هل سيحقق الميتافيرس الخلود لشخصيات غادرت عالمنا؟ وكيف سيبدو الأمر أخلاقيّاً؟

6 دقائق
هل سيحقق الميتافيرس الخلود لشخصيات غادرت عالمنا؟ وكيف سيبدو الأمر أخلاقيّاً؟
مصدر الصورة: ميتا
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كان بيجي سمولز هو الرجل الوحيد على خشبة المسرح لبعض الوقت في يوم الجمعة. كان الضوء مسلّطاً على المغنّي الذي كان يرتدي بدلة حمراء مخمليّة، ووسط هتافات مسجّلة مسبقاً، قام بأداء أغنية مو ماني مو بروبيلمز (Mo Money Mo Problems)، وكان حذاؤه الرياضي البرتقالي يتراقص مع الإيقاع.

لا بُدّ أن الأمر قد اختلط عليك. توفي سمولز عام 1997 عندما تعرّض لطلق ناري عن عمر يناهز 24 عاماً، تاركاً إرثاً موسيقياً وثقافياً ضخماً كواحد من أعظم مغنيي موسيقى الراب على مر العصور. لكن سمولز، واسمه الحقيقي كريستوفر والاس، ظهر في كامل هيئته على منصة هورايزون ووردز يوم الجمعة، يتنهّد بين المقاطع الموسيقية، ويحرك قبضته بشكلٍ إيقاعي، ويبدو أنه لا يزال حيّاً.

اقرأ أيضاً: كيف تنشئ نسخة افتراضية منك لدخول الميتافيرس؟

أكثر من مجرد استحضار رمزي 

إنّ الصورة الرمزية الواقعية لسمولز ليست مجرد إنجاز تقني مثير للإعجاب. لكنه أيضاً اختبار حاسم لسؤالين مهمّين سنواجههما قريباً إذا اكتسبت منصات عالم الميتافيرس الاهتمام: هل سيدفع الناس المال مقابل رؤية صورة رمزية لفنان راحل وهو يؤدي عرضاً غنائياً؟ وهل سيكون هذا العمل أخلاقياً؟

سمولز ليس أول فنان راحل يتم استحضاره. لطالما كانت عروض الصور ثلاثية الأبعاد موضع جدل ولكنها طريقة شائعة لإعادة الحياة للموسيقيين الذين رحلوا عن عالمنا. فقد تم تحويل كل من بودي هولي، وويتني هيوستن، ومايكل جاكسون، وإيمي واينهاوس إلى صورٍ ثلاثية الأبعاد لأداء حفلات أقيمت بعد وفاتهم. ولعلّ أحد أبرز عروض الصور ثلاثية الأبعاد كان لمنافس سمولز، توباك شاكور، الذي توفي عام 1996 لكنه ظهر وهو يؤدي عرضاً غنائياً في مهرجان كواتشيلا في عام 2012.

ومع ذلك، فإن خاصيّة الصور ثلاثية الأبعاد محدودة بطبيعتها. فهي تتطلب من الجماهير الجلوس بزاوية محدّدة لرؤية صورة ثلاثية الأبعاد للفنان وهو يقوم بالغناء. يوفر عالم الميتافيرس طريقة للأشخاص لرؤية صور رمزية أكثر واقعية مع إمكانية التفاعل معها، وهو أمر يأمل الفريق المسؤول عن حفلة سمولز في أن يكون قادراً على تقديمه في المستقبل القريب.

اقرأ أيضاً: تعرف على تاريخ الميتافيرس: عن تكنولوجيات سبقت ما نعرفه بكثير

ما يلفت الانتباه في أداء سمولز يوم الجمعة هو الواقعية. حيث كانت حركاته وتصرفاته وتعابير وجهه نابضة بالحياة بشكلٍ مذهل. 

ما تزال مجرد صور رمزية في ميتافيرس لا يخلو من الأخطاء

ولكن كانت هناك بعض الأخطاء لتذكير المشاهدين بأن سمولز كان مجرد صورة رمزية. فقد ظهر أن سمولز كان يتعثر بمغنيي الراب الحقيقيين الذين شاركوه الأداء. وعندما قام مغنو الراب الآخرون بتكرار كلماته، كان سمولز يخرج دائرة الضوء التي كان يقف فيها، ولم يبدُ منسجماً مع بقية الفرقة بالطريقة التي يفعلها المؤدي البشري الحي.

