذه الإجراءات مثيرة للجدل بشكل خاص. وعلى سبيل المثال، فإن الأفراد الذين لا يدفعون التعويضات التي فرضتها المحكمة ممنوعون من السفر بالطائرة أو إرسال أطفالهم إلى مدارس خاصة مكلفة، لأن هذه الأشياء تعتبر بمثابة استهلاك للرفاهيات. ويتضمن مشروع القانون الجديد التزاماً بتحديث هذه القائمة بصورة منتظمة.

اقرأ أيضاً: من الكلمات وحتى الملابس: الصين ترغب في فرض رقابتها الخاصة على مشاهير البث المباشر لديها

إذاً، هل هناك نقاط ائتمان اجتماعي محسوبة بصورة مركزية لكل مواطن صيني؟

كلا. وخلافاً للاعتقاد الشائع، ليست هناك نقاط ائتمان اجتماعي على المستوى المركزي. وبصراحة، فإن الحكومة المركزية الصينية لم تعرب عن رغبتها بتطبيق هذا الأمر.

إذاً، ما الذي يدفع الناس، خصوصاً في الغرب، إلى الاعتقاد بوجود هذا النظام؟

بما أن الحكومة المركزية لم تقدم الكثير من التفاصيل حول كيفية بناء نظام رصيد اجتماعي للاستخدام في المجالات غير المالية، حتى في أحدث مسودة للقانون، فإن هذا يتيح المجال أمام المدن، وحتى البلدات الصغيرة، حتى تجرب حلولها الخاصة.

ولهذا، تعمل الكثير من الحكومات المحلية على إطلاق برامج تجريبية تحاول تحديد صيغة معينة لقوانين الرصيد الاجتماعي، وقد وصل بعضها إلى درجة عالية من الإشكالية.

ومن أفضل الأمثلة على هذا مدينة رونغتشينغ، وهي مدينة صغيرة لا يتجاوز تعداد سكانها نصف مليون نسمة، وقد قامت بتطبيق نظام رصيد اجتماعي قد يكون الأشهر على مستوى العالم. ففي 2013، بدأت المدينة بمنح كل مواطن مقداراً أساسياً من 1,000 نقطة ائتمانية شخصية، ويمكن أن يتأثر هذا المقدار تبعاً للأعمال الجيدة والسيئة لكل فرد. وعلى سبيل المثال، وفي قاعدة تعود إلى عام 2016 وتم تعديلها جذرياً منذ ذلك الحين، قررت المدينة أن “نشر المعلومات المؤذية على وي تشات والمنتديات والمدونات” يعني طرح 50 نقطة، على حين أن “الفوز بالمنافسات الرياضية أو الثقافية على المستوى الوطني” يعني إضافة 40 نقطة. وفي أحد الأمثلة المتطرفة، خسر أحد المواطنين 950 نقطة على مدى ثلاثة أسابيع بسبب نشر رسائل حول نزاع طبي بشكل متكرر على الإنترنت.

ويتسم تأثير أنظمة تسجيل النقاط هذه بأنه محدود للغاية في الصين، لأنها لم تصل إلى مستويات المقاطعات أو المستوى الوطني. ولكن، عندما تصل أخبار هذه البرامج التجريبية -مثل برنامج رونغتشينغ -إلى الغرب، فمن الطبيعي أن تثير روع مجموعات الناشطين ووسائل الإعلام، بل إن بعض الأشخاص ووسائل الإعلام اعتقدوا خطأً أن تطبيق هذه البرامج سيشمل جميع مواطني الصين. وفد قامت بعض الشخصيات البارزة، مثل جورج سوروس ومايك بينس، بتضخيم هذه الفكرة الخاطئة، ما جعلها معروفة للعالم.

اقرأ أيضاً: هل مفهوم الخصوصية حمال أوجه وقابل للتلاعب؟ الصين تثبت صحة ذلك

كيف يمكن لنا أن نعرف أن هذه البرامج التجريبية لن تتحول إلى قواعد رسمية يجب تطبيقها على البلاد بأسرها؟

لا يمكن لأي شخص أن يضمن هذا تماماً، ولكن من الجدير بالذكر أن الحكومة المركزية الصينية كانت في الواقع تحاول كبح الإجراءات الإشكالية للحكومات المحلية فيما يتعلق بقوانين الرصيد الاجتماعي.

ففي ديسمبر/ كانون الأول من عام 2020، قام مجلس الدولة الصيني بنشر دليل توجيهات عام استجابة للتقارير التي تقول إن الحكومات المحلية تستخدم نظام الرصيد الاجتماعي كمبرر لفرض العقوبات حتى على المخالفات الصغيرة، مثل عبور الطريق مشياً بصورة مخالفة لقوانين السير، أو ارتكاب خطأ في إعادة تدوير المواد، أو عدم ارتداء الأقنعة. وطلب الدليل من الحكومات المحلية أن تركز العقوبات على الأفعال المخالفة للقانون فقط ضمن النظام التشريعي الصيني الحالي، ولا تتوسع بشكل يتجاوز هذا الحد.