كانت الصورة الرمزية لسمولز أكثر طبيعية خارج الشاشة، في المقاطع الرقمية المسجّلة مسبقاً حيث كانت صورته منتشرة في شوارع بروكلين في حقبة التسعينيات. كانت حركاته طبيعية، فقد كانت ملابسه مجعدة، وكان يلتفت برأسه ويحرك يديه بطريقة جعلت من الصعب معرفة أن هذا الشخص لم يكن ابتكاراً رقمياً.

يقول مشرف المؤثرات البصرية، ريمنجتون سكوت، المسؤول عن إنشاء الصورة الرمزية لسمولز: لقد استغرقت هذه التقنية سنوات من العمل لتحقيق هذا الإنجاز البصري. سكوت هو مؤسس منصة هايبر ريال (Hyperreal)، الاستوديو المسؤول عن تتبع الحركة التي جعلت شخصية جولوم (Gollum) للممثل آندي سركيس في فيلم سيد الخواتم تنبض بالحياة. (في هذا المثال، تم استخدام ممثل، لكن الصورة الرمزية تضمنت نفس التقنيات)، يقول سكوت: “عندما استخدمنا هذه التكنولوجيا في الأفلام الروائية، كان الأمر يستغرق ستة أشهر وملايين الدولارات، أما الآن، فيمكننا القيام بذلك في غضون ستة أسابيع وبتكلفة أقل بكثير”. 

يقول سكوت إن الفريق جمع عشرات الساعات من لقطات مقاطع الفيديو المنزلية والصور العائلية للمساعدة في إنشاء الصورة الرمزية لسمولز. وتم استخدام هذه الصور المرجعية لدمج تفاصيل صغيرة في الصورة الرمزية، وصولاً إلى زوايا عينَي سمولز أو الطريقة التي يتجعّد بها جلده عندما يقوم بتعابير معينة.

اقرأ أيضاً: الشخصيات الرقمية في الميتافيرس: المجال الجديد للتشوه الجسمي على الإنترنت

كما يوضّح سكوت أن الفريق قد أنشأ قاعدة بيانات للمواد المرجعية للتعابير الصغيرة، وحلّل صوراً عالية الدقة على مستوى المسام، وتتبع مرونة طبقات الجلد الفرعية لفهم كيفية تحرك بشرة وجه سمولز. كانت تلك التغييرات الدقيقة في تعابير الوجه حاسمة في إنشاء صورة رمزية حقيقية قدر الإمكان. 

وقد أتى كل هذا البحث بثماره. فقد قالت والدته، فوليتا والاس، عبر البريد الإلكتروني: “لقد رأيت عملية تشكيل الصورة الرمزية، وهي تبدو حقيقية جداً بالنسبة لي، إنني أرى ملامح ابني في تلك التفاصيل، وقد ظهرت الصورة الرمزية بالشكل الذي أتمناه”. يقول سكوت إنه عندما كشف الفريق النقاب عن الصورة الرمزية وعرضها للأم، قالت: “هذا ابني كريستوفر”.

ويستذكر سكوت ذلك الموقف فيقول: “كان الجميع في الغرفة يبكي، في تلك اللحظة، تجاوزنا أي إنجازات تقنية كنا نسعى جاهدين لتحقيقها، وكنا في عالم من المحاكاة العاطفية الحقيقية”.

إن أحد الأسباب التي جعلت سمولز هو المرشّح الرئيسي لأداء حفل الواقع الافتراضي هو عدم وجود أي عروض مباشرة مسجّلة لهذا النجم. يقول إليوت أوساجي، مؤسس شركة ويلينجي (Willingie)، وهي شركة وسائط رقمية تعاونت لإنجاز هذا الحدث: “أصدر بيجي سمولز ألبومين غنائيين خلال مسيرته ولم يقم بأي جولة فنية”. كان العرض الافتراضي فرصة للمعجبين لرؤية مَثلهم الأعلى أخيراً على الهواء، وتعريف الجيل الجديد بمغني الراب الأسطوري.