وفي مؤتمر صحافي في 25 ديسمبر/ كانون الأول 2020، قال ليان ويليانغ، وهو مسؤول في السلطة الصينية العليا للتخطيط الاقتصادي: “عندما واجهت الكثير من الحكومات مشكلات لا يمكن تنظيمها بسهولة عبر القوانين المخصصة لتنظيم الأعمال، حاولت الاستناد بدلاً من هذا إلى الحلول التي تعتمد على نقاط الرصيد. ولم تكن هذه الإجراءات متضاربة مع حكم القانون وحسب، بل كانت متضاربة أيضاً مع الحاجة إلى بناء الأهلية الائتمانية على المدى الطويل”.

ويبدو إن إجراءات الحكومة المركزية لضبط هذه المسألة حققت النجاح. ففي حالة رونغتشينغ، قامت المدينة بتحديث قانونها المحلي للرصيد الاجتماعي، ومنحت المواطنين خيار الخروج من برنامج تسجيل النقاط، كما حذفت بعض البنود الإشكالية لتغيير النقاط.

اقرأ أيضاً: المواطنون الصينيون يتم مسح وجوههم ضوئياً الآن عند الحصول على خدمات جديدة‎ للهاتف المحمول‎

هل يتضمن النظام أي تكنولوجيات متطورة مثل الذكاء الاصطناعي؟

بشكل عام، كلا. وهذا تصور خاطئ آخر حول نظام الرصيد الاجتماعي الصيني. حيث تحتاج متابعة السلوكيات الاجتماعية لأكثر من مليار شخص إلى خوارزمية مركزية جبارة تستطيع تجميع ومعالجة بيانات الرصيد الاجتماعي.

ولكن هذا غير صحيح. وبما أنه لا يوجد نظام مركزي يحتسب النقاط للجميع، فليست هناك أي حاجة إلى خوارزمية ضخمة كهذه. ويقول الخبراء في نظام الرصيد الاجتماعي الصيني إن البنية التحتية بأكملها تعتمد على تقنيات بسيطة إلى درجة مفاجئة. وعلى حين يلقي المسؤولون الصينيون ببعض المصطلحات -مثل البلوك تشين والذكاء الاصطناعي- عند التحدث عن نظام الرصيد الاجتماعي، فإنهم لا يذكرون أي تفاصيل حول كيفية استخدام هذه التكنولوجيات. وإذا دققت في موقع كريديت تشاينا، ستجد أنه ليس سوى مكتبة رقمية لعدة قواعد بيانات مستقلة.

وكتبت شيفر في التقرير: “ليست هناك حالة معروفة أدى فيها جمع البيانات المؤتمتة إلى تطبيق مؤتمت للعقوبات دون تدخل المشرفين البشر”. قد يكون التدخل البشري في العملية بدائياً للغاية، كما في حالة “جامعي المعلومات” في رونغتشينغ، الذين يمشون في أنحاء القرية ويسجلون الأفعال الجيدة للقرويين بالقلم.

ولكن، ومع بناء نظام وطني، يبدو أنه توجد حاجة إلى عنصر تكنولوجي ما، خصوصاً لجمع البيانات من الوكالات الحكومية المختلفة. وإذا أرادت بكين أن تتيح لكل وكالة حكومية فرض قراراتها بناء على بيانات جمعتها وكالات حكومية أخرى، فهذا يتطلب بناء بنية تحتية ضخمة لتخزين البيانات وتبادلها ومعالجتها.

ولهذا الغرض، تذكر المسودة الحديثة الحاجة إلى استخدام “أساليب متعددة، مثل الطرائق الإحصائية والنمذجة والمصادقة الميدانية” لإجراء تقييمات الائتمان وجمع البيانات من الوكالات الحكومية المختلفة. يقول دوم: “إنه تلميح مبهم للغاية حول زيادة طفيفة في التعقيد التكنولوجي”.

اقرأ أيضاً: لماذا يتوجب علينا إضفاء الطابع الإنساني على الذكاء الاصطناعي؟

كيف ستشارك الشركات الصينية في هذا النظام؟

بما أن هذا النظام يعتمد على تكنولوجيا بسيطة للغاية، فإن مشاركة الشركات التكنولوجية الصينية كانت سطحية. تقول شازيدا أحمد، وهي باحثة في مرحلة ما بعد الدكتوراة في جامعة برينستون، وقد أمضت عدة سنوات في الصين وهي تدرس مشاركة الشركات التكنولوجية في نظام الرصيد الاجتماعي: “تسهم الشركات التكنولوجية الكبيرة والشركات التكنولوجية الصغيرة بأدوار مختلفة للغاية وفق استراتيجيات متباينة للغاية”.

فالشركات الصغيرة، والتي تتعاقد مع حكومات المدن أو المقاطعات، تقوم في معظم الأحيان بإنشاء البنية التحتية للنظام، مثل قواعد البيانات ومراكز البيانات. أما الشركات التكنولوجية الكبيرة، من ناحية أخرى، وخصوصاً منصات التواصل الاجتماعي، فقد ساعدت في نشر رسالة هذا النظام. وعلى سبيل المثال، تساعد شركة علي بابا (Alibaba) المحاكم على إيصال قرارات الحكم عبر عناوين التوصيلات التي تجمعها عبر منصتها الضخمة للتجارة الإلكترونية. أما دوين (Douyin)، وهي النسخة الصينية من تيك توك (TikTok)، فقد عقدت شراكة مع محكمة محلية في الصين لفضح الأفراد الذين يتهربون من تنفيذ قرارات المحكمة علناً. ولكن هذه الشركات التكنولوجية الضخمة لا تشارك فعلياً في أي وظائف أساسية، مثل تقديم البيانات أو تجميع تقييمات الائتمان.

“لقد نظرت هذه الشركات إلى مساهماتها كواجب مدني أو شكل من أشكال المسؤولية الاجتماعية للشركات: فإذا انتهكت القوانين، ستأخذ هذه الشركات هذه المعلومة من المحكمة العليا، وستعاقبك على منصاتها”، كما تقول أحمد.

هناك أيضاً شركات صينية، مثل آنت غروب (Ant Group)، الفرع المختص بالتكنولوجيا المالية في علي بابا، قامت بإنتاج منتجات خاصة لتسجيل النقاط الائتمانية المالية. ولكن النتيجة، مثل نظام ساسمي كريدت (Sesame Credit) من علي بابا، أقرب إلى برامج مكافآت الولاء، وفقاً لعدة أكاديميين. وبما أن نقاط ساسمي كريدت يتم احتسابها في أغلب الأحيان بناءً على تاريخ المشتريات ونشاطات الإقراض للمستخدم على منصات علي بابا نفسها، فإن هذه النتيجة ليست موثوقة بما يكفي للاستخدام من قبل مؤسسات مالية خارجية، كما أن تأثيرها على الأفراد محدود للغاية.

اقرأ أيضاً: هل ستكون تقنية التعرف على بصمة الكف من شركة تينست وسيلة جديدة للمراقبة في الصين؟

وفقاً لما سبق، هل هناك سبب يدعو للقلق حول آثار بناء نظام للرصيد الاجتماعي في الصين؟

أجل. فحتى دون وجود خوارزمية مرعبة تقوم باحتساب نقاط لكل مواطن، فإن نظام الرصيد الاجتماعي قد يمثل مشكلة على أي حال.

فقد أكدت الحكومة الصينية، أن جميع العقوبات المرتبطة بهذا النظام يجب أن تكون متوافقة مع القوانين الحالية، ولكن هذه القوانين نفسها قد تكون ظالمة في المقام الأول. “إن طبيعة هذا النظام كامتداد للقوانين لا تعني سوى أن هذا النظام ليس أفضل من القوانين التي يفرضها أو ربما أسوأ. ومع زيادة تركيز الصين على الحياة الاجتماعية والثقافية لأفراد الشعب، وفرض المزيد من القوانين على محتوى الترفيه، والتعليم، والخطاب، فإن هذه القوانين ستصبح قابلة للفرض بأنظمة الرصيد الاجتماعي أيضاً”، كما كتب دوم في مقال يعود إلى عام 2021.

وثانياً، “فهذا النظام يهدف إلى جعل الناس أكثر صدقاً مع الحكومة، لا مع بعضهم بعضاً بالضرورة”، كما تقول أحمد. وعندما يتم تحويل المسائل الأخلاقية، مثل الصدق، إلى مسائل قانونية، تصبح الدولة في نهاية المطاف السلطة الوحيدة التي تقرر مستوى الثقة. من الأساليب التي تتبعها المحاكم الصينية في تحميل “الأفراد غير الموثوقين” المسؤولية هو تشجيع أصدقائهم وعائلاتهم على التبليغ عن ممتلكاتهم مقابل الحصول على مكافآت. وتتساءل أحمد: “هل سيصبح المجتمع أكثر نزاهة من خلال الوشاية على الجيران؟ أم أن هذا يعني تقويض الثقة ضمن المجتمعات المحلية؟”.

ولكن، وفي نهاية المطاف، فإن نظام الرصيد الاجتماعي ليس مثالاً (حتى الآن) عن إساءة استخدام التكنولوجيات المتطورة، مثل الذكاء الاصطناعي، ومن المهم أن ننظر إليه بدقة وفقاً للحقائق الواقعية. إن مسودة نوفمبر/ تشرين الثاني معروضة حالياً على الرأي العام للحصول على الآراء والملاحظات لمدة شهر واحد، على الرغم من أنه لم يتم تحديد تاريخ واضح لإقرارها بشكل نهائي لتصبح قانوناً نافذاً. وقد تمر عدة سنوات قبل أن نرى شكلاً نهائياً لنظام رصيد اجتماعي على مستوى البلاد.