إعادة التراث المنسي إلى الجماهير: فائدة قد تؤخذ بالحسبان

وهنا يأتي دور والدته، والاس، الوصيّة أيضاً على ممتلكاته (التي تقدر قيمتها بنحو 160 مليون دولار). على الرغم من أنه كان مشروعاً معنوياً، فلا شك أنه كان فرصة تجارية أيضاً : يقول سكوت: إن والاس وملكية ابنها الموسيقية كانا يبحثان عن “فرص لإعادته إلى التواصل مرة أخرى مع معجبيه وبناء قاعدة جماهيرية جديدة”. وهذه الأخيرة لها أهمية خاصة: إنّ أقران سمولز هم أبناء الجيل إكس الذين يتقدّمون في السن فقط. يمكن أن يؤدي وضع سمولز في عالم الميتافيرس، الذي يُعد ساحة تهيمن عليها الأجيال الشابة، إلى توسيع قاعدة جمهوره. وتؤكد والاس هذا قائلةً: “أتوقع المزيد من الحفلات الموسيقية ومقاطع الفيديو الخاصة بأعماله الموسيقية والإعلانات التجارية والرسوم المتحركة والأفلام والمزيد من الفرص في عالم الميتافيرس”.

اقرأ أيضاً: ما هي مميزات وعيوب تقنية الهولوجرام؟

رفضت كل من والاس ومنصة هايبر ريال وشركة ويلينجي وشركة ميتا الكشف عن المبلغ الذي دفعته والاس مقابل الصورة الرمزية، أو المبلغ الذي دفعته شركة ميتا مقابل استضافة حفل الواقع الافتراضي حصرياً. لم ترد شركة ميتا أيضاً على أسئلة إم آي تي تكنولوجي ريفيو حول دورها في الحفل لكنها أصرّت على أن الحدث، الذي أقيم على منصة الميتافيرس الرائدة للشركة، هورايزون ووردز (Horizon Worlds) لم يُنظّم على شبكة الميتافيرس، بل في الواقع الافتراضي. ولم ترد شركة ميتا عندما طُلب منها توضيح ماهيّة الميتافيرس.

ومع ذلك، يقول سكوت إن ما يميّز الصور الرمزية التي تنشئها شركته عن الصور التقليدية هو الملكية. حيث يقول: “بالنسبة للصور الرمزية الأخرى، لا يملك الممثلون والفنانون حقوقاً لتلك الصور، على عكس النماذج التي نقدمها، فنحن ننشئ هويات رقمية لذوي المواهب ثم نمضي قدماً”. وفي حالة سمولز، كانت لممتلكاته مساهمة كاملة في إنشاء توأمه الرقمي.

ماذا عن الجانب الأخلاقي؟

ولكن كيف يمكنك أخذ رأي الفنان فيما يمكن أو لا يمكن إعادة إنتاجه؟ يقول كبير المحاضرين في التسويق الرقمي في جامعة ويست أوف سكوتلاند (West of Scotland)، ثيو تزانيديس، الذي كتب عن الصور ثلاثية الأبعاد والأعمال الموسيقية في عالم الميتافيرس: “هذا السؤال يساوي مليون، أو ربما مليارات الدولارات”. 

في معظم الأحيان، لا يقوم المشاهير والفنانون حالياً بتضمين بنود في العقود أو الوصايا حول طريقة استخدام صورهم في عالم الميتافيرس أو بواسطة الذكاء الاصطناعي، لكن تزانيديس لا يستبعد تطبيق هذه الأمر قريباً. 

ليست لدينا طريقة ممكنة لمعرفة ما إذا كان سمولز سيوافق على استخدام صورته بهذا الشكل، رغم أنه لم يكن ليتخيّل وجود منصة مثل هورايزون ووردز (Horizon Worlds) في المستقبل.

اقرأ أيضاً: أداة جديدة لتحسين دقة الصور تعزز المخاوف المرتبطة بنتائج عمل خوارزميات الذكاء الاصطناعي

بالنسبة إلى أوساجي، من المهم التأكد من أن الصورة الرمزية تظل وفيّةً لعصر فنان معين ولا تفعل أي شيء لا يمكن لهذا الفنان أن يتخيله. سيستخدم أوساجي مشروع الميتافيرس القادم مع أسطورة موسيقى الجاز كمثال: “استمرت المسيرة المهنية للعازف مايلز ديفيز لعقود، وإذا أردت أن تحكي قصة عن أعماله الموسيقية، فسيكون ذلك رائعاً، لكن لا يمكنك تحريك صورته الرمزية وجعله يلعب الورق مع دريك مثلاً، بالنسبة لي، يجب التركيز على ما كان يقوم به الفنان في حياته”.

قد يكون ذلك منطقياً. ولكن في المستقبل، عندما تصبح الصور الرمزية نابضة بالحياة بشكل متزايد، وتتوسع الأعمال التجارية، ويصبح الخط الفاصل بين عالم الميتافيرس والحياة الواقعية غير واضح، قد يكون من الممكن تماماً لمايلز ديفيز أن يلعب الورق مع دريك، بموافقة أو دون موافقة الحقوق الملكية لأي منهما.

وقد حظيَ مصممو حفلة سمولز الموسيقية أيضاً بالحريات الإبداعية. حيث أظهر أحد المشاهد الصورة الرمزية لسمولز على شرفة ما يُفترض أنها شقته، تُوجّه الكاميرا إلى صورة للرئيس السابق باراك أوباما وهو يحتضن سمولز، وهو حدث لم يكن ليحصل بسبب انتخاب أوباما بعد أكثر من 10 سنوات من وفاة سمولز. وقد ظهر سمولز في مرتين على الأقل وهو يجيب على هاتفٍ ذكي، وهو منتج لم يكن متاحاً عند وفاته في عام 1997.

يعتقد تزانيديس أن الافتقار إلى الإطار القانوني يمثّل مشكلة. وهو يتجاوز بكثير الحدود التقليدية للفن، في رأيه: ” ماذا لو استطعتَ العودة بالزمن إلى الوراء وسألتَ الشخصيات التاريخية عمّا فعلوه؟ ماذا لو كان بإمكانك الحصول على تدريب من أشخاص في نفس مجالك؟ ماذا سيحدث عندما نتمكن من إعادة تشكيل الأحداث الزمنية السابقة؟”

هذه الرؤية تتحقق بالفعل: فمن المقرر إطلاق نسخة رقمية من لاعب الغولف الأميركي جاك نيكلوس قريباً على منصة افتراضية لم يتم الكشف عنها بعد. حيث سيتمكن المعجبون من التفاعل معه، وسيقدم نصائحاً وقصصاً عن لعبة الغولف يروي من خلالها انتصاراته.

اقرأ أيضاً: هل ستنجح الشركات التكنولوجية في العمل معاً لتحسين أمان الميتافيرس؟

وقد شارك نيكلوس بشكلٍ كامل في إنشاء صورته الرمزية. لكن سمولز لم يفعل ذلك. ولا توجد طريقة للتأكد من أن رغباته تتطابق مع رغبات والدته. يقول تزانيديس: “يجب أن تكون هناك قوانين وقواعد، لكن بالنسبة إلى عالم الميتافيرس، فإن ذلك غير متوفر”.

يقول أوساجي: لن تكون حفلة يوم الخميس بمثابة النهاية للصورة الرمزية لسمولز. إذ يدرس هو وسكوت توسيع نطاق الحفلات والألعاب الأخرى، بالإضافة إلى تقديم سمولز لعرض غنائي في مهرجان كواتشيلا. ويبدو أن سكوت متحمس لهذه الفكرة. حيث يقول: “إن عالم الميتافيرس هو واقع آخر، وضمن هذا الواقع، لا يزال بيجي سمولز على قيد الحياة، وأنا أحب هذا العالم، وأعتقد أن الكثير من المعجبين سيحبون هذا العالم”